الحمد لله . يدافع عن الذين آمنوا و يتولاهم ويرد كيد الذين كفروا . ويوهن قواهم . ويحمي المؤمنين من المنافقين أن يصيبهم شرهم وأذاهم. ويرفع المؤمنين فوق كل من عاداهم.
وسبحان الله يتولى بفضله عباده المؤمنين ويقصم بعدله. ويعذب الكافرين .
هذا وإن الشيطان ليوحي إلى أوليائه ليخدعوا المؤمنين ويزين لهم أن يكيدوا لهم ويحثهم على المكر بهم وخداعهم ، والله سبحانه لم يأمر المؤمنين أن يواجهوا المكر بالمكر مثله ، ولا أن يدفعوا الكيد بالكيد يقابله ، ولا أن يتخلصوا من الخداع بخداع مثله .
إنما أمرنا الله سبحانه أن ندفع المكر والخداع والكيد وسائر الحيل المحرمة بالشرع الذي أنزله وأتمه وأكمله ، لأنه سبحانه هو الذي يتولى الدفاع عن المؤمنين فيقول – جلت قدرته : ( وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم ) . أي : أنه لا يجوز للمسلم أن يخون ابتداءً ، ولا أن يرد على الخيانة بخيانة مثلها ، فالمسلم لا يخون حتى من خانه .
والله سبحانه يقول : ( وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) . ولقد أخرج أبو داود في سننه بسند صحيح قال : ( كان بين معاوية وبين الروم عهد ، وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى العهد غزاهم ، فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول : الله أكبر . الله أكبر . وفاء لا غدر . فإذا عمرو بن عبسة – رضي الله عنه – فأرسل إليه معاوية فسأله فقال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء )، فرجع معاوية ( انتهى من ( سنن أبي داود ) ) ، قال المعلق على ( صحيح أبي داود ) : اتفق الشراح على أن هذا الحديث عام في جميع العقود بين المتحاربين وهو بين المتعاملين من المسلمين أوثق وأكد .
والله – سبحانه – يبعث الطمأنينة في قلوب المؤمنين ليلزموا شرعه ولا يخالفوا أمره ، فلا يدفعهم الشيطان بمكره ليمكروا أو يكيدوا ويخدعوا أو يخونوا ويحتالوا ، فيقول – سبحانه – : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) وهو – سبحانه – يقول : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ) .
والله سبحانه يقول في كتابه الكريم ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [ آل عمران : 54] ، ويقول : ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) [ الأنفال : 30] ، ويقول سبحانه: ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا(15) وَأَكِيدُ كَيْدًا ) [ الطارق : 15] .
وقال – عز وجل – : ( قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) [ يونس : 21] . وقال سبحانه : ( وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) [ النمل : 51] . وقال : ( قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ) [ النحل : 26] .
والله يهدد الماكرين بالسوء بقوله : ( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ(45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ(46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيم ) [ النحل : 45 – 47 ] . ويقول سبحانه : ( وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) [ القلم : 45] .
والله – سبحانه – يؤدب المؤمنين ويعلمهم الشرع الذي يواجهون به الكافرين والمنافقين في كيدهم ومكرهم : ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) [آل عمران : 120] .
ومن قوله سبحانه ليطمئن المؤمنين : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ) [ النساء : 142] . ومن القصص القرآني أن الله هو الذي رد الكيد عن يوسف لما كاد النسوة له : ( وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ(33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم ) [ يوسف : 33 ، 34] . وقال عز وجل: ( كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ) [ يوسف: 76]. فهو الذي أنطق إخوة يوسف فقالوا: ( مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ) [يوسف : 75] . ولم يقولوا بدين الملك أو بعقوبة البدل وذلك ليس إلا إلهام الله كيدًا منه سبحانه ليرد كيد إخوة يوسف بكيد خير منه .
وكذلك لما كاد فرعون فجمع السحرة كاد الله فجعل عصا موسى تنقلب حية : ( تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُون ) [ الأعراف : 117] . ومن كيده سبحانه أن ألقى الإيمان في قلوب السحرة جميعًا فوقعوا ساجدين ونطقوا مؤمنين وثبتهم الله أمام تهديد فرعون وملأ الكافرين .
ولما كاد الكافرون لإبراهيم بالنار إحراقًا . كادهم الله بمكر الخير ، فجعل النار بردًا وسلامًا على إبراهيم .
ومن كيد الله لقوم نوح أن صنع لهم بحرًا أمواجه كالجبال أغرق فيها الكافرين ونجى نوحًا ومن معه في الفلك المشحون.
ومن كيد الله لفرعون أن فلق البحر بضربة من عصا موسى حتى عبر بنو إسرائيل ، فلما دخل فرعون وملؤه انتظرهم البحر حتى دخلوا جميعًا ، ثم أطبق الله البحر عليهم فأغرقهم أجمعين .
ولو ذهبنا نتتبع ذلك من القرآن لطال بنا المقام جدًّا ، وخلاصة ذلك ما قاله ابن القيم في (إعلام الموقعين ) ( إن من كاد كيدًا محرمًا فإن الله يكيده ويعامله بنقيض قصده وبمثل عمله ، وهذه سنة الله في أرباب الحيل المحرمة أن لا يبارك لهم فيما نالوه بهذه الحيلة ويهيئ لهم كيدًا على يد من يشاء من خلقه يجزون به من جنس كيدهم وحيلهم وفيها تنبيه على أن المؤمن المتوكل على الله إذا كاد الخلق فإن الله يكيد له وينتصر له بغير حول منه ولا قوة ). (انتهى).
وليعلم المسلم أن النصر في اتباع شرع الله بالإيمان لا في متانة الكيد فهو سبحانه يقول : (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) . وفي اتباع شرع الله الرزق الواسع : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) [ التوبة : 28] .
فالواجب على المسلم أن يلزم الشرع في مقابل كل كيد أو مكر أو خداع وأن يلزم الشرع في كل أمر ، والله يدافع عنه ويكيد له . فاللهم ألهمنا أن نكون على شرعك سائرين وبه عاملين . آمين . آمين . آمين .
والله من وراء القيد .