عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – قال : ” إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ” .
* هذا الحديث الجليل يحمل بشارة عظيمة بالجنة لمن أحصى أسماء الله التسعة والتسعين . قال فى معارج القبول : ( والظاهر أن معنى حفظها وإحصائها هو معرفتها والقيام بعبوديتها ، كما أن القرآن لا ينفع حفظ ألفاظه من لا يعمل به ، بل إن المراق من الدين يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ) .
فمن أحصى من أسماء الله البصير هل يختبئ من الناس بمعصية الله الذى يعلم أنه يراه ؟ ومن علم أن من أسمائه الرزاق فهل يطلب الرزق بغش أو سرقة أو رشوة وهو يؤمن أن الله هو الرزاق فكيف يطلب رزقه بمعصية ؟ وهكذا من اعتقد فى أسماء الله سبحانه استقامت أعماله وصلحت أحواله فدخل الجنة .
* وأسماء الله عز وجل توقيفية يراعى فيها الكتاب والسنة والإجماع فكل ما ورد فى هذه الأصول وجب الأخذ به وما لم يرد لا يجوز إطلاقه على الله سبحانه وإن صح معناه أو أجازته العقول أو حكم به القياس .
ولا يجوز أن نشتق لله سبحانه أسماء من كل الأفعال التى نسبها الله سبحانه لنفسه أو نسبها إليه رسول الله – صلي الله عليه وسلم – . يقول الله تعالى : ” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ” ويقول سبحانه : ” وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ” ويقول : ” إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا ” ويقول عز وجل : ” اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ ” ويقول : ” أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ” ويقول : ” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ” إلى آخر هذه الآيات الكثيرة التى حملت أفعالاً للمولى سبحانه ، ولا يجوز أن يشتق له منها أسماء سبحانه وإن اشتقاق مثل هذه الأسماء ( الماكر – المخادع – المستهزئ – الكائد – المصم – المعمى – الغاضب ) لهى أمور تقشعر منها الجلود وتكاد تصم منها الأسماع لأن الله له الأسماء الحسنى وهذه تكون حسنة تارة وغير ذلك تارة أخرى حيث يكون المكر والخداع منه سبحانه على سبيل الجزاء عدلاً منه وفضلاً . ولا يجوز أن نطلق على الله من الأسماء ما نراه بأهوائنا وعقولنا مثل من يقول : إن الله مهندس الكون ولا الطبيب المعالج للناس ذلك لأن أسماء الله سبحانه كلها توقيفية وهو الذى سمى نفسه فهو غنى عن خلقه أن يسموه .
* إنما الأصنام التى عبدوها شركاً وكفراً هى التى تحتاج للتسمية منهم والله عن تسمية خلقه له غنى ، وأسماء الله دالة على صفات كماله فهى أسماء وهى أوصاف وكلها حسنى بخلاف خلقه ، فمن الناس من يُسمى طويلاً وهو قصير . أو عادلا وهو ظالم وغير ذلك من تناقض أسماء الخلق مع صفاتهم بل قد يعمدون إلى الملدوغ فيسمونه سليماً وإلى طائفة الإبل الذاهبة فيسمونها قافلة .
* والله سبحانه أسماؤه دلالتها على الذات مطابقة وتدل على الصفة المشتقة منها تضمناً وتدل على الصفات الأخرى لزوماً فاسم الله القوى يدل على الله سبحانه مطابقة ويدل على قوته تضميناً وتدل على الحي – القيوم – السميع – البصير – التزاماً .
* وينبغى أن يكون دعاء العبد لربه بأسمائه الحسنى بما يناسبها كقوله – صلي الله عليه وسلم- : ” اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنى ” . ولا يناسب أن يقول العبد : ( يا منتقم يا جبار ارحمنى وتب علىّ ) إنما تدعوه بأسمائه وتتعبده بما يناسب مقام طلبه ومسألته لربه . ولا يجمل بالمسلم أن يدعو ربه بأسماء تبدو فى ظاهرها أنها تحمل معنى الإضرار بالعبد مثل المانع . الضار . المذل . القابض . الخافض . المميت . إنما تذكر مقترنة مع مقابلها مثل : المعطى المانع – النافع الضار – المعز المذل – الباسط القابض – الرافع الخافض – المحيى المميت .
لأنه سبحانه ما أوقع المنع سبحانه إلا بعد عطاء ولا الضر إلا بعد نفع . ولا الإذلال إلا بعد عز ، وهكذا ينبغى على المسلم أن يتأدب مع ربه فى دعائه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وأن يتحرى الصواب فى ذكر ربه .
* ويلزم المسلم أن يفهم من أسماء الله سبحانه الكمال لذا فإن أسماء رب العزة سبحانه جاءت فى المواضع الدالة على كماله سبحانه ، كما قال سبحانه : ” هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “
* والله جلت قدرته إنما عرفنا بأسمائه لعبادته فهو القائل سبحانه : ” وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” . وقال سبحانه : ” سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ” وقال سبحانه : ” هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ” .
* وأسماء الله سبحانه دالة على صفات كماله فإذا قلنا : ” عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” ” عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ” ” عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ” ” عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ” نؤمن أنه سبحانه عالم الغيب فإن أطلع أحداً على غيبه سبحانه فلا سبيل لغير من أطلعه أن يعلم هذا الغيب ، فالملائكة لا يعلمون الغيب الذى أطلع الله عليه آدم فلما قال لهم الله سبحانه ” أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ” والجن لا يعلمون الغيب ” فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ” .
* والأنبياء لا يعلمون الغيب ” قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ” . فهل بعد ذلك يكون من الدجالين والمشعوذين من يعلم الغيب إذا كان هؤلاء لا يعلمون .
* وأسماء المولى سبحانه ليست بمنحصرة فى التسعة والتسعين المذكورة فى حديث أبى هريرة لكنها فقط من أحصاها دخل الجنة لحديث ابن مسعود عند أحمد وغيره عن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – أنه قال : ” ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال : اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض فى حكمك عدل فى قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبى ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحاً ” (1) قيل يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال : ” بلى ينبغى لمن سمعها أن يتعلمها ” .
* وأسماء الله سبحانه دالة على كمالاته ولأن كمالات الله سبحانه لا نهاية لها ، لذا قال بعض أهل العلم : إن أسماء الله تعالى لا نهاية لها لكن لا تثبت إلا بنص شرعى من قرآن أو سنة أو إجماع ، ولقد وردت أحاديث جمعت الأسماء التسعة والتسعين وفى بعضها زيادة ونقصان ولقد رجح الكثير من أهل العلم أن هذه الأسماء إدراج من الرواة اجتهدوا فى جمعها من القرآن والسنة .
ولقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الإمام أحمد بن حنبل وغيره اجتهدوا فى جمع تلك الأسماء . ولقد بسط ابن حجر فى فتح البارى هذا المبحث فسرد الأسماء بالأحاديث التى جاءت فيها ثم سرد تسعاً وتسعين اسماً ذكر أنها فى القرآن الكريم .
وهى اجتهادات طيبة لأهل العلم ، وعلى المسلم أن يعتقد فى هذه الأسماء ويتخلق بما تدل عليه فإذا عرف ربه تواباً كان دائم الرجوع إليه والتوبة . وإذا عرفه جباراً تواضع له سبحانه، وإذا عرفه رحيماً تعرض لأسباب رحمته حتى ينال منها وإذا عرفه رزاقاً لم يطلب الرزق بمعصية .
وهكذا ، فنسأل الله أن يجعلنا من العابدين له بأسمائه الحسنى وصفاته العليا والله من وراء القصد .