الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وبعد،
فإن تأصيل علم الدعوة إلى الله يرتكز في دراسته وتفاصيله على أربعة ركائز وهي: الداعي، والمدعو، وموضوع الدعوة، والوسائل والأساليب، ولكل ركن من هذه الأركان تفريعات وتأصيلات كثيرة
والمدعوون ليسوا على طريقة واحدة أو منهاج واحد صحيح فمنهم المقبل ومنهم المدبر ومنهم الرأس في قومه ومنهم المرؤوس ومنهم التابع ومنهم المتبوع ومنهم الموافق ومنهم المخالف ومنهم القريب ومنهم البعيد
ولم يخل زمن من الأزمان من المعارضين لدعوة الصالحين من لدن آدم إلى قيام الساعة
قال الله تعالى{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } (الأنعام: 123)
وهؤلاء هم عظماء الناس، ويسميهم القرآن “الملأ” والوصف الغالب لهم الإعراض والكبر والصد عن السبيل، وهؤلاء لهم سطوة على الناس بما ملكوا من المال والجاه في المجتمعات، كلما تقدم المصلحون بالدعوة إلى الله شوطا أقاموا لهم سوطا، وكلما اهتدى على أيديهم عبد أوعدوه هجرًا وزجرًا، وإن استقام العصاة شهرًا حاربوهم دهرًا؛ فالبلية بهم عظيمة ومحنة المسلمين منهم مديدة فكم من تقي حاربوه وبالإفك والعدوان رموه، وكم من مصلح منعوه وبكل مكر آذوه،
فقد اتصف هؤلاء بأخص خصائص أهل الكفر والشقاق ألا وهو الصد عن السبيل، قال تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} (محمد: 3)
فقد صدوا أنفسهم أولا عن سماع الحق ومعرفته ثم صدوا غيرهم عن اتباعه، فكل كافر صاد عن سبيل الله.
ولكن ما يوجع القلب أن يقع الصد ممن ينتسب للدين ويعد نفسه من المؤمنين، فهذا مالا يحتمله تقي أمين، ولكنها سنة ماضية أن نرى أهل الشر في كل أمة يصدون وعن السبيل المستقيم يذودون.
فعلى الدعاة إلى الخير أن يصبروا على دعوتهم وإن كثر الصادون، فإن أغلقوا لنا بابا من الخير والهداية فتحنا غيره، وإن منعوا عن الناس سبيل الهداية فلن نسلك يوما سبيل الغلو والغواية
فالواجبات على العباد دوما مناطة بالاستطاعة، ولن يكلف الله نفسا إلا ما استطاعت، فليبشر الدعاة إلى الله إن صبروا بالعلو والرفعة والنصرة والغلبة إن استقاموا على الطريق فقد وعد الله عباده المؤمنين بأن تنقلب نفقة الصادين إلى ساحة المؤمنين ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله { إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأنفال: 36-37)
فاللهم انصر دعاة الدين وزلزل دعوات المجرمين
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين