الحج عرفة

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” الحج عرفة ” (1) الحديث أخرجه أحمد فى مسنده ورواه أبو داود والترمزى والنسائى وابن ماجه فى السنن .. كما رواه ابن حبان والحاكم وصححاه من رواية عبد الرحمن بن يعمر الديلى (2) : أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو بعرفة فسألوه فأمر منادياً فنادى الحج عرفة .. من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج ، أيام منى ثلاثة ، فمن تعجل فى يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه ، وفى لفظ لأبى داود : الحج الحج يوم عرفة وفى رواية لأحمد : الحج حج عرفة .

قال الترمزى: والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبى -صلى الله عليه وسلم – وغيرهم ، أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر فقد فاته الحج، ولا يجزىء عنه إن جاء بعد طلوع الفجر ، ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ، وعن وكيع قال: هذا الحديث أم المناسك .

وقوله – صلى الله عليه وسلم – : ” الحج عرفة ” قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : تقديره: إدراك الحج وقوف عرفة ، قال القارى : أى ملاك الحج ومعظم أركانه : وقوف عرفة ، لأنه يفوت بفواته .

أى : أن من أدرك عرفة ليلة مزدلفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج فلم يفته ، وأمن الفساد ، وعليه أن يتم أعمال الحج بعد ذلك ، والحديث دال على أن من لم يدرك عرفة قبل طلوع الفجر من يوم النحر فإنه لا حج له ، وعليه أن يتم عمرة ليتحلل من إحرامه ويحج من قابل .

العبد يعتق والصبى يحتلم والصبية تحيض بمزدلفة :

معلوم أن الحج فرض على المسلم البالغ الحر فإن حج العبد ثم أعتق أو الصبى ثم بلغ فلا تجزئه عن حجة الإسلام .

قال القرطبى : إذا أعتق العبد أو بلغ الصبى وهو محرم قبل عرفة أجزأته عن حجة الإسلام . ولو أعتق بمزدلفة وبلغ الصبى بها فرجعا إلى عرفة بعد العتق والبلوغ فأدركا الوقوف بها قبل طلوع الفجر أجزأت عنهما من حجة الإسلام ولم يكن عليهما دم .

قال الشنقيطى فى أضواء البيان : والحاصل أن الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج إجماعاً ، وأن من جمع بين الليل والنهار من بعد الزوال فوقوفه تام إجماعاً . وإن اقتصر على الليل دون النهار فوقوفه تام ولا دم عليه عند الجمهور ، خلافاً للمالكية القائلين بلزوم الدم . وإن من اقتصر على النهار دون الليل لم يصح وقوفه عند المالكية ، وحجه صحيح عند الجمهور ، وهو الصحيح فى مذهب أحمد ، وإن كان أحمد وأبو حنيفة قالا : يلزم الدم .

أما من اقتصر فى وقوفه على الليل دون النهار ، أو النهار من بعد الزوال دون الليل ، فأظهر الأقوال فيه دليلاً : عدم لزوم الدم . أما المقتصر على الليل فلحديث عبد الرحمن بن يعمر المذكور فى رأس المقال . حيث قال النبى – صلى الله عليه وسلم – : ” فقد أدرك الحج ” فهذا نص صريح على المقتصر على الليل وقوفاً ، ولا يدل على لزوم الدم ، وليس له معارض ، وعليه جمهور أهل العلم .

أما من اقتصر فى وقوفه على النهار دون الليل فلحديث عروة بن المضرس الطائى قال : أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت : يا رسول الله إنى جئت من جبلى طىء أكللت راحلتى وأتعبت نفسى والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لى من حج ؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى نرفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه ” والحديث أخرجه أحمد وأصحاب السنن والدارمى ، وهو صحيح ، وقوله – صلى الله عليه وسلم – : ” فقد تم حجه ” ظاهر فى عدم لزوم الجبر بالدم . وإن خالف فى ذلك المالكية . أما من وقف نهاراً قبل الزوال ، فظاهر فعل النبى – صلى الله عليه وسلم – والخلفاء من بعده يبين المقصود من النهار وأنه بعد الزوال ، وهذا هو الأرجح والأحوط عند أهل العلم .

ولابن القيم فى زاد المعاد كلام نفيس حول وقوف النبى – صلى الله عليه وسلم – يوم عرفة بعرفة نسوق هنا بعضه ، قال : وموضع خطبته لم يكن من الموقف ، فإنه خطب (4) بُعرنة وليست من الموقف ، وهو – صلى الله عليه وسلم – نزل بنمرة ، وخطب بُعرنة ، ووقف بعرفة ، وخطب خطبة واحدة ، ولم تكن خطبتين جلس بينهما . فلما أتمها أمر بلالاً فأذن ، ثم أقام للصلاة فصلى الظهر ركعتين أسر فيهما بالقراءة ، وكان يوم الجمعة فدل على أن المسافر لا يلزمه الجمعه ، ثم أقام فصلى صلاة العصر ركعتين أيضاً ، ومعه أهل مكة ، وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً بلا ريب ، ولم يأمرهم بالإتمام ولا بترك الجمع . ومن قال : إنه قال لهم : ” أتموا الصلاة فإنا قوم سَفر ” فقد غلط فيه غلطاً بيناً ، ووهم هما قبيحاً وإنما قال لهم ذلك فى غزوة الفتح بجوف مكة حيث كانوا فى ديارهم مقيمين . ولهذا كان أصح أقوال العلماء، أن أهل مكة يقصرون ويجمعون بعرفة كما فعلوا مع النبى – صلى الله عليه وسلم -، وهذا أوضح دليل على أن سفر القصر لا يتحدد بمسافة معلومة ولا بأيام معلومة ولا تأثير للنسك فى قصر الصلاة البتة .

وإنما التأثير لما جعله الله سبباً وهو السفر، هذا مقتضى السنة، ولا وجه لما ذهب إليه المحددون. فلما فرغ من صلاته ركب حتى أتى الموقف، فوقف فى ذيل الجبل عند الصخرات، واستقبل القبلة وجعل جبل المشاة بين يديه ، وكان على بعيره فأخذ فى الدعاء والتضرع والابتهال إلى غروب الشمس ، وأمر الناس أن يرفعوا عن بطن عرنه . وأخبر أن عرفة لا تختص بموقفه ذلك بل قال : ” وقفت هنا وعرفة كلها موقف ” .

صعود جبل الرحمة من بدع الحج :

قال الشنقيطى فى أضواء البيان : اعلم أن الصعود على جبل الرحمة الذى يفعله كثير من العوام لا أصل له ، ولا فضيلة فيه لأنه لم يرد فى خصوصه شىء بل هو كسائر أرض عرفة، عرفة كلها موقف ، وكل أرضها سواء إلا موقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فالوقوف فيه أفضل من غيره .

ومسجد نمرة كان فى عُرنة ، ولم يكن فيه من عرفة شىء ، واليوم قد اتسع المسجد فصار جزء منه فى عرفة يجزىء الوقوف فيه ، وبقيته فى بطن عُرنة لا يجزىء الوقوف فيه لمن لم يدخل إلى عرفة على التفصيل السابق .

صوم يوم عرفة  :

فى الحديث عند مسلم عن أبى قتادة رضى الله عنه قال : سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن صوم يوم عرفة قال : ” يكفر السنة الماضية والباقية “.

قال المنذرى فى الترغيب : قال الحافظ : اختلفوا فى صوم يوم عرفة بعرفة ، فقال ابن عمر: لم يصم النبى – صلى الله عليه وسلم – ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ، وأنا لا أصومه ، وكان مالك والثورى يختاران الفطر ، وكان ابن الزبير وعائشة يصومان يوم عرفة .

والفطر عمل أكثر أهل العلم ، ويستحبون ذلك لمن وقف بعرفة ليتقوى على الدعاء ، وقد قال الشافعى ذلك .

وقال ابن المنذر : الفطر . يوم عرفة بعرفات أحب إلىَّ اتباعاً لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – ، والصوم بغير عرفة أحب إلىَّ لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – – وقد سئل عن صوم يوم عرفة – فقال : ” يكفر السنة الماضية والباقية ” .

فضل يوم عرفة :

قال القرطبى فى تفسيره : يوم عرفة فضله عظيم وثوابه جسيم : يكفر الله فيه الذنوب العظام ويضاعف فيه الصالح من الأعمال . قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ” صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية ” .

وقال – صلى الله عليه وسلم – : ” أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون قبلى : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ” .

وروى الدارقطنى عن عائشة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عدداً من النار من يوم عرفة وأنه ليدنو عز وجل ثم يباهى بهم الملائكة ، يقول : ما أراد هؤلاء ” . وفى الموطأ عن عبيد الله بن كريز أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” ما رُئى الشيطان يوماً هو فيه اصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه فى يوم عرفة وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا مارُئى يوم بدر “.

يوم اجتماع طاعة وعبادة وإخلاص :

يقول الله تعالى : ” وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ” ( البقرة : 196 ) قال القرطبى : وفائدة التخصيص بذكر الله هنا أن العرب تقصد الحج للاجتماع والتظاهر والتناضل والتنافر وقضاء الحاجة وحضور الأسواق ، وكل ذلك ليس لله فيه طاعة ولا حظ بقصد ، ولا قربة بمعتقد فأمر الله سبحانه بالقصد إليه لأداء فرضه وقضاء حقه ثم سامح فى التجارة .

إذا نظرت أخا الإسلام لقول القرطبى هذا علمت أن الشيعة اليوم بمحاولتهم التظاهر فى الحج يحيون سنن الجاهلية ، وهم كذلك فى كل شأنهم واجتهادهم لنشر ضلالاتهم وإحياء عبادة غير الله والشرك بصوره ، فاللهم نجنا من ضلالتهم وشركهم .

ونسوق من الأدعية الخاصة بالعرفة ، والعامة به وبغيره :

ما يمكن للحاج أن يدعو بها وبأمثالها ، وبعضها مأثور عن السلف الصالح ، وهى منقولة من زاد المعاد لابن قيم الجوزية ، ومن المغنى لابن قدامة : اللهم لك الحمد كالذى نقول وخيراً مما نقول . اللهم لك صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى وإليك مآبى ، ولك ربى تُراثى . اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر ، ووسوسة الصدر ، وشتات الأمر . اللهم إنى أعوذ بك من شر ما تحبىء به الريح .

اللهم تسمع كلامى ، وترى مكانى وتعلم سرى وعلانيتى ، ولا يخفى عليك شىء من أمرى ، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير والوجل المشفق المقر المعترف بذنوبى ، أسألك مسألة المسكين وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير ، من خضعت لك رقبته ، وفاضت لك عيناه ، وذل لك جسده ، ورغم لك أنفه ، اللهم لا تجعلنى بدعائك ربى شقيا وكن بى رؤوفا رحيماً يا خير المسئولين ، ويا خير المعطين ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شىء قدير . اللهم اجعل فى قلبى نوراً ، وفى صدرى نوراً ، وفى سمعى نوراً ، وفى بصرى نوراً ، اللهم اشرح لى صدرى ، ويسر لى أمرى . وأعوذ بك من وسواس الصدر ، وشتات الأمر ، وفتنة القبر ، اللهم إنى أعوذ بك من شر ما يلج فى الليل ، وشر ما يلج فى النهار ، وشر ما تهب به الرياح ، وشر بوائق الدهر .

كان ابن عمر يقول : الله أكبر الله أكبر ولله الحمد . الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، اللهم اهدنى بالهدى ، وقنى بالتقوى واغفر لى فى الآخرة والأولى .. وروى من دعاء النبى – صلى الله عليه وسلم – بعرفة : ” اللهم إنك ترى مكانى ، وتسمع كلامى ، وتعلم سرى وعلانيتى ، ولا يخفى عليك شىء من أمرى ، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير ، الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خشعت لك رقبته وذل لك جسده ، وفاضت لك عينه ورغم لك أنفه ” .

ومن دعاء أعرابى يرويه سفيان الثورى يقول : إلهى من أولى بالزلل والتقصير منى وقد خلقتنى ضعيفاً . ومن أولى بالعفو عنى منك ، وعلمك فىّ سابق ، وأمرك فىّ محيط أطعتك بإذنك والمنة لك ، وعصيتك بعلمك والحجة لك ، فأسألك بوجوب حجتك وانقطاع حجتى ، وبفقرى إليك وغناك عنى ، أن تغفر لى وترحمنى ، إلهى لم أحسن حتى أعطيتنى ، ولم أسىء حتى قضيت على، اللهم أطعتك بنعمتك فى أحب الأشياء إليك ، شهادة أن لا إله إلا الله ، ولم أعصك فى أبغض الأشياء إليك ، الشرك بك ، فاغفر لى ما بينهما ، اللهم أنت أنس المؤنسين لأوليائك وأقربهم بالكفاية من المتوكلين عليك ، تشاهدهم فى ضمائرهم ، وتطلع على سرائرهم، وسرى اللهم لك مكشوف ، وأنا إليك ملهوف ، إذا أوحشتنى الغربة آنسنى ذكرك ، وإذا أصمت علىَّ الهموم لجأت إليك ، استجارة بك ، علماً بأن أزمة الأمور بيدك ، ومصدرها عن قضائك .

وكان إبراهيم بن إسحاق الحربى يقول : اللهم قد آويتنى من ضناى ، وبصرتنى من عماى ، وأنقذتنى من جهلى وجفاى ، أسألك ما يتم به فوزى ، وما أؤمل فى عاجل دنياى ودينى ، ومأمول أجلى ومعادى ، ثم ما لا أبلغ أداء شكره ، ولا أنال إحصاءه وذكره ، إلا بتوفيقك وإلهامك ، أن هيجت قلبى القاسى ، على الشخوص إلى حرمك ، وقويت أركانى الضعيفة لزيارة عتيق بيتك ، ونقلت بدنى لإشهادى مواقف حرمك ، اقتداء بسنة خليلك ، واحتذاء على مثال رسولك ، واتباعاً لآثار خيرتك وأنبيائك وأصفيائك ، صلى الله عليهم ، وأدعوك فى مواقف الأنبياء عليهم السلام ، ومناسك السعداء ، ومشاهد الشهداء ، دعاء من أتاك لرحمتك راجياً ، عن وطنه نائياً ، ولقضاء نسكه مؤدياً ، ولفرائضك قاضياً ، ولكتابك تالياً ، ولربه عز وجل داعياً ملبياً ، ولقلبه شاكياً ولذنبه خاشياً ، ولحظة مخطئاً ولرهنه مغلقاً ، ولنفسه ظالماً ، وبجرمه عالماً ، دعاء من جمعت عيوبه ، وكثرت ذنوبه ، وتصرمت أيامه ، واشتدت فاقته ، وانقطعت مدته ، دعاء من ليس لذنبه سواك غافراً ، ولا لعيبه غيرك مصلحاً ، ولا لضعفه غيرك مقوياً ، ولا لكسرة غيرك جابراً ، ولا لمأمول خير غيرك معطياً ، ولا لما يتخوف من حر ناره غيرك معتقاً ، اللهم وقد أصبحتُ فى بلدٍ حرامٍ ، فى يوم حرامٍ ، فى شهرٍ حرام ، فى قيام من خير الأنام ، أسألك أن لا تجعلنى أشقى خلقك المذنبين عندك ، ولا أخيب الراجين لديك ، ولا أحرم الآملين لرحمتك ، الزائرين لبيتك ، ولا أخسر المنقلبين من بلادك ، اللهم وقد كان من تقصيرى ما فد عرفت ، ومن توبيقى نفسى ما قد علمت ، ومن مظالمى ما قد أحصيت ، فكم من كرب منه قد نجيت ، ومن غم قد جليت ، ومن هم قد فرجت ، ودعاء قد استجبت ، وشدةٍ قد أزلت ، ورخاء قد أنلت ، منك النعماء ، وحسن القضاء ، ومنى الجفاء ، وطول الاستقصاء ، والتقصير عن أداء شكرك ، لك النعماء يا محمود ، فلا يمنعنك يا محمود من إعطائى مسألتى ، من حاجتى إلى حيث انتهى لها سؤلى ، ما تعرف من تقصيرى ، وما تعلم من ذنوبى وعيوبى ، اللهم فأدعوك راغباً ، وأنصب لك وجهى طالباً ، وأضع خدى مذنباً راهباً ، فتقبل دعائى وارحم ضعفى ، وأصلح الفساد من أمرى ، واقطع من الدنيا همى وحاجتى ، واجعل فيما عندك رغبتى ، اللهم واقلبنى منقلب المدركين لرجائهم ، المقبول دعاؤهم ، المفلوج حجتهم ، المغفور ذنبهم ، المحطوط خطاياهم ، الممحو سيئاتهم . المرسود أمرهم منقلب من لا يعصى لك بعده أمراً ، ولا يأتى بعده مأثماً ، ولا يركب بعده جهلاً ، ولا يحمل بعده وزراً ، منقلب من عمرت قلبه بذكرك ، ولسانه بشكرك ، وطهرت الأدناس من بدنه ، واستوعبت الهدى قلبه وشرحت بالإسلام صدره ، وأقررت قبل الممات عينه وأغضضت عن المآثم بصره ، واستشهدت فى سبيلك نفسه يا أرحم الراحمين . وصل الله وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً كما تحب ربنا وترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .

—————————–

(1) اختلف فى سبب تسمية عرفة وعرفات على أقوال منها : أنه من العرف ، بمعنى : الرائحة الزكية ، وذلك لأن منى تصبح رائحتها لكثرة الذبح متغيرة ، أما عرفات فلا يصيبها ذلك أو لأنها مطيبة بالتقديس ، فهى واد مقدس معظم ، لأنه من شعائر الله . وقيل : لأن الناس يجتمعون فيه فيتعارفون – وقيل : لأن العباد يتعرفون على ربهم بالطاعات والعبادات ، وقيل : من الصبر لأن العارف والعروف هو الصبور . وقيل : لأن الله بعث جبريل عليه السلام إلى إبراهيم ، فحج به ، حتى إذا أتى عرفة ، قال : عرفت وكان قد أتاها مرة قبل ذلك، قال له : عرفت . وقيل : لأن آدم وحواء تعارفا بعد الهبوط إلى الأرض . وعرفات مع أن فيها العلمية والتأنيث إلا أنها مصروفة لأن الأصل فيها الجمع كمسلمات ومؤمنات سميت به بقعة معينة فروعى فيها الأصل فكانت منصرفة . وتسمى عرفات : المشعر الحلال ، والمشعر الأقصى ، وتسمى : إلال ، على وزن هلال ، ويقال للجبل الذى وسطها : جبل الرحمة . وحد عرفات من الجبل المشرف على عرنة إلى الجبل المقابل له إلى ما يلى حوائط بنى عامر ، وليس وادى عُرنة من الموقف ، ولا يجزىء الوقوف فيه ، وعرفة موضع الموقف فى الحج وهى عمدة أفعال الحج . وقريش فى الجاهلية كانوا لا يقفون بعرفة ، ويفيضون من مزدلفة ، والناس يقفون بعرفة . يقول أهل قريش : نحن أهل الله فى بلدته وقطان بيته ، فيقفون فى طرف الحرم عند أدنى الحل ، فأنزل الله تعالى قوله : ” ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ” ( البقرة : 199 ) .

(2) عبد الرحمن بن يعمر الديلى صحابى نزل الكوفة ويقال : مات بخراسان . ليس له فى مسند أحمد وأصحاب السنن غير هذا الحديث ، وله حديث آخر فى الأشربة أنكر الذهبى والحفاظ نسبته إليه . فكأنى بهذا الصحابى الجليل لم يلق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا فى الحج ، فسمع هذا الحديث ورآه فنقلته عنه كتب السنة . وهو من الأحاديث التى بنيت عليها أحكام هامة فى الحج ، وله منزلة عالية عند المحدثين والفقهاء ، هو وحديث عروة بن المضرس الطائى المذكور . وهى من أعمدة نصوص الحج عند الفقهاء .

(3) جمع : اسم لمزدلفة لأنها تجمع الحجيج فيها ليلة العيد .

(4) كانت خطبة النبى – صلى الله عليه وسلم – يوم عرفة خطبة جامعة ، وكانت قبل الأذان جاء فيها : ” إن دماءكم وأموالكم عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا ، ألا كل شىء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمى ، ودماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث وكان مسترضعاً فى بنى سعد فقتلته هذيل . وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضع ربانا ، ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله ، واتقوا الله فى النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ،ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدى إن اعتصمتم به : كتاب الله . وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون؟” قالوا : نشهد أن قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس : ” اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ” ثلاث مرات ، وقال فى خطبته : ” اعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، كحرمة شهركم هذا ، كحرمة بلدكم هذا ” ، وقال فيها : ” أيها الناس إن الله أدى لكل ذى حق حقه ، وأنه لا يجوز وصية لوارث ، والولد للفراش وللعاهر الحجر ، ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله له صرفاً ولا عدلاً ” .