للأستاذ: أحمد جمال العمري
ماجستير في الآداب – جامعة القاهرة
الحمد لله رب العالمين، ناصر الحق بالحق المبين، وخاذل الباطل ذي القوة المتين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أمهر القادة وأشجع المقاتلين، نبي الرحمة وإمام المجاهدين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الغر الميامين. وبعد:
فقد شرع الله الجهاد لغايات جُلىّ، ومثل عليا، حث عليها المسلمين المؤمنين، ووعدهم بالتأييد والنصر المبين.
شرع الله الجهاد حماية للدين، وردع المعتدين، والضرب على أيدي الطغاة الغاصبين، وشرعه أيضًا دفاعًا عن العقيدة والمبادئ والمثل العليا والقيم الإنسانية، وشرعه كذلك استخلاصًا للحق، وطلبًا للعزة، والحياة الحرة الكريمة، وصونًا لكرامة الإنسان، وحفاظًا على أرض المسلمين وأعراضهم وأموالهم.
لكل ذلك .. فإن حربنا اليوم جهاد في سبيل الله بكل معاني هذه الكلمة. إنها حرب مقدسة تقاوم الطغاة البغاة، وتصدهم عن غاياتهم، حرب مشروعة لتطهير أرض الوطن، واسترداد شرفه، واسترجاع حقه، ومحو العار الذي لحقه، حرب من أجل نصرة المبادئ الإنسانية، والقيم الدينية والأخلاقية.
شرع الله الجهاد، ودعا إليه دعوة مطلقة، وأمرنا به بقوله: {وجاهدوا}، وجاء هذا الأمر في آيات عدة، من ذلك قوله جل شأنه:
– {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78].
– {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ} [المائدة: 35].
– {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 41].
كما أمرنا بقتال الأعداء دفاعًا عن سبيله:
– {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190].
وأمرنا كذلك بأن نخرجهم من أرضنا التي احتلوها، وديارنا التي اغتصبوها:
– {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} [البقرة: 191].
وقرر أن الجهاد في سبله أهم سمة من سمات المؤمنين:
– {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 74].
– {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [الحجرات: 15].
ووعد المجاهدين في سبيله بالنصر المبين، وهداية السبيل:
– {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سلبنا} [العنكبوت: 69].
وفضل – عز شأنه – المجاهدين على القاعدين المتعبدين المتزهدين، وجعلهم أعلى مكانة وأعظم درجة عنده:
– {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا. دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} [النساء: 95].
– {وفضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة} [النساء: 95].
– {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ} [التوبة: 20].
وجعل الصبر على الجهاد وتحمل تبعاته امتحانًا يمتحن به عباده المؤمنين، ليعرف المجاهدين من غيرهم:
– {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} [محمد: 31].
– {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} [التوبة: 16].
– {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142].
وتجلت حكمته – جل جلاله – في تنظيم المواقف الحربية التي يخوضها المجاهدون، تنظيمًا دقيقًا، وفقًا للظروف، حتى يتحقق لهم النصر، وتكون كلمة الله هي العليا.
فهو يأمر المجاهدين بأن يكون صفًا واحدًا أمام أعدائهم:
– {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف: 4].
كما يأمرهم بالثبات ورباطة الجأش في مواجهة الأعداء، وأن يكونوا أندادًا لهم، ذوي بأس شديد، صابرين على البأساء والضراء .. فمن تخاذل أو تقاعص فمأواه جنهم وبئس القرار.
– {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ. وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16].
ويوضح لهم – عز شأنه – أن المتخاذلين الجبناء لن يطول أجلهم، كما أن المجاهدين الشرفاء لن يقصر عمرهم، فلكل أجل كتاب عنده:
{قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154].
ويعد الله المجاهدين الصابرين بأنه سيكون إلى جانبهم، يؤازرهم ويدعم صفوفهم بملائكته إذا أمتحنوا أو استغاثوا:
– {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].
– {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].
ويعقد الله العقد، ويقيم العهد بينه وبين المجاهدين المؤمنين الصابرين، فيشتري منهم أنفسهم بثمن عظيم، نظير ما قدموا وأخلصوا.
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
هذا من مشروعية الجهاد وما يتصل به في القرآن الكريم.