الصبر على البلاء

المقدمة

الحمد لله الذي جعلنا مِن خيرِ أمةٍ أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً , أما بعد : فإن الصبر على البلاء له منزلة رفيعة عند الله تعالى،وقد تناولت الحديث في هذه الرسالة عن معنى الصبر والبلاء،و مراتبُ الصَّبْرِ و أنواعه و آداب،وكراهية طلب البلاء،

أشد الناس بلاءً،والصبر على البلاء وصية ربانية، الصبر على البلاء من صفات الأنبياء،و الصبر على البلاء وصية نبينا -صلى الله عليه وسلم-،

وصور من ابتلاء الصحابة ،وختمت الرسالة بذكر صور من ابتلاء التابعين.

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يتقبل منى هذا العمل وأن ينفع به طلاب العلم, وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين , وصلى اللهُ على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .

 صلاح نـجيب الدق

بلبيس – مسجد التوحيد

الصبر في اللغة :

 المنع والحبس. قال الله تعالى(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ)(الكهف:28) أي احبس نفسك معهم . (لسان العرب لابن منظور جـ 4 صـ2392:2391)

الصبر في الشرع:

حبسُ النفس عن الجزع والتسخط،وحبس اللسان عن الشكوى،والجوارح عن لطم الخدود،وشق الثياب ونحوهما.

(عدة الصابرين لابن القيم صـ 15)

 معنى البلاء : الاختبار، ويكون بالخير والشر . ومنه قوله تعالى(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)

 (الأنبياء: 35) (لسان العرب لابن منظور جـ 1صـ 155)

مراتبُ الصَّبْرِ

مراتبُ الصَّبْرِ خَمْسةٌ : صابِرٌ ومُصْطَبِرٌ ومُتَصَبرٌ وصَبُورٌ وصَبَّارٌ .

 فالصّابِرُ : أعمُّها والمُصْطبِرُ المُكْتسِبُ للصَّبْر المُبْتلى به . والمُتَصَبِّرُ : مُتَكَلِّفُ الصَّبْرِ حاملُ نفْسِه عليه . والصَّبُورُ : العَظيمُ الصَّبْرِ الذي صبْرُه أشدُّ من صَبْرِ غيره . والصَّبّارُ : الشَّديدُ الصَّبْرِ . فهذا والذي قبله في الوصْفِ والكيْفِ. (مدارج السالكين لابن القيم جـ 2صـ 165)

أقوال السلف عن الصبر

(1) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريما . (عدة الصابرين لابن القيم صـ 95)

(2) قال على بن أبى طالب رضي الله عنه: ألا ان الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد فإذا قطع الرأس بار الجسم. ثم رفع صوته فقال:ألا انه لا إيمان لمن لا صبر له وقال الصبر مطية لا تكبو. (عدة الصابرين لابن القيم صـ 95)

(3) قال عبد الله بن مسعود : ( الصبر نصف الإيمان ، واليقين الإيمان كله ) (الزهد لوكيع بن الجراح جـ 2صـ 456)

 (4) قال الحسن البصري: الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده . (عدة الصابرين لابن القيم صـ 95)

(5) قال عمر بن عبد العزيز: ما أنعم اللهُ على عبد نعمة فانتزعها منه،فَعَوَّضَهُ مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيرا مما انتزعه . (عُدة الصابرين لابن القيم صـ 95)

(6) قال سعيد بن جبير : الصبر: اعتراف العبد لله بما أصابه منه ،واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه. (عدة الصابرين لابن القيم صـ 97)

(7) قال شقيق البلخي : مَن شكي مصيبة به إلى غير الله، لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبداً . (مختصر منهاج القاصدين صـ 349)

(8) قال يونس بن يزيد: سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن ما منتهى الصبر؟ قال : يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه . (الدر المنثور للسيوطي جـ 1صـ 378)

(9) قال الحَريريّ : الصَّبْرُ : أن لا يَفْرِقَ بين حَالِ النِّعْمةِ وحالِ المِحْنةِ مع سكونِ الخاطِرِ فيهما .(مدارج السالكين لابن القيم جـ 2صـ 166)

(10) قال أبو علي الدقاق : فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله معيته، فإن الله مع الصابرين . (مدارج السالكين لابن القيم جـ 2صـ 166)

أنواع الصبر

الصبر ثلاثة أنواع هي:

(1)الصبر على طاعة الله تعالى (2) الصبر عن المعاصي (3) الصبر على المصائب

وسوف نتحدث عن كل منها .

أولاً: الصبر على طاعة الله تعالى:

 يحتاج العبد إلى الصبر عليها، لأن النفس البشرية بطبعها تنفر عن العبودية .

إن من العبادات ما يُكره بسبب الكسل، كالصلاة، ومنها ما يُكره بسبب البخل، كالزكاة، ومنها ما يُكره بسببهما جميعاً، كالحج والجهاد. فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد.

 ويحتاج المطيع إلى الصبر على طاعته فى ثلاث أحوال:

الحالة الأولى: قبل العبادة: وذلك في تصحيح النية والإخلاص والصبر عن شوائب الرياء ودواعي الآفات وعقد العزم على الإخلاص والوفاء وذلك من الصبر الشديد عند من يعرف حقيقة النية والإخلاص وآفات الرياء ومكايد النفس .روى البخاريُّ عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ:قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ. (البخاري حديث:1)

 وقال اللهُ تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (البينة:5)

ولهذا قدم اللهُ تعالى الصبر على العمل فقال سبحانه :(إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (هود:11)

 الحالة الثانية: حالة العمل: كي لا يغفل عن الله في أثناء عمله ولا يتكاسل عن تحقيق آدابه وسننه ويدوم على شرط الأدب إلى آخر العمل الأخير فيلازم الصبر عن دواعي الفتور إلى الفراغ وهذا أيضا من شدائد الصبر.

 الحالة الثالثة: بعد الفراغ من العمل: إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للسمعة والرياء والصبر عن النظر إليه بعين العجب وعن كل ما يبطل عمله ويحبط أثره كما قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (محمد:33) وكما قال سبحانه:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:264) فمن لا يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى فقد أبطل عمله . (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 4صـ 70)

 ثانياً: الصبر عن المعاصي :

 وما أحوج العبد إلى ذلك .ثم إن كان الفعل مما تيسر فعله، كمعاصي اللسان من الغيبة، والكذب والمراء ونحوه، كان الصبر عليه أثقل، فترى الإنسان إذا لبس حريراً استنكر ذلك، ويغتاب أكثر نهاره، فلا يستنكر ذلك . ومن لم يملك لسانه في المحاورات، ولم يقدر على الصبر، لم ينجه إلا العزلة .

ثالثاً:الصبر على المصائب :

 مثل موت الأحبة، وهلاك الأموال، وعمى العين، وزوال الصحة، وسائر أنواع البلاء، فالصبر على ذلك من أعلى المقامات، لأن سنده اليقين .

 روى البخاريُّ أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ.(البخاري حديث 5645)

وقريب من هذا القسم، الصبر على أذى الناس، كالذي يؤذي بقول أو فعل أو جناية على نفسه أو ماله، والصبر على ذلك يكون بترك المكافآت .والصبر على أذى الناس من أعلى المراتب.

 قال اللهُ تعالى ) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) )آل عمران : 186(

وقال سبحانه (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر : 97 :99)

وقال جَلَّ شأنه : (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل : 126 ) (مختصر منهاج القاصدين 346:345)) 

آداب الصبر

(1)من آداب الصبر استعماله في أول صدمة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى )

 (2) الاسترجاع عند المصيبة.وهو قول ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )

روى مسلمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ فَقُلْتُ إِنَّ لِي بِنْتًا وَأَنَا غَيُورٌ فَقَالَ: أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا ، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ. (مسلم حديث 918)

 (3) سكون الجوارح واللسان، فأما البكاء فجائز .قال بعضُ الحكماء : الجزع لا يرد الفائت، ولكن يسر الشامت .

(4) مِن حُسْنِ الصبر أن لا يظهر أثر المصيبة على المصاب، كما فعلت أم سليم امرأة أبى طلحة لما مات ابنها. (مختصر منهاج القاصدين صـ347: 348)

روى مسلمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فَقَالَتْ لِأَهْلِهَا: لَا تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بِابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ قَالَ فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْهِ عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَقَالَ ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذَلِكَ فَوَقَعَ بِهَا فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وَأَصَابَ مِنْهَا قَالَتْ يَا أَبَا طَلْحَةَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَعَارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيْتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ أَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُمْ قَالَ لَا قَالَتْ فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ قَالَ فَغَضِبَ وَقَالَ تَرَكْتِنِي حَتَّى تَلَطَّخْتُ ثُمَّ أَخْبَرْتِنِي بِابْنِي فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَارَكَ اللَّهُ لَكُمَا فِي غَابِرِ لَيْلَتِكُمَا قَالَ: فَحَمَلَتْ. قَالَ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ وَهِيَ مَعَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقًا فَدَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ فَاحْتُبِسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ يَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِكَ إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ وَقَدْ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى قَالَ تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ يَا أَبَا طَلْحَةَ مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ انْطَلِقْ فَانْطَلَقْنَا قَالَ: وَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ حِينَ قَدِمَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ لِي: أُمِّي يَا أَنَسُ لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ قُلْتُ نَعَمْ فَوَضَعَ الْمِيسَمَ قَالَ: وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلَاكَهَا فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ قَالَ: فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ. (مسلم حديث 2144)

كراهية طلب البلاء

روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى :أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ. (البخاري3025)

قال ابنُ بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر وهو نظير سؤال العافية من الفتن.وقد قال أبو بكر الصديق: لأن أعافى فأشكر أحب إليَّ من أن اُبتلى فأصبر. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ6 صـ 181)

أشد الناس بلاءً

روى الترمذيُّ عَنْ سَعْدٍ بنِ أبي وقاص قَالَ:قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً ؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ. فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ. (حديث حسن صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1956 )

الصبر على البلاء وصية ربانية

(1)قال الله تعالى(الم *أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ *وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)(العنكبوت 3:1)

(2)وقال سبحانه(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ *الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ *أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة 157:155)

(3)وقال تعالى(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ *وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ *وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.)(آل عمران 144:142)

(4) وقال جلَّ شأنه(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (آل عمران 186)

الصبر على البلاء من صفات الأنبياء

(1) قال الله تعالى مخاطباً نبينا -صلى الله عليه وسلم- ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) (الأحقاف35) وقال جلَّ شأنه(وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (المزمل 10)

(2) وقال سبحانه عن بعض الأنبياء (وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ)

 (الأنبياء86:85)

(3) وقال سبحانه عن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ *فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) ( الصافات 102:100)

 (4) وقال جَلَّ شأنه عن أيوب -صلى الله عليه وسلم- (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ *ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ *وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص 44:41)

(5) وقال سبحانه عن يوسف -صلى الله عليه وسلم- (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ *وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ) (يوسف 24:23)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

 كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها : أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره لا كسب له فيها ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر وأما صبره عن المعصية : فصبر اختيار ورضى ومحاربة للنفس ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة فإنه كان شاباً وداعية الشباب إليها قوية وعزباً، ليس له ما يعوضه ويرد شهوته وغريباً، والغريب لا يستحي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله ومملوكا والمملوك أيضا ليس وازعه كوازع الحر والمرأة جميلة وذات منصب وهي سيدته وقد غاب الرقيب وهي الداعية له إلى نفسها والحريصة على ذلك أشد الحرص ومع ذلك توعدته إن لم يفعل : بالسجن والصغار ومع هذه الدواعي كلها صبر اختياراً وإيثاراً لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه. (مدارج السالكين لابن القيم جـ 2صـ 163)

(6) ابتلاء نبينا -صلى الله عليه وسلم-:

لقد ابتلي نبينا -صلى الله عليه وسلم-وتحمل من الأذى من أجل نشر الإسلام , ما لا يستطيع بشر أن يتحمله، ويمكن أن نذكر منها :

1 – طلق عُتبةُ بن أبي لهب رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, وكذلك طلق أخوه عتيبةُ أم كلثوم بنت رسول الله-صلى الله عليه وسلم- , وذلك قبل الدخول بهما بغضاً في رسول الله حين أنزل الله سورة المسد 🙁 تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) (المسد 5:1) ( البداية والنهاية لابن كثير جـ3 صـ268 )

2ـ روى البخاريُّ عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ) (البخاري حديث :3856)

 3ـ روى الشيخانِ عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ (عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ )فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. (البخاري حديث 52/مسلم حديث 1794)

 4ـ روى الترمذيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَ لِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ.

 (حديث صحيح ) (صحيح الترمذي للألباني حديث2012)

قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ :حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- هَارِبًا مِنْ مَكَّةَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، إِنَّمَا كَانَ مَعَ بِلَالٍ مِنْ الطَّعَامِ مَا يَحْمِلُهُ تَحْتَ إِبْطِهِ. (سنن الترمذي جـ4 ص556)

الصبر على البلاء وصية نبينا -صلى الله عليه وسلم-

(1) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ(تعب) وَلَا وَصَبٍ(وجع) وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ. (البخاري حديث 5641/مسلم حديث2573)

(2) روى الشيخانِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ:أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي. قَالَ: إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ؟ فَقَالَتْ: أَصْبِرُ. فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لَهَا. (البخاري حديث 5652/مسلم حديث2576)

(3) روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ: اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي.قَالَتْ: إِلَيْكَ عَنِّي،فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي. وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا: إِنَّهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-. فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ: لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى.(البخاري حديث 1283/مسلم حديث926)

(4) روى مسلمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلَّا كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا.

 (مسلم حديث 2572)

(5) روى مسلمٌ عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ.(مسلم حديث 2999)

(6) روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ.( يُرِيدُ عَيْنَيْهِ) (البخاري حديث 5653)

(7) روى مسلمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. (مسلم حديث 1849)

(8) روى أحمدُ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ إِنِّي إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنًا فَحَمِدَنِي عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنْ الْخَطَايَا وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا قَيَّدْتُ عَبْدِي وَابْتَلَيْتُهُ وَأَجْرُوا لَهُ كَمَا كُنْتُمْ تُجْرُونَ لَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ. (حديث حسن)(صحيح الجامع للألباني حديث 4300)

(9) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ. (حديث حسن صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث 1957 )

(10) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ. (حديث حسن صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث1954)

صور من ابتلاء الصحابة

(1) روى ابنُ ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَالْمِقْدَادُ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمْ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا إِلَّا بِلَالًا فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ أَحَدٌ أَحَدٌ . (حديث حسن) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث122)

(2) قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : قُلْت لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ: أَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَللّهِ إنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ وَيُجِيعُونَهُ وَيُعَطّشُونَهُ حَتّى مَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا مِنْ شِدّةِ الضّرّ الّذِي نَزَلَ بِهِ حَتّى يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنْ الْفِتْنَةِ حَتّى يَقُولُوا لَهُ آللّاتُ وَالْعُزّى إلَهُك مِنْ دُونِ اللّهِ ؟ فَيَقُول : نَعَمْ حَتّى إنّ الْجُعَلَ لَيَمُرّ بِهِمْ فَيَقُولُونَ لَهُ أَهَذَا الْجُعَلُ إلَهُك مِنْ دُونِ اللّهِ ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ افْتِدَاءً مِنْهُمْ مِمّا يَبْلُغُونَ مِنْ جَهْدِهِ . (سيرة ابن هشام جـ 1صـ 320)

(3)أبو بكر الصديق :

قالت عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَكّةُ وَأَصَابَهُ فِيهَا الْأَذَى ، وَرَأَى مِنْ تَظَاهُرِ قُرَيْشٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابِهِ مَا رَأَى ، اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْهِجْرَةِ فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا ، حَتّى إذَا سَارَ مِنْ مَكّةَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَقِيَهُ ابْنُ الدّغُنّةِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْأَحَابِيشِ . فَقَالَ له: أَيْنَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ أَخْرَجَنِي قَوْمِي وَآذَوْنِي ، وَضَيّقُوا عَلَيّ قَالَ وَلِمَ ؟ فَوَاَللّهِ إنّك لَتَزِينُ الْعَشِيرَةَ وَتُعِينُ عَلَى النّوَائِبِ وَتَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ وَتُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ارْجِعْ فَأَنْتَ فِي جِوَارِي . فَرَجَعَ مَعَهُ حَتّى إذَا دَخَلَ مَكّةَ ، قَامَ ابْنُ الدّغُنّةِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّي قَدْ أَجَرْت ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ ، فَلَا يَعْرِضَنّ لَهُ أَحَدٌ إلّا بِخَيْرِ . قَالَتْ فَكَفّوا عَنْهُ.قَالَتْ عائشة: كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ مَسْجِدٌ عِنْدَ بَابِ دَارِهِ فِي بَنِي جُمَحٍ ، فَكَانَ يُصَلّي فِيهِ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا ، إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اسْتَبْكَى . قَالَتْ فَيَقِفُ عَلَيْهِ الصّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَالنّسَاءُ يَعْجَبُونَ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ هَيْئَتِهِ . قَالَتْ فَمَشَى رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى ابْنِ الدّغُنّةِ فَقَالُوا ( لَهُ ) يَا ابْنَ الدّغُنّةِ إنّك لَمْ تُجِرْ هَذَا الرّجُلَ لِيُؤْذِيَنَا إنّهُ رَجُلٌ إذَا صَلّى وَقَرَأَ مَا جَاءَ بَهْ مُحَمّدٌ يَرِقّ وَيَبْكِي ، وَكَانَتْ لَهُ هَيْئَةٌ وَنَحْوٌ فَنَحْنُ نَتَخَوّفُ عَلَى صِبْيَانِنَا وَنِسَائِنَا وَضَعَفَتِنَا أَنْ يَفْتِنَهُمْ فَأْتِهِ فَمُرْهُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلْيَصْنَعْ فِيهِ مَا شَاءَ . قَالَتْ فَمَشَى ابْنُ الدّغُنّةِ إلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا بَكْر ٍمَكَانَك الّذِي أَنْتَ فِيهِ وَتَأَذّوْا بِذَلِكَ مِنْك ، فَادْخُلْ بَيْتَك ، فَاصْنَعْ فِيهِ مَا أَحْبَبْتَ قَالَ أَوَ أَرُدّ عَلَيْك جِوَارَك وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللّهِ ؟ قَالَ فَارْدُدْ عَلَيّ جِوَارِي ، قَالَ قَدْ رَدَدْتُهُ عَلَيْك قَالَتْ فَقَامَ ابْنُ الدّغُنّةِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ قَدْ رَدّ عَلَيّ جِوَارِي فَشَأْنُكُمْ بِصَاحِبِكُمْ . قَالَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ ، لَقِيَ أبا بكرٍ الصديق سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ ، وَهُوَ عَامِدٌ إلَى الْكَعْبَةِ ، فَحَثَا عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا . قَالَ: فَمَرّ بِأَبِي بَكْر ٍ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْر: ٍ أَلَا تَرَى إلَى مَا يَصْنَعُ هَذَا السّفِيهُ ؟ قَالَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِنَفْسِك . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: رَبّ مَا أَحْلَمَك، رَبّ مَا أَحْلَمَك، رَبّ مَا أَحْلَمَك. (سيرة ابن هشام جـ 1صـ 373:372)

(4) عثمان بن عفان:

قال محمد بن إبراهيم بن حارث التيمي: لما أسلم عثمان بن عفان أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطا وقال: أترغب عن ملة آبائك إلى دين محدث والله لا أحلك أبدا حتى تدع ما أنت عليه من هذا الدين فقال عثمان والله لا أدعه أبدا ولا أفارقه فلما رأى الحكم صلابته في دينه تركه قالوا فكان عثمان ممن هاجر من مكة إلى أرض الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية ومعه فيهما جميعا امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنهما لأول من هاجر إلى الله بعد لوط.  (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ 3 صـ 40)

(5) طلحة بين عبيد الله

 قال مسعود بن حراش : بينما نحن نطوف بين الصفا والمرة إذ أناس كثيرون يتبعون فتى شاباً موثقاً بيده في عنقه. قلت: ما شأنه؟ قالوا: هذا طلحة بين عبيد الله صبأ(أسلم) وامرأة وراءه تسبه. قلت: من هذه؟ قالوا: الصعبة بنت الحضرمي أمه.

(الإصابة لابن حجر العسقلاني جـ 2صـ 220)

(6) الزبير بن العوام :

روى أبو نعيم عن أبي الأسود قال: أسلم الزبير بن العوام وهو ابن ثماني سنين، وهاجر وهو ابن ثماني عشرة سنة، وكان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه النار وهو يقول: ارجع إلى الكفر. فيقول: الزبير لا أكفر أبدا. (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 1 صـ 89)

(7) صهيب الرومي :

روى أبو نعيم عن سعيد بن المسيب قال: لما أقبل صهيب مهاجراً نحو النبي -صلى الله عليه وسلم- فاتبعه نفر من قريش نزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم الله لا تصلون إليَّ حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما يقي في يدي منه شيء. افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وثيابي بمكة وخليتم سبيلي، قالوا: نعم. فلما قدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة قال: ربح البيع أبا يحيى ربح البيع أبا يحيى. قال ونزلت(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة: 207) (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 1 صـ 152:151)

(8) بلال بن رباح :

قال محمد بن إسحاق :كان بلال بن رباح صادق الإسلام طاهر القلب فكان أمية بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى فيقول بلال وهو في ذلك البلاء: أحدٌ، أحدٌ . (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 1 صـ 148)

صور من ابتلاء التابعين

(1) قال ثابت البناني : مات عبد الله بن مُطَرِّف، فخرج مُطَرِّف على قومه في ثياب حسنة وقد ادهن (وضع طبياً)، فغضبوا، وقالوا : يموت عبد الله، ثم تخرج في ثياب من هذه مدهنا ؟ ! قال : أفأستكين لها، وعدني ربى تبارك وتعالى ثلاث خصال، كل خصلة منها أحب إلى من الدنيا وما فيها .

قال الله تعالى : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)

( البقرة : 156و 157 ) (مختصر منهاج القاصدين صـ 348)

 (2) كان صِلة بن شيم في مغزىً له ومعه ابنه، فقال : أي بني ! تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل حتى قَتل، ثم تقدم فقُتل، فاجتمع النساء عند أمه معاذة العدوية، فقالت : مرحباً إن كنتن جئتن تهنئنني، وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن .

 (مختصر منهاج القاصدين صـ 348)

(3) قال الأحنف : لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة، ما ذكرتها لأحد . (مختصر منهاج القاصدين صـ 349)

(4)لما مات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز، دفنه عمر، وسوى عليه التراب، ثم استوى قائماً، فأحاط به الناس، فقال : رحمك الله بابني ! قد كنت براً بأبيك، والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسروراً بك، ولا والله ما كنت قط أشد بك سروراً، ولا أرجى بحظي من الله تعالى فيك منذ وضعتك في هذا المنزل الذي صيرك الله إليه . (مختصر منهاج القاصدين صـ 349)

وختاماً : أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى ، وصفاته العُلا أن يجعل هذا الكريم ، وأن العمل خالصاً لوجهه ينفع به المسلمين.

وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين .

وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين .