واقع ووعد

يقول الله سبحانه : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )[النور :55] .

إن الله لا يخلف الميعاد ، والناظر إلى وجه الأرض اليوم يرى المسلمين في بلادهم مهانين لا يستطيع الواحد منهم أن يعلن بإسلامه ، وأن أعلن فإنما يعلن أنه ينتمي للإسلام اسمًا ولا يعلن تحكيم دينه الذي يعتنقه في شئون حياته ، فلا يرى الله قد حكم في ماله ولا عرضه ولا وقته ، ولا يرى حكم الله فصلاً في قضاياه وخصوماته مع الآخرين .

والناظر إلى حال المسلمين في آفاق الأرض اليوم يرى العداوة قد دبت بينهم، فهم يقتتلون من أجل سلطان زائل أو عرض من أعراض الدنيا.

إن أظهر الله الخير في بلادهم لم يتناصفوا في تقسيمه ولم يتراحموا في عطائه، إنما يقتتلون أيهم يفوز به.

فكيف بهم يوم يقع ما تحدث عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ( لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات ثم نعود) فنقول : نحن أهل الإسلام والصلاة والعبادة لله رب العالمين ! لماذا لم يتحقق فينا وعد الله تعالى ؟ منهم من ينادي بوحدة الصف ويقول : بلاد الكفر قد توحدت ، والسوق المشتركة قد تكونت ، والاتحادات بين الدول قد أنشئت .

بينما دول الإسلام مهددة بالانقسام ، فهذه إرتريا والصومال واليمن والعراق والسودان ومن قبل الباكستان والمغرب وقبل دولة الإسلام الكبرى التي تفتت دويلات ، فلماذا كل هذا ؟!

ننظر إلى حال المسلمين مع أنهم يؤدون الصلاة ، فالمنكرات والفواحش تملأ كل موقع عندهم، والله سبحانه يقول في كتابه الكريم : ( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)[العنكبوت : 45] .

قد أدينا الصلاة فلماذا لم تنته الفواحش والمنكرات من بلادنا ومن بيوتنا ؟ هل تخلف وعد الله الصادق معنا ؟ (عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من مائة تسعةٌ وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو. فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا) متفق عليه.

فمن من مسلمي اليوم يستطيع ألا يأخذ منه شيئًا ؟!

والجواب : إن وعد الله حق ( إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ )[لقمان : 33] : إذن فلماذا تخلف الوعد ؟ لك أن تنظر إلى هذا الرجل الذي جاء يقول : يا رسول الله إن أخي استطلق بطنه فقال – صلى الله عليه وسلم – : (اسقه عسلاً) فسقاه ثم جاء فقال : إني سقيته عسلاً فلم يزده إلا استطلاقًا .

فقال له ثلاث مرات ثم جاء الرابعة فقال : (اسقه عسلاً) فقال له : لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا .

فقال – صلى الله عليه وسلم – :(صدق الله وكذب بطن أخيك) فسقاه العسل فبرأ .

متفق عليه .

فقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – : ( صدق الله وكذب بطن أخيك ، اسقه عسلاً ) فسقاه العسل فبرأ يدلنا أنه إذا لم يتحقق وعدٌ وعده الله الذي جاء في شرعه فالمتهم هم العاملون وليس الوعد ، فإن وعد الله لا يتخلف أبدًا .

وهذا أبو أمامة يعرفنا بالوعد يتحقق كما جاء إذا كان منا العمل صحيحًا .

فقد أخرج أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري قال : دخل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له : أبو أمامة فقال : ( يا أبا أمامة ما لي أراك في المسجد في غير وقت الصلاة ؟ ) قال : هموم لزمتني وديون يا رسول الله .

قال: (أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك ؟) قال: قلت: بلى يا رسول الله.قال : (قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال) قال : ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني .

فهل يتدبر المسلمون قول أبي أمامة : (ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي …)

فأبواب الوعد يتحقق بها الوعد للعاملين ولا بد .

وهكذا وَعْدُ الله لا يتخلف، إنما هو أقرب مما نتصوره، إنما علينا نحن أن نكون مؤمنين عاملين.

والله سبحانه قد افترض علينا الفرائض ، فإن أديناها حقق الله تعالى لنا وعده .

فإن لم يتحقق لنا ذلك فعلينا بالرجوع إلى أنفسنا ننظر الموانع، فإنه منها ( صَدَقَ الله وكذب بطن أخيك).

علينا بالرجوع إلى أنفسنا والدخول على الله تعالى من أبواب الفرائض ثم من أبواب النوافل جبرًا لعجزنا وتقصيرنا عن فرائضنا.

فالله فرض الفرائض ودعانا للصدق فيها .

ثم شرع النوافل ووعدنا بقبولها وجعلها كمالاً لعجز الفرائض التي أديناها ، ولم نكمل الصدق فيها بحضور القلب وإخلاص العمل والحرص على المتابعة ، لذا كانت النوافل بعد الفرائض من رحمة الله سبحانه .

فعلينا الدخول من هذه الأبواب حتى يرضى عنا ربنا فيجبر عجزنا ويشفي مرضنا ويعيدنا إلى حظيرته فيتولانا مدافعًا (من عادى لي وليَّا فقد آذنته بالحرب) فيتحقق لنا وعده سبحانه .

علينا أن نعلم أننا أوتينا من قِبَلِ معاصينا أُوتينا من قبل أنفسنا فالمعاصي التي ملأت كل موقع هي سبب زرع الوهن في قلوبنا ونزع المهابة من صدور أعدائنا حتى نظروا إلينا فوجدونا فريسة سهلة المنال يمكن لهم أن يأخذوها بل لم يتعبوا أنفسهم في حربنا لأنهم وجدوا أننا قد تسلطنا على أنفسنا فصرنا نعطيهم خيرات بلادنا ونقتل لهم إخواننا وأنفسنا ونحل لهم ديارنا وأموالنا وأعراضنا إن جاءوا إلينا فمكرمون ، وإن تحاكمنا إليهم فأذلاء مخذولون .

فما الحل ؟ وما المخرج ؟! إنه ليس إلا الصلح مع الله ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم )[محمد :7] .

كما كان حال سلفنا الصالح خافوا الله فأطاعوه فأخاف منهم عدوهم ، وجعل السلاح معهم على قلته فتاكًا وعددهم على ضآلته كبيرًا جرارًا فنصرهم بالرعب مسيرة شهر ؛ فالطاعة رأس مال كبير .والمعصية وبال عظيم وهوان على الله ثم على سائر خلقه

فاللهم ردنا طائعين ووحد على الإيمان قلوبنا وعلى الإسلام صفوفنا

والله من وراء القصد.