{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سبأ: 1]
وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء، وإمام المرسلين، وبعد:
فلا شك أن علاقة الزوجية من أعظم وأشرف العلاقات الإنسانية التي خلقها الله عزوجل ، بل هي آية من آيات الله عزوجل، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
وهذه العلاقة تحقق مقصدين من مقاصد جميع الشرائع:
الأول:حفظ النوع (بل وحفظ الحياة على وجه المعمورة).
الثاني: حفظ العرض (حفظ الأنساب).
ولذا حث الإسلام على الزواج ورغب فيه أشد الترغيب، فمن ذلك:
حديث عبد الله بن مسعود – رضى الله عنه – قال: «كنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – شبابًا لا نجد شيئًا.
فقال لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – «يا معشر الشباب من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء». [أخرجه البخاري (5066)، ومسلم (3464)].
وقد ردَّ النبي صلى الله عليه وسلم دعوى الرهبانية تفرغًا للعبادة على من استأذن فيها من أصحابه لمنافاتها للفطرة السليمة وللمقصد الذي قامت عليه الأسرة.
فعن سعد بن أبى وقاص – رضى الله عنه – قال: «ردَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا». [أخرجه البخاري (5073)، ومسلم (3470)]
التبتل: ترك نكاح النساء؛ تفرغًا للانقطاع لعبادة الله.
الاختصاءُ: سلُّ الخصيتين ونزعُهما لقطع الشهوة.
وعن أنس بن مالك – رضى الله عنه – قال: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – يسألون عن عبادة النبي – صلى الله عليه وسلم – فلما أخبروا كأنهم تقالوها.
فقالوا: وأين نحن من النبي – صلى الله عليه وسلم – قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟!
قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا.
وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر.
وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.
فجاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال «أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنى أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني». [أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (3469)]
بل وبيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أن خير متاع الدنيا زواج الرجل من المرأة الصالحة، وزواج المرأة من الرجل الصالح، فعن عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما –أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال «الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة». [أخرجه مسلم (3716)].
وقد جعل الله تعالى العلاقة بين الرجل والمرأة عمومًا علاقة تشاركية تكاملية، لا يستغني فيها الرجل عن المرأة زوجة، وابنة، وأمًّا، وأختًا، وخالة، وعمة … ولا تستغني فيها المرأة عن الرجل زوجًا، وابنًا، وأبًا، وأخًا، وخالاً، وعمًّا …
والعلاقة الزوجية خاصة علاقة تشاركية تكاملية قامت بين طرفيها: الرجل والمرأة على الإحسان والسكن والمودة، فلم تقم على الندية، ولم تقم على المنافرة بين الزوجين، ولم تقم على الخصومة بين طرفيها، قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 228].
وقد جعل الله تعالى القِوَامَة في بيت الزوجية للرجل، قَالَ الله تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله} [النساء: 34].
والقِوَامَة: بكسر القاف وفتح الواو والميم، القيام على الأمر أو المال، ورعاية المصالح.
وقوامة الرجل على المرأة خاصة لها سببان ذكرهما الله عزوجل:
السبب الأول: وهبي، اختص الله به الرجال، قال الله فيه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34]، وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].
فمن هذا التفضيل الوهبي: أن الله تعالى جعل من الرجال: الأنبياء والرسل، وجعل منهم الخلفاء والسلاطين والحكام، ومن هذا التفضيل زيادة التعصيب والنصيب في الميراث، وجعل الطلاق بأيديهم، والانتساب إليهم.
السبب الثاني: كسبي، فهو تكليف من الله تعالى، قال فيه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].
فقد ذكر الله تعالى من أسباب قوامة الرجل الكسبية: التكليف بالمهر والنفقة على المرأة والأسرة.
ومن أسباب التفضيل الكسبية التكليف بالجمع، والجماعات، والجهاد، وكل تكليف ناتج عن التفضيل الوهبي من تبعات النبوة والرسالة والحكم والقضاء وقيادة الأسرة …
ومما ينبغي التنبيه عليه هنا: أن هذا التفضيل إنما وقع لجنس الرجال على جنس النساء، فليس المراد منه: تفضيل كل رجل على كل امرأة، بل إن من النساء من يفضلن كثيرًا من الرجال في العلم والدين والعمل والرأي وغير ذلك، ومنهن من هي أعلى درجة في الجنة من كثير من الرجال.
هذه لمحة قصيرة عن العلاقة بين المرأة والرجل في الإسلام يتبعها كثير من الأحكام المنظمة للعلاقة بينهما سواء كانت العلاقة بين أجنبيين، أو بين المحارم، أو بين الزوجين وهو بيت القصيد فيما أردته في هذه المقدمة.
أما الطرح العلماني لهذه العلاقة فإنه طرح اتسم في جمهوره بالخروج عن أحكام الشرائع، ومحاولة إذكاء الندية والخصومة بين الرجل والمرأة، ومحاولة تحطيم الأسرة.
وكان طريقهم في ذلك يتلخص في عدد من الأمور في البلدان التي ما زالت تحافظ على التشريع المنظم لهذه العلاقة:
الأمر الأول: الانتقائية في الأحكام الشرعية بحيث يأخذ من الشرع ما يخدم قضيته، ويترك منه ما يخالف ما يريد.
الأمر الثاني: محاولة التشكيك في الأحكام الخاصة بالمرأة، وادعاء أنها من سنن الفقهاء، وليست من دين الله عزوجل.
الأمر الثالث: إظهار الشرائع على أنها معادية للمرأة هاضمة لحقوقها ظالمة لها، وهم لا يصلون إلى هذا الطرح إلا بعد التدرج بالأمرين السابقين.
الأمر الرابع: محاولة إفساد المرأة، وذلك بعدة وسائل:
1 ـ إخراجها من بيتها ومزاحمتها للرجال في سائر الميادين.
2 ـ إزالة الحواجز بين المرأة والرجال ونشر الاختلاط.
3 ـ محاولة إزالة ستر المرأة وحجابها بمختلف الطرق.
4 ـ محاولة تعكير العلاقات الزوجية، وتخبيب المرأة على زوجها، وإذكاء تمردها على تكاليف الأسرة، وتصوير ذلك في صورة المكتسبات.
5 ـ محاولة نشر العلاقات المحرمة بين الجنسين خارج نطاق الأسرة.
6 ـ إباحة الإجهاض والسعي في تشريعه قانونًا محاولة منهم لتخفيف أثر العلاقات المحرمة.
7 ـ محاولة نشر الشذوذ في العلاقات الجنسية إفسادًا للفطرة، وهذا من آخر ما يسعون إليه.
وغير ذلك من الوسائل التي يتخذونها لإفساد الأسرة والمرأة، ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأحابيل التي ينسجها شياطين الإنس والجن، فعن أبى سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها؛ فينظر كيف تعملون؟
فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» [أخرجه مسلم (7124)].
تنبيه:
من حيل هؤلاء العلمانيون في نشر قضاياهم إثارة القضايا الفقهية انتقائيًّا؛ فيكون العلماء وأهل الصلاح بين أمرين:
1 ـ أن يخرج الفقهاء وأهل الصلاح فيدلون بدلوهم فيها غافلين عما يريده هؤلاء غير منتبهين إليه، فينتشر الحوار المجتمعي، ويتخذ قولهم نوع شرعية، ثم يتدرجون بعد ذلك إلى ما يريدون بثه في المجتمع تدرجًا.
2 ـ أن يسكت أهل العلم والصلاح عن البيان فيخلوا لهم الطريق فيبثوا ما يريدون على أنه من المقررات الشرعية، ثم يستقطبون بالترغيب والترهيب المتزيين بأزياء العلماء فيقررون ما يريدون حتى يكتسب نوع شرعية.
القارئ الكريم: أردت بهذه المقدمة القصيرة التوطئة بين يدي هذا الموضوع: خدمة المرأة لزوجها، وهذا ما وسعه هذا المقام، فإلى لقاء قريب بإذن الله تعالى.