العطور

الحمدُ لله الذي أكملَ لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام ديناً، وجعلنا مِن خيرِ أمَّةٍ أُخرجت للنَّاس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر،وتؤمن بالله العزيز الحكيم، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله، وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:

أخي المسلم الكريم : اعلم أن وَضْعَ المرأة للعطور (الخالية من الكحول) له حالان :

(1) داخل بيتها، أمام زوجها و محارمها.

(2) و خارج بيتها، وأمام الرجال مِن غير المحارم.

 وكُلُّ حالٍ له حُكْمٌ خاصٌ به، فنقول وبالله تعالى التوفيق :

أولاً: وضع المرأة للعطور داخل بيتها

يُستحبُ للمرأة أن تتزينَ،بما ليس بمحرم،وتضعَ العطورَ

(الخالية من الكحول) داخل بيتها لزوجها، وهذا أمر حثت عليه الشريعة الإسلامية المباركة .

روى أبو داودَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ(أساور) مِنْ وَرِقٍ (الفضة) فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ فَقُلْتُ: صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ الله.  (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 1384)

يجوز للمرأة أن تتزينَ في بيتها،و تضعَ العطورَ(الخالية من الكحول) أمام محارمها مِن الرجال إذا أُمِنَتْ الفتنة.

فوائد هامة

(1) لا يجوز للمرأة أن تضع العطر في بيتها أمام غير محارمها مِن الرجال، إذا اضطرت للجلوس معهم .

(2) إذا أرادت المرأة الخروج مِن بيتها،و جب عليها أن تتخلص مِن رائحة العطر، وذلك بالاغتسال، أو بتغيير ملابسها . (3) إذا أرادت المرأة الخروج مِن بيتها، وهي تحمل طفلاً،فلا تضع له عطراً، لأن ذلك يجذب أنظار الرجال إليها .

ثانياً: وضع المرأة للعطور خارج بيتها

يَحرمُ على المرأة أن تضع العطور خارج بيتها، سواء كانت ذاهبة للمسجد، أو للعمل،أو للسوق،أو لزيارة أقاربها، أو جيرانها، لأن رائحة العطر تجعل الرجال ينظرون إليها، وقد نهى نبينا -صلى الله عليه وسلم- المرأة أن تخرج من بيتها و هي متعطرة .

(1) روى مسلمٌ عَنْ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ:قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:  إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا. (مسلم حديث 443)

(2) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ. (مسلم حديث 444)

أخي المسلم الكريم :يلحق بالطيب ما في معناه، لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة،كحُسْنِ الملبس والحلي الذي يظهر، والزينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرجال . (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 2 صـ 407)

(3) روى أبو داودَ عَنْ عُبَيْدٍ مَوْلَى أَبِي رُهْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيبِ يَنْفَحُ وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ(غُبَارٌ ترفعه الريح) فَقَالَ: يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ جِئْتِ مِنْ الْمَسْجِدِ؟ قَالَتْ : نَعَمْ .قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي أَبَا الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لِامْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِهَذَا الْمَسْجِدِ حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنْ الْجَنَابَةِ. (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3517)

أخي المسلم الكريم :إذا كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- قد نهى المرأة عن وضع العطور وهي ذاهبة إلى المسجد،و هو بيت الله تعالى، فإن النهي عن وضع المرأة للعطور وهي ذاهبة إلى أي مكان آخر من باب أولى.

(4) روى النسائيُّ عَنْ أبي موسى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ.  (حديث حسن) (صحيح النسائي للألباني جـ 3صـ 372 )

قال عبد الرؤوف المناوي(أيما امرأة استعطرت) أي استعملت العطر أي الطيب يعني ما يظهر ريحه منه (ثم خرجت) من بيتها (فمرت على قوم) من الأجانب (ليجدوا ريحها) أي بقصد ذلك (فهي زانية) أي كالزانية في حصول الإثم، وإن تفاوت، لأن فاعل السبب كفاعل المسبب. (فيض القدير للمناوي جـ 3صـ 147)

أخي المسلم الكريم : ليس المعنى أنها زانية حقاً، تستحق عقوبة الزنا،و لكن هذا من باب المشاكلة، وهي اتفاق اللفظ مع اختلاف المعنى فشبهت بالزانية لأنها أثارت الشهوات لدى الرجال بتعمد مرورها عليهم و ريحها تعصف مما يلفت الأنظار إليها.

قَالَ الذَّهَبِيُّ: وَمِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُلْعَنُ الْمَرْأَةُ عَلَيْهَا إظْهَارُ زِينَتِهَا كَذَهَبٍ أَوْ لُؤْلُؤٍ مِنْ تَحْتِ نِقَابِهَا، وَتَطَيُّبُهَا بِطِيبٍ كَمِسْكٍ إذَا خَرَجَتْ .وَكَذَا لُبْسُهَا عِنْدَ خُرُوجِهَا كُلَّ مَا يُؤَدِّي إلَى التَّبَهْرُجِ كَمَصُوغٍ بَرَّاقٍ وَإِزَارِ حَرِيرٍ وَتَوْسِعَةِ كُمٍّ وَتَطْوِيلِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ التَّبَهْرُجِ الَّذِي يَمْقُتُ اللَّهُ فَاعِلَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلِهَذِهِ الْقَبَائِحِ الْغَالِبَةِ عَلَيْهِنَّ قَالَ عَنْهُنَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: اطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ. (البخاري حديث 6446)  (الزواجر للهيتمي جـ 1 صـ 350)

(5) روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالت:لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ.  (البخاري حديث 869)(مسلم حديث 445)

قال الإمام النووي: قولها (لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ) يعنى من الزينة والطيب وحُسْنِ الثياب .  (مسلم بشرح النووي جـ 2صـ 400)

(6) روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ . (غير متعطرات) (حديث حسن صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 529)

قال الإمام النووي قوله -صلى الله عليه وسلم- (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ) ظاهرٌ في أن المرأة لا تُمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهو أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ونحوها ممن يُفتتنُ بها، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها، وهذا النهي عن منعهن من الخروج محمولٌ على كراهة التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد، ووجدت الشروط المذكورة، فإن لم يكن لها زوج، ولا سيد، حرم المنع إذا وُجِدَتْ الشروط . (مسلم بشرح النووي جـ 2صـ 400:399)

يحرم على المرأة أن تطيع زوجها،أو ولي أمرها، إذا أمرها بمعصية الله تعالى، كأن يأمرها أن تضع العطور، أو وسائل التجميل، خارج بيتها، أو أمام أحدٍ مِن الرجال، من غير محارمها .

روى أحمدُ عنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ . (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 5 صـ 66 )

قال ابن حجر الهيتمي (خُرُوجُ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِهَا مُتَعَطِّرَةً مُتَزَيِّنَةً وَلَوْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ مِنْ الكَبَائِرِ. ) (الزواجر للهيتمي جـ 2 صـ 96)

أقوال سلفنا الصالح في عطور النساء

(1) روى عبد الرزاق عن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب خرجت امرأةٌ على عهده متطيبة فوجد ريحها فعلاها بالدرة، ثم قال: تخرجن متطيبات فيجد الرجال ريحكن وإنما قلوب الرجال عند أنوفهم اخرجن تفلات (غير متعطرات) (مصنف عبد الرزاق جـ 4صـ 370 رقم 8107)

(2) روى عبد الرزاق عن معمر عن ليث أن امرأة خرجت متزينة أذن لها زوجها فأخبر بها عمر بن الخطاب فطلبها فلم يقدر عليها فقام خطيبا فقال هذه الخارجة وهذا لمرسلها لو قدرت عليهما لشترت بهما (أسمعتهما كلاماً شديدا) ثم قال تخرج المرأة إلى أبيها يكيد بنفسه(على فراش الموت) وإلى اخيها يكيد بنفسه فإذا خرجت فلتلبس معاوزها(ثياب قديمة تناسب الحال) فإذا رجعت فلتأخذ زينتها في بيتها ولتتزين لزوجها. (مصنف عبد الرزاق جـ 4صـ 371رقم 8111)

(3) روى عبد الرزاق عن إبراهيم قال: طاف عمر بن الخطاب في صفوف النساء فوجد ريحا طيبة من رأس امرأة فقال لو أعلم أيتكن هي لفعلت ولفعلت، لتطيب إحداكن لزوجها فإذا خرجت لبست أطمار(الثياب القديمة) وليدتها(جاريتها) قال(أحد رواة الحديث) فبلغني أن المرأة التي كانت تطيبت بالت في ثيابها من الفرق.(الخوف) (مصنف عبد الرزاق جـ 4صـ 373رقم 8117)

(4) روى عبد الرزاق عن الثوري عن عبيد بن يزيد بن سراقة عن أُمه أنها أرسلت إلى حفصة وهي أختها تسألها عن الطيب وأرادت أن تخرج فقالت حفصة زوج النبي :-صلى الله عليه وسلم-إنما الطيب للفراش.  (مصنف عبد الرزاق جـ 4صـ 373رقم 8113)

 (5) روى عبد الرزاق عن عبد الله بن مسعود قال:لأن أزاحم جملاً قد هُنىء (طُلي) قطرانا أحب إليَّ من أن أزاحم امرأة متعطرة . (مصنف عبد الرزاق جـ 4صـ 373رقم 8114)

(6) روى عبد الرزاق عن عطاء قال: كان يُنهى أن تَطَّيَبَ المرأةُ وتَزَّيَّن ثم تخرج . (مصنف عبد الرزاق جـ 4صـ 371رقم 8108)

(7) روى عبد الرزاق عن الأعمش قال: استأذنت إبراهيمَ (النخعي) امرأتُه أن تأتي بعض أهلها فأذن لها،فلما خرجت وجد منها ريحاً طيبة فقال:ارجعي إن المرأة إذا تطيبت ثم خرجت فإنما هو نارٌ وشنارٌ(عار). (مصنف عبد الرزاق جـ 4صـ 373رقم 8116)

نصيحة لتاجر العطور

إذا تأكد التاجر أن امرأة ما تستخدم العطور خارج بيتها، حرم عليه أن يبيع لها، لأن في ذلك إعانة للنساء على المعصية وقد نهانا الله تعالى عن ذلك . قال سبحانه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (النساء: 2)

اعلم أخي التاجرٍ أن الأرزاق من عند الله وحده، وأن من ترك شيئاً من الشبهات، أو الحرام، أبدله الله من الحلال خيراً منه . فلنحذر جميعاً مِن مخالفة أوامر الله تعالى أو رسوله -صلى الله عليه وسلم- .

قال الله تعالى :(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) (الأحزاب:36)

وقال سبحانه:( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63)

اعلم أيها التاجر الكريم أن رزقك لن ينقص عما قدره الله تعالى لك.

روى أبو نُعيم عن أبي أُمَامة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال إن روح القدس نفث في رُوعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجلها و تستوعبَ رزقها , فاتقوا الله و أجملوا في الطلب و لا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا يُنالُ ما عنده إلا بطاعته. (حديث صحيح ) (صحيح الجامع للألباني حديث:2085)

 روى الطبراني عن أبي الدرداء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : إن الرزق ليطلبُ العبدَ أكثرَ مما يطلبه أجله . (حديث حسن) (صحيح الجامع للألباني حديث 1630)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .