الإيمان باللَّه

بقلم فضيلة الأستاذ الجليل

الشيخ سيد سابق

كل ما في الكون شاهد على وجود اللَّه، وعناصر الوجود ومواد الطبيعة تؤكد أن لها خالقًا ومدبرًا، والنفس الإنسانية مغروس فيها الشعور بوجود الله وهو شعور فطري فطر الله الناس عليه، وعبر عنه العلماء بالغريزة الدينية.

وهذا الشعور يستيقظ عند وجود مثير من ألم ينزل أو ضر يحيط.

والوجود الإلهي كما هو حقيقة تتجلى في الكون وفي الطبيعة وفي الأشياء وفي النفس فهو قريب من الإنسان، بل أقرب إليه من نفسه يسمع دعاءه ويلي نداءه ويحقق رجاءه والطريق إلى معرفة الله هي التفكر في خلقه من جهة ومعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العليا من جهة أخرى، ومتى الإنسان ربه من طريق العقل والقلب أثمرت له هذه المعرفة ثمارًا يانعة وتركت في نفسه آثارًا طيبة، ومن هذه الثمار تحرر النفس من سيطرة الغير، وذلك أن الإيمان يقتضي الإقرار بأن الله هو المحيي المميت الخافض الرافع الضار النافع المعطي المانع، وأنه ليس لبشر مهما علا قدره وعظم شأنه أن يسوق إلى الإنسان ما أراد الله منعه أو يمنع عنه ما أراد الله أن يعطيه إياه، وما البشر إلا خلق مثله.

إذا تحررت النفس من سيطرة الغير أخذت طريقها إلى الكمال دون أن يعوقها عائق أو يصدها عن غايتها صاد .. إن الذي عوق البشرية عن النهوض وحال بينها وبين الرقي هو الخضوع للاستبداد سواء أكان هذا الاستبداد استبداد الحكام والرؤساء أم استبدادًا كهنوتيًا لرجال الدين.

وبتقرير الإسلام هذه الحقيقة قضى على هذا الأسر وأطلق حرية الإنسان من سيطرة المستبدين التي لازمته طويلاً.

والإيمان يبعث في النفس روح الشجاعة والإقدام واحتقار الموت والرغبة في الاستشهاد من أجل الحق، إذ أن الإيمان يوحي بأن واهب العمر هو الله وأنه لا ينقص بالأقدام ولا يزيد بالأحجام. فكم من إنسان يموت وهو على فراشه الوثير، وكم من إنسان ينجو وهو يخوض غمارات المعارك والحروب. والإيمان يقتضي الاعتقاد بأن الله هو الرزاق وأن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهية كاره .. وإذا سيطرت هذه العقيدة على النفس تخلص الإنسان من رذيلة البخل والحرص والشره والطمع، واتصف بفضله بالجود والبذل والعطاء والسخاء والأنفة والفقه، وكان إنسانًا مأمول الخير مأمون الشر.

والطمأنينة أثر من آثار الإيمان ومتى اطمأن القلب وسكنت النفس شعر الإنسان ببرد الراحة وحلاوة اليقين واحتمل الأهوال بشجاعة وثبت إزاء الخطوب مهما اشتدت ورأى أن يد اللَّه ممدودة إليه وأنه القادر على تفح الأبواب المغلقة، فلا يتسرب إليه الجزع ولا يعرف اليأس إلى نفسه سبيلاً.

والإيمان يرفع من قوى الإنسان المعنوية ويربطه بمثل أعلى، وهو الله مصدر الخير والبر والجمال والكمال وبهذا يمسو الإنسان على الماديات ويرتفع عن الشهوات ويستكبر على لذائذ الدنيا، ويرى أن الخير والسعادة في النزاهة والشرف وتحقيق القيم الصالحة، ومن ثم يتجه المرء اتجاهًا تلقائيًا لخير نفسه وخير أمته وخير الناس جميعًا .. وهذا هو الرقي وهو اقتران العمل الصالح بجميع شعبه وفروعه بالإيمان إذ أنه الأصل الذي تصدر عنه وتتفرع منه.

والحياة الطيبة يعجل الله بها للمؤمنين في الدنيا قبل الآخرة وتتمثل هذه الحياة في ولاية الله للمؤمن وهدايته له ونصره على أعدائه وحفظه مما يبيت له وأخذه بيده كما عثر أو زلت به قدم، فضلاً عما يفيضه عليه من متاع مادي يكون عونًا له في قطع مرحلة الحياة في يسر.

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إن الإيمان شيء كبير في حياة الإنسان وعليه أن ينميه ويتعهده حتى يصل إلى درجة اليقين والإذعان والتسليم .. وتكون التنمية بالعمل الصالح من ذكر للَّه وتفكر في خلقه وتلاوة للقرآن وصلاة في جوف الليل ومدارسة للعلم ومجالسة للعلماء العاملين. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الإيمان يبدو في القلب لمعة بيضاء فإذا عمل العبد الصالحات ازدادت ونمت حتى يبيض القلب كله)).