الحمد لله الذى وسع سمعه الأصوات .
والصلاة والسلام على رسوله الذى بعثه بالهدى ودين الحق ..
وبعد : فإن الحج ركن من أركان الإسلام يجب على كل مستطيع له من المسلمين المكلفين لقوله تعالى : [ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ] .
ومناسكه التى شرعها الله لها أثر بالغ فى زيادة الإيمان ؛ فإن الإيمان يزيد بالطاعات والصالحات وينقص بالمعاصى والسيئات .
ولذلك فإنه ينبغى على المسلم – من حج ومن لم يحج – أن يتدبر ثم يعتبر ليجنى الثمرة ؛ زيادة فى الإيمان !! .
وقوة فى اليقين !!
الإحرام :
ما بال الرجل يحرم فى رداء وإزار ، ويتجرد من المخيط ؟!
إن ملابس الإحرام شبيه بملابس الكفن ! فهى تذكرنا بموتنا حتى نكون أكثر استعداداً له .
وتذكرنا ببعثنا حفاة عراة !
لا رداء .. لا إزار .. لا كفن !
وتذكرنا بنعمة الله علينا [ يَابَنِي ءَادَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ] هذا فى الدنيا ، فإذا جاء يوم البعث وكنا عراة !
فما الذى يسترنا ؟
والجواب فى قول ربنا : [ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ] .
وكما نتجرد من المخيط فى إحرامنا فينبغى أن نتجرد لله فى أعمالنا فنجعلها خالصة لوجهه الكريم ، ولا نشرك بربنا أحداً ..
التلبية :
لفظها ” لبيك اللهم لبيك .. ” إلخ .
ومعناها : ها أنا عبدك !
وأنا مقيم على طاعتك وأمرك !
غير خارج عن ذلك ، ولا شاردٍ عليك ! فهى اعتراف بالعبودية ، وإقرار بالطاعة ، وإذعان وخضوع .
وقد كان المشركون يحجون ويلبون من قبلنا !!
وفرق بين تلبية الموحدين وتلبية المشركين !
المؤمنون يقولون : ” لبيك لا شريك لك ” .
والمشركون يقولون : ” لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ” !!
الطواف بالبيت :
البيت بيت الله ، يطوف به الطائف فيتدبر ويتذكر أنه أول بيت وضع للناس
– من دخله كان آمناً
– جعله الله مثابة للناس وأمناً
– رفع إبراهيم عليه السلام قواعده وإسماعيل
– تهوى إليه الأفئدة ، وكلما رحلت عنه تمنت أن تعود إليه
– قال عنه عبد المطلب : ” للبيت رب يحميه ” !
– بجواره كانت قريش تصد عن سبيل الله . كان المشركون يطوفون به عراة !!
– من عنده انطلقت الدعوة إلى الله .
تقبيل الحجر الأسود :
الحجر الأسود حجر !
لا يضر ولا ينفع .
تقبيله سنة ، وتعلق القلب به شرك !
والمزاحمة عليه معصية !
لم ينزل من الجنة ، ولم تسوده خطايا بنى آدم . فتدبر هذا فإنه من المواضع التى زلت فيها الأقدام ، وضلت فيها عقول !
إن تقبيل الحجر الأسود سنة لمن وصل إليه بغير مزاحمة ولا إيذاء ولا اختلاط وتقبيل غيره من الأحجار يفتح باباً إلى الشرك !!
فالمؤمن يقبله وقلبه معلق بالله لا بالحجر !
الشرب من زمزم :
سنة بينها النبى صلى الله عليه وسلم .
والمؤمن عندما يشرب منها لا يلتفت بقلبه إليها ، وإنما يرى فيها سبباً من الأسباب التى قدرها الله ، وهو يوقن دائماً بأن الله قادر على الشفاء بغيرها ، وعلى تأخير الشفاء عمن شربها !!
وهو بعض معنى قوله تعالى : [ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ] فمن تعلق قلبه بربه ، فلم يلتفت إلى غيره فقد حقق التوحيد الذى هو حق الله على العبيد .
السعى بين الصفا والمروة :
يسعى الحاج والمعتمر بينهما فيتذكر ويتدبر !
عند الصفا بواد غير ذى زرع ترك إبراهيم عليه السلام زوجه وولده الرضيع طاعة لله !
ونحن لا نترك المعاصى !
وأطاعت الزوجة المؤمنة ربها ثم زوجها فى أمر قد يكون فيه الهلاك !
وبين الصفا والمروة سعت أم إسماعيل رضى الله عنها لعلها تجد ماءً لرضيعها الذى كاد أن يموت ! إنه الإيمان عندما تخالط بشاشته القلوب .
الوقوف بعرفة :
عرفة ركن الحج الأعظم ، وكل من حج وجب عليه أن يقف بها وإلا فلا حج له !واجتماع الحجيج فى عرفة يذكرنا بيوم الحشر [ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ] .
ومن تذكر يوم الجمع كن أكثر استعداداً له ممن غفل عنه !
وفى يوم عرفة فى شدة الحر قد يجد الحاج مشقة أحياناً فى الحصول على ماء يشربه ثم يدركه فيتذكر قول ربنا : [ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ]
وفى حجة الوداع وقف رجل على راحلته يلبى ، فسقط عنها فوقصته الناقة ( ضربته برجلها ) فمات !فقال صلى الله عليه وسلم : [ كفنوه فى ثوبه ! ولا تخمروا رأسه ، ولا تمسوه طيباً ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً ] !!
مات وهو يلبى ، وبعث وهو يلبى !مات على طاعة ، وبعث على طاعة !
فإن مات على معصية ، وما أكثر الذين يموتون على معصية !إنها حقيقة غفل عنها الغافلون ” لا ملجأ من الله إلا إليه ” .
اللهم ارزقنا حج بيتك الحرام ، واجعل هذه الكلمات من الباقيات الصالحات .وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .