السواك

أخرج البخاري ومسلم في ( صحيحيهما ) عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال ‏‏: قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم – : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم  ‏بالسواك مع كل صلاة ) .‏

السواك سنة مؤكدة من سنن الدين كله ، وليس من سنن الوضوء أو الصلاة ‏فحسب ، يدل على ذلك الأحاديث الكثيرة الواردة فيه الدالة على مواظبة النبي ‏- صلي الله عليه وسلم – عليه ليلاً ونهارًا ، وقد قام الإجماع على أنه مندوب .‏

قال الأوزاعي : هو شطر الوضوء ، وهو مستحب في جميع الأوقات .‏

قال النووي : لكن في خمسة أوقات أشد استحبابًا : ‏

أحدها : عند الصلاة ، سواءً كان متطهرًا بماء ، أو بتراب ، أو غير متطهر ، ‏كمن لا يجد ماءً ولا ترابًا .‏

الثاني : عند الوضوء .‏

الثالث : عند قراءة القرآن .‏

الرابع : عند الاستيقاظ من النوم .‏

الخامس : عند تغير الفم ، وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ، ‏ومنها أكل ما له رائحة كريهة ، ومنها طول السكوت ، ومنها كثرة الكلام .‏

قال ابن منظور في ( لسان العرب ) : الأراك شجر معروف – وهو شجر السواك ‏‏- يستاك بفروعه .‏

قال أبو حنيفة: هو أفضل ما استيك بفروعه من الشجر ، وأطيب ما رعته ‏الماشية رائحة لبن.‏

قال أبو زياد : منه تتخذ هذه المساويك من الفروع والعروق ، وأجوده عند ‏الناس العروق .‏

فانظر – رعاك الله – يذكر أن أجود السواك ما كان من جذور الأراك .‏

وفي ( دائرة معارف الشباب ) : الأراك شجيرة المسواك من الفصيلة الأراكية ، ‏تنبت في وديان الصحاري ، أوراقها متقابلة تكسب لبن الماشية التي تأكلها ‏رائحة طيبة ، ويتخذ من أغصانها وجذورها مساويك .‏

قال الشوكاني في ( نيل الأوطار ) : ويستحب أن يستاك بعود من أراك ، وبأي ‏شيء استاك مما يزيل التغير حصل السواك ، كالخرقة الخشنة والأشنان ، ‏وللفقهاء في السواك آداب وهيئات لا ينبغي للفطن الاغترار بشيء منها ، إلا أن ‏يكون موافقًا لما ورد عن الشرع ، ولقد كرهوه في أوقات وعلى حالات ، حتى كاد ‏يفضي ذلك إلى ترك هذه السنة الجليلة وإطراحها، وهي أمر من أمور الشريعة ‏ظهر ظهور النهار وقبله من سكان البسيطة أهل الأنجاد والأغوار.‏

يقول شيخ الإسلام : السواك تطييب للفم الذي هو محل الذكر والمناجاة ، وإزالة ‏ما يضر الملائكة من بني آدم ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم .‏

ويقول ابن حجر : وإنه لا يختص بالأسنان ، وأنه من باب التنظيف والتطييب ‏لا من باب إزالة القاذورات ؛ لكونه – صلي الله عليه وسلم – لم يختف به ، وبوبوا ‏عليه ( الاستياك بحضرة الرعية ) .‏

وكلام ابن حجر هذا يبين سبب خلاف العلماء في موضعين :‏

الأول : هل يفضل أن يستاك بيمينه أو بيساره ؟‏

والثاني : هل يستاك أمام الناس أم يختفي ؟‏

وذلك أنه لو كان من باب إزالة القذر ، فالأفضل استخدام يسراه ، وذلك ما دافع ‏عنه شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، وفصل فيه طويلاً .‏

ومما قاله : الأفضل أن يستاك باليسرى ، نص عليه الإمام أحمد في رواية ابن ‏منصور ، ذكره عنه في مسائله ، وما علمنا أحدًا من الأئمة خالف في ذلك ، وذلك ‏لأن الاستياك من باب إماطة الأذى ، وذلك باليسرى ، كما أن إزالة النجاسات ‏كالاستجمار ونحوه باليسرى ، وإزالة الأذى واجبها ومستحبها باليسرى ، ثم ‏أخذ يناقش طويلاً ؛ يدلل على تفضيل اليسرى في السواك . [ راجع ( مجموع ‏الفتاوى) جـ21 ، ص28 ، وما بعدها] .‏

وفي ( الموسوعة الفقهية) قال : يندب إمساك السواك باليمني ؛ لحديث عائشة ‏‏، رضي الله عنها : كان النبي – صلي الله عليه وسلم – يعجبه التيامن في تنعله ‏وترجله وطهوره ، وفي شأنه كله .‏

بينما قال في ( الموسوعة ) أيضًا : لا يستحب الاسيتاك بحضرة الجماعة ؛ لأنه ‏ينافي المروءة، ويتجنب الاستياك في المسجد وفي المجالس الحافلة .‏

أما الشيخ العلامة ابن عثيمين – حفظه الله تعالى – فيقول : الأمر في ذلك واسع ‏‏، فيستاك كما يريد ؛ لأنه ليس في المسألة نص واضح ، ثم فصل الأمر على ثلاثة ‏أقوال ، الثالث منها : إن تسوك لتطهير الفم ، كما لو استيقظ من نوم ، أو ‏لإزالة أذى ، فيكون باليد اليسرى ؛ لأنه إزالة الأذى ، وإن تسوك لتحصيل ‏السنة فيكون باليمنى .‏

هذا ، وما ذكره الشوكاني ونقلناه من أنه يتبع من هذه الأقوال ما قامت عليه ‏الأدلة، والله أعلم.‏

وفي الحديث: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم … ) فيه دليل على أن الأمر ‏للوجوب، وهو مذهب أكثر الفقهاء وجماعات من المتكلمين وأصحاب الأصول.‏

يقول القرطبي في ( المفهم ) : أي لأوجبت ذلك عليهم ، عبر بالأمر عن الوجوب ‏‏؛ لأنه الظاهر منه ، وهل المندوب مأمور به أو لا ؟ اختلف في ذلك أهل الأصول ‏‏، والصحيح أنه مأمور به ؛ لأنه قد اتفق على أنه مطلوب مقتضى ، كما قد ‏حكاه أبو المعالي ، وهذا الحديث نص على أن السواك ليس بواجب .‏

قال الشافعي في ( الأم ) : السواك ليس بواجب وأنه اختيار ، لو كان واجبًا ‏لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق ، واستحب السواك عند كل حال يتغير فيه ‏الفم

وعند الاستيقاظ من النوم والأزم (1) ، وأكل كل ما يغير الفم وشربه ، ‏وعند الصلوات كلها ، ومن تركه وصلى فلا يعيد صلاته ، ولا يجب عليه وضوء ‏‏.‏

وقال الخطابي: السواك غير واجب، وذلك لأن ( لولا) كلمة تمنع الشيء ‏لوقوع غيره، فصار الوجوب بها ممنوعًا، ولو كان السواك واجبًا لأمر به شق ‏عليهم أو لم يشق، وفي قوله – صلي الله عليه وسلم -: ( لولا أن أشق . ) دليل على ‏شفقة النبي – صلي الله عليه وسلم – بأمته .‏

وفي (زاد المعاد ) : وأصلح ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه ، ولا ينبغي ‏أن يؤخذ من شجرة مجهولة ، فربما كانت سمًّا ، وينبغي القصد في استعماله ، ‏فإن بالغ فيه فربما أذهب طلاوة الأسنان وصقالتها ، وهيأها لقبول الأبخرة ‏المتصاعدة من المعدة والأوساخ ، ومتى استعمل باعتدال جلا الأسنان وقوى ‏العمود ، وأطلق اللسان ، ومنع الحفر ، وطيب النكهة ، ونقى الدماغ ، وشهى ‏الطعام .‏

وأجود ما استعمل مبلولاً بماء الورد ومن أنفعه أصول الجوز .‏

قال صاحب التيسير : زعموا أنه إذا استاك به المستاك كل خامس من الأيام نقى ‏الرأس ، وصفى الحواس ، وأحَدَّ الذهن .‏

وفي السواك عدة منافع : يطيب الفم ، ويشد اللثة ، ويقطع البلغم ، ويجلو ‏البصر ، ويذهب بالحفر ، ويصح المعدة ، ويصفي الصوت ، ويعين على هضم ‏

الطعام ، ويسهل مجاري الكلام ، وينشط للقراءة والذكر والصلاة ، ويطرد النوم ‏‏، ويرضي الرب ، ويعجب الملائكة ، ويكثر الحسنات .‏

ويستحب كل وقت ويتأكد عند الصلاة والوضوء والانتباه من النوم وتغير رائحة ‏الفم .‏

وفي ( الحاوي ) للماوردي : كان النبي – صلي الله عليه وسلم – يستاك بالأراك ، فإن ‏تعذر الأراك ، استاك بعراجين النخل ، فإن تعذر عليه استاك بما وجده ،‏ويختار أن يكون العود الذي يستاك به نديًّا ، ولا يكون يابسًا فيجرح ولا رطبًا ‏‏، فلا ينقي فلو لف على أصبعه خرقة خشنة وأمرها على أسنانه حتى زال الصفرة والخلوف ، فقد أتي بسنة السواك ، نص ‏عليه الشافعي ؛ لأنه يقوم مقام العود في الإنقاء ، فأما إذا جلا أسنانه بالحديد ‏أو بردها بالمبرد فمكروه لأمرين :‏

أحدهما : أنه يذيب الأسنان ويفضي إلى انكسارها .‏

والثاني : أنها تخشن ، فتتراكم الصفرة والخلوف فيها ، ولذلك لعن رسول الله ‏- صلي الله عليه وسلم – الواشرة والمستوشرة ، وهي التي تبرد أسنانها بالمبرد .‏

‏ ‏‎ ·‎‏ السواك للصائم :‏

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله : السواك للصائم جائز بلا نزاع ، لكن ‏اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد ، ‏ولم يقم دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك وقياسه على دم ‏الشهيد ونحوه ضعيف من وجوه .‏

وقال ابن عبد السلام في ( قواعده الكبرى )  : وقد فضل الشافعي تحمل الصائم ‏مشقة رائحة الخلوف على إزالتها بالسواك ، مستدلين بأن ثوابه أطيب من ريح ‏المسك ، ولا يُوافق الشافعي على ذلك ، إذ لا يلزم من ذكر ثواب العمل أن يكون ‏أفضل من غيره ؛ لأنه لا يلزم من ذكر الفضيلة حصول الرجحان بالأفضلية ، ألا ‏ترى أن الوتر عند الشافعي في قوله الجديد أفضل من ركعتي الفجر مع قوله ‏عليه السلام : ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ) .‏

وكم عن عبادة قد أثنى الشارع عليها وذكر فضيلتها وغيرها أفضل منها ، وهذا ‏من باب تزاحم المصلحتين اللتين لا يمكن الجمع بينهما ، فإن السواك نوع من ‏التطهر المشروع لأجل الرب سبحانه ؛ لأن مخاطبة العظماء مع طهارة الأفواه ‏تعظيم لا شك فيه ، ولأجله شرع السواك ، وليس في الخلوف تعظيم ولا إجلال ‏‏، فكيف يقال : إن فضيلة الخلوف تربو على تعظيم ذي الجلال بتطييب ‏الأفواه – إلى أن قال : – والذي ذكره الشافعي ، رحمه الله ، تخصيص للعام ‏بمجرد الاستدلال المذكور المعارض بما ذكرناه .‏

يقول ابن القيم : يستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه ، ‏ولحاجة الصائم إليه ؛ ولأنه مرضاة للرب ، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من

‏طلبها في الفطر ، ولأنه مطهرة للفم والطهور للصائم من أفضل أعماله .‏

‏وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبًا واستحبابًا ، والمضمضة أبلغ من ‏السواك ، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي من جنس ما ‏شرع التعبد به ، وإنما ذكر الخلوف عند الله يوم القيامة حثًّا له على الصوم ، لا ‏حثًا على إبقاء الرائحة ، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر ، وأيضًا فإن رضوان ‏الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم ، وأيضًا فإن محبته للسواك أعظم من ‏محبته لبقاء خلوف فم الصائم .‏

وأيضًا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة ، ‏بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه ، ولو ‏أزاله بالسواك ، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ولون دم جرحه لون الدم وريحه ‏ريح المسك ، وهو مأمور بإزالته في الدنيا .‏

وأيضًا فإن الخلوف لا يزول بالسواك ، فإن سببه قائم ، وهو خلو المعدة من الطعام ‏‏، وإنما يزول أثره وهو المنعقد على الأسنان واللثة .‏

وأيضًا فإن النبي – صلي الله عليه وسلم – علم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره ‏لهم ، ولم يجعل السواك من القسم المكروه ، وهو يعلم أنهم يفعلونه ، وقد حضهم ‏عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول ، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارًا كثيرة ‏تفوق الإحصاء ، ويعلم أنهم يقتدون به ، ولم يقل لهم يومًا من الدهر : لا تستاكوا ‏بعد الزوال ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع ، والله أعلم .‏

كلمة الأطباء :‏

قال د : قلعجي : لقد حرص الطب الإسلامي على صحة الفرد بشكل عام ، وعلى ‏صحة أسنانه ونظافتها بشكل خاص ، وورد عن الرسول المعلم – صلي الله عليه وسلم – ‏مجموعة أحاديث في طرق العناية بالفم ووسائل طب الأسنان الوقائي ، حتى غدت ‏عناية المسلم بصحة أسنانه ونظافتها عادة يومية ، وسن الرسول صلى الله عليه ‏وسلم فيه المضمضة ثلاث مرات لكل وضوء لنزول رواسب الأطعمة وما خلفته من ‏بقايا ، كذلك حض الحديث على استعمال الفرشاة الطبيعية من نبات دائم الخضرة ‏‏( الأراك ) المتوفر في الجزيرة العربية وبلاد الشام وجنوب الوادي بمصر ، وقد ‏اهتم النبي – صلي الله عليه وسلم – بتنظيف الأسنان بالسواك ، فقال : ( لولا أن أشق ‏على أمتي لأمرتهم بالسواك قبل كل صلاة ) ، ويمتاز السواك بأنه يتكون كميائيًا ‏من : ألياف السيللوز ، وبعض الزيوت الطيارة ، وبه راتنج عطري ، وأملاح ‏معدنية ، فهو فرشاة طبيعية زُودت بمسحوق مطهر ، كما أنه اقتصادي لأن ‏الفرشاة تهلك بعد شهور ، وهو دائم ؛ لأننا نقلمه .‏

وقد درس علماء طب الأسنان حديثًا تلك الطبقة البكترية من الأسنان والتي أسموها ‏‏(‏‎DENTAL BLACK‎‏) ، والتي لا تصلها شعيرات الفرشاة ، ومنها تبدأ رائحة ‏الفم وأمراض اللثة ، فتبين أن شعيرات السواك تصل إلى هذه الطبقة أيضًا .‏

أحاديث وآثار في السواك : وفي السواك أحاديث صحيحة تربو على المائة ، اخترت ‏منها هذه الأحاديث والآثار التي تبلغ ثلاثين :‏

1– عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – قال : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) . أخرجه الجماعة ، إلا ابن ماجه .‏

2–  عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم – : ‏‏( أكثرت عليكم في السواك ) . أخرجه البخاري .‏

3–  وأخرج البخاري معلقًا بصيغة الجزم عن عائشة ، رضي الله عنها ، عن

‏النبي – صلي الله عليه وسلم – : ( السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب ).  وأخرجه  أحمد ‏وأبو داود موصولاً ، وفي البخاري ، وقال عطاء وقتادة : يبتلع ريقه.‏

4–  وأخرج أيضًا عن أبي موسى قال : أقبلت إلى النبي – صلي الله عليه وسلم – ‏

ومعي رجلان من الأشعريين ؛ أحدهما عن يميني ، والآخر عن يساري ، ورسول ‏الله – صلي الله عليه وسلم – يستاك – حتى قال – : فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفتيه ‏قلصت .‏

5–  وعن حذيفة ، رضي الله عنه ، قال : كان النبي – صلي الله عليه وسلم – إذا ‏قام من الليل يشوص فاه بالسواك .‏

6–  وعن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال: أتيت النبي – صلي الله عليه وسلم-، فوجدته يستن بسواك بيده يقول : ( أُع ، أُع ) ، والسواك في يده كأنه ‏يتهوع .‏

7–  وعن ابن عمر أن النبي – صلي الله عليه وسلم – قال : ( أراني أتسوك ‏بسواك فجاءني رجلان : أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر منهما ، ‏فقيل لي : كبر ، فدفعته إلى الأكبر منهما ) .‏

8– عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ‏ومعه سواك يستن به ، فنظر إليه رسول الله – صلي الله عليه وسلم – ، فقلت له : ‏أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطاينه فقضمته ، ثم مضغته ، فأعطيته رسول ‏الله – صلي الله عليه وسلم – ، فاستن به وهو مستند إلى صدري – وكان ذلك في مرض ‏موته – صلي الله عليه وسلم – .رواه البخاري .‏

9–  قال البخاري : ويذكر أنه كان يستاك وهو صائم ، وقال ابن عمر : ‏يستاك أول النهار وآخره ، وقال عطاء : إن ازداد ريقه لا أقول : يفطر ، وقال ابن ‏سيرين : لا بأس بالسواك الرطب ، قيل : له طعم ، قال : والماء له طعم ، وأنت ‏تمضمض به ، ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسًا .‏

10–  وقال البخاري : ويذكر عن عامر بن ربيعة قال : رأيت النبي صلى الله ‏عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد .‏

11–  وأخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – ‏قال : (غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ، ويمس من الطيب ما قدر عليه ‏‏) .‏

12–  وأخرج مسلم عن عائشة ، رضي الله عنها : كنا نعد له سواكه وطهوره ‏‏، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه في الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا ‏يجلس فيها إلا في الثامنة ، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم ‏يقوم فيصلي التاسعة .‏

13–  وأخرج أبو داود عن عائشة ، رضي الله عنها ، كان يبدأ رسول الله صلى ‏الله عليه وسلم إذا دخل بيته بالسواك .‏

14–  وأخرج أيضًا عنها قالت : كان النبي – صلي الله عليه وسلم – يستاك ‏فيعطيني السواك لأغسله ، فأبدأ به ، فاستاك، ثم أغسله وأدفعه إليه .

15–  وأخرج عنها قالت : قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم – : ( عشرة من ‏الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ‏‏، وغسل البراجم، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء ) . قال مصعب : ‏ونسيت العاشرة ، إلا أن تكون المضمضة .‏

16–  وأخرج عنها ، رضي الله عنها ، أن النبي – صلي الله عليه وسلم – كان ‏يوضع له وضوؤه وسواكه ، فإذا قام من الليل تخلى ، ثم استاك .‏

17–  وأخرج عنها أن النبي – صلي الله عليه وسلم – كان لا يرقد من ليل ولا نهار ‏فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ .‏

18–  وأخرج عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : بت ليلة عند النبي ‏- صلي الله عليه وسلم – ، فلما استيقظ من منامه أتى طهوره ، فأخذ سواكه فاستاك .‏

‏أما في ( مسند أحمد ) : ‏

19–  عن زيد بن خالد الجهني مرفوعًا : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم ‏بالسواك عند كل صلاة )  . قال : فكان زيد يروح إلى المسجد وسواكه على أذنه ‏بموضع قلم الكاتب ، ما تقام صلاة إلا استاك قبل أن يصلي .‏

20–  عن عامر بن ربيعة قال : رأيت رسول الله – صلي الله عليه وسلم – ما لا ‏أحصي يستاك وهو صائم . [ قال الشيخ أحمد شاكر : صحيح ] .‏

21–  عن واثلة بن الأسقع قال : سمعت رسول الله – صلي الله عليه وسلم – يقول ‏‏: ( أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب عليَّ ) . [ سنده حسن ] .‏

22–  عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم : (أمرت بالسواك حتى ظننت ، أو حسبت أن سينزل فيه قرآن ) . وفي ‏رواية : كان رسول الله – صلي الله عليه وسلم –  يكثر السواك قال : حتى ظننا أنه ‏سينزل عليه . [ صححه الشيخ أحمد شاكر ] .‏

23–  عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم كان لا ينام إلا والسواك عنده ، فإذا استيقظ بدأ به . [ صححه الشيخ أحمد ‏شاكر ، وحسنه محقق نسخة الرسالة ] .‏

24–  عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، أن النبي – صلي الله عليه وسلم – قال : ( ‏عليكم بالسواك ، فإنه مطيبة للفم ومرضاة للرب ) . [ ( 2/ 117) ، وصححه أحمد ‏شاكر] .‏

25–  عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – قال ‏‏: ( ما جاءني جبريل ، عليه السلام ، قط إلا أمرني بالسواك ، لقد خشيت أن ‏أحفى مقدم فيَّ ) . حسنه في تكملة الزين .‏ وأخرج الطبراني في ( الكبير ) عن أم سلمة مرفوعًا : ( ما زال جبريل يوصيني ‏بالسواك حتى خشيت على أضراسي ) .‏

26– عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : جاء نبي الله رجلان حاجتهما ‏‏، واحدة ، فتكلم أحدهما ، فوجد نبي الله – صلي الله عليه وسلم – من فيه أخلافًا ، ‏فقال له : ( ألا تستاك ؟) فقال : إني لأفعل ، ولكني لم أطعم طعامًا منذ ثلاث ، ‏فأمر به رجلاً فآواه ، وقضى له حاجته.‏

27–  عن عبد الله بن عبيد الله بن عمر قال : قلت : رأيت توضؤ ابن عمر لكل ‏صلاة طاهرًا وغير طاهر عم ذلك ؟ فقال : حدثت به أسماء بنت زيد بن الخطاب ، ‏أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – أمر ‏بالوضوء لكل صلاة أو غير طاهر ، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة، ‏فكان ابن عمر يرى : أن به قوة ، فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة . [ حسنه ‏الألباني وصححه الزين ] .‏

28–  وأخرج ابن ماجه عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : إن ‏أفواهكم طرق للقرآن ، فطيبوها بالسواك (1) .‏

29–  وأخرج البزار عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : قال ‏النبي – صلي الله عليه وسلم – : ( إن العبد إذا تسوك ، ثم قام يصلي ، قام الملك خلفه ‏يسمع لقراءته ، فيدنو منه – أو كلمة بنحوها – حتى يضع فاه على فيه وما يخرج ‏من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك ، فطهروا أفواهكم بالقرآن ) . [ قال ‏الألباني : إسناده جيد ] .‏

30–  قال الألباني : وما أحسن ما روى الطبراني بإسناد يحتمل التحسين ‏عن عبد الرحمن بن غنم قال : سألت معاذ بن جبل : أأتسوك وأنا صائم ؟ قال : ‏نعم ، قلت : أي النهار أتسوك ؟ قال : أي النهار شئت غدوة أو عشية ، قلت : ‏إن الناس يكرهون عشية ، ويقولون : إن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – قال: ( ‏لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)

فقال : سبحان الله ! لقد أمرهم ‏بالسواك وهو يعلم أنه لابد أن يكون بفي الصائم خلوف وإن استاك ، وما كان بالذي ‏يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدًا ، وما في ذلك من الخير شيء ، بل فيه شر ، إلا ‏من ابتلي ببلاء لا يجد منه بدًّا ، قلت : والغبار في سبيل الله أيضًا كذلك ، إنما ‏يؤجر من اضطر إليه ولا يجد عنه محيصًا ؟ قال : نعم ، فأما من ألقى بنفسه في ‏البلاء عمدًا فما له في ذلك من أجر . [ وقال الحافظ في ( التخليص ) : إسناده جيد ‏‏] .‏

وفي كتاب ( المنار المنيف في الصحيح والضعيف ) لابن قيم الجوزية : سُئل عن ‏حديث : (صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك ) . فبعد أن ذكر ‏رواياته وبين ضعفه ، ثم ذكر جملة من الأحاديث الصحيحة في الحث على ‏استخدام السواك وفضله ، قال : وإذا كان هذا شأن السواك وفضله وحصول رضي ‏الرب به وإكثار النبي – صلي الله عليه وسلم – على الأمة فيه ومبالغته فيه ، حتى عند ‏وفاته وقبض نفسه الكريمة – صلي الله عليه وسلم – ، لم يمتنع أن تكون الصلاة التي ‏يستاك لها أحب إلى الله من سبعين صلاة ، وإذا كان ثواب السبعين أكثر ، فلا يلزم ‏من كثرة الثواب أن يكون العمل الأكثر ثوابًا أحب إلى الله تعالى من العمل الذي هو ‏أقل منه ، بل قد يكون العمل الأقل أحب إلى الله تعالى ، وإن كان الكثير أكثر ثوابًا ‏‏.‏

ثم أخذ في ضرب الأمثلة للعمل الأحب منها : ذبح الشاة الواحدة يوم النحر أحب ‏من الصدقة بأضعاف ثمنها ، وإن كثر ثواب الصدقة ، وقراءة سورة بتدبر ومعرفة ‏وتفهم وجمع القلب عليها أحب إلى الله تعالى من قراءة ختمة سردًا .‏

حتى قال : والعمل الأحسن هو الأخلص والأصوب ، وهو الموافق لمرضاته ومحبته ، ‏دون الأكثر الخالي من ذلك ، فهو سبحانه وتعالى يحب أن يتعبد له بالأرضى له ، ‏وإن كان قليلاً دون الأكثر الذي لا يرضيه ، والأكثر الذي غيره أرضى له منه ، ‏ولهذا يكون العملان في الصورة الواحدة ، وبينهما في الفضل أعظم مما بين السماء ‏والأرض ، وهذا الفضل يكون بحسب رضى الرب سبحانه بالعمل وقبوله له ‏ومحبته وفرحه به سبحانه وتعالى .‏

ثم قال : ولهذا كان القبول مختلفًا بحسب رضى الله سبحانه بالعمل ، فقبوله ‏يوجب رضي الله سبحانه وتعالى بالعمل ومباهاة الملائكة به وتقريب عبده منه – ثم ‏ذكر أمثلة هامة ، وقال بعدها – : ولا تلتفت إلى ما يقول من غلظ حجاب قلبه من ‏المتكلمين والمتكلفين : إنه يجوز أن يكون العملان متساويين في جميع الوجوه ، لا ‏تفاضل بينهما ، ويثيب الله على أحدهما أضعاف أضعاف ما يثيب على الآخر ، بل ‏يجوز أن يثيب على هذا أو يعاتب على هذا ، مع فرض الاستواء بينهما من كل ‏وجه ، وهذا قول من ليس له فقه في أسماء الرب وصفاته وأفعاله في شرعه وأمره ، ‏ولا فقه في أعمال القلوب وحقائق الإيمان ، وبالله التوفيق .‏

إذا عرفت ذلك ؛ فلا يمتنع أن تكون الصلاة التي فعلها فاعلها على وجه الكمال ‏حتى أتى بسواكها الذي هو مطهرة لمجاري القرآن، وذكر لله ، ومرضاة للرب ، ‏واتباع للسنة والحرص على حفظ هذه الحرمة الواحدة التي أكثر النفوس تهملها ‏ولا تلتفت إليها ، حتى كأنها غير مشروعة ولا محبوبة ، لكن هذا المصلي اعتادها ‏فحافظ عليها وأتى بها توددًا وتحببًا إلى الله تعالى ، واتباعًا لسنة رسوله صلى الله ‏عليه وسلم ، فلا يبعد أن تكون صلاة هذا أحب إلى الله من سبعين صلاة تجردت عن ‏ذلك ، والله أعلم .‏

—————-

(1) الجوع الطويل .

(2) ضعيف جدًا ، انظر (ضعيف الجامع) 1401.