الحمد للَّه ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه وبعد :
فإن الإسلام حرر الإنسان من كل عبودية لتبقى العبودية للَّه تعالى وحده لا شريك له ، حتى انطلق الإنسان من عقاله لربه عابدًا ، وفي أرضه عاملاً ؛ فحقق العدل وفتح البلاد ، وأثمرت الأرض وأخرجت خيراتها ، وانطلق المسلم يعمل في الأرض لا يخشى إلا اللَّه سبحانه وتعالى.
لكن الشيطان الذي سمى الشجرة المحرمة (( شجرة الخلد )) هو الذي هوَّن على الناس الربا، فسماه للناس (( فائدة )) ولا فائدة . هذا الشيطان لا يزال يعمل في عقول الناس ويوسوس في صدورهم ويجند له جندًا يبيحون الشهوات ويروجون للشبهات ، فكان من ذلك دعوى ((تحرير المرأة )) التي حررها الإسلام ، أراد الشيطان أن يعيدها لتصبح وسيلة دعاية رخيصة لكل سلعة تباع وتصبح معروضة منشورة من أجل كسب المال ، فتصبح فريسة للشيطان وأعوانه وللذئاب الضارية والوحوش المفترسة .
والعجب أن المرأة في كثير من أحوالها خُدعت ، بل وخدع معها ذووها ممن يهتمون بحياتها وحيائها وسعادتها ، حتى صار المعتدل في ذلك غريبـًا ، والملتزم بينهم شاذًّا ؛ لأن الذئب اليوم هو الراعي ، والمفترس اليوم هو الناصح ، واسمحوا لي أن أضرب هذا المثال :
وقف الثعلب يومـًا أمام قفص الدجاج يتغنى بالحرية وطعمها ومعناها وقيمتها ، وذل الأسر وجريمة الحبس ، وأثر ذلك على السجين ، ثم يقول للدجاج : ظالم ذلك الذي حبسكن في قفص، مجرم كل من سكت عن ذلك ، فأخذ الدجاج يتهامسن فيما يناقش حججه ويتداول قوله ، حتى وجدت تلك الدعوى لقلوب الدجاج مسلكـًا ومسارًا ، فوجد ذلك الكلام من الدجاج متحمسين ومدافعين ، فخفضت أصوات المصلحين ، وشكك المتحمسون في أقوال المصلحين ونواياهم ، حتى أسكتوا صوت الصواب والحق ، فلما سأل المتحمسون من الدجاج الثعلب المتقمص لثوب الواعظ المصلح عن الحل ، قال : حطموا الأسوار، وأزيلوا الحجاب، واكشفوا النقاب ، واخرجوا من الأقفاص ، فاستعانوا بكل ما لديهم من قوة وحيلة فخرجوا من أقفاصهم، فلم يبق منهم داخل القفص إلا القليل ، فأكلهم الثعلب ثمنـًا للحرية التي زعم لهم .
كذلك الشيطان يخدع المرأة في طلب الحرية وتحرير المرأة، فما استجابت امرأة لتلك الدعوى إلا أكلها وافترسها الشيطان بشباكه وشراكه وجنده وأعوانه.
بعد هذا المثال أريد أن أقول : إن الشيطان صور للمرأة ، بل وللرجال كذلك أن شرع اللَّه فيه إهانة للمرأة أو عدوان على حقها ، فكان أسرع من استجاب هم الكفار الذين ليس لهم من دين يردع ، ولا كتاب يصون ويحفظ ، فسنوا القوانين التي صوروها تحريرًا للمرأة وحفاظـًا على حريتها ، فإذا بتلك الحرية تجعل الحياة على الرجل في البيت غلاًّ وقيودًا ، فهرب الرجل من البيت كارهـًا الزوجة والولد ، فشقيت المرأة وزادت تعاستها بقوانين جعلت حياة الرجل معها لا تُطاق ؛ لذا فإنك لا تجد في المجتمعات المتحضرة في بلاد الكفر مكانـًا للرجل في البيت إلا زائرًا أو ضيفـًا .
تعترف بأنها تعيش معه يرافقها في سفرها وتعترف أنهما ليسا بزوجين ! وليس لهما رغبة في إنجاب الأبناء ، فلها بنت عمرها ستة وثلاثين عامـًا وهو ليس له أولاد ، وإن كان له فلا يعرفهم ، ولا أين هم . تلك نتائج الحضارة، الرجل قد فر من البيت لتتحرر المرأة من القيد.
صور الشيطان للمرأة أن تعدد الزوجات جريمة وعدوان ، مع أن تعدد الزوجات هو الذي يجعل المرأة عزيزة غالية ، فنسبة النساء مع الرجال تزيد قليلاً بنسبة مئوية ضئيلة هي في الآحاد الأولى من الأرقام ، بحيث لو حدث تعدد للزوجات في نسبة ضئيلة من الرجال لأصبحت كل امرأة لها زوج وبقي الرجال في بحث عن التعدد فلا يجدون ، عندئذ لا تبقى صغيرة ولا كبيرة ، دميمة ولا جميلة ، فقيرة ولا غنية ، إلا وجدت الخُطَّاب ، بحيث ترفض وتختار ، بل ولا تقبل الهوان في بيت ؛ لأنها إذا انتقلت من بيت وجدت أعز منه وأعرف بحقها وأصون لكرامتها وشرفها .
ثم بعد أن حرم الشيطان تعدد الزوجات، أوحى للناس، خاصة النساء – وأخص من ذلك الفتيات – أن نسبة الإناث ضعفي أو ثلاث أضعاف عدد الرجال، عندئذ فتح للمرأة أبواب من المسالك منها:
1- أن تحمل معها السلاح قبل أن تدخل البيت ، فيطول بها زمن العزوبة ، وتشقى بلوعتها ، لا تأنس فيها إلى زوج أو تأوي إلى بيت وأولاد ، والعجيب أن ذلك السلاح لا تجد من تستخدمه معه إلا الزوج ، مع أنها لما حملته كان العهد أن تستخدمه مع كل أحد إلا الزوج ، فلم ير الزوج في المسلَّحة إلا شقاء وتعاسة ، حتى ولو لم تعمل به ؛ لأنها تبقى تمن عليه أن رضيت به ووضعت السلاح ، وما أشقى الحياة مع امرأة منانة أو أنانة(1) !!
2- أن تتجمل وتتزين بصنوف من التغييرات لخلق اللَّه من النمص والتفلج والوشم وتغيير خلق اللَّه .
3- بقيت فئة من الفتيات يرغبن في حياة طبيعية ، ولكن الكدح للحصول على السلاح يمنعهن، فاتفقن سرًّا مع بعض الشباب الجائع الجامح على الزواج سرًّا ، وهو الخدن الذي حرمه اللَّه في كتابه ، وسماه لهم جماعة من المغرضين بالزواج العرفي ، وهل العرف إلا ما تعارف عليه الناس واشتهر !! فكيف يكون عرفيـًّا وهو غير معروف ؟ وكيف يكون زواجـًا وهو فعل مكتوم تواطأ أصحابه على الكتمان ، والويل كل الويل إذا وقع منه المقصد الأول ؛ فتكَوَّن في البطن جنين يتحرك ، ماذا تفعل ؟ أما هو فيمكنه التخلص كالرجل في بلاد الغرب فيهرب ، وأما هي أتمسكه على هون ، أو تدسه في التراب ، فهل هذا عرفي أم خدن وزنا وإجرام ؟!
4- وأكثر الطوائف منهن اعتدالاً تلك التي تواعدت سرًّا مع شاب أفصحت له بعبارات الحب والثناء، وبادلها كلمات الشوق والإغراء، وتواعدا على الزواج، هي تظن أنها بذلك قد حجزت زوجـًا وفازت بشاب من تلك العملة النادرة.
وأقول: إن كل زواج بني على سابق علاقة من ذلك فهو زواج شقي فاشل، إلا من تاب وآمن وعمل صالحـًا.
فالتوبة تَجُب ما قبلها، واللَّه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
هذه لمحات وزفرات وكلمات نهمس بها في الآذان ، ولا حل لكل تلك الأزمات الطاحنات إلا الشرع الذي أكمله اللَّه وأتمه ورضيه ، نلزمه ونعمل به .
واللَّه من وراء القصد .
————-
(1) المنانة : هي التي تكثر المن على زوجها بما قدمت له وبما تنازلت ، والأنانة : كثيرة الأنين والشكوى .