( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ(3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5) ) .
هذه الآيات الخمس هي أول ما نزل من القرآن الكريم على النبي صلي الله عليه وسلم وبدأت بفعل الأمر اقرأ الذي يفيد أن النبي صلي الله عليه وسلم مأمور بالعلم ومأمور بالعمل أيضًا فالقراءة عمل وعلم معًا .
وأن ذلك العلم هو شرع رب العالمين الذي خلقهم وفي هذا لفت للأنظار أن تتدبر وتقارن بين الخلق والشرع .
وجه المقارنة البداية التبديل الكمال الحفظ
الخلق
له بداية عريقة بعيدة لا طاقة لنا بمعرفة الزمن الذي مر عليها.
لا تبديل لخلق الله في الدنيا إنما رب العزة سبحانه يبدل السموات والأرض يوم القيامة ومع ذلك فإن حاجات الخلق كافية فالشمس والهواء والماء والأرض تكفي الإنسان طوال عمر الدنيا لا تعجز عن الوفاء بحاجاته .
لم يشهد الله لخلقه بالكمال إنما شهد له بالنقص فلا يزال الخلق مستمرًا فقال سبحانه : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(8) ) فلا يزال الخالق يخلق فالخلق دائمًا في مزيد من الله سبحانه .
لم يشهد الله لكونه بأنه في كل شيء محفوظ من إفساد أهله فيه فقال سبحانه : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) .
الشرع
بدأ على رأس أربعين عامًا من عام الفيل. قبل الهجرة بثلاثة عشر عامًا فهو زمان محدود معروف. ضئيل جدًا بالنسبة لزمان الخلق وبعده.
الشرائع بدلها الله سبحانه فكان التبديل منذ بدايته فشرع الله لآدم زواج حواء وهي منه (ابنته) ثم بدلها فشرع لأبنائه زواج أخواتهم ثم بدلها فشرع زواج بنات الأخ والأخت ثم بدلها وهكذا حتى استقرت الشريعة الخاتمة لعلم الله أنها تكفي الناس إلى أن تقوم الساعة ولو علم عجزها لما ختم بها الشرائع .
شهد الله سبحانه لشرعه بالكمال بعد أقل من ثلاثة وعشرين عامًا شهادة وصفها سبحانه بالتمام والرضا فقال سبحانه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) .
تولى الله حفظ شرعه ودينه نصًا وفهمًا وعملاً وتطبيقًا فقال سبحانه : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) .
بعد هذه المقارنة نستنتج أنه إنْ كان الكون لا يعجز عن وفاء الناس بحاجاتهم فالشرع أولى بالكفاية فهو الذي يحكم ما بينهم حكمًا دقيقًا فمن فارق حكمه ضل وغوى فالذي خلق هو الأعلم بكونه وهو الأكرم في عطائه فقانونه الذي شرعه يفي بحاجات الناس بل إن في هذا القانون أقصد القرآن الكريم من الدقائق والكنوز ما يمكن به حل مشكلات الناس التي لم تظهر عند ظهوره .
ونضرب لذلك مثالًا بحالة اختلفت فيها امرأتان في طفل نطفته من امرأة وحملته الأخرى في رحمها بإيجار دفعته لها الأولى فلما ولدت الطفل أرادت المستأجرة أن تأخذ ولدها فرفضت الثانية فلما سألنا الشرع قال الله تعالى : ( إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ) وكأنها ما نزلت إلا الساعة فإن كان رب العزة قد ادخر في أرضه فحمًا وبترولًا هذه من نتاج تسلط الشمس على الأرض زمانًا طويلًا لم يشهده الإنسان إلا أن الله ادخر الفوائد الأعظم من ذلك والأفضل في كتابه وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم ، تصلح حال الناس بها إن اتبعوها : فالله سبحانه في كونه وأرضه بل في باطن أرضه ادخر معادن ونفائس حفظها من التلف والضياع حتى يستفيد بها الإنسان في آخر الزمان وأحاطها بعوامل الحفظ ( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
فشرع الله سبحانه في كتابه وما شرعه على لسان نبيه صلي الله عليه وسلم شرع كامل محفوظ ليحفظ حياة الناس لكن الناس يعرضون عنه فتفسد حياتهم ويتعرضون لقضايا لا قبل لهم بحلها .
فالآية الكريمة : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) منبه للإنسان أنه لا يشرع للناس شرعًا نافعًا كافيًا إلا الذي خلق ولذا فإن أول أمر في القرآن في ترتيب وجوده في المصحف ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) نجد هذا المعنى ( رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ) بل في سورة الفاتحة نفس المعنى ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) نقول له : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ثم نطلب منه المنهج الذي نسير عليه لأن الهدى هداه ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم ) .
على هذه المائدة يجب أن تكون التربية ( بِاسْمِ رَبِّكَ ) أي بمنهجه فلا تخالفه بل توافقه وتقصد وجهه فهو يراك ويرعاك فتعامله وحده.
وإذا كان حال الناس كذلك تربوا خير تربية فلم يكن منهم ظالم ولا مظلوم ولا غني ولا محروم فإن وقعوا في الخطأ فالمنهج أيضًا يصلحهم حتى إن الله هو الذي يحمي العبد من نفسه ( أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) وهو أرحم بعباده من أنفسهم فهو يكفي الأولاد عن آبائهم فقال تعالى : ( نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) وقال تعالى : ( نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ) وهو الذي يكفي الزوج عن زوجه والزوجة عن زوجها فهو القائل سبحانه : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ) وهو الذي يدبر حال الناس وينجيهم ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ) .
وعلى هذا فالناس أحوج ما يكونون إلى هذا الدين وإلى تلك العلوم المنبثقة منه وهي من رحمة الله الباقية فإبقاء الله عز وجل لها حيث يسر لها عوامل البقاء فقام علماء الإسلام بتقريبها ثم نقلوها إلى من بعدهم حتى تبقى للناس منارة .
على ذلك فكل من تحاكم لغير شرع الله ضل وغوى – ومن تحاكم للشرع هدي إلى صراط مستقيم. فشرع الله يحكم القلب والبدن والمال والبيت والأمة بحكم حال الوفاق وحال الإخلاص فهيا عباد الله إلى شرع الله تصلح لكم كل أمور الحياة في الدنيا والآخرة.
خاتمة
بعد هذا العرض الذي أعترف بسرعته وقصوره أريد أن أوجه بشدة إلى المناهج التربوية الإسلامية نقربها للناس ونعمل بها فإذا اتجهنا إليها استفدنا:
1- صلاح الأجيال المعاصرة.
2- سعادة الأمة بكافة طبقاتها .
3- سيادة وريادة الأمم الأرضية.
4- زوال ذلك الفصام النكد الذي كدر على الناس حياتهم .
5- أن يسعد القلب والبيت والسوق والأمة جماعات وأفراد.
6- أن تمتد السعادة لتشمل الآخرة بعد هذه الحياة الدنيا.
والله الموفق والهادي للصواب