الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ محمد بن عبدالله النبي الأمي الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
ففي خضم أمواج الحياة المتراكمة، والجري وراء ملذَّات الحياة والغايات المادية الفانية، يتناسى الإنسان ما عليه، ويتذكَّر ما له!
وهنا يبرز الإسلام كدينٍ عظيم شامل، لم يهمل أي جزئية، أو موقفًا صغيرًا أو كبيرًا، مما يقع للإنسان أثناء سعيه وكدِّه وتقلُّبه في العاملين.
فالإسلام النصيحة، وهي تعني في جوهرها: إيقاظ المسلم من غفوته، وتنبيهه إلى موضع زلَّته، وتحذيره من غفلته، وإرشاده إلى الصراط المستقيم الذي يدرك به غايته.
من أجل هذا؛ فإنه ينبغي على المسلم أن يسعى في نصح إخوانه وأقرانه وأهل زمانه، وقد عاب القرآنُ على من قبلنا من الأمم أنهم كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه؛ أي: لا يتناصحون، فاستحقوا بذلك لعنة الله.
ومدح القرآن أمَّتنا بأنها تقيم النصيحة، وتؤدِّي ما أوجب الله عليها من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ قال – تعالى -: [ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ] [آل عمران: 110].
وللنصيحة أثرٌ عظيم، ونفع كبير؛ فرُبَّ غافلٍ قد سمع آية من كتاب الله، أو حديثًا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فانتبه من غفلته، ورُب عاصٍ سمع مثل ذلك فتاب إلى الله توبة نصوحًا، ورب جائرٍ أثَّر فيه كلام واعظ بليغ فأقلع عن جوره، وأقام العدل في نفسه ومع غيره.
ولذلك؛ فإن المسلم الناصح ينصح لأخيه المسلم ويبيِّن له عيوبه سرًّا، ويستره ولا يفضحه، وأيضًا لا ينافقه ولا يداهنه ظنًّا منه أنه بذلك يُبقِي على المودة والمحبة بينهما؛ فإنه لا مودة ولا حب إلا في الله ولله.
والمسلم النصوح عليه أن يقبل النصيحة، وأن يشكر من نصحه؛ لأنه يحب له من الخير والطاعة ما يحب لنفسه، ويكره له من الشر والمعصية ما يكره لنفسه.
ومع هذا، فإن طائفة من الناس لا تصغي لناصحها، وإن أصغتْ ردتْ نصيحته بقولهم: “عليك نفسك”! فأين هؤلاء من هذا الموقف العصيب: [ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ] [فاطر: 37 ]؟!
وبعد – أيها القارئ الكريم – فهذه جملة من النصائح التي ذكرها أهل العلم، نسوقها إليك؛ عسى الله أن ينفعنا وإياكم بها، وهذا بيانها:
- لا تشرك بالله شيئًا، وإن قتِّلتَ أو حرِّقت.
- ولا تعقنَّ والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك.
- ولا تتركنَّ صلاة مكتوبة متعمدًا؛ فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدًا، فقد أتى بابًا عظيمًا من الكبائر.
- ولا تشربن خمرًا؛ فإنه رأس كل فاحشة.
- وإياك والمعصيةَ؛ فإن المعصية تحل سخطَ الله.
- وعليك بالتقوى؛ فإنها جِماعُ كل خير.
- واعتزل شرور الناس، تنجُ من أذاهم.
- واترك ما لا يعنيك؛ فإن ذلك أمر محمود.
- واطلب العلم لله، يكفك القليل.
- وانظر إلى العلماء بعين الإجلال، وأنصت لهم عند المقال، واجعل مراجعتك لهم تفهمًا، لا تعنتًا.
- واعرف زمانك، وأقبل على شانك، واحفظ لسانك، وتحرَّز من إخوانك.
- ولا تغترَّ بمدح الناس لك، ولا تصدِّقهم على خلاف ما تعرف من نفسك.
- وسلِّم على من لقيتَه، أو دخلت عليه، أو مررت به من المسلمين.
- وإذا دخلتَ منزلك، فسلِّم على أهلك ومن فيه، فإن لم يكن فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
- ولا تبدأ أحدًا من أهل الكتاب بالسلام، ولا تقصدهم بتهنئة ولا تعزية، وإذا سلم عليك أحد منهم فقل له: وعليك.
- واستأذن على أمِّك وذوات محارمك إذا أردتَ الدخول عليهن.
- واستأذن دائمًا بقولك: السلام عليكم، أأدخل؟ فإن أُذن لك، وإلا فارجع.
- ولا تنظر إلى عورة أحد إلا لضرورة، ولا تُظهِر عورتك لأحد إلا زوجتك.
- ولا تَخْلُ بامرأة أجنبية عنك ليستْ من محارمك؛ حتى لا يكون للشيطان عليك سبيل.
- وأْمُرْ أولادَك بالصلاة إذا بلغوا سبعًا، واضربهم عليها إذا بلغوا عشرًا؛ فإنك مسؤول عنهم أمام الله.
- وغضَّ بصرك عما حرَّم الله، تجدْ حلاوة الإيمان في قلبك.
- ولا تحدِّث الناس بما يكون بينك وبين زوجك؛ فإن ذلك عليك حرام.
- وعليك بالسواك؛ فإنه مطهرة للفم، مرضاة للرب.
- وأكرمْ جارك وضيفك؛ فإن ذلك من أخلاق المسلمين.
- وإياك والكذبَ والنميمة؛ فإن كليهما خلة ذميمة.
- ولا تهجر أخاك فوق ثلاث ليال، وخيرُكما الذي يبدأ بالسلام.
- ولا تصاحبْ إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقي.
- وإذا انتهيتَ إلى مجلس فسلِّم واجلس حيث ينتهي بك المجلس، وإذا أردت الانصراف فسلِّم؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة.
- وإذا شربتَ فناولْ مَن عن يمينك، وإذا سقيت قومًا فكن آخرهم شربًا.
- وإياك أن تأكل أو تشرب بشمالك؛ فإن ذلك من فعل الشيطان.
- وإذا أردت أن تأكل، فسمِّ الله، وكُلْ بيمينك، وكل مما يليك، ولا تنفخ في طعام أو شراب، واحمدِ الله في آخره.
- وإذا أردت قضاء الحاجة، فاستتر من الناس بعيدًا عنهم، ولا تحدِّث أحدًا ما دمت تقضي حاجتك؛ فإن ذلك ممقوت.
- وإذا تثاءبتَ فاكظم ذلك ما استطعتَ، وضع يدك على فمك، واغضض من صوتك إذا تكلمت.
- وإذا عطست فاحمد الله بصوتٍ مسموع، وإذا عطس عندك أحد فقل له: يرحمك الله، ويقول هو لك:يهديكم الله ويصلح بالكم.
- وإذا كنت في ثلاثة، فلا تتناجَ مع أحدهما دون الثالث؛ لأن ذلك يُحزِنه.
- وإياك أن تتداوى بالحرام؛ فإن الله لم يجعل الشفاء في حرام.
- وحافِظْ على عيادة المريض، ولا تطل الجلوس عنده.
- ولا تكلِّفْ أجيرك من العمل ما لا يطيق.
- وارفُق بالدواب في ركوبها والحمل عليها، فإنها لا تستطيع الشكوى، ولك في الإحسان إليها أجر، وفي الإساءة إليها وزر.
- ولا تلبَسِ الحرير أو الذهب؛ فإن ذلك على الرجال حرام، والبس القصير من الثياب؛ فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك.
- وإياك والقمار؛ فإنه موجب لغضب الله.
- ولا تأكل من حرام؛ فإن ذلك يردُّ الدعاء.
- ولا ترفع صوتك في بيت الله، ولا تنشد به ضالة؛ فإن ذلك منهي عنه.
- وإذا تكلمت فقُل خيرًا أو اصمت، فإن في السكوت سلامة.
- وعليك بالجليس الصالح؛ فإنه خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء.
- وإذا فتح لك باب خير، فسارع إليه، واثبت عليه.
- وإياك أن تمشي بين الناس بالنميمة؛ فإن ذلك يوجب عذاب القبر.
- وإياك والحسدَ والغل والحقد والبغضاء وسوء الظن؛ فإنها أمور مذمومة.
- وأحسن قراءة القرآن، واستمع إليه، وتدبَّر معانيَه، واعمل بما فيه، وسارع دائمًا إلى امتثال أمر الله، واجتناب نهيه.
- كن صادق الكلمة، فلا تكذب، ووفي العهد والوعد، فلا تخلف.
- عليك بالصبر والشجاعة، وكتمان السر، والصراحة في الحق، واعترف دائمًا بخطئك.
- عليك بالوقار وإيثار الجد دائمًا، ولا تمزح إلا صادقًا، وتواضع للناس في غير ذلةٍ ولا خضوع ولا قلق، وخير التواضع ما كان لفقيرٍ ويتيم ومسكين وأرملة.
- أكثر من المشورة تصل إلى الصواب.
- وعليك بالقناعة؛ فإنها مال لا ينفد.
- واعلم أن الموت آتٍ، وكل آتٍ قريب، فأكثِرْ ذِكره، واجعله يصرفك عن الرغبة في الدنيا، ويحملك على التقوى.
وبعد – أخي القارئ الكريم – ما هو وجه انتفاعك بهذه النصائح؟ أهو مجرد قراءة عابرة لإحدى صفحات المجلة؟ أم تأمُّل؛ لكنه لا يلبث أن يزول في متاهات دنياك؟ أم هو تبصُّر وعزم ثابت للعمل بكل ما هو مفيد؟
أخي القارئ، بإمكانك الانتفاع في نفسك ونفع غيرك فترشدهم إلى الخير، والدالُّ على الخير كفاعله، وذلك بكتابة هذه النصائح على لوحات ووضعها في الأماكن العامة والمساجد، أو قراءتها في المحاضرات أو على جيرانك وأهلك، وقبل ذلك كله على أسرتك، أو بأي طريقة أخرى تراها مناسبة.
ولكن، الحذرَ الحذر من أن تدْعوَ غيرك من غير إقامتها في نفسك، فتكون ممتثلاً قول الشاعر:
وَغَيْرُ تَقِيٍّ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالتُّقَى
طَبِيبٌ يُدَاوِي وَالطَّبِيبُ مَرِيضُ
وأخيرًا – أخي المسلم – عليك بتقوى الله في السر والعلن؛ لتفوز بالسعادة في الدارين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.