رمضان شهر التقوى

ولست أرى السعادة جمع مال … ولكن التقى هو السعيد

فتقوى الله خير الـزاد ذخراً … وعند الله للأتقى مزيد

يقول الله سبحانه وتعالى : { يأ أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } .

 فالصيام من أكبر أسباب التقوى لأن فيه امتثال لأمر الله تعالى واجتناب لنهيه ، فمما اشتمل عليه من التقوى : أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها مما تميل إليه نفسه متقرباً بذلك إلى الله تعالى يرجو بتركها ثوابه فهذا من التقوى .

ومنها : أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله سبحانه فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه لعلمه باطلاع الله عليه .

ومنها : أن الصوم يضيق مجارى الشيطان فإنه يجرى من ابن آدم مجرى الدم ، فبالصيام يضعف نفوذه وتقل منه المعاصى .

ومنها : أن الصائم فى الغالب تكثر طاعته والطاعات من خصال التقوى .

ومنها : أن الغنى إذا ذاق ألم الجوع أوجل له ذلك مواساة الفقير المعدم وهذا من خصال التقوى.

فإذا كان الأمر بالصيام خاصاً بالمؤمنين واقترن ذلك بأن الله افترضه على الذين من قبلهم حتى ينافسوهم فى الخيرات فإن الله سبحانه يأمر الناس جميعاً بالأمر العام مكلفاً إياهم بالعبادة التى هى امتثال لأوامر الله سبحانه واجتنبا لنواهيه وتصديق لخبر رسوله الذى بعثه { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون } [ البقرة : 21] .

وهو الأمر الذى خلقهم الله من أجله { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وهو ربهم الذى رباهم بأنواع النعم فخلقهم بعد عدم وأنعم عليهم بسائر النعم الظاهرة والباطنة، فجعل لهم الأرض فراشاً يستقرون عليها ويبنون بيوتهم ويحرثون ويزرعون ، وخلق لهم كل شيء ثم علل ذلك بقوله : { لعلكم تتقون } .

ولقد وردت التقوى بمادتها في القرآن الكريم فى قرابة ثلاثمائة موضع من آياته حتى يمكن أن يقال : إن الغابة من رسالة الإسلام بل ومن جميع الأديان هو تحصيل التقوى .

فالله سبحانه يقول في القرآن على لسان نوح وهود ولوط وشعيب كل نبى يخاطب قومه بقوله: { فاتقوا الله وأطيعون } .

 والتقوى آثارها جليلة وثمارها عظيمة يجعلها الله فى الدنيا والآخرة .

 فمن ثمارها فى الدنيا : ما جاء في قول الله سبحانه : { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} وقوله سبحانه : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب } وقوله عز وجل : { واتقوا الله ويعلمكم الله } وقوله : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } .

 ومنها: ما يجعله الله للعبد في الآخرة. فتفتح له أبواب الجنة { وسبق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين } والتقوى تزيل الخوف وتجلب الأنس فى الآخرة { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون . الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين . ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون } [ الزخرف : 67- 70 ] .

ويقول سبحانه : { إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر } [القمر:54- 55 ] .

  وتقوى الله عز وجل دافع للعبد أن يعمل الخير وأن يجتنب الشر لذا كان النبى -صلى الله عليه وسلم- يفتتح خطبه بالحث على التقوى بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاُ كثيراً ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا } { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } فكانت هذه الآيات فى تقدمها بين يدى الخطبة ما يحث السامع على سرعة الإقدام عملاً للصالحات واجتناباً للسيئات .

 هذا والمولى سبحانه يبين أثر التقوى على الأعمال فى قوله : { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } [ الحج : 32]

  ويجعل الله سبحانه التقوى مانعاً من بخس حق أو إضاعة أمانة أو التعدى على حرمات النساء كما في الآيات { وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً } وقوله: {فليود الذى اؤتمن أمانته وليتق الله ربه } وقوله على لسان مريم : { قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا } .

  وفى حديث الثلاثة الذين مالت صخرة فسدت عليهم فوهة الغار تقول المرأة لابن عمها الذى تمكن منها بعد أن قهرها الجوع : ” اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فقام عنها وتركها ” متفق عليه.

  ولذا كانت هى وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه لما قالوا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا قال : ” أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة … ” ، وعن أبى هريرة أن رجلاً قال : يا رسول الله أريد أن أسافر فأوصنى ، قال : ” عليك بتقوى الله … ” ، وهى دعوة للمسافر ” زودك الله التقوى … ” .

 وهذا ولقد جاء المعنى التفصيلى للتقوى في آيات كريمة منها :

 { آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هجى للمتقين . الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون . أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } [ البقرة : 1-5 ] .

  وفي قوله تعالى : { ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآنى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في الباساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } [ البقرة : 177 ] .

   وهذا شهر رمضان الذى قال عنه سبحانه وتعالى : { شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ويظهر أثر الصوم على الصائم إخلاصاً لربه ودعاء ولذلك يقول سبحانه : { وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون } ويقول سبحانه بعد آيات الصيام معقباً بعدها كأنها نتيجة للصوم : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون } فمن ترك الطعام الحلال لله فى نهار رمضان تعلم التقوى فلم يأكل أموال الناس بالباطل رشوة وعطاءً أو أخذاً .

   فهذا رمضان شهر معالجة الأدواء والنفوس وجمع القلوب ووحدة الصف وهجران المعاصى ولزوم الطاعات فليتق الله دعاة الباطل والشر الذين يحاولون إفساد الصوم على الناس في وسائل الإعلام أو الطرقات والمواصلات والسهرات ، وليعلموا أنهم يردون إلى ربهم غداً ، والله يقول لنا : { ولتنظر نفس ما قدمت لغد } فالنبى -صلى الله عليه وسلم- يقول إلى ربهم غداً ، والله يقول لنا : ” رغم أنف رجل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له … ” وفى رواية : ” يا محمد ، من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار ، فأبعده الله، قل : آمين ، فقلت : آمين ” وذلك لواسع فضل الله سبحانه وعظيم عطائه ومغفرته فى هذا الشهر الكريم .

  فاللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل .

 والله من وراء القصد