أخرج البخاري عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : (تسموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي ، ومن رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) .
سبق الكلام عن رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – في النوم ، وحديثنا الآن عن أدب اختيار الاسم ورعاية جناب النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ فنقول مستعينين بالله تعالى :
الأعلام الدالة على الأشخاص ثلاثة أقسام ؛ الاسم ، والكنية ، واللقب .
فالكنية : ما صدر بأب ، أو أم ، كأبي القاسم ، وأبي بكر ، وأبي حفص ، وأم سليم ، وأم سلمة ، واللقب ؛ ما أشعر بمدح أو ذم ، كالطويل ، والأسمر ، والوسيم ، والأعمش ، والأعرج ، والاسم هو ما عدا الكنية واللقب .
واللقب غالبًا ما يستخدم للذم ؛ لهذا قال الله تعالى : (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ) [الحجرات : 11]، فيحرم ما يكرهه الإنسان من الألقاب، سواء كان ذلك فيه أم لا ، إلا أن يشتهر به ؛ كالأعمش، والأشتر ، والأصم ، والأعرج .
قال في (لسان العرب) : والكنية على ثلاثة أوجه :
أحدها ؛ أن يكنى عن الشيء الذي يستفحش ذكره .
والثاني؛ أن يكنى الرجل باسم توقيرًا وتعظيمًا .
والثالث؛ أن تقوم الكنية مقام الاسم ، فيعرف صاحبها بها كما يعرف باسمه .
قال القرطبي : ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن ؛ قال عمر ، رضي الله عنه : أشيعوا الكنى فإنها منبِّهة ، ولقد لقب أبو بكر ، رضي الله عنه ؛ بالعتيق والصديق ، وعمر بالفاروق ، وحمزة بأسد الله ، وخالد بسيف الله ، وقل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب ، ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها – من العرب والعجم – تجرى في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير .
قال الماوردي : وأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره ، وقد وصف رسول الله- صلى الله عليه وسلم – عددًا من أصحابه بأوصاف صارت لهم من أجل الألقاب .
قال ابن القيم : وأما فلان الدين ، وعز الدولة ، وبهاء الدولة ؛ فإنهم لم يكونوا يعرفون ذلك ، وإنما أتى هذا من قبل العجم .
قال الألباني : لا يجوز التسمية بعز الدين ، ومحيي الدين ، وناصر الدين ، ونحو ذلك .
ومن أقبح الأسماء التي راجت في هذا العصر ويجب المبادرة إلى تغييرها لقبح معناها هذه الأسماء التي أخذ الآباء يطلقونها على بناتهم مثل: (وصال، وسهام، ونهاد، وغادة، وفتنة…)، ونحو ذلك . والله المستعان.
وقال الألباني عن الكنية : وهذا أدب إسلامي ليس له نظير عند الأمم الأخرى فيما أعلم ، فعلى المسلمين أن يتمسكوا بها رجالاً ونساءً ، ويدعون ما تسرب إليهم من عادات الأعاجم ، كــ(البيك ، والأفندي ، والباشا …) ، ونحو ذلك كــ(المسيو ، أو السيد، والسيدة ، والآنسة) ، إذ كل ذلك دخيل في الإسلام ، وقد نص فقهاء الحنفية على كراهة (الأفندي) ؛ لما فيه من التزكية ، كما في حاشية (ابن عابدين) ، والسيد إنما يطلق على من كان له نوع ولاية ورياسة ، وفي ذلك جاء حديث : (قوموا إلى سيدكم ) ، ولا يُطلق على كل أحد ؛ لأنه من باب التزكية أيضًا .
والسنة تحث على اختيار الاسم الحسن ؛ وذلك من حق الأبناء على الآباء ، والاسم حق الأب دون الأم إذا اختلفا ، وإحسان الاسم من توفيق الله للعبد ، فهو من جملة الأمنية ، وقد أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – أن نحسن الأمنية إذا تمنينا ، وقال : ( إن أحدكم لا يدري ما يُكتب له في أمنيته) أي ؛ ما يقدر له منها ، وتكون الأمنية سبب حصول ما تمناه أو بعضها .
قال ابن القيم : ورأيت أخبار كثير من المتمنين أصابتهم أمانيهم أو بعضها ، وكان الصديق ، رضي الله عنه يقول :
احذر لسانك أن تقول فتبتلى
إن البلاء موكل بالمنطق
اختيار الاسم الحسن :
أخرج أبو داود عن أبي الدرداء : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم ، فأحسنوا أسمائكم) .
وأخرج مسلم عن ابن عمر؛ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إن أحب أسمائكم إلى الله : عبد الله ، وعبد الرحمن) .
وفي حديث أبي وهب مرفوعًا: (تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن، وأصدقها: حارث، وهمام، وأقبحها: حرب، ومُرة).
أما التعبد لغير الله في الأسماء فيحرم ؛ كعبد النبي ، وعبد الرسول ، وعبد المسيح ، وعبد الحسين ، وعبد المطلب ؛ وإنما يذكر ما كان من أسماء الجاهلية على الحكاية ، فلا يجوز التسمي بها بعد الإسلام .
ومن الأسماء المحرمة ؛ ملك الملوك ، وسلطان السلاطين ، وقاضي القضاة ، وما في معناها.
قال ابن القيم : وتحرم التسمية بسيد الناس ، وسيد الكل ، كما يحرم سيد ولد آدم ؛ فإن هذا ليس لأحد ، إلا الرسول – صلى الله عليه وسلم – وحده .
ويكره من الأسماء ؛ يسار ، ورباح ، ونجاح ، وأفلح ، لما جاء في حديث سمرة بن جندب عند مسلم .
قال ابن القيم : وفي معنى هذا ؛ مبارك ، ومفلح ، وخير ، وسرور ، ونعمة ، وما أشبه ذلك ؛ فإن المعنى الذي كره له النبي – صلى الله عليه وسلم – التسمية بتلك الأربعة موجود فيها ، وأنه يُقال : أعندك خير ، أعندك سرور ، أعندك نعمة ، فيقول : لا ، فتشمئز القلوب من ذلك وتتغير ، وتدخل في باب المنطق المكروه .
وفي سنن أبي داود وابن ماجه ؛ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – غير اسم بَرة ، وسماها زينب، وقال : (تزكي نفسها ؟) . وقال : (لا تزكوا أنفسكم ، الله أعلم بأهل البر منكم) .
قال ابن القيم : ويحرم التسمي بأسماء الشياطين ؛ كخنزب ، والولهان ، والأعور ، والأجدع ، ومن المكروه أسماء الجبابرة ؛ كفرعون ، وقارون ، وهامان ، والوليد .
وفي (شرح الأذكار) : تكره التسمية بما تكرهه النفوس ؛ كحرب ، ومُرة ، وكلب ، وحية ، ومثله : حزن ، وضرار ، وظالم ، وحمار .
قال الطبري : لا تنبغي التسمية باسم قبيح المعنى ، ولا باسم يقتضي التزكية ، ولا باسم معناه السب .
تغيير الاسم القبيح :
وقد غيَّر النبي – صلى الله عليه وسلم – الأسماء القبيحة .
قال أبو داود : غيَّر النبي – صلى الله عليه وسلم – اسم العاص ، وعزيز ، وعُتلة ، وشيطان، والحكم ، وغراب ، وحباب ، وشهاب، سماه هشامًا ، وسمى حربًا سلمًا ، وسمى المضطجع المنبعث ، وأرضًا تسمى عفرة سماها خضرة ، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، وبنو الزنية سماهم بني الرشدة ، وبني مغوية سماهم بني رشدة .
قال ابن القيم : ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب ، تبارك وتعالى ؛ فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد ، ولا بالخالق ، ولا بالرزاق ، وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب ، تبارك وتعالى : ولا يجوز تسمية الملوك بالقاهر ، والظاهر ، ولا بالجبار ، ولا المتكبر ، ولا الأول، والآخر ، والباطن ، وعلام الغيوب .
قال ابن القيم : ومما يمنع ؛ التسمية بأسماء القرآن وسوره ؛ مثل : طه ، ويس ، وحم ، وقد نص مالك على كراهية التسمية بـ (يس) ، ذكره السهيلي .
وأما ما يذكره العوام من أن يس وطه من أسماء النبي – صلى الله عليه وسلم – فغير صحيح، ليس ذلك في حديث صحيح ، ولا حسن ، ولا مرسل ، ولا أُثر عن صحابي ، وإنما هذه الحروف مثل : الم ، وحم ، والر ، ونحوها .
أما التسمية المشتركة التي تطلق على الله سبحانه وعلى غيره ؛ فيجوز التسمي بها ، كعلي ، ورشيد ، وبديع ، ولو كان مُعَرَّفًا بأل؛ لأن المراد به في حقنا ، غير المراد في حق الله تعالى. ولا يجوز تغيير اسم الله بالتصغير فيما هو مُضاف .
قال ابن عابدين: وهذا مشتهر في زماننا؛ حيث يُنادى عبد الرحيم (رحيّم)، وعبد الكريم (كريِّم)، وعبد العزيز (عزيِّز)، وعبد القادر (قديِّر)، بتشديد ياء التصغير، وهذا من قصده كفر.
وقت التسمية :
قال ابن القيم : إن التسمية لما كانت حقيقتها تعريف الشيء المسمى ؛ لأنه إذا وجد وهو مجهول الاسم لم يكن له ما يقع تعريفه به ، فجاز تعريفه يوم وجوده ، وجاز تاخير التعريف إلى ثلاثة أيام ، وجاز إلى يوم العقيقة عنه ، ويجوز قبل ذلك وبعده ، والأمر فيه واسع .
وقد سمى النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم الولادة ابنه إبراهيم ؛ كما في الحديث عند مسلم، وسمى غلامًا لأبي طلحة يوم ولادته سماه عبد الله ، والحديث في (الصحيحين) ، وغيَّر اسم ابن أبي أسيد إلى المنذر يوم ولادته كذلك .
وقد صح في حديث سمرة بن جندب مرفوعًا : (كل غلام رهين بعقيقته ؛ تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق ويُسمى) .
التسمية بأسماء الأنبياء :
الصواب جوازها ؛ لحديث المغيرة بن شعبة عند مسلم ، لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن قوله تعالى : ( يَاأُخْتَ هَارُونَ ) [مريم : 28] : (إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم) ، والحديث ذكره مسلم في باب التسمي بأسماء الأنبياء والصالحين ،وأما البخاري فذكر (باب من تسمى بأسماء الأنبياء) ، فذكر حديث تسمية النبي – صلى الله عليه وسلم – لولده إبراهيم، ورواية مسلم : (ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم) ، وفي حديث أبي وهب مرفوعًا : (تسموا بأسماء الأنبياء) ؛ فالأدلة السابقة دالة على جواز التسمية بأسماء الأنبياء ؛ إلا أنه في القوم الذين يمتهنون أبناءهم فيسبون الأنبياء فيهم فيمنعوا من تسمية أبنائهم بأسماء الأنبياء ، خاصة اسم خاتمهم – صلى الله عليه وسلم – .
لطيفة : ذكر ابن القيم في (تاريخ ابن خيثمة) ؛ أن طلحة كان له عشرة من الولد كل منهم علي اسم نبي ، وكان للزبير عشرة كلهم تسمى باسم شهيد ، فقال له طلحة ، أنا أسميهم بأسماء الأنبياء وأنت تسميهم بأسماء الشهداء ، فقال له الزبير : فإني أطمع أن يكونوا شهداء ولا تطمع أن يكون بنوك أنبياء .
الكنية بأبي القاسم : روى مسلم في (صحيحه) عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : نادى رجل رجلاً بالبقيع : يا أبا القاسم ، فالتفت إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله إني لم أعنك ، إنما دعوت فلانًا ، فقال- صلى الله عليه وسلم -: (تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي) .
فاختلف أهل العلم في جواز التكني بأبي القاسم على عدة أقوال ، منها : كراهة الكنية مُطلقًا ، ومنها : كراهة الجمع بين الاسم والكنية ، ومنها : كراهة ذلك في حياته ، وجوازه بعد موته – صلى الله عليه وسلم – ، ومنها : التحريم .
يقول ابن القيم : ويتعين الحمل على الكراهة جمعًا بين الأحاديث ، ثم ذكر ؛ عن راشد بن حفص الأزهري قال : أدركت أربعة من أبناء أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كل منهم يُسمى محمدًا ، ويكنى أبا القاسم ، وهم : محمد بن طلحة بن عبيد الله ، ومحمد بن أبي بكر ، ومحمد بن علي بن أبي طالب – وهو ابن الحنفية – ومحمد بن سعد بن أبي وقاص ، وفي حديث الترمذي وأبي داود عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال : قلت : يا رسول الله أرأيت إن ولد لي ولد بعدك أسميه محمدًا وأكنيه بكنيتك ؟ قال : (نعم) . قال علي : فكانت لي رخصة .
قال ابن القيم : وللكراهية ثلاثة مآخذ :
أحدها ؛ إعطاء معنى الاسم لغير من يصلح له ، وقد أشار النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى هذه العلة بقوله : (إنما أنا قاسم أقسم بينكم) . فهو عليه الصلاة والسلام يقسم بينهم بأمر ربه تعالى بقسمته لم يكن يقسم كقسمة الملوك الذين يعطون من يشاءون ويحرمون من شاءوا .
والثاني ؛ خشية الالتباس وقت المخاطبة والدعوة ، وقد أشار إلى هذه العلة في حديث أنس ، حيث قال الداعي : لم أعْنِكَ ، فقال : (تسموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي) .
الثالث ؛ أن في الاشتراك الواقع في الاسم ، والكنية معًا زوال مصلحة الاختصاص والتمييز بالاسم والكنية ، كما نهى أن ينقش أحد على خاتمه كنقشه ، فعلى المأخذ الأول يمنع الرجل من كنيته في حياته وبعد موته ، وعلى المأخذ الثاني يختص المنع بحال الحياة، وعلى المأخذ الثالث يختص المنع بالجمع بين الكنية والاسم دون إفراد أحدهما ، والأحاديث في هذا الباب تدور على هذه الثلاثة . والله أعلم .
مما سبق يتضح أن أرجح الأقوال : القول بأن النهي كان في حياته ، أما بعد موته فالجمع بين الاسم والكنية جائز ، وقد وقع ذلك من عدد من كبار الأئمة ، واشتهر بغير نكير ، وعليه جمهور السلف وفقهاء الأمصار ، أما الأسلم والأحوط فهو اجتناب التكني بكنيه أبي القاسم لورود النهي ، وهو قول الشافعي وأهل الظاهر . والله أعلم .
والتفريق بين التسمي باسمه والتكني بكنيته أن الدعوة بالكنية من قبيل الاحترام والتوقير ، والشرع حث على ذلك، أما الدعوة بالاسم المجرد فليست منه، وقد قال الله ، عز وجل: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ) [ النور : 63] ؛ لذا جاء النهي منه – صلى الله عليه وسلم – عن الكنية دون الاسم ؛ لأنه يناديه بالرسالة والنبوة أو الكنية ، أما الدعاء بالاسم فهو مما جاء عنه النهي في الآية الكريمة من سورة (النور) .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى .