أخرج البخاري ومسلم في ( صحيحيهما ) عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم – : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) .
السواك سنة مؤكدة من سنن الدين كله ، وليس من سنن الوضوء أو الصلاة فحسب ، يدل على ذلك الأحاديث الكثيرة الواردة فيه الدالة على مواظبة النبي - صلي الله عليه وسلم – عليه ليلاً ونهارًا ، وقد قام الإجماع على أنه مندوب .
قال الأوزاعي : هو شطر الوضوء ، وهو مستحب في جميع الأوقات .
قال النووي : لكن في خمسة أوقات أشد استحبابًا :
أحدها : عند الصلاة ، سواءً كان متطهرًا بماء ، أو بتراب ، أو غير متطهر ، كمن لا يجد ماءً ولا ترابًا .
الثاني : عند الوضوء .
الثالث : عند قراءة القرآن .
الرابع : عند الاستيقاظ من النوم .
الخامس : عند تغير الفم ، وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ، ومنها أكل ما له رائحة كريهة ، ومنها طول السكوت ، ومنها كثرة الكلام .
قال ابن منظور في ( لسان العرب ) : الأراك شجر معروف – وهو شجر السواك - يستاك بفروعه .
قال أبو حنيفة: هو أفضل ما استيك بفروعه من الشجر ، وأطيب ما رعته الماشية رائحة لبن.
قال أبو زياد : منه تتخذ هذه المساويك من الفروع والعروق ، وأجوده عند الناس العروق .
فانظر – رعاك الله – يذكر أن أجود السواك ما كان من جذور الأراك .
وفي ( دائرة معارف الشباب ) : الأراك شجيرة المسواك من الفصيلة الأراكية ، تنبت في وديان الصحاري ، أوراقها متقابلة تكسب لبن الماشية التي تأكلها رائحة طيبة ، ويتخذ من أغصانها وجذورها مساويك .
قال الشوكاني في ( نيل الأوطار ) : ويستحب أن يستاك بعود من أراك ، وبأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل السواك ، كالخرقة الخشنة والأشنان ، وللفقهاء في السواك آداب وهيئات لا ينبغي للفطن الاغترار بشيء منها ، إلا أن يكون موافقًا لما ورد عن الشرع ، ولقد كرهوه في أوقات وعلى حالات ، حتى كاد يفضي ذلك إلى ترك هذه السنة الجليلة وإطراحها، وهي أمر من أمور الشريعة ظهر ظهور النهار وقبله من سكان البسيطة أهل الأنجاد والأغوار.
يقول شيخ الإسلام : السواك تطييب للفم الذي هو محل الذكر والمناجاة ، وإزالة ما يضر الملائكة من بني آدم ، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم .
ويقول ابن حجر : وإنه لا يختص بالأسنان ، وأنه من باب التنظيف والتطييب لا من باب إزالة القاذورات ؛ لكونه – صلي الله عليه وسلم – لم يختف به ، وبوبوا عليه ( الاستياك بحضرة الرعية ) .
وكلام ابن حجر هذا يبين سبب خلاف العلماء في موضعين :
الأول : هل يفضل أن يستاك بيمينه أو بيساره ؟
والثاني : هل يستاك أمام الناس أم يختفي ؟
وذلك أنه لو كان من باب إزالة القذر ، فالأفضل استخدام يسراه ، وذلك ما دافع عنه شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله ، وفصل فيه طويلاً .
ومما قاله : الأفضل أن يستاك باليسرى ، نص عليه الإمام أحمد في رواية ابن منصور ، ذكره عنه في مسائله ، وما علمنا أحدًا من الأئمة خالف في ذلك ، وذلك لأن الاستياك من باب إماطة الأذى ، وذلك باليسرى ، كما أن إزالة النجاسات كالاستجمار ونحوه باليسرى ، وإزالة الأذى واجبها ومستحبها باليسرى ، ثم أخذ يناقش طويلاً ؛ يدلل على تفضيل اليسرى في السواك . [ راجع ( مجموع الفتاوى) جـ21 ، ص28 ، وما بعدها] .
وفي ( الموسوعة الفقهية) قال : يندب إمساك السواك باليمني ؛ لحديث عائشة ، رضي الله عنها : كان النبي – صلي الله عليه وسلم – يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره ، وفي شأنه كله .
بينما قال في ( الموسوعة ) أيضًا : لا يستحب الاسيتاك بحضرة الجماعة ؛ لأنه ينافي المروءة، ويتجنب الاستياك في المسجد وفي المجالس الحافلة .
أما الشيخ العلامة ابن عثيمين – حفظه الله تعالى – فيقول : الأمر في ذلك واسع ، فيستاك كما يريد ؛ لأنه ليس في المسألة نص واضح ، ثم فصل الأمر على ثلاثة أقوال ، الثالث منها : إن تسوك لتطهير الفم ، كما لو استيقظ من نوم ، أو لإزالة أذى ، فيكون باليد اليسرى ؛ لأنه إزالة الأذى ، وإن تسوك لتحصيل السنة فيكون باليمنى .
هذا ، وما ذكره الشوكاني ونقلناه من أنه يتبع من هذه الأقوال ما قامت عليه الأدلة، والله أعلم.
وفي الحديث: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم … ) فيه دليل على أن الأمر للوجوب، وهو مذهب أكثر الفقهاء وجماعات من المتكلمين وأصحاب الأصول.
يقول القرطبي في ( المفهم ) : أي لأوجبت ذلك عليهم ، عبر بالأمر عن الوجوب ؛ لأنه الظاهر منه ، وهل المندوب مأمور به أو لا ؟ اختلف في ذلك أهل الأصول ، والصحيح أنه مأمور به ؛ لأنه قد اتفق على أنه مطلوب مقتضى ، كما قد حكاه أبو المعالي ، وهذا الحديث نص على أن السواك ليس بواجب .
قال الشافعي في ( الأم ) : السواك ليس بواجب وأنه اختيار ، لو كان واجبًا لأمرهم به شق عليهم أو لم يشق ، واستحب السواك عند كل حال يتغير فيه الفم
وعند الاستيقاظ من النوم والأزم (1) ، وأكل كل ما يغير الفم وشربه ، وعند الصلوات كلها ، ومن تركه وصلى فلا يعيد صلاته ، ولا يجب عليه وضوء .
وقال الخطابي: السواك غير واجب، وذلك لأن ( لولا) كلمة تمنع الشيء لوقوع غيره، فصار الوجوب بها ممنوعًا، ولو كان السواك واجبًا لأمر به شق عليهم أو لم يشق، وفي قوله – صلي الله عليه وسلم -: ( لولا أن أشق . ) دليل على شفقة النبي – صلي الله عليه وسلم – بأمته .
وفي (زاد المعاد ) : وأصلح ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه ، ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة ، فربما كانت سمًّا ، وينبغي القصد في استعماله ، فإن بالغ فيه فربما أذهب طلاوة الأسنان وصقالتها ، وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ ، ومتى استعمل باعتدال جلا الأسنان وقوى العمود ، وأطلق اللسان ، ومنع الحفر ، وطيب النكهة ، ونقى الدماغ ، وشهى الطعام .
وأجود ما استعمل مبلولاً بماء الورد ومن أنفعه أصول الجوز .
قال صاحب التيسير : زعموا أنه إذا استاك به المستاك كل خامس من الأيام نقى الرأس ، وصفى الحواس ، وأحَدَّ الذهن .
وفي السواك عدة منافع : يطيب الفم ، ويشد اللثة ، ويقطع البلغم ، ويجلو البصر ، ويذهب بالحفر ، ويصح المعدة ، ويصفي الصوت ، ويعين على هضم
الطعام ، ويسهل مجاري الكلام ، وينشط للقراءة والذكر والصلاة ، ويطرد النوم ، ويرضي الرب ، ويعجب الملائكة ، ويكثر الحسنات .
ويستحب كل وقت ويتأكد عند الصلاة والوضوء والانتباه من النوم وتغير رائحة الفم .
وفي ( الحاوي ) للماوردي : كان النبي – صلي الله عليه وسلم – يستاك بالأراك ، فإن تعذر الأراك ، استاك بعراجين النخل ، فإن تعذر عليه استاك بما وجده ،ويختار أن يكون العود الذي يستاك به نديًّا ، ولا يكون يابسًا فيجرح ولا رطبًا ، فلا ينقي فلو لف على أصبعه خرقة خشنة وأمرها على أسنانه حتى زال الصفرة والخلوف ، فقد أتي بسنة السواك ، نص عليه الشافعي ؛ لأنه يقوم مقام العود في الإنقاء ، فأما إذا جلا أسنانه بالحديد أو بردها بالمبرد فمكروه لأمرين :
أحدهما : أنه يذيب الأسنان ويفضي إلى انكسارها .
والثاني : أنها تخشن ، فتتراكم الصفرة والخلوف فيها ، ولذلك لعن رسول الله - صلي الله عليه وسلم – الواشرة والمستوشرة ، وهي التي تبرد أسنانها بالمبرد .
· السواك للصائم :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله : السواك للصائم جائز بلا نزاع ، لكن اختلفوا في كراهيته بعد الزوال على قولين مشهورين هما روايتان عن أحمد ، ولم يقم دليل شرعي يصلح أن يخص عمومات نصوص السواك وقياسه على دم الشهيد ونحوه ضعيف من وجوه .
وقال ابن عبد السلام في ( قواعده الكبرى ) : وقد فضل الشافعي تحمل الصائم مشقة رائحة الخلوف على إزالتها بالسواك ، مستدلين بأن ثوابه أطيب من ريح المسك ، ولا يُوافق الشافعي على ذلك ، إذ لا يلزم من ذكر ثواب العمل أن يكون أفضل من غيره ؛ لأنه لا يلزم من ذكر الفضيلة حصول الرجحان بالأفضلية ، ألا ترى أن الوتر عند الشافعي في قوله الجديد أفضل من ركعتي الفجر مع قوله عليه السلام : ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ) .
وكم عن عبادة قد أثنى الشارع عليها وذكر فضيلتها وغيرها أفضل منها ، وهذا من باب تزاحم المصلحتين اللتين لا يمكن الجمع بينهما ، فإن السواك نوع من التطهر المشروع لأجل الرب سبحانه ؛ لأن مخاطبة العظماء مع طهارة الأفواه تعظيم لا شك فيه ، ولأجله شرع السواك ، وليس في الخلوف تعظيم ولا إجلال ، فكيف يقال : إن فضيلة الخلوف تربو على تعظيم ذي الجلال بتطييب الأفواه – إلى أن قال : – والذي ذكره الشافعي ، رحمه الله ، تخصيص للعام بمجرد الاستدلال المذكور المعارض بما ذكرناه .
يقول ابن القيم : يستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه ، ولحاجة الصائم إليه ؛ ولأنه مرضاة للرب ، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من
طلبها في الفطر ، ولأنه مطهرة للفم والطهور للصائم من أفضل أعماله .
وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبًا واستحبابًا ، والمضمضة أبلغ من السواك ، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به ، وإنما ذكر الخلوف عند الله يوم القيامة حثًّا له على الصوم ، لا حثًا على إبقاء الرائحة ، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر ، وأيضًا فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم ، وأيضًا فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم .
وأيضًا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة ، بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه ، ولو أزاله بالسواك ، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ولون دم جرحه لون الدم وريحه ريح المسك ، وهو مأمور بإزالته في الدنيا .
وأيضًا فإن الخلوف لا يزول بالسواك ، فإن سببه قائم ، وهو خلو المعدة من الطعام ، وإنما يزول أثره وهو المنعقد على الأسنان واللثة .
وأيضًا فإن النبي – صلي الله عليه وسلم – علم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم ، ولم يجعل السواك من القسم المكروه ، وهو يعلم أنهم يفعلونه ، وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول ، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارًا كثيرة تفوق الإحصاء ، ويعلم أنهم يقتدون به ، ولم يقل لهم يومًا من الدهر : لا تستاكوا بعد الزوال ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع ، والله أعلم .
كلمة الأطباء :
قال د : قلعجي : لقد حرص الطب الإسلامي على صحة الفرد بشكل عام ، وعلى صحة أسنانه ونظافتها بشكل خاص ، وورد عن الرسول المعلم – صلي الله عليه وسلم – مجموعة أحاديث في طرق العناية بالفم ووسائل طب الأسنان الوقائي ، حتى غدت عناية المسلم بصحة أسنانه ونظافتها عادة يومية ، وسن الرسول صلى الله عليه وسلم فيه المضمضة ثلاث مرات لكل وضوء لنزول رواسب الأطعمة وما خلفته من بقايا ، كذلك حض الحديث على استعمال الفرشاة الطبيعية من نبات دائم الخضرة ( الأراك ) المتوفر في الجزيرة العربية وبلاد الشام وجنوب الوادي بمصر ، وقد اهتم النبي – صلي الله عليه وسلم – بتنظيف الأسنان بالسواك ، فقال : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك قبل كل صلاة ) ، ويمتاز السواك بأنه يتكون كميائيًا من : ألياف السيللوز ، وبعض الزيوت الطيارة ، وبه راتنج عطري ، وأملاح معدنية ، فهو فرشاة طبيعية زُودت بمسحوق مطهر ، كما أنه اقتصادي لأن الفرشاة تهلك بعد شهور ، وهو دائم ؛ لأننا نقلمه .
وقد درس علماء طب الأسنان حديثًا تلك الطبقة البكترية من الأسنان والتي أسموها (DENTAL BLACK) ، والتي لا تصلها شعيرات الفرشاة ، ومنها تبدأ رائحة الفم وأمراض اللثة ، فتبين أن شعيرات السواك تصل إلى هذه الطبقة أيضًا .
أحاديث وآثار في السواك : وفي السواك أحاديث صحيحة تربو على المائة ، اخترت منها هذه الأحاديث والآثار التي تبلغ ثلاثين :
1– عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – قال : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة ) . أخرجه الجماعة ، إلا ابن ماجه .
2– عن أنس ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم – : ( أكثرت عليكم في السواك ) . أخرجه البخاري .
3– وأخرج البخاري معلقًا بصيغة الجزم عن عائشة ، رضي الله عنها ، عن
النبي – صلي الله عليه وسلم – : ( السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب ). وأخرجه أحمد وأبو داود موصولاً ، وفي البخاري ، وقال عطاء وقتادة : يبتلع ريقه.
4– وأخرج أيضًا عن أبي موسى قال : أقبلت إلى النبي – صلي الله عليه وسلم –
ومعي رجلان من الأشعريين ؛ أحدهما عن يميني ، والآخر عن يساري ، ورسول الله – صلي الله عليه وسلم – يستاك – حتى قال – : فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفتيه قلصت .
5– وعن حذيفة ، رضي الله عنه ، قال : كان النبي – صلي الله عليه وسلم – إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك .
6– وعن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال: أتيت النبي – صلي الله عليه وسلم-، فوجدته يستن بسواك بيده يقول : ( أُع ، أُع ) ، والسواك في يده كأنه يتهوع .
7– وعن ابن عمر أن النبي – صلي الله عليه وسلم – قال : ( أراني أتسوك بسواك فجاءني رجلان : أحدهما أكبر من الآخر فناولت السواك الأصغر منهما ، فقيل لي : كبر ، فدفعته إلى الأكبر منهما ) .
8– عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به ، فنظر إليه رسول الله – صلي الله عليه وسلم – ، فقلت له : أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطاينه فقضمته ، ثم مضغته ، فأعطيته رسول الله – صلي الله عليه وسلم – ، فاستن به وهو مستند إلى صدري – وكان ذلك في مرض موته – صلي الله عليه وسلم – .رواه البخاري .
9– قال البخاري : ويذكر أنه كان يستاك وهو صائم ، وقال ابن عمر : يستاك أول النهار وآخره ، وقال عطاء : إن ازداد ريقه لا أقول : يفطر ، وقال ابن سيرين : لا بأس بالسواك الرطب ، قيل : له طعم ، قال : والماء له طعم ، وأنت تمضمض به ، ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسًا .
10– وقال البخاري : ويذكر عن عامر بن ربيعة قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي أو أعد .
11– وأخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – قال : (غسل يوم الجمعة على كل محتلم وسواك ، ويمس من الطيب ما قدر عليه ) .
12– وأخرج مسلم عن عائشة ، رضي الله عنها : كنا نعد له سواكه وطهوره ، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه في الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة ، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يقوم فيصلي التاسعة .
13– وأخرج أبو داود عن عائشة ، رضي الله عنها ، كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته بالسواك .
14– وأخرج أيضًا عنها قالت : كان النبي – صلي الله عليه وسلم – يستاك فيعطيني السواك لأغسله ، فأبدأ به ، فاستاك، ثم أغسله وأدفعه إليه .
15– وأخرج عنها قالت : قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم – : ( عشرة من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء ) . قال مصعب : ونسيت العاشرة ، إلا أن تكون المضمضة .
16– وأخرج عنها ، رضي الله عنها ، أن النبي – صلي الله عليه وسلم – كان يوضع له وضوؤه وسواكه ، فإذا قام من الليل تخلى ، ثم استاك .
17– وأخرج عنها أن النبي – صلي الله عليه وسلم – كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ إلا تسوك قبل أن يتوضأ .
18– وأخرج عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : بت ليلة عند النبي - صلي الله عليه وسلم – ، فلما استيقظ من منامه أتى طهوره ، فأخذ سواكه فاستاك .
أما في ( مسند أحمد ) :
19– عن زيد بن خالد الجهني مرفوعًا : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) . قال : فكان زيد يروح إلى المسجد وسواكه على أذنه بموضع قلم الكاتب ، ما تقام صلاة إلا استاك قبل أن يصلي .
20– عن عامر بن ربيعة قال : رأيت رسول الله – صلي الله عليه وسلم – ما لا أحصي يستاك وهو صائم . [ قال الشيخ أحمد شاكر : صحيح ] .
21– عن واثلة بن الأسقع قال : سمعت رسول الله – صلي الله عليه وسلم – يقول : ( أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب عليَّ ) . [ سنده حسن ] .
22– عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أمرت بالسواك حتى ظننت ، أو حسبت أن سينزل فيه قرآن ) . وفي رواية : كان رسول الله – صلي الله عليه وسلم – يكثر السواك قال : حتى ظننا أنه سينزل عليه . [ صححه الشيخ أحمد شاكر ] .
23– عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام إلا والسواك عنده ، فإذا استيقظ بدأ به . [ صححه الشيخ أحمد شاكر ، وحسنه محقق نسخة الرسالة ] .
24– عن ابن عمر ، رضي الله عنهما ، أن النبي – صلي الله عليه وسلم – قال : ( عليكم بالسواك ، فإنه مطيبة للفم ومرضاة للرب ) . [ ( 2/ 117) ، وصححه أحمد شاكر] .
25– عن أبي أمامة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – قال : ( ما جاءني جبريل ، عليه السلام ، قط إلا أمرني بالسواك ، لقد خشيت أن أحفى مقدم فيَّ ) . حسنه في تكملة الزين . وأخرج الطبراني في ( الكبير ) عن أم سلمة مرفوعًا : ( ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خشيت على أضراسي ) .
26– عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : جاء نبي الله رجلان حاجتهما ، واحدة ، فتكلم أحدهما ، فوجد نبي الله – صلي الله عليه وسلم – من فيه أخلافًا ، فقال له : ( ألا تستاك ؟) فقال : إني لأفعل ، ولكني لم أطعم طعامًا منذ ثلاث ، فأمر به رجلاً فآواه ، وقضى له حاجته.
27– عن عبد الله بن عبيد الله بن عمر قال : قلت : رأيت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهرًا وغير طاهر عم ذلك ؟ فقال : حدثت به أسماء بنت زيد بن الخطاب ، أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – أمر بالوضوء لكل صلاة أو غير طاهر ، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة، فكان ابن عمر يرى : أن به قوة ، فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة . [ حسنه الألباني وصححه الزين ] .
28– وأخرج ابن ماجه عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : إن أفواهكم طرق للقرآن ، فطيبوها بالسواك (1) .
29– وأخرج البزار عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : قال النبي – صلي الله عليه وسلم – : ( إن العبد إذا تسوك ، ثم قام يصلي ، قام الملك خلفه يسمع لقراءته ، فيدنو منه – أو كلمة بنحوها – حتى يضع فاه على فيه وما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك ، فطهروا أفواهكم بالقرآن ) . [ قال الألباني : إسناده جيد ] .
30– قال الألباني : وما أحسن ما روى الطبراني بإسناد يحتمل التحسين عن عبد الرحمن بن غنم قال : سألت معاذ بن جبل : أأتسوك وأنا صائم ؟ قال : نعم ، قلت : أي النهار أتسوك ؟ قال : أي النهار شئت غدوة أو عشية ، قلت : إن الناس يكرهون عشية ، ويقولون : إن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – قال: ( لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)
فقال : سبحان الله ! لقد أمرهم بالسواك وهو يعلم أنه لابد أن يكون بفي الصائم خلوف وإن استاك ، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدًا ، وما في ذلك من الخير شيء ، بل فيه شر ، إلا من ابتلي ببلاء لا يجد منه بدًّا ، قلت : والغبار في سبيل الله أيضًا كذلك ، إنما يؤجر من اضطر إليه ولا يجد عنه محيصًا ؟ قال : نعم ، فأما من ألقى بنفسه في البلاء عمدًا فما له في ذلك من أجر . [ وقال الحافظ في ( التخليص ) : إسناده جيد ] .
وفي كتاب ( المنار المنيف في الصحيح والضعيف ) لابن قيم الجوزية : سُئل عن حديث : (صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك ) . فبعد أن ذكر رواياته وبين ضعفه ، ثم ذكر جملة من الأحاديث الصحيحة في الحث على استخدام السواك وفضله ، قال : وإذا كان هذا شأن السواك وفضله وحصول رضي الرب به وإكثار النبي – صلي الله عليه وسلم – على الأمة فيه ومبالغته فيه ، حتى عند وفاته وقبض نفسه الكريمة – صلي الله عليه وسلم – ، لم يمتنع أن تكون الصلاة التي يستاك لها أحب إلى الله من سبعين صلاة ، وإذا كان ثواب السبعين أكثر ، فلا يلزم من كثرة الثواب أن يكون العمل الأكثر ثوابًا أحب إلى الله تعالى من العمل الذي هو أقل منه ، بل قد يكون العمل الأقل أحب إلى الله تعالى ، وإن كان الكثير أكثر ثوابًا .
ثم أخذ في ضرب الأمثلة للعمل الأحب منها : ذبح الشاة الواحدة يوم النحر أحب من الصدقة بأضعاف ثمنها ، وإن كثر ثواب الصدقة ، وقراءة سورة بتدبر ومعرفة وتفهم وجمع القلب عليها أحب إلى الله تعالى من قراءة ختمة سردًا .
حتى قال : والعمل الأحسن هو الأخلص والأصوب ، وهو الموافق لمرضاته ومحبته ، دون الأكثر الخالي من ذلك ، فهو سبحانه وتعالى يحب أن يتعبد له بالأرضى له ، وإن كان قليلاً دون الأكثر الذي لا يرضيه ، والأكثر الذي غيره أرضى له منه ، ولهذا يكون العملان في الصورة الواحدة ، وبينهما في الفضل أعظم مما بين السماء والأرض ، وهذا الفضل يكون بحسب رضى الرب سبحانه بالعمل وقبوله له ومحبته وفرحه به سبحانه وتعالى .
ثم قال : ولهذا كان القبول مختلفًا بحسب رضى الله سبحانه بالعمل ، فقبوله يوجب رضي الله سبحانه وتعالى بالعمل ومباهاة الملائكة به وتقريب عبده منه – ثم ذكر أمثلة هامة ، وقال بعدها – : ولا تلتفت إلى ما يقول من غلظ حجاب قلبه من المتكلمين والمتكلفين : إنه يجوز أن يكون العملان متساويين في جميع الوجوه ، لا تفاضل بينهما ، ويثيب الله على أحدهما أضعاف أضعاف ما يثيب على الآخر ، بل يجوز أن يثيب على هذا أو يعاتب على هذا ، مع فرض الاستواء بينهما من كل وجه ، وهذا قول من ليس له فقه في أسماء الرب وصفاته وأفعاله في شرعه وأمره ، ولا فقه في أعمال القلوب وحقائق الإيمان ، وبالله التوفيق .
إذا عرفت ذلك ؛ فلا يمتنع أن تكون الصلاة التي فعلها فاعلها على وجه الكمال حتى أتى بسواكها الذي هو مطهرة لمجاري القرآن، وذكر لله ، ومرضاة للرب ، واتباع للسنة والحرص على حفظ هذه الحرمة الواحدة التي أكثر النفوس تهملها ولا تلتفت إليها ، حتى كأنها غير مشروعة ولا محبوبة ، لكن هذا المصلي اعتادها فحافظ عليها وأتى بها توددًا وتحببًا إلى الله تعالى ، واتباعًا لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يبعد أن تكون صلاة هذا أحب إلى الله من سبعين صلاة تجردت عن ذلك ، والله أعلم .
—————-
(1) الجوع الطويل .
(2) ضعيف جدًا ، انظر (ضعيف الجامع) 1401.