الحمد لله رب العالمين خلق الكون فأتقنه وأبدعه صنعاً ” خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ” ” أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ” .
الله سبحانه وتعالى خلق كونه فلا خلل فيه وجعله متكاملاً الشمس تشرق وبنورها تبصر العين . السماء تمطر وبمطرها تنبت الأرض . وهكذا ..
فإذا نظرت إلى ما كسبت أيدى الناس وإلى حصاد سعيهم وجدت ” كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ ” .
خلق الله لا يزال فى إبداعه وتناسقه ، أما الناس فتتوالى منهم الأمم المكذبة بالأعراض والمعاصى كلما بعث نبى كذبوه . فلما كان النبى الخاتم بعث فى قوم استحلوا الخمر وأداموا شربها ، واستباحوا الربا وأكثروا منه ، واستحلوا الفروج حتى صار الزنا عرفاً عندهم قننوه ، وأكلوا أموال الناس بالباطل نهباً وسلباً أو غشاً وخداعاً أو تطفيفاً فى كيل وميزان أو بخساً للسلع . وأكثر من ذلك استرقوا الأنفس الحرة بل دفنوا البنات البريئات وهن أحياء . وفوق ذلك كله عبادة غير الله من الأحجار والأشجار والكواكب والشياطين .
فلما بعث الله فيهم نبيه الكريم أرشده إلى موطن الداء وعلاجه فقال لهم ” قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ” وصبر على ذلك وكابد ، وكان المشركين ضاقت أنفسهم بذلك فأهانوه وعذبوا أصحابه وبذلوا الإهانة لهم صداً للناس عن اتباعهم ، حتى إذا فشلوا فى ذلك اجتمعوا فى دار ندوتهم ليتخذوا قرارهم ” وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ” . وفى وسط هذه الضوائق والشدائد نصر الله نبيه الكريم – صلى الله عليه وسلم – فأخرجه من بينهم وأبقى الحسرة فى قلوب الكافرين .
فلما هاجر إلى المدينة حاربه المشركون فى بدر فنصره الله عليهم ، فلما كانت غزوة أحد واجتمع المشركون حول المدينة فأكثروا الجراح فى المسلمين لنخالفتهم أمر رسولهم – صلى الله عليه وسلم – وقتل عدد كبير من خيارهم قال الله عز وجل لهم : ” وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ” فأخذوا يراجعون إيمانهم ، فلما تكلبت عليهم قوى الشر فى الأحزاب أنجز الله وعده للمؤمنين فأرسل عليهم ريحاً وجنوداً فنصر عبده وهزم الأحزاب وحده .
واليوم انظر كذلك إلى كون الله تراه فى إبداعه لم يصبه خلل .
وانظر إلى واقع المسلمين ترى الجراح المؤلمة والمواجع المؤسفة فى كل موقع ، فى فلسطين والعراق والأمريكان فى الخليج ، وفى إيران وليبيا والسودان وأرتيريا ، ومع الأفغان فى مخاوف ومحاذير الانتقام وتسلط الشيطان وفى الجزائر وأحداثه وأفريقيا السوداء والمجاعات والتنصير فى أواسط آسيا فى مسلمين خرجوا من نير الشيوعية وفى البوسنة والهرسك الجرح النازف الأليم وفى الأندلس الجرح العميق القديم الجسد كله جراح وآلام وإن سكت جرح فبغير علاج وإن نزف آخر فالقيح والصديد . لكن يبقى القانون السماوى السامى ” وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ” .
فنرجع إلى أنفسنا لنراجع صفحة الحياة فى المسلمين لنرى المساجد بين زخرفة المشيدين وبدع الواردين وهجران الكثيرين ونقر المصلين .
البيوت بانصراف الآباء بل والأمهات لجمع الأموال وقد تركوا الأبناء بغير راع أو مرب إعلاءً لشأن المال واحتقار لبناء الإنسان . ونرى العقوق من الأبناء والعصيان من الزوجات .
الشوارع والطرقات قد كشفت فيها العورات وعلت فيها بالفحش الأصوات ، وخلت من آمر بالمعروف وناه عن المنكرات .
الأسواق كثر فيها الغش والتدليس وتبارى أصحابها فى أكل أموال الناس بالباطل . الكل يرجو الثراء بغير حِله .
المحاكم قد فشى فيها الغش والتدليس والحكم بغير ما أنزل الله . صار المعلم ير الجهل رأس ماله . والطبيب يرى المرض رأس ماله، والمحامى يرى المنازعات رأس ماله. والكل يستثمر رأس ماله فيزيدون الجهل والمرض والمنازعات.
ويبقى القانون السماوى ” وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ” .
ويبقى الحل الإلهى والعلاج الربانى ” قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ” .
فلابد من الحزم والعزم والحرص الكامل على تحقيق لا إله إلا الله بالعلم المنافى للجهل واليقين المنافى للشك والإخلاص المنافى للشرك والصدق المنافى للكذب والمحبة الكاملة والانقياد لحقوقها والقبول لمقتضاها .
ولا بد من تحقيق الإيمان بقسميه :
الإيمان الاعتقادى المتمثل فى أركانه الستة اعتقاداً أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره .
والإيمان العملى المتمثل فى شعبه البضع والسبعين التى أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة منه فلا تحقر ولا تترك من شعبه شعبة .
وعندها يتحقق الوعد فينصر الله جنده ويهزم الأحزاب وحده.
والله من وراء القصد .