الاعتكاف لغة: لزوم الشيء، وحبس النفس عليه، أو هو: حبس النفس عن تصرفات مخصوصة يؤديها عادة، ويطلق على الحبس على الخير كما في قوله تعالى : ( وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ) [ الحج : 25] ، كما يطلق على الحبس على الشر ، في مثل قوله تعالى : ( مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ) [ الأنبياء : 52] ، وقوله تعالى : ( يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ ) [ الأعراف : 138] ، وقوله سبحانه : ( وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ) [ طه : 97] .
والاعتكاف شرعًا: الإقامة في المسجد على صفة مخصوصة بنية التعبد لله رب العالمين، ولا يكون الاعتكاف شرعًا إلا في المساجد، إذ لا يسمى من اعتكف في غيرها معتكفًا شرعًا.
والاعتكاف فيه تسليم النفس لعبادة الله تعالى بالكلية، وإبعادها عن الاشتغال بالدنيا الأشغال المانعة من التقرب لله رب العالمين.
والاعتكاف مشروع ، ولا يجب إلا على من نذره ، ودليل مشروعيته من القرآن : ( أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود ) [ البقرة : 125] .
والاعتكاف فاضل في كل وقت وهو في رمضان ، لا سيما في العشر الأواخر منه أفضل وآكد ؛ لقوله تعالى : ( وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) [ البقرة : 187] ، وجاءت في آيات الصيام .
ولحديث عائشة، رضي الله عنها، وابن عمر، رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان.
وفي حديث عائشة، رضي الله عنها: حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
قال النووي: إن الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم وأزواجه وأصحابه إنما اعتكفوا في المسجد مع المشقة في ملازمته، فلو جاز في البيت لفعلوه ولو مرة، لا سيما النساء؛ لأن حاجتهن إلى البيوت أكثر.
واتفق العلماء على شرط المسجد للاعتكاف، ولا حد لأكثره، واختلفوا في أقله، فهل يشترط العشرة أو يجوز يوم فأكثر ؟ وهل يجوز أقل من يوم ؟ والراجح جوازه .
ودليل جوازه ما أخرجه الشيخان، من حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما، أن عمر سأل النبي صلى الله عليه وسلم: قال كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد ؟ قال : ( فأوف بنذرك ) . فهذا دليل على جواز اعتكاف الليلة ، وهو الذي عليه الجمهور .
وقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم عليه، واعتكف بعض أزواجه معه وبعده، فاستدل من أهل العلم من استدل بذلك على أنه سنة، بل إنه سنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان التماسًا لليلة القدر، وقد صح عن كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وإن كان الأكثر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلوه، ومن فعلوه لم يلتزموه، فذلك كافٍ في نفي فرضيته على المسلمين.
هذا ، ولم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاعتكاف إلا في حديث الشيخان؛ عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواسط من رمضان، فاعتكف عامًا، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال: ( من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر … ) .
والشاهد أنه أمر من اعتكف معه أن يعتكف، ولا أعلم نصًا من قرآن ولا سنة جاء فيه الأمر بالاعتكاف إلا هذا، والأمر فيه خاص بمن اعتكف معه العشر الأوسط وليس عامًا بالناس، فحكم الاعتكاف هو الندب إلا أن ينذره المسلم، فيصبح واجبًا عليه بالنذر، ومما يدل على أن فعله مندوب حديث الموطأ: ( ومن اعتكف سنة – أي في رمضان – فليعتكف العشر الأواخر ) .
وفي الحديث: من أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر، ولو كان واجبًا لم يتعلق الأمر بالإرادة.
ويصح اعتكاف المرأة باتفاق الفقهاء إذا كانت مسلمة مميزة، عاقلة، طاهرة من كل حيض أو نفاس أو جنابة، ولا يكون إلا بإذن زوجها – إن كانت ذات زوج – ويستحب أن تستتر بخباء، ولا يكون خباؤها في مكان يصلي فيه الرجال.
بل ولا بأس بالخباء للرجال في الاعتكاف أيضًا، وذلك لفعله صلى الله عليه وسلم، ولأنه أستر للعبادة، وأدعى إلى الإخلاص، ولذا نعلم أن الخباء لستر العبادات قبل ستر العورات .
واتفق الفقهاء على أن المساجد الثلاثة أفضل من غيرها في الاعتكاف، وأن أفضلها المسجد الحرام، ثم المسجد النبوي، ثم المسجد الأقصى، ويصح الاعتكاف في سائر المساجد، والمسجد الجامع أولى من المسجد الذي لا يجمع فيه. فإن نذر الاعتكاف في مسجد لا يجمع فيه أيامًا غير الجمعة صح عند بعض أهل العلم، فإن كان فيها يوم جمعة ألزمه الشافعية أن يشترط في اعتكافه الخروج لصلاة الجمعة في المسجد الجامع.
وليس للاعتكاف ذكر مخصوص إلا اللبث في المسجد بنية الاعتكاف .
قال النووي: ولو تكلم بكلام دنيا أو عمل صنعة أو غيرها لم يبطل اعتكافه.
الصوم للمعتكف:
لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعًا حديث في الأمر بالصوم للمعتكف ، وما جاء في حديث أبي داود والنسائي لما سأله عمر عن اعتكافه عليه أمره أن يعتكف ويصوم ، فهو ضعيف ، والصحيح ما أخرجه البخاري ومسلم من قوله له : ( فأوف بنذرك ) .
وجمهور العلماء على استحباب الصوم للمعتكف ، فلو اعتكف في غير رمضان ، ثم أفطر عامدًا لم يبطل اعتكافه، واستدل من لم يقل بوجوب الصوم بما أخرجه البخاري ومسلم – واللفظ لمسلم – من حديث عائشة، رضي الله عنها: وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في العشر الأول من شوال .
ومعلوم أن فيها عيد الفطر الذي يحرم صومه، ويلزم من ذلك صحة الاعتكاف بغير صوم، وجواز الاعتكاف في غير رمضان.
وفي ( المغني ) قال: ولو كان الصوم شرطًا لما صح اعتكاف الليل؛ لأنه لا صيام فيه، ولأنه عبادة تصح في الليل، فلم يشترط له الصيام كالصلاة، ولأنه عبادة تصح في الليل فأشبه سائر العبادات ، ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع، ولم يصح فيه نص، ولا إجماع.
قال سعيد: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن أبي سهل قال: كان على امرأة من أهلي اعتكاف، فسألت عمر بن عبد العزيز فقال: ليس عليها صيام إلا أن تجعله على نفسها، فقال الزهري: لا اعتكاف إلا بصوم، فقال له عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا، قال : فعن أبي بكر ؟ قال: لا، قال : فعن عمر ؟ قال : لا، قال: وأظنه قال: فعن عثمان ؟ قال: لا، فخرجت من عنده فلقيت عطاء وطاوسا فسألتهما، فقال طاوس: كان فلان لا يرى عليها صياما، إلا أن تجعله على نفسها، وأحاديثهم لا تصح، أما حديثهم عن عمر فضعيف كما سبق.
ثم قال في ( المغني ) : إذا نيف هذا فإنه يستحب أن يصوم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف وهو صائم ، ولأن المعتكف يستحب له التشاغل بالعبادات والقرب والصوم من أفضلها ويتفرغ به مما يشغله عن العبادات، ويخرج به من الخلاف .
الاعتكاف في المساجد :
فإن نذر المسلم أن يعتكف في مسجد وعينه أجزأه أن يعتكف في مسجد آخر، إلا المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، لما جاء في فضل الصلاة فيها، فإن نذر في مسجد من الثلاثة بغير تعيين جاز فيه وفي واحد منها، ولم يجز في غيرها، فإن عينه بأنه المسجد الحرام لم يجز الوفاء بالنذر في سواه، فإن عينه المسجد النبوي جاز فيه أو في المسجد الحرام، فإن عينه في المسجد الأقصى؛ جاز في المسجد الحرام أو المسجد النبوي.
وقد ورد عن بعض العلماء كحذيفة وسعيد بن المسيب وابن مسعود أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ؛ مستدلين بحديث : ( لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) .
وقد وفق بعض أهل العلم بين هذه الروايات بأنه محمول على الأفضل، كما في الحديث : ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ) . ونظائر ذلك كثير.
مبطلات الاعتكاف :
ويبطل الاعتكاف بالجماع، ويرى كثير من العلماء فساد الاعتكاف بدواعي الجماع، من مداعبة زوجة، أو تقبيلها، أو غير ذلك من المباحات للرجل مع زوجه في الفطر وفي ليالي رمضان.
ويفسد الاعتكاف بالخروج من المسجد لغير حاجة، والحاجة التي يجوز الخروج من المعتكف لها:
أ – الخروج لقضاء الحاجة والوضوء والغسل الواجب، بحيث لا يطيل مكثه أكثر مما يحتاج إليه.
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول؛ لأن هذا مما لابد منه، ولا يمكن فعله في المسجد، فلو بطل الاعتكاف بخروجه له لم يصح لأحد الاعتكاف؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف، وقد علمنا أنه كان يخرج لحاجته، والمراد بحاجة الإنسان البول والغائط كنى بذلك عنها لأن كل إنسان يحتاج فعلها، وفي معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه إذا احتاج.
وفي حديث البخاري ومسلم عن عائشة، رضي الله عنها؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفًا.
وألحق أهل العلم الخروج للقيء، ولإزالة النجاسة، ولا يلزم بالتكلف في مشيه سرعة، أو جريا، بل يمشي مشيته المعتادة.
أما الخروج للطعام والشراب، فإنه يجوز له الخروج إليه، إذا لم يكن له من يأتيه به، فإذا وجد من يأتيه بحاجته من الطعام والشراب ، فلا يجوز له الخروج لذلك، إلا أن الشافعية أجازوا له الخروج من الاعتكاف في المسجد المطروق دون المسجد المهجور؛ لأن الأكل والشرب في المسجد مما يستحيا منه، ولا يجوز الخروج من المسجد للنوم خارجه، أو في منزله.
أما الخروج لغسل الجمعة والعيد، فيجوز الخروج له، إن اشترطه، وإن لم يشترطه فالجمهور على أنه لا يجوز الخروج له.
الخروج لعيادة المريض وصلاة الجنازة :
إذا خرج المعتكف من مسجده الذي يعتكف فيه لقضاء حاجة، أو لطعام لا يجد من يأتيه به، ثم عرج على مريض لعيادته أو لصلاة الجنازة جاز، بشرط ألا يطول مكثه عند المريض أو بعد صلاة الجنازة، وذلك للحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة.
وإذا أصاب المعتكف مرض تعذر عليه البقاء به في المسجد لحاجته إلى طبيب معالج، أو خدمة غيره له من غير المعتكفين معه، أو فراش لا يتيسر وجوده في معتكفه، أو كان المريض يلوث المسجد بقيء، أو نحوه، جاز له الخروج، ولا ينقطع به التتابع ، فيرجع إذا برىء، ويبني على ما مضى، فإن كان خروجه لإغماء أصابه، فأخرجه غيره، فلا خلاف أنه لا ينقطع، ويلحق الشافعية بالمرض الخوف من لص أو حريق أو نحوه، ولا يفسد اعتكافه إذا خرج بسبب إكراه من سلطان أو غيره له.
ولا يعتبر إخراج يده ولا رجله ولا رأسه من المسجد خروجًا، وإنما الخروج أن يخرج كله من المسجد؛ لحديث البخاري ومسلم عن عائشة، رضي الله عنه : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصغي إليَّ رأسه وهو مجاور – أي معتكف في المسجد – فأرجله وأنا حائض، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفًا.
ويظهر من الحديث أن خروج بعض البدن ليس خروجًا، وأن غسل الرأس وترجيله ليس من الحاجات المبيحة لخروج المعتكف من المسجد، ويعتبر من المسجد ما كان معدًا للصلاة فيه ، بخلاف التوسعات التي تكون حوله، ويصلي فيها الناس عند امتلاء المسجد، فهذه لا تعد من المسجد على الصحيح، أما سطح المسجد فهو معدود من المسجد، ويجوز الاعتكاف فيه، وكذلك المنارة التي لها باب من داخل المسجد، ويكره للمعتكف الاشتغال عن العبادة بالكلام، أو العمل الذي لا حاجة منه، ويباح له الأكل والشرب والنوم في المسجد كما أن دخول بعض البدن لا يعتبر دخولاً، كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، رضي الله عنها، أن تناوله المخمرة وهو في المسجد ، فقالت: إني حائض، فقال: ( إن حيضتك ليست في يديك )، ولحديث ميمونة قالت : ( تقوم إحدانا بخمرته صلى الله عليه وسلم فتضعها في المسجد وهى حائض ) .
ولا يجوز له البيع ولا الشراء في المسجد، لا في اعتكاف ولا غيره، وإن جاز عقد البيع والشراء والزواج والرجعة للمعتكف في المسجد، ويكره للمعتكف الصناعة في المسجد حال اعتكافه كيحاكة ثوب إلا أن يكون إصلاحًا يسيرًا، وإن لم يبطل الاعتكاف بهذه الأعمال، ويجوز كتابة العلم، ولا يجوز لمعتكف أن يتكسب لصنعة في المسجد، ففي الاعتكاف تفريغ القلب عن أمور الدنيا وتسليم النفس إلى بارئها، والتحصن بحص حصين وملازمة بيت الله تعالى.
وعلى المعتكف أن يشتغل بالقرآن والعلم والصلاة والذكر، ويجوز له أن يقوم بالتدريس لمعتكف أو معتكفين؛ يدرس لهم مسائل من الشرع، ويستحب له اجتناب ما لا يعنيه من جدال ومراء وكثرة كلام.
ويجوز للمعتكف التطيب ليلاً ونهارًا ويجوز له قص الظفر أو الشارب، ويجوز له ارتداء الملابس الحسنة المباحة.
ومن نوى الاعتكاف أياما من غير نذر ثم بدا له أن يخرج من اعتكافه فلم يتمه، فلا شيء عليه، ولا يجب عليه القضاء ولو كان واجبًا بمجرد النية لما تركه النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته بعد أن نصبوا الخباء، كما في حديث الصحيحين الآتي.
قال الزهري: عجبًا من الناس كيف تركوا الاعتكاف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قبض.
ويسن للمعتكف الاجتهاد في العمل المشروع تقربًا إلى الله تعالى من صلاة وذكر وعلم؛ لحديث عائشة، رضي الله عنها؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره ، وأحيا ليله، وأيقظ أهله.
ويسن له تحري ليلة القدر لحديث أبي هريرة: ( من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له من تقدم من ذنبه ).
ولحديث عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في العشر الأواخر من رمضان ويقول : ( التمسوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ) .
وقال في الشرح الكبير: ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان استحب أن يبيت ليلة العيد في معتكفه.
من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف :
عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح، ثم يدخله، قال : فاستأذنته عائشة أن تعتكف، فأذن لها، فضربت فيه قبة، فسمعت بها حفصة، فاستأذنت عائشة أن تضرب خباء، فأذنت لها، فضربت خباء أو قبة، فلما رأته زينب ابنة جحش ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية، وأبصر أربع قباب، فقال : ( ما هذا ؟ ) فأخبرنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما حملهن على هذا ؟ آلبر تردن – أو قال : آلبر تقولون بهن – ما أنا بمعتكف ). ثم اعتكف عشرا من شوال.
وعن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان وعنده أزواجه فرحن فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقال لصفية بنت حيي: ( لا تعجلي حتى أنصرف معك ) ، وكان بيتها في دار أسامة بن زيد، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغت قريبًا من باب المسجد الذي عند باب أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مر بهما رجلان من الأنصار، فسلما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إلي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أجازا – أسرعا – فقال صلى الله عليه وسلم: ( على رسلكما ، تعاليا ، إنما هي صفية بنت حيي ) . فقالا: سبحان الله يا رسول الله ! وكبر عليهما ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان يبلغ – أو قال – يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءًا ) .
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يومًا.
وعن أبي سلمة قال: انطلقت إلى أبي سعيد الخدري، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل نتحدث؟ فخرج، فقال: قلت: حدثني ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم يذكر ليلة القدر؟ قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر الأول من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط، فاعتكفنا معه، فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا، فأتاه جبريل فقال: إن الذي تطلب أمامك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خطيبًا صبيحة عشرين من رمضان، فقال: ( من اعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم فليرجع ). فرجع الناس إلى المسجد. وفي رواية: فخطب الناس يأمرهم ما شاء الله، ثم قال: ( كنت أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه، فإني أريت ليلة القدر، وإني أنسيتها، وأنها في العشر الأواخر، وابتغوها في كل وتر، وإني رأيت كأني أسجد في طين وماء من صبيحتها ). فلما رجع إلى معتكفه وهاجت السماء، فمطرنا، فوالذي بعثه بالحق لقد هاجت السماء من آخر ذلك اليوم في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين، وأقيمت الصلاة فصلى بنا فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته – أو قال: فبصرت عيني نظرت إليه حين انصرف من الصبح ووجهه ممتلئ طينًا وماء لتصديق رؤياه صلى الله عليه وسلم.
والله من وراء القصد .