أيها المسلم الكريم: يا من عرفت الله ربًّا خالقًا مدبرًا: يا من عرفت الله رازقًا تكفل برزق الأجنة في البطون: يا من عرفت الله سميعًا لا يخفى عليه دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء. يا من عرفت الله توابًا يغفر الذنوب جمعيًا.
يا منْ عرفت الله كريمًا يعطي ويرزق الطائع والعاصي . يا من عرفت الله يحصي الأعمال على العباد جميعًا فلا يغفل عن شيء أبدًا . يا عرفت الله قادرًا لا يفلت منه أحد ، يقدر على العصاة والمذنبين وعلى الجبابرة والمتكبرين ، ويقصم الظالمين ، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر . يا من عرفت الله منتقمًا ينتقم ممن استباح حرماته وخالف شرعه وعصى أمره .
أيها المسلم الكريم : اعلم أن جنود الله كثيرون . لا يعلم بكثرتهم إلا علام الغيوب ، فمن أطاع الله سخر له جنده ؛ فكان في الحياة لا يشعر إلا بالسعادة تملأ جنبيه . يثق في رزق الله ويؤمن بوعده فيملأ الله قلبه سعادة ، وإن كان فقيرًا ، فكان إيمانه هذا خيرًا له من كنوز الأرض لو جمعت ، ومن عصى الله سلط الله عليه جنده ، فأحال حياته شقاءً وضنكًا ، ويبحث في كل جانب على سبيل الخلاص منها ، فلا يجد ، ولا يزول عنه ذلك حتى يرجع من كفر إلى إيمان، ومن شرك إلى توحيد ، ومن جاهلية إلى إسلام ، ومن معصية إلى طاعة ، ومن مخالفة رب العالمين إلى امتثال أمره سبحانه .
فالله هو الملك لا يعتزل ملكه أبدًا ، وهو بكل شيء محيط ، وعلى كل شيء قدير ، والمسلمون كالجسد الواحد يتعاونون على البر والتقوى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) [ آل عمران : 110] ، والله يناديكم : ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [ الأنبياء : 92] ، ونحن جميعًا معك إخوة في الإسلام والإيمان ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [ الحجرات : 10] .
لذا فإننا نذكر أنفسنا بالله وشرعه ونتواصى بالعمل بدينه رجاء أن نفوز بسعادة الدنيا والآخرة، وخوفًا من نقمته في الدنيا والآخرة : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى(123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا(125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى(126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ) [ طه : 123 – 127] .
وهذه بعض الوصايا التي نتواصى بها لله وفي الله وبالله.
الأولى : احرص على الصلاة ، واجعل أهلك يقيمون الصلاة : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ ) [ طه : 132] الآية ، فإنك إن لم تفعل فقد قطعت نفسك عن مولاك ، فالصلاة صلة العبد بربه . ويكون العبد فيها قريبًا من ربه ، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة . فإن قطعت نفسك عن ربك فبمن تتصل ومن ينجيك ، وكل من حولك أعداء لك، فالشيطان عدو ، والنفس التي بين جنبيك لك عدو ، والأولاد والزوجات : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ) [ التغابن : 14] .
الثانية : الله قّدَّرَ الأرزاق ، فكل عبد يبلغه رزقه ، وإنما أمر العبد أن يطلب الرزق من الباب الحلال ، فاحذر أن يدخل عليك من المال الحرام شيء ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصي الله ، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته). وأنفق في سبيل الله من مالك وتحرى الحلال ، فاحذر الوقوع في المال الحرام أكثر من حذرك من أسد يفترسك ، وأسرع بالتوبة إلى الله سبحانه ، ونزه مالك ونقه من كل المحرمات ، فإنك لا تدري متي يكون الموت ، والمال الحرام تتركه من بعدك يتمتع به غيرك وأنت تكوى به في جهنم ( يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) [ التوبة : 35] .
الثالثة : كن للإسلام خير مثال فإن الناس من حولك يتعرفون على الإسلام من سلوكك ، فلا تقل أنا مسلم ، ثم تستحل حرامًا ، أو تقترب منكرًا ، أو تظلم أحدًا ، ولو كان كافرًا ، واحفظ أعضاءك عن محارم الله ؛ يكن الله لك حافظًا . فكن بسلوكك بين هؤلاء الناس دعوة إلى الله رب العالمين .
وليكن خوفك من الله – سبحانه – أكبر من خوفك من كل من سواه ، فاحرص على مرضاته في كل أمر من حياتك ، واعلم أن الله إن هداك فهدى بك فلك الأجر العظيم ، وإن فتنت الناس بمعاصيك فعليك الإثم الكبير ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِين ) [ يونس : 85] ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [ الممتحنة : 5] .
الرابعة : أسرتك التي أنت منها . أنت مسئول عنها ، فكفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول ، وإن أهم ما تعلمه لأهلك وتحرص عليه معهم ؛ هو تعلم هذا الدين عقيدة وعبادة وسلوكًا ، فاحرص على ذلك ولا تتركهم للشيطان وجنده في هذه البيئة المليئة بالفتن يغتصبهم ، وَيغرهم فيميلون معه فيهلكون فتهلك بهلاكهم ، فاحذر من انحراف ولدك وتبرج زوجك وبنتك ، واحذر من رفاق السوء عليهم ، واختر لهم رفاق الخير وأعوانه ، وعليك أن تعلمهم القرآن ولغة القرآن ، وأن تربيهم على العقيدة الصحيحة ، وعلى الانتماء للإسلام ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) [ التحريم : 6] .
أيها المسلم الكريم : تدبر كلام رب العالمين حيث يقول : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) [ الحديد : 16] .
أيها المسلم الكريم : تعالى إلى الله فهو خالقك وإليه مرجعك ، وهو الذي يحاسبك وهو أرحم بك من أمك وأبيك ومن زوجك وبنيك ، فكن له طائعًا يكن لك سندًا حاميًا .
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.