عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه (1) قال : دفعت إلى رسول الله – صلي الله عليه وسلم – وهو بالأبطح (2) في قبة حمراء من أدم وكان بالهاجرة ، ورأيت بلالاً خرج فنادى بالصلاة، فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا بالأذان ، ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله – صلي الله عليه وسلم – ، ورأيت الناس يبتدرون ذاك الوضوء ، فمن أصاب منه شيئًا تمسح به ، ومن لم يصب منه شيئًا أخذ من بلل يد صاحبه ، ثم رأيت بلالاً دخل فأخذ عنزة فركزها بين يدي رسول الله – صلي الله عليه وسلم – ، وأقام الصلاة ، وخرج النبي – صلي الله عليه وسلم – في حلة حمراء مشمرًا كأني أنظر إلى وبيص ساقيه ، فركز العنزة ثم صلى إلى العنزة بالناس الظهر ركعتين والعصر ركعتين ، ورأيت الناس والدواب ( وفي رواية الحمار والمرأة ) يمرون بين يدي العنزة ، وقام الناس فجعلوا يأخذون يديه فيمسحون بها وجوههم ، قال : فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج ، وأطيب من رائحة المسك ( متفق عليه ) .
الحديث أخرجه البخاري في كتاب الطهارة باب استعمال فضل وضوء الناس ، وفي ستر العورة من كتاب الصلاة باب الصلاة في الثوب الأحمر ، وفي باب الإمام سترة لمن خلفه ، ثم باب الصلاة إلى العنزة ، وفي كتاب الأذان ، وفي صفة النبي – صلي الله عليه وسلم – ، ثم في كتاب اللباس ، كما أخرجه مسلم في كتاب الصلاة باب سترة المصلي .
مناسبة الحديث :
في يوم الثلاثاء الثالث عشر من ذي الحجة من العام العاشر …. وفي حجة الوداع مكث النبي – صلي الله عليه وسلم – بمنى ينتظر حتى إذا زالت الشمس رمى الجمار الثلاث بدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف فرماها بسمع حصيات واحدة بعد واحدة يقول مع كل حصاة : (الله أكبر ) ، ثم تقدم على موضع الجمرة حتى استهل فاستقبل القبلة قائمًا رافعًا يديه ودعا دعاءً طويلاً ، ثم أتى الجمرة الوسطى فرماها كالأولى ، ثم انحدر ذات اليسار ، ثم وقف مستقبلاً القبلة رافعًا يديه يدعو قريبًا من وقوفه الأول ، ثم رمى الجمرة الثالثة جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه فرماها بسبع حصيات كذلك ثم نزل بعد ذلك متجهًا إلى مكة حتى بلغ الأبطح وهو المحصب وهو خيف بني كنانة ، وجد أبا رافع (3) مولى النبي – صلي الله عليه وسلم – قد حزب له خيمة فنزل بها فكان الأذان والصلاة وما قصة أبو جحيفة رضي الله عنه في الحديث .
وقت رمي الجمار :
ترمى جمرة العقبة يوم النحر بعد النزول من مزدلفة ، ويبقى رميها حتى تغيب الشمس ، ويجوز لمن لم يرم قبل غروب الشمس أن يرمي ليلاً ، أما في بقية أيام التشريق فلا يكون رمي إلا بعد الزوال، ويجوز أن يرمي بعد غروب الشمس إلا في اليوم الثالث من أيام التشريق ؛ لأن وقت الرمي ينتهي بغروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة .
أخرج أحمد وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت : أفاض رسول الله – صلي الله عليه وسلم – من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عند الأولى وعند الثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة لا يقف عندها .
وأخرج أحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما : رمى رسول الله – صلي الله عليه وسلم – الجمار حين زالت الشمس .
وأخرج البخاري وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنا ننحين فإذا زالت الشمس رمينا . قال الشوكاني : هذه الروايات تدل على أنه لا يجزئ رمي الجمار في غير يوم الأضحى قبل زوال الشمس ، بل وقته بعد زوالها كما في البخاري وغيره من حديث جابر : أنه – صلي الله عليه وسلم – رمى يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال مطلقًا ، ورخص الحنفية في الرمي يوم النفر قبل الزوال ، وقال إسحاق : إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزيه ، والأحاديث المذكورة ترد على الجميع .
في ( بداية المجتهد) قال جمهور العلماء : من رماها قبل الزوال أعاد رميها بعد الزوال .
قال السرخسي في ( المبسوط ) : وإن رماها ( أي : الجمرات ) في اليوم الثاني من أيام النحر قبل الزوال لم يجزئه ؛ لأن وقت الرمى في هذا اليوم بعد الزوال عرف بفعل رسول الله – صلي الله عليه وسلم – ، ( ثم قال ) : وكذلك في اليوم الثالث من يوم النحر وهو اليوم الثاني من أيام التشريق ، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى إن كان من قصده أن يتعجل النفر الأول فلا بأس بأن يرمي من اليوم الثالث قبل الزوال ، وإن رمى بعد الزوال فهو الأفضل وإن لم يكن ذلك من قصده لا يجزئه الرمي إلا بعد الزوال .
قال النووي في ( المجموع): لا يجوز الرمي في هذه الأيام إلَّا بعد زوال الشمس ويبقى وقتها إلى غروبها، وفيه وجه مشهور أن يبقى إلى الفجر الثاني من تلك الليلة ( والصحيح هذا ) فيما سوى اليوم الآخر . وأما اليوم الآخر فيفوت رميه بغروب شمسه بلا خلاف . وكذا جميع الرمي يفوت بغروب شمس الثالث من التشريق لفوات زمن الرمي والله أعلم .
قال أصحابنا : ويستحب إذا زالت الشمس أن يقدم الرمي على صلاة الظهر ، ثم يرجع فيصلي الظهر ، نص عليه الشافعي رحمه الله . واتفق عليه الأصحاب، ويدل عليه حديث ابن عمر: كنا ( نتحين فإذا زالت الشمس رمينا ) رواه البخاري ( انتهى من ( المجموع ) ) .
قال في ( المغني ): ولا يرمي في أيام التشريق إلَّا بعد الزوال، فإن رمى قبل الزوال أعاد. نص عليه أحمد. وروي ذلك عن ابن عمر . وبه قال مالك والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي . وروي عن الحسن وعطاء ، إلَّا أن إسحاق وأصحاب الرأي رخصوا في الرمي يوم النفر قبل الزوال ولا ينفر إلَّا بعد الزوال ، وعن أحمد مثله ، ورخص عكرمة في ذلك أيضًا ، وقال طاوس : يرمي قبل الزوال وينفر قبله . ولنا أن النبي – صلي الله عليه وسلم – إنما رمى بعد الزوال ، لقول عائشة : يرمي الجمرة إذا زالت الشمس . وقول جابر في صفة حج النبي – صلي الله عليه وسلم – : رأيت رسول الله – صلي الله عليه وسلم – يرمي الجمرة ضحى يوم النحر ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس . وقد قال النبي – صلي الله عليه وسلم – : ( خذوا عني مناسككم ) . وقال ابن عمر : كنا نتحين إذا زالت الشمس رمينا وأي وقت رمى بعد الزوال أجزأه ، إلا أن المستحب المبادرة إليها حين الزوال . كما قال ابن عمر . وقال ابن عباس : إن رسول – صلي الله عليه وسلم – كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر ( رواه ابن ماجه ) ( انتهى من ( المجموع ) (جـ 5 ص329) ) .
قال في ( فقه السنة) ( جـ1 ص733) : الوقت المختار للرمي في الأيام الثلاثة يبتدئ من الزوال إلى الغروب . فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي – صلي الله عليه وسلم – رمى الجمار عند زوال الشمس ، أو بعد زوال الشمس . رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه .
وروى البيهقي عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول : لا نرمي في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس فإن أخر الرمي إلى الليل كره له ذلك .
ورمى في الليل إلى طلوع شمس الغد . وهذا متفق عليه بين أئمة المذاهب سوى أبي حنيفة ، فإنه أجاز الرمي في اليوم الثالث قبل الزوال لحديث ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إذا انتفخ النهار من يوم النفر الآخر حل الرمي والصدر (1) .
قال العيني في ( العمدة ) ( جـ 8 ص258) : الرمي في أيام التشريق محله بعد زوال الشمس وهو كذلك وقد اتفق عليه الأئمة وخالف أبو حنيفة في اليوم الثالث منها فقال : يجوز الرمي فيه قبل الزوال استحسانًا ، وقال : إن رمى في اليوم الأول أو الثاني قبل الزوال أعاد . وفي اليوم الثالث يجزيه . وقال عطاء وطاوس : يجوز قبل الزوال . واتفق مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور أنه إذا مضت أيام التشريق وغابت الشمس من آخرها فقد فات الرمي ويجبر ذلك بالدم ( انتهى) .
هل التحصيب سنة في الحج ؟
التحصيب أي : نزول المحصب وهو : الأبطح بعد النزول من منى وقبل طواف الوداع ، في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما كان منزل ينزله النبي – صلي الله عليه وسلم- ليكون أسمح لخروجه يعني الأبطح . وفيه أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ليس التحصيب بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله – صلي الله عليه وسلم – . وفيه عن أبي هريرة قال : قال النبي – صلي الله عليه وسلم – : ( من الغد يوم النحر – وهو بمنى – نحن نازلون غدًا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر) ( يعني بذلك المحصب ) ، وذلك أن قريشًا وكنانة تحالفت على بني هاشم – إلَّا بني المطلب – أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي – صلي الله عليه وسلم – .
قال ابن حجر في ( الفتح ) : لما نزله النبي – صلي الله عليه وسلم – كان النزول به مستحبًا اتباعًا له لتقريره على ذلك .
وقد فعله الخلفاء بعده ( ثم قال ) : فالحاصل أن من نفى أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء . ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله – صلي الله عليه وسلم – لا إلزام بذلك ، ويستحب أن يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت بعض الليل كما دل عليه حديث أنس . ( قال أيضًا ) : إنما اختار النبي – صلي الله عليه وسلم – النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم وتمكنهم من دخول مكة ظاهرًا على رغم أنف من سعى في إخراجه منها ومبالغة في الصفح عن الذين أساءوا ومقابلتهم بالمن والإحسان . وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .
وقد جاء في البخاري أنه نزلها في فتح مكة عند خروجه إلى حنين .
قال ابن القيم في ( الزاد) : وهذه كانت عادته صلوات الله وسلامه عليه ، أن يقيم شعار التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك ، كما أمر أن يبنى مسجد الطائف موضع اللات والعزى .
هذا ولقد رمى النبي – صلي الله عليه وسلم – الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق بعدما زالت الشمس وكان يوم الثلاثاء ، يقول ابن كثير في ( البداية والنهاية ) : فأراد عليه السلام أن يطوف هو ومن معه من المسلمين بالبيت طواف الوداع ، وقد نفر من منى قريب الزوال فلم يكن يمكنه أن يجيء البيت في بقية يومه ويطوف به ويرحل إلى ظاهر مكة من جانب المدينة ، لأن ذلك قد يتعذر على هذا الجمع الغفير فاحتاج أن يبيت قبل مكة ، ولم يكن منزل أنسب لمبيته من المحصب الذي كانت قريش قد عاقدت بني كنانة على بني هاشم وبني المطلب فيه فلم يبرم الله لقريش أمرًا بل كبتهم وردهم خائبين ، وأظهر الله دينه ونصر نبيه وأعلا كلمته ، وأتم له الدين القويم وأوضح به الصراط المستقيم فحج بالناس وبيَّن لهم شرائع الله وشعائره ، وقد نفر بعد إكمال المناسك فنزل في المواضع التي تقاسمت قريش فيه على الظلم والعدوان والقطيعة ، فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع هجعة ، وقد كان بعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن طواف ليعمرها من التنعيم فإذا فرغت أتته فلما قضت عمرتها ورجعت أذن في المسلمين بالرحيل إلى البيت العتيق ( انتهى ) .
ثم إنه – صلي الله عليه وسلم – ارتحل إلى البيت فصلى الصبح وقرأ بسورة الطور كاملة، ثم طاف الوداع، ثم خرج من أسفل مكة قاصدًا المدينة.
————–
(1) أبو جحيفة هو : وهب بن عبد الله بن مسلم بن جنادة بن حبيب بن سواء السوائي صحابي رأى النبي – صلي الله عليه وسلم – وروى عنه ، وكان دون البلوغ عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال وهب : رأيت النبي – صلي الله عليه وسلم – وكان الحسن بن علي يشبهه وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصًا فمات قبل أن نقبضها – فكان من أسنان ابن عباس (والقلوص : الناقة الشابة ) .
روى عون بن وهب أن أباه أكل ثريدة بلحم وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتجشأ فقال : ( اكفف عليك جشاءك أبا جحيفة فإن أكثرهم شبعًا في الدنيا أكثرهم جوعًا يوم القيامة). قال : فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا ، وكان إذا تعشى لا يتغدى ، وإذا تغدى لا يتعشى .
فائدة : انظر أخي رعاك الله ما في ذلك الأثر من الفوائد التربوية العظيمة ، منها : أن الكُنية للصغير الذي لم يبلغ الحلم ، فاسمه وهب وكنيته أو جحيفة منذ صغره ، ومنها : أن النبي – صلي الله عليه وسلم – يتلطف معه في إرشاده فيكنيه ، ومنها : تعليم الصغير حتى يشب على الخصال الحميدة ، ومنها : حرص الصحابة على العمل بإرشاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهما طالت بهم الحياة ، ومنها : أن خوف الآخرة يقود العمل في الدنيا ، ويروض النفس على صالح العمل .
عود إلى الترجمة : نزل أبو جحيفة الكوفة وابتنى بها دارًا . وكان صاحب شرطة علي رضي الله عنه ، وجعله على بيت المال بالكوفة . وشهد معه المشاهد كلها . وكان يقوم تحت منبره إذا خطب .
وكان علي يحبه ويثق به ، ويسميه وهب الخير ووهب الله .
قال أبو جحيفة : قال لي علي : يا أبا جحيفة ألا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد نبيها ؟ قال : قلت : بلى . قال : ولم أكن أرى أن أحدًا أفضل منه . قال : أفضل هذه الأمة بعد نبيها : أبو بكر وبعد أبي بكر عمر وبعدهما ثالث ولم يسمه .
مات رضي الله عنه سنة أربع وسبعين للهجرة .
روى عنه حديث الباب الحكم بن عتبة من أجلاء التابعين وفضلائهم ، فكان ثقة عابدًا قانتًا ، وروى الحديث أيضًا عن أبي جحيفة ولده عون ، الذي مات قبل سنة مائة وعشرين ، وقد وثقه يحيى بن معين .
(2) الأبطح وهو : المحصِّب ، وهو خيف بني كنانة ، وهو موقع بين مكة ومنى ، وهو إلى منى أقرب وهو بطحاء مكة وحده من الحجون ذاهبًا إلى منى . وقال الأصمعي : حده ما بين شعب عمرو إلى شعب بني كنانة . وقيل : المقصود خيف بني كنانة هو المحصب وهو مبتدأ الأبطح وهو الحقيقة فيه ، لأن أصل الأبطح ما انحدر من الجبل ، وارتفع من المسيل ، وذكر الحميري أن قريشًا فريقان : قريش البطاح وهو الذين ينزلون بطحاء مكة : بنو عبد مناف وبنو عبد الدار وبنو عبد العزى وبنو عدي بن قصي بن كلاب وبنو زهرة بن كلاب وبنو تيم وبنو مخزوم وبنو سهم وبنو جمح ، أما قريش الظوهر الذين ينزلون حول مكة وهم بفيض بن لؤي وبنو الأدرم بن غالب ومحارب والحارث ابنا فهم ، وثم فريق ثالث ليسوا من الأباطح ولا الظوهر ، هم : سامة بن لؤي وخزيمة بن لؤي وبنو عوف بن لؤي . ويقال لرسول الله – صلي الله عليه وسلم -: الأبطحي ، لأنه من ولد عبد مناف ويقال لعبد المطلب : سيد الأباطح.
(3) أبو رافع مولى النبي – صلي الله عليه وسلم – كان يوم النفر من حجة الوداع على ثقل النبي – صلي الله عليه وسلم – ( الثقل متاع المسافر وحشمه ) كـان للعـباس فوهبه للنـبي -صلي الله عليه وسلم – فأعتقه لما بشره بإسلام العباس وزوجه رسول الله – صلي الله عليه وسلم – مولاته ( سلمى ) التي كانت قابلة إبراهيم ابن النبي – صلي الله عليه وسلم – ، وشهد أحدًا ، ولم يشهد بدرًا ، وشهدت سلمى معه خيبر – وكان أبو رافع قبطيًّا أي : مصريًّا – وكلمة قبط تطلق على المصريين القدماء قبل المسيح عليه السلام وبعده فلا تعني نصرانيًّا – وقد اختلف في اسم أبي رافع هل هو أسلم أم إبراهيم ، وقيل : سنان ويسار وغير ذلك ، والأشهر أسلم .
روى أبو رافع عن النبي – صلي الله عليه وسلم – ، وروى عن ابن مسعود ، وروى عنه أولاده : رافع والحسن وعبيد الله والمغيرة وأحفاده : الحسن وصالح وعبيد الله أولاد علي بن أبي رافع والفضل بن عبيد الله بن أبي رافع ، وروى عنه غير هؤلاء ، فكانت بيوت الموالي بيوت علم بعد أن كانوا عبيدًا صيرهم الله بالإسلام علماء أجلاء .
أخرج أحمد وأبو داود والترمذي أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – بعث رجلاً من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع اصحبني كيما تصيب منها فقال : لا حتى آتي رسول الله – صلي الله عليه وسلم – فأسأله فقال: ( إن الصدقة لا تحل لنا وإن موالي القوم من أنفسهم ).
مات رضي الله عنه في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه أبو بعدها بقليل.