غزوة الفتح وصوم رمضان

قد غزا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بدرًا، والفتح في رمضان، ورجع من تبوك في رمضان، وكانت غزوة الفتح في رمضان من العام الثامن للهجرة حيث خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من المدينة في رمضان، فمضى صائمًا، والناس معه صيام ، حتى بلغ عسفان قيل له: يا رسول الله إن الصوم قد شق على الناس، وهم ينظرون إليك، فركب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – راحلته ثم أتي بقدح من لبن ( أو ماء ) فشرب فأفطر الناس، ثم نزل بعد ذلك بهم منزلاً، فقال : ( إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم )، فعلم الناس أنها رخصة، أي: وقد اقتربوا من العدو ، فقال لهم: ( إنكم مصبحون بعدو والفطر أقوى لكم فأفطروا، فلما سمعوا ذلك علموا أنه إلزام فأفطروا، وذلك لأنهم جمعوا بين السفر والجهاد.

لذلك فإنه لما سمع بعد ذلك ببعض من لا يزالون صائمين.قال : ( أولئك العصاة …. أولئك العصاة ) .

فلما رأى رجلاً يظلون عليه قال: ( ما بال هذا ؟ )، قالوا: صائم، فقال: ( ليس من البر الصوم في السفر ).

يعلم بهذا أمور:

منها أن أحكام الصوم ككثير من أحكام الشريعة علمه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه في الغزوات ، فليتدبر ذلك ، فالجهاد لا يمنع من تعلم شرع الله ودينه ، وهذا باب هام لو تدبره الناس لعرفوا أن العلم لا يقدم عليه شيء ، بل هو المقدم على كل شيء .

ومنها : أن المسلم إنما يجاهد بالإيمان، وأن النصر ينزله الله على المؤمنين، أما العدة والعتاد والخطط فهي أسباب نأخذ بها مع الحرص على العبادة والدعاء والإخلاص فيها، فينصر الله بذلك ويجعل الأسباب ناجعة.

ومنها: أن السفر وإن كان مبيحًا للفطر وحده، إلا أن الجهاد قد يجعل الفطر متعينًا؛ لأنه قوة.

ومنها: فهم الصحابة الكرام والعلماء للرخص والعزائم من الألفاظ الشرعية، فلما قال – صلى الله عليه وسلم -: ( الفطر أقوى لكم )، علموا أنها على سبيل التخيير، ولما أمرهم ( فأفطروا ) علموا أنها الإلزام الواجب.ومنها: أن من صام حيث نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد عصى حيث الجهاد والسفر، وأنهم مصبحون بعدو فليستعدوا.

ومنها : أن المسافر إذا نوى الصيام ، ثم بدا له أن يفطر فله أن يفطر في أي وقت من يومه ، أخذًا بالرخصة واقتداء بالنبي – صلى الله عليه وسلم – .

التفضيل بين الصوم والفطر في السفر حاصل كلام أهل العلم التخيير بين الصوم والفطر في السفر فرضًا ونفلاً، وإنما تكون العوارض المصاحبة هي التي تفيد ترجيحًا، فإن شق الصوم أو كان معرضًا عن الرخصة أو احتاج لخدمة غيره أو اشتهر بعمله فخاف الرياء أو كان في جهاد أو اقتدى به الضعيف الذي لا يطيق كان الفطر في حقه أفضل .

أما إن كان الصوم عليه يسيرًا ، ويشق عليه القضاء بعد ، كان الصوم في حقه أفضل لقول الله – عز وجل – : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) [ البقرة : 185] ، ولما رواه أبو داود عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه أسافر عليه وأكريه، وأنه ربما صادفني هذا الشهر- يعني : رمضان – وأنا أجد القوة وأجدني أن أصوم أهون عليَّ من أن أؤخر فيكون دينًا عليَّ. فقال : ( أي ذلك شئت يا حمزة ) ، والحديث وإن ضعفه الألباني إلا أنه يستأنس به ، لأن الدليل هو الآية الكريمة : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) [ البقرة : 185] ، والله أعلم .

 —————————-

(1) عائشة بنت أبي بكر الصديق أم المؤمنين ، وأمها أم رومان ، ولم يتزوج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بكرًا غيرها ، وهي أعلم النساء قاطبة ، وأحب الزوجات إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، واختلف العلماء في أيهما أفضل هي أم خديجة – رضي الله عنها – ؟ كانت أفقه الناس . وقال الزهري : لو جمع علم عائشة إلى علم جميع الناس لكان علم عائشة أفضل ، وقد ولدت في الإسلام ، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين توفيت سنة سبع وخمسين للهجرة ، ولا يتسع الهامش للتعريف بها .

(2) حمزة بن عمرو الأسلمي  صحابي جليل كان يسرد الصوم  وقد شهد فتح الشام، وكان هو البشير للصديق يوم أجنادين. وهو الذي بشر كعب بن مالك بتوبة الله عليه، فأعطاه ثوبيه، شهد فتح أفريقية مع عبد الله بن سعد. وقد روى البخاري في ( التاريخ ) بإسناد جيد عنه أنه قال: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ليلة مظلمة فأضاءت لي أصابعي حتى جمعت عليها كل متاع للقوم، وتوفي – رضي الله عنه – سنة إحدى وستين، وعمره إحدى وسبعين عامًا.