رؤية النبي ﷺ في النوم (1)

عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : (تسموا باسمي ، ولا تكتنوا بكنيتي ، ومن رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) . [ رواه البخاري ] .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله : والنبي – صلى الله عليه وسلم – يجب علينا أن نحبه حتى يكون أحب إلينا من أنفسنا وآبائنا وأبنائنا وأهلنا وأموالنا ونعظمه ونوقره ونطيعه باطنًا وظاهرًا ونوالي من يواليه ، ونعادي من يعاديه ، ونعلم أنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته- صلى الله عليه وسلم – ، ولا يكون وليًّا لله ؛ بل ولا مؤمنًا ولا سعيدًا ناجيًا من العذاب إلا من آمن به واتبعه باطنًا وظاهرًا ، ولا وسيلة يتوسل إلى الله عز وجل بها إلا الإيمان به وطاعته، وهو أفضل الأولين والآخرين وخاتم النبيين ، والمخصوص يوم القيامة بالشفاعة العظمى التي ميزه الله بها على سائر النبيين ، صاحب المقام المحمود واللواء المعقود ، لواء الحمد ، آدم فمن دونه تحت لوائه ، وهو أول من يستفتح باب الجنة ، فيقول الخازن : من أنت ؟ فيقول : (أنا محمد) . فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك. (انتهى) .

ولقد كان خير من فهم ذلك وعمل بمقتضاه هم الصحابة الكرام ومن تبعهم من العلماء الأعلام وأئمة الهدى، فلقد كانوا خير من فهم الكتاب والسنة وعمل بالهدى. فإذا اتفقوا على أمر فهو الحق ، فإن أمته ، والحمد لله ، لا تجتمع على ضلالة ، وما تنازعوا فيه فقد أرشدهم ربهم على لسان نبيهم أن يردوه إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) [النساء :59] . وقد قال – صلى الله عليه وسلم – : (إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) .

فمن هذه المحدثات ادعاء رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – يقظة ، وادعاء أنه يسمع من يسلم عليه ويرد عليه السلام ، وإنما ذلك من المحدثات والضلالات التي لم تكن في الصحابة ولا في خيرة الأمة ، بل هي من إضلال الشيطان لما طمع فيهم ولبَّس عليهم لما وقعوا في مخالفة الشرع ، فأوقعهم فيما أوقع فيه من قبلهم من أهل الكفر .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله : فأهل الهند يرون من يعظمونه من شيوخهم الكفار وغيرهم ، والنصارى يرون من يعظمونه من الأنبياء والحواريين وغيرهم ، والضُّلال من أهل القبلة يرون من يعظمونه إما النبي – صلى الله عليه وسلم – ، وإما غيره من الأنبياء يقظة ويخاطبهم ويخاطبونه ، وقد يستفتونه ويسألونه عن أحاديث فيجيبهم ، ومنهم من يُخيل إليه أن الحجرة قد انشقت وخرج منها النبي – صلى الله عليه وسلم – وعانقه هو وصاحباه ، ومنهم من يُخيل إليه أنه رفع صوته بالسلام حتى وصل مسيرة أيام وإلى مكان بعيد . (انتهى).

وقد كتب الشيخ عبد الرءوف محمد عثمان في كتابه (محبة الرسول صلى الله عليه وسلم) فصلاً بديعًا ؛ جاء فيه :

ولكن هذه الخرافة لم يصرح بها إلا المتأخرون استغلالاً منهم لظروف الجهل التي ضربت عقول المسلمين، فصاروا أسرى الخرافات والأساطي .

وقد ذكر عمر بن سعيد النوني في كتابه (الرماح) : أن الأولياء يرون رسول الله- صلى الله عليه وسلم – يقظة ، وأنه يحضر كل مجلس أو مكان أراد بجسده وروحه ، وأنه يتصرف ويسير في أقطار الأرض وفي الملكوت ، وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل منه شيء ، وأنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم ، فإذا أراد الله أن يراه عبد رفع عنه الحجاب فيراه على هيئته التي كان هو عليها .

وعلى هذه البدعة أسست طرق صوفية كثيرة سميت بالطرق المحمدية ؛ لأنها كما يزعمون أخذت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مباشرة في اليقظة وفي رواية (فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي أو : (فإن الشيطان لا يتكونني) ؛ وذلك كالطريقة التيجانية ، والطريقة الأحمدية الإدريسية ، وغيرها من الطرق ، كما بنوا عليها حضراتهم وموالدهم ، إذ تزعم الصوفية أن الحضرة التي يقيمونها سُميت بذلك ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – يحضرها إما بروحه ، وإما يقظة بجسده وروحه ، وكذلك المولد الذي يقرأونه يزعمون أن النبي- صلى الله عليه وسلم – يحضره خاصة عند ذكر ولادته- صلى الله عليه وسلم – ؛ ولذلك يقومون لمجيئه ، ويقول قائلهم : جاء الرسول ، حضر الرسول ، وحتى يمعنوا في تضليل الناس بهذه البدعة يقولون : إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – : لا يراه إلا الكمل من العباد ، أما القاصرون والمنكرون ، فهم محجوبون عن رؤيته- صلى الله عليه وسلم – ، واعتقادهم في هذا يشبه اعتقادهم في القطب الصوفي المغيب عن الأبصار الذي لا يجتمع به إلا كبار الأولياء على زعمهم مثلما يعتقد الشيعة في الإمام الغائب المنتظر . (انتهى) .

فحديثنا اليوم حول قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : (من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ) . والحديث أخرجه البخاري ومسلم وأصحاب السنن ومسند أحمد والطبراني والحاكم في (مستدركه) من طرق عن عدد من الصحابة ؛ منهم أبو هريرة ، وابن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو قتادة ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وأبو جحيفة ، وعبد الله بن عمرو ، وألفاظ الحديث متقاربة تدور حول : (من رآني في المنام فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي) , وفي رواية : (فسيراني في اليقظة) ، أو : (لكأنما رآني في اليقظة) ، وفي رواية : (فقد رأى الحق ، فإن الشيطان لا يتكونني) ، (فإن الشيطان لا يتراءى بي ) . وزاد في بعض رواياته : (ومن كذب عليَّ معتمدًا فليتبوأ مقعده من النار) .

والمقصود من الأحاديث أن رؤيته – صلى الله عليه وسلم – ليست باطلة ولا أضغاثًا ؛ لأن الشيطان لا يتمثل به .

هل يمكن أن يُرى النبي – صلى الله عليه وسلم – يقظة ؟

والجواب عن ذلك ؛ أنه لا يُرى يقظة في الدنيا بعد دفنه – صلى الله عليه وسلم – في قبره ، وإنما قوله : (فسيراني في اليقظة) ؛ يحتمل بها أهل عصره ممن آمنوا به ولم يصاحبوه أنهم سيهاجرون إليه ويلتقون به – ويكون ذلك إخبارًا صادقًا بوحي من الله تعالى – أو معناه ، فسيرى تأويل هذه الرؤيا في اليقظة ويرى صحتها ، وقيل معناه ، سيراه في الآخرة رؤية خاصة من القرب والشفاعة له بعلو الدرجة ، ولا يُحجب عن رؤيته حينما يحجب من أهل المعاصي يوم القيامة من يحجب عن الرؤية .

ولا يجوز حمل ذلك على رؤيته يقظة في الدنيا كما يدعي كثير من الصوفية وأرباب الأهواء.

قال ابن حجر : (وهذا مشكل جدًّا ، ولو حمل على ظاهره لكان هؤلاء صحابة ولأمكن بقاء الصحبة إلى يوم القيامة ، ويعكر عليه أن جمعًا جمًّا رأوه في المنام ثم لم يذكر واحد منهم أنه رآه في اليقظة ، وخبر الصادق لا يتخلف) . أي لو كان ذلك المعنى حق لكان كل من رآه في المنام يراه في اليقظة ؛ وذلك هو الذي تكذبه أخبار من استفاضت رؤيتهم له في النوم .

هل للنفس حظ في الرؤية :

إذا كان الحديث : (من رآني فقد رآني ، فإن الشيطان لا يتمثل بي ) . وفي حديث أبي هريرة عند مسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجه : (الرؤيا ثلاث : فالرؤيا الصالحة بشرى من الله ، ورؤيا : تحزين من الشيطان ، ورؤيا : مما يحدث المرء نفسه ) .

فقد نفى الحديث حظ الشيطان في رؤيا النبي – صلى الله عليه وسلم – وبقي حظ النفس ؛ لذلك فإن شراح الحديث ذكروا أن ما خالف فيه صورة النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو من قبل الرائي أي ؛ من حديث نفسه ، فإن خيلت إليه نفسه لم يكن ذلك من الحق ، وإنما يرجع تأويلها إلى النفس وما شغلت به .

وقال ابن أبي جمرة : ومنهم من قال : إن الشيطان لا يتصور في صورته أصلاً ، فمن رآه في صورة حسنة ؛ فذلك حسن في دين الرائي ، وإن كان في جارحة من جوراحه شين أو نقص فذلك خلل في الرائي من جهة دينه ، قال : وهذا هو الحق – ثم قال : – وكذلك يُقال في كلامه – صلى الله عليه وسلم – في النوم يعرض على سنته ، فما وافقها فهو حسن ، وما خالفها فالخلل في سمع الرائي ، فرؤيا الذات الكريمة حق ، والخلل إنما هو في سمع الرائي أو بصره .

ولا يمكن قصر الحديث : (من رآني فقد رآني ..) على الصحابة فحسب ، حيث أن الصحابة، رضوان الله عليهم ، لما حدثوا به الناس لم ينقلوا ذلك القصر ، بل نقلوا خلافه ، كما كان ابن عباس يسأل الرائي عن الهيئة التي رآها ليقر الرائي على رؤياه أو ينفيها ، وكذلك كان من بعده إمام المسلمين في التعبير محمد بن سيرين ، فالحديث عام في كل راءٍ ، ولكن لا يستطيع أن يجزم بأنه رآه إلا من عرف صورته كالصحابة الذين عاصروه أو التابعين الذين رأوا مثاله- صلى الله عليه وسلم – في فاطمة ابنته ، أو في الحسن ابنها ، رضي الله عنهما .

هل يشترط لرؤيته أن يراه على الصورة التي كان عليها ؟

جاء في (الفتح) : ( كان محمد بن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : صف لي الذي رأيته ؟ فإن وصف له صفة لا يعرفها قال : لم تره ) . وسنده صحيح . ووجدت له ما يؤيده ؛ (فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب ، حدثني أبي قال: قلت لابن عباس : رأيت النبي – صلى الله عليه وسلم – في المنام ، قال : صفه لي ؟ قال : ذكرت الحسن بن علي فشبهته به ، قال : قد رأيته ) . وسنده جيد .

ويشهد له ما رواه أحمد في (مسنده) عن يزيد الفارس قال : رأيت الرسول- صلى الله عليه وسلم – في النوم زمن ابن عباس ، قال : وكان يزيد يكتب المصاحف ، قال : فقلت لابن عباس : إني رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم – في النوم ، قال ابن عباس : فإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقول : ( إن الشيطان لا يستطيع أن يتشبّه بي ، فمن رآني في النوم فقد رآني) . فهل تستطيع أن تنعت لنا هذا الرجل الذي رأيت ؟ قال : قلت : نعم ؛ رأيت رجلاً بين الرجلين جسمه ولحمه ، أسمر إلى البياض ، حسن المضحك ، أكحل العينين , جميل دوائر الوجه ، قد ملأت لحيته من هذه إلى هذه ، حتى كادت تملأ نحره ، قال عوف : لا أدري ما كان مع هذا من النعت ، قال : فقال ابن عباس : لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا .

وهذا يدل على أن الراسخين من أهل العلم اشترطوا لصحة رؤيته أن يكون على صورته التي حجب الشيطان عن التمثيل بها.

قال العيني في (العمدة) في معنى : (إن الشيطان لا يتمثل في صورتي ) : هي على حقيقته وهي التخطيط المعلوم المشاهد له – صلى الله عليه وسلم – وهذا ظاهر ، وعن هذا وضعوا لرؤيته – صلى الله عليه وسلم – ميزانًا ، وقالوا : رؤيته – صلى الله عليه وسلم – هي أن يراه الرائي بصورة شبيهة لصورته الثابتة حليتها بالنقل الصحيح حتى لو رآه في صورة مخالفة لصورته التي كان عليها في الحسن لم يكن رآه – صلى الله عليه وسلم – مثل أن يراه طويلاً أو قصيرًا جدًّا ، أو يراه أشعر أو شديد السمرة ، ونحو ذلك ، ويُقال : خص الله تعالى النبي – صلى الله عليه وسلم – بأن رؤية الناس إياه صحيحة وكلها صدق ، ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام ، بالمعجزة ، وكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة .

وذكر القرافي في (الفروق) أن رؤيته عليه الصلاة والسلام إنما تصح لأحد رجلين :

أحدهما : صحابي رآه فعلم صفته فانطبع في نفسه مثاله ، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته عليه الصلاة والسلام .

وثانيهما : رجل تكرر عليه سماع صفاته المنقولة في الكتب حتى انطبعت في نفسه صفته عليه الصلاة والسلام ، كما يجزم به من رآه ، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته عليه الصلاة والسلام ، وأما غير هذين فلا يحل له الجزم ، بل يجوز أن يكون رآه عليه السلام بمثاله ، ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان ولا يفيد قول المرئي لمن رآه أنا رسول الله ، ولا قول من يحضر معه هذا رسول الله ؛ لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره ، فلا يحصل الجزم .

هل من رآه في النوم يُطلق عليه أنه صحابي ؟

الجواب : لا ؛ لأن المراد الرؤية في حياته .

هل الحديث المسموع عنه في المنام حجة يستدل به ؟

الجواب : لا ؛ إذ يشترط في الاستدلال أن يكون الراوي ضابطًا حال السماع والنوم ليس حال ضبط .

(قال الشوكاني) في (إرشاد الفحول) : ولا يخفاك أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا – صلى الله عليه وسلم – قد كمله الله  عز وجل ، وقال : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) [ المائدة: 3] ، ولم يأتنا دليل يدل على أن رؤيته في النوم بعد موته – صلى الله عليه وسلم – إذا قال فيها بقول أو فعل فيها فعلاً يكون دليلاً وحجة ، بل قبضه الله إليه بعد أن كمل لهذه الأمة ما شرعه لها على لسانه ، ولم يبق بعد ذلك حاجة للأمة في أمر دينها ، وقد انقطعت البعثة لتبليغ الشرائع وتبيينها بالموت ، وإن كان رسولنا حيًّا وميتًا ، وبهذا نعلم أن لو قدرنا ضبط النائم لم يكن ما رآه من قوله – صلى الله عليه وسلم – أو فعله حجة عليه ولا على غيره من الأمة .

وفي (البحر المحيط) : (ولا يجوز أن يثبت بالرؤيا شيء حتى لو رأى واحد في منامه أن النبي- صلى الله عليه وسلم – أمره بحكم من الأحكام لم يلزمه ذلك ) .

وذكر في (تهذيب الفروق) : لا يلزم من صحة الرؤيا التعويل عليها في حكم شرعي (انتهى).

أيها القارئ الكريم إذا عرفت هذا عرفت حماية رب العزة لنبيه الكريم- صلى الله عليه وسلم- وحمايته لشرعه الشريف ، فمن رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على صورته فقد رآه حقًّا ولعلها أن تكون بشارة .

أما ما يحدث في الرؤيا من قول أو فعل أو وصية فلا يؤخذ بها إنما يؤخذ بالشرع ولا يجوز لعبد أن يعمل بالرؤيا ولو وافقت الشرع إنما يعمل بالشرع ؛ لأنه مكلف به والعمل بالمرائي شأن أهل البدع والعمل بالشرع حلية أهل السنة فانتبه .

آداب الرؤيا :

للرؤيا آداب ؛ حيث اعتنى بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، فكان كثيرًا ما يقول لأصحابه بعد الفجر : (هل رأى أحد منكم من رؤيا ؟) . فيقص عليه ما شاء الله أن يقص ، وكذلك في قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة ) ، فمن آدابها :

أولاً : إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها ، وليحدث بها ، وإذا رأى غير ذلك مما يكره ، فإنما هي من الشيطان ، فليستعذ بالله من شرها ، ولا يذكرها لأحد ، فإنها لا تضره ، هذه رواية أبي سعيد ، وأما رواية جابر : (إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا ، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثًا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه ) .

ثانيًا : الكذب في الرؤيا عليه وعيد أشد من الكذب في غيرها ، ففي (الصحيح) عن ابن عباس وأبي هريرة ، أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ( من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل) .

وهي في رؤية النبي – صلى الله عليه وسلم – أشد لما جاء في رواية البخاري في كتاب العلم، وعند أحمد : (من رآني في المنام فقد رآني ، إن الشيطان لا يتصور بي ، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار ) .

ثالثًا : لا يحدث الرائي بتلاعب الشيطان ، ففي حديث جابر عند مسلم أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم – قال لأعرابي جاءه فقال : إن حلمت أن رأسي قطع فأنا أتبعه ، فزجره النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال : (لا تخبر بتلعب الشيطان بك في المنام ).

هذا والله من وراء القصد ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .