المقدمة
الحمدُ لله، حمداً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيرًا، وداعياً إلي الله بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد :
فإن مجالسة الصالحين لها ثمراتٌ مباركةٌ، تعود على صاحبها في الدنيا والآخرة، أحببت أن أُذكر بها نفسي وإخواني الكرام.
أسألُ اللَه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العِلْمِِ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.
صلاح نـجيب الدق
بلبيس ـ مسجد التوحيد
ثمرات مجالسة الصالحين
(1) مجالس الصالحين، مجالس ذكر لله تعالى،تحفها الملائكة،وتجلب البركة لكل من فيها:
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ؟ مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا :يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ. قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ. قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا. قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ. قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً. قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنْ النَّارِ. قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا. قَالَ: يَقُولُ؟ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً. قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ.قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ: هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ. (البخاري حديث 6408 /مسلم حديث 2689)
قال الإمام النووي(رحمه الله) فى هذا الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وان لم يشاركهم وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم. (مسلم بشرح النووي جـ 9 صـ 19)
قال أبو الفضل الجوهري: إن من أحب أهل الخير نال من بركتهم؛ كلبٌ أحب أهل فضل وصحبهم، فذكره الله في محكم تنزيله.
قال الله تعالى(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا)(الكهف:18) (تفسير القرطبي جـ 10 صـ 380)
قال القرطبي: إذا كان بعض الكلاب قد نال هذه الدرجة العليا بصحبته ومخالطته الصلحاء والأولياء حتى أخبر الله تعالى بذلك في كتابه جل وعَلا، فما ظنك بالمؤمنين الموحدين المخالطين. (تفسير القرطبي جـ 10 صـ 380)
(2) مجالسة الصالحين تقرب صاحبها من طاعة الله تعالى،وتبعده عن المعصية :
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ (يعطيك) وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً. (البخاري حديث 5534 /مسلم حديث 2628)
قال الإمام النووي (رحمه الله) قي هذا الحديث فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. (مسلم بشرح النووي جـ 8 صـ 427)
وقال ابن حجر العسقلاني (رحمه الله) في الحديث النهى عن مجالسة من يتأذى بمجالسته في الدين والدنيا والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 4 صـ 380)
(3) مجالسة الصالحين خير وسيلة للاقتداء بالصالحين في أقوالهم وأفعالهم :
من المعلوم أن الإنسان يتأثر بمن يجالسه، وخاصة إذا تكررت المجالسة، ولذا حثنا نبينا -صلى الله عليه وسلم-علي حسن اختيار من نجالسه .
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ. (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4046)
قال الإمام الخطابي(رحمه الله)( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ) معناه لا تخالل إلا من رضيت دينه وأمانته فإنك إذا خاللته قادك إلى دينه ومذهبه، ولا تغرر بدينك، ولا تخاطر بنفسك، فتخالل من ليس مرضيا في دينه ومذهبه .
وقال أيضاً: يُقالُ : إن الخلة مأخوذة من تخلل المودة القلب وتمكنها منه : وهي أعلى درج الإخاء وذلك أن الناس في الأصل أجانب فإذا تعارفوا ائتلفوا فهم أوداء، وإذا تشاكلوا فهم أحباء فإذا تأكدت المحبة صارت خلة. (العزلة للخطابي صـ 119)
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا مِنْ شَيْءٍ أَدَلُّ عَلَى شَيْءٍ وَلَا الدُّخَانِ عَلَى النَّارِ مِنْ الصَّاحِبِ عَلَى الصَّاحِبِ . (أدب الدنيا والدين للماوردي صـ 205)
قال سفيان بن عيينة : انظروا إلى فرعون معه هامان انظروا إلى الحجاج معه يزيد بن أبي مسلم شر منه انظروا إلى سليمان بن عبد الملك صحبه رجاء بن حيوة فقومه وسدده. (العزلة للخطابي صـ 119)
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : اعْرِفْ أَخَاك بِأَخِيهِ قَبْلَك . (أدب الدنيا والدين للماوردي صـ 205)
وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ : يُظَنُّ بِالْمَرْءِ مَا يُظَنُّ بِقَرِينِهِ . (أدب الدنيا والدين للماوردي صـ 205)
وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ :
عَنْ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي.
إذَا كُنْت فِي قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُمْ وَلَا تَصْحَبْ الْأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي. (أدب الدنيا والدين للماوردي صـ 205)
(4) الجليس الصالح العالم ينفع صاحبه بعلمه في الدنيا والآخرة :
يستطيع من يجالس المسلم الصالح العالم أن يستفيد منه علماً وأدباً،فينتفع بذلك في الدنيا والآخرة.
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ:آخَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ قَالَتْ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ قَالَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: صَدَقَ سَلْمَانُ. (البخاري حديث 1968)
في هذا الحديث تَعَلَّمَ أبو الدَّرْدَاءِ من سلمان الفارسي الاقتصاد في أمور الدين والدنيا.
والد الإمام البخاري:
إسماعيل بن إبراهيم، وكنيته ( أبو الحسن ) كان من تلاميذ الإمام مالك، وحماد بن زيد، وصافح عبد الله بن المبارك بكلتا يديه . ( الثقات لابن حبان جـ9 صـ98 )
قال أُحيد بن حفص : دخلت على إسماعيل، والد البخاري، عند موته فقال: لا أعلم من مالي درهما من حرام ولا درهما من شبهة . وترك للبخاري مالاً كثيراً . ( مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني صـ503 )
وهذا من بركات مجالسة العلماء الصالحين .
(5) الجليس الصالح مرآة صادقة لأخيه المسلم :
الجليس الصالح هو الذي يعطيك صورة حقيقية عن نفسك، وبدون مجاملة، وهو الذي يبصرك بعيوبك لتتجنبها في حياتك الدنيا .
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ. (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث 4110)
قال شمس الحق العظيم أبادي (رحمه الله)( الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ) أي آله لرؤية محاسن أخيه وعيوبه لكن بينه وبينه فإن النصيحة في الملأ فضيحة وأيضا هو يرى من أخيه ما لا يراه من نفسه كما يرسم في المرآة ما هو مختف عن صاحبه فيراه فيها أي إنما يعلم الشخص عيب نفسه بإعلام أخيه كما يعلم خلل وجهه بالنظر في المرآة . (عون المعبود جـ 13 صـ 178:177)
وقال الحسن البصري(رحمه الله) المؤمن مرآة أخيه إن رأى فيه مالا يعجبه سدده وقومه وحاطه وحفظه في السر والعلانية. (الإخوان لابن أبي الدنيا صـ 131)
(6) الجليس الصالح خير أنيس لصاحبه في السراء والضراء :
أهل الصلاح والخير هم الذين يَستأنسُ بوجودهم المسلمُ في الرخاء، وهم أيضاً خيرُ معين له في الضراء، فهم يخففون عنه همومه,ويسترشد بآرائهم في حل مشاكله .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : عليك بإخوان الصدق فعش في أكنافهم فإنهم زينٌ في الرخاء وعُدةٌ في البلاء . (الإخوان لابن أبي الدنيا صـ 116)
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: عليكم بالإخوان فإنهم عُدةٌ في الدنيا والآخرة، ألا تسمع إلى قول أهل النار(فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ). (الشعراء101:100) (إحياء علوم الدين للغزالي جـ 2 صـ 160)
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَخِلَّاءُ الرَّخَاءِ هُمْ كَثِيرٌ وَلَكِنْ فِي الْبَلَاءِ هُمْ قَلِيلُ . (أدب الدنيا والدين للماوردي صـ 207)
قال شعبة بن الحجاج : خرج عبد الله بن مسعود على أصحابه فقال : أنتم جلاء حزني . (الإخوان لابن أبي الدنيا صـ 150)
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : اصْطَفِ مِنْ الْإِخْوَانِ ذَا الدِّينِ وَالْحَسَبِ وَالرَّأْيِ وَالْأَدَبِ، فَإِنَّهُ رِدْءٌ لَك عِنْدَ حَاجَتِك، وَيَدٌ عِنْدَ نَائِبَتِك، وَأُنْسٌ عِنْدَ وَحْشَتِك، وَزَيْنٌ عِنْدَ عَافِيَتك . (أدب الدنيا والدين للماوردي صـ 207)
قال صالح بن موسى: قال رجل لداود الطائي : أوصني : قال : اصحب أهل التقوى فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة وأكثرهم لك معونة. (الإخوان لابن أبي الدنيا صـ 124)
قال أكثم بن صيفي : لقاء الأحبة مَسْلاةٌ للهم . (الإخوان لابن أبي الدنيا صـ 155)
(7) محبة مجالسة الصالحين سبيل الجنة :
روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ .(البخاري حديث 6168)
روى البخاريُّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ السَّاعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: لَا شَيْءَ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.قَالَ أَنَسٌ :فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ. (البخاري حديث 3688)
(8) زيارة الصالحين سبب محبة الله لعباده :
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ(أقعد)اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ(الطريق) مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ، قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا(أي تقوم بإصلاحها وتنهض إليه بسبب ذلك) ؟قَالَ: لَا غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ. (مسلم حديث 2567)
قال الإمام النووي (رحمه الله) في هذا الحديث فضل المحبة في الله تعالى، وأنها سبب لمحبة الله تعالى للعبد، وفيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب. (مسلم بشرح النووي جـ 8صـ 367)
روى مالكٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ . (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني حديث 4331)
روى مسلمٌ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ. قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ :وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: جَنَاهَا. (مسلم حديث 2568)
روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا. (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 1633)
(9)الجليس الصالح يدعو لصاحبه،ويستغفر له :
مِن بركات مجالسة الصالحين الانتفاع بدعائهم.
روى مسلمٌ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ. (مسلم حديث 2733)
قال الإمام النووي(رحمه الله) في هذا الحديث فضل دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب، ولو دعا لجماعة من المسلمين حصلت هذه الفضيلة ولو دعا لجملة المسلمين فالظاهر حصولها أيضاً، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة لأنها تُستجابُ، ويحصل له مثلها. (مسلم بشرح النووي جـ 9صـ 59)
روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:سَمِعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلًا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا.
وَزَادَ عَبَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (أي ابن الزبير)عَنْ عَائِشَةَ تَهَجَّدَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَيْتِي فَسَمِعَ صَوْتَ عَبَّادٍ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَصَوْتُ عَبَّادٍ هَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَبَّادًا. (البخاري حديث 2655)
قال عبيد الله بن الحسن لرجل : استكثر من الصديق فإن أيسر ما تصيب أن يبلغه موتك فيدعو لك. (الإخوان لابن أبي الدنيا صـ 113)
(10) الجليس الصالح يساعد صاحبه على المحافظة على وقت فراغه :
رأس مال العبد المسلم في هذه الدنيا وقتٌ قصيرٌ وأنفاسٌ محدودةٌ وأيامٌ معدودةٌ، فمن استثمر تلك اللحظات والساعات في أعمال الخير فطوبى له، ومن أضاعها وفَرَّط فيها فقد خسر خسراناً مبيناً،والجليس الصالح هو خير مُعين لصاحبه للاستفادة من هذا الوقت،بما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة. واللهُ تعالى سوف يسأل المسلم عن هذا الوقت يوم القيامة.
روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ. (حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث 1970)
الندم على ضياع الوقت مع رفقاء السوء :
أخي المسلم الكريم: إن من جهل قيمة الوقت وضيعه مع رفقاء السوء،فسيأتي عليه حينٌ يعرف فيه قيمة الوقت ولكن بعد فوات الأوان .
قال الله تعالى (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا) (الفرقان:29:27)
ذكر الله تعالى في كتابه العزيز موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم .
الموقف الأول : ساعة الاحتضار، حين يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنحَ مهلة من الزمن, ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات، وفي هذا يقول الله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المنافقون : 9 : 11 )
وهكذا يتمنى الإنسان لحظات قليلة من الوقت يتزود فيها بالقليل من الطاعات والأعمال الصالحة، ولكن اللهَ لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها . قال تعالى : (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) ( ق : 19 )
وقال سبحانه أيضاً : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ( المؤمنون : 99 : 100)
هكذا تكون أمنية أهل المعاصي ساعة الاحتضار .
الموقف الثاني : حين تُوَفى كل نفس ما كسبت، ويدخل أهل الطاعة الجنة، وأهل المعصية النار، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف، ليبدؤوا من جديد عملاً صالحاً، و لكن لا فائدة مما يطلبون، فقد انتهى زمن العمل، وجاء زمن الجزاء، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) ( فاطر : 36 : 37 ) وهكذا انقطعت حجج أهل النار بهذا السؤال التقريعي . ( الوقت في حياة المسلم صـ15 : صـ16 )
(11) الجليس الصالح دائماً يذكر صاحبه بالله تعالى :
الصالحون معتادون على ذكر الله في السراء والضراء،ولذا فإن مجرد رؤيتهم تذكرك بالله تعالى.
روى أحمدٌ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ . (حديث حسن بشواهده)(مسند أحمد جـ 45صـ 575حديث:27599)
روى الشيخانِ عَنْ أَنَسٍ بنِ مالكٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْغَارِ(أثناء الهجرة من مكة إلى المدينة) فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا قَالَ: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا.
(البخاري حديث 3653 /مسلم حديث 2381)
روى البخاريُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ. فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ. فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم-( خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ )وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ، وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ. (البخاري حديث 4642)
قال بلال بن سعد: أخٌ لك كلما لقيك ذكرك بحظك من الله خيرٌ لك من أخٍ كلما لقيك وضع في كفك دينارا. (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 5صـ 225)
(12) الجليس الصالح يحفظ صاحبه في حضرته وغيبته :
الجليس الصالح يدافع عن صاحبه في السر و العلانية،ويصون عرضه،ويبعد عنه الشبهات،ويتحمل الأذى من أجله.
أسَرَ المشركون زَيْدَ بْنِ الدّثِنّة في غزوة ذات الرجيع،ولما أرادوا قتله قالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ: أَنْشُدُك اللّهَ يَا زَيْدُ أَتُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا عِنْدَنَا الْآنَ فِي مَكَانِك نَضْرِبُ عُنُقَهُ وَأَنّك فِي أَهْلِك ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأَنّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْت مِنْ النّاسِ أَحَدًا يُحِبّ أَحَدًا كَحُبّ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ مُحَمّدًا . (سيرة ابن هشام جـ3صـ141:140)
(13) الجليس الصالح يحث صاحبه علي أعمال الخير :
الجليس الصالح يذكر صاحبه،دائماً،ببر الوالدين،والإحسان إلى الفقراء،والأيتام،ويحثه على حُسْنِ معاملة الجيران، وإكرام الضيف.
كان نبينا -صلى الله عليه وسلم-يحث أصحابه على أعمال الخير.
روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا. قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي. (البخاري حديث 527/مسلم حديث 85)
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ. (البخاري حديث 6138)
روى البخاريُّ عَنْ سَهْلٍ بنِ سَعدٍ قال:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. (البخاري حديث 5304)
روى مسلمٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:جَاءَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْهِمْ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَأَبْطَئُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ قَالَ ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ. (مسلم ـ كتاب العلم ـ حديث 15)
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ. (مسلم ـ كتاب البر والصلة ـ حديث 142)
(14) الجليس الصالح يحزن لفراق صاحبه ويشتاق للقائه:
من ثمرات مجالسة الصالحين،أن الجليس الصالح قد أحب صاحبه ابتغاء وجه الله، وليس من أجل شيء من متاع الدنيا الزائل، ولذا كان من الطبيعي أن يحزن لفراق صاحبه ويشتاق للقائه.لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم-،يتفقد أحوال أصحابه،فيسأل عن من غاب منهم،ويعود مرضاهم،ويحزن على موتاهم.
روى الشيخانِِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:اشْتَكَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ شَكْوَى لَهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُهُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي غَاشِيَةِ أَهْلِهِ فَقَالَ: قَدْ قَضَى؟(أي مات) قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ .فَبَكَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ بُكَاءَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بَكَوْا فَقَالَ أَلَا تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ وَلَا بِحُزْنِ الْقَلْبِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ أَوْ يَرْحَمُ وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ .(البخاري حديث 1304ـ مسلم حديث 924)
روى أبو داودَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُقَبِّلُ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، وَهُوَ مَيِّتٌ حَتَّى رَأَيْتُ الدُّمُوعَ تَسِيلُ. (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث2709 )
(15) مجالسة الصالحين حصن لأصحابها من شياطين الجن والإنس :
مجالسة الصالحين وقايةٌ للإنسان من الوقوع فريسة لشياطين الجن والإنس، الذين يدفعونه إلى طريق المعاصي،كالغيبة والنميمة،فيندم الإنسان حين لا ينفع الندم،ويبكي لحين لا ينفع البكاء .قال الله تعال(وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِين) (الزمر56:54)
(16) مجالسة الصالحين تحث أصحابها علي التنافس في أعمال الخير:
روى الشيخانِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ:كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ(حديقة) وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. (البخاري حديث2318ـ مسلم حديث 998)
روى الترمذيُّ عن عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ قال: “أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قُلْتُ مِثْلَهُ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ، قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا.” (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2902)
روى أحمدُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي ثَوْبِهِ حِينَ جَهَّزَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- جَيْشَ الْعُسْرَةِ قَالَ فَصَبَّهَا فِي حِجْرِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَلِّبُهَا بِيَدِهِ وَيَقُولُ: مَا ضَرَّ ابْنُ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ يُرَدِّدُهَا مِرَارًا. (حديث حسن)(مسند أحمد جـ34صـ231)
لقد كان التنافس في أعمال الخير شائعاً بين أصحاب نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
(17) مجالسة الصالحين ضمان لاستمرار الصحبة المباركة في الدنيا والآخرة:
قال الله تعالى:( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (الزخرف68:67)
قال الإمام ابن كثير(رحمه الله) قوله تعالى: ( الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ) أي: كل صداقة وصُحبة لغير الله، فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله، عز وجل، فإنه دائم بدوامه. وهذا كما قال إبراهيم، عليه السلام، لقومه: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) (العنكبوت:25 ). (تفسير ابن كثير جـ12صـ324)
روى عبدُ الرزاق بن همام عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، في قوله تعالى ( الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ) قال : « خليلان مؤمنان، وخليلان كافران، تُوفي أحد المؤمنين فبُشرَ بالجنة فذكر خليله فقال : اللهم إن خليلي فلانا كان يأمرني بطاعتك، وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير، وينهاني عن الشر، وينبئني أني ملاقيك، فلا تضله بعدي، حتى تريه مثل ما أريتني وترضى عنه كما رضيت عني، فيقال له : اذهب فلو تعلم ما لك عندي لضحكت كثيراً وبكيت قليلاً، قال : ثم يموت الآخر فيجمع بين أرواحهما فيُقالُ : ليثن أحدكما على صاحبه، فيقول كل واحد منهما لصاحبه : نعم الأخ ونعم الصاحب، ونعم الخليل، وإذا مات أحد الكافرين فبُشرَ بالنار، فتذكر خليله فيقول : اللهم إن خليلي فلاناً كان يأمرني بمعصيتك، ومعصية رسولك، ويأمرني بالشر، وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير لاقيك، اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني، وتسخط عليه كما سخطت عليَّ، قال : ويموت الكافر فيجمع بين أرواحهما ثم يقول: ليثن كل واحد منكما على صاحبه، فيقول كل واحد منهما لصاحبه بئس الأخ،وبئس الصاحب،وبئس الخليل. »
(تفسير عبد الرزاق جـ3صـ 174) (تفسير ابن أبي حاتم جـ 10صـ 3285) (تفسير الطبري جـ 23صـ709) (تفسير ابن كثير جـ12صـ325)
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .