الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن المعاصي هي الداء العُضال، الذي يفتك بالإنسان، فيجعله يخسر دنياه وآخرته، ولذا يجب على كل منا أن يقف مع نفسه وقفة حساب صادقة، وأن الآثار السيئة للمعاصي في الدنيا والآخرة، وبين يديك أخي الكريم وقفات موجزة علينا أن نتذكرها قبل الإقدام على المعصية:
1 – تذكر أن الله يراك ويسمعك حيثما كنت:
قال تعالى: )ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ( .
[المجادلة: 7]
روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) إلى آخر الآية).
[صحيح: مسند أحمد جـ40/228 ]
وقال سبحانه: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور).
[غافر: 19]
سئل الجنيد- رحمه الله تعالى-: بما يُستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى من تنظره.
[تحقيق كلمة الإخلاص / ص 41]
2 – تذكر قبل المعصية أن لله ملائكة تكتب أقوالك وأفعالك:
قال تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا).
[آل عمران: 30]
وقال سبحانه: (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا).
[الكهف: 49]
وقال سبحانه: (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون).
[الزخرف: 80]
وقال جل شأنه: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
[ق: 18]
وقال سبحانه: (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون).
[الجاثية: 29]
3 – تذكر أن المعصية هي التي أخرجت آدم وزوجه من الجنة:
قال تعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (35) فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (36) فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم).
[البقرة: 35، 37]
وقال سبحانه: (وعصى آدم ربه فغوى (121) ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى).
[طه: 121، 122]
4– تذكر قبل المعصية الموت وسكراته:
قال تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد).
[ق: 9]
وقال سبحانه: (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).
[آل عمران: 185]
روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بين يديه رَكوة (وعاء) فيها ماء، فجعل يُدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه وهو يقول: (لا إله إلا الله، إن للموت لسكرات).
[البخاري / ح 6510]
5– تذكر أن المعاصي هي سبب عذاب القبر:
روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبرين، فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة).
[البخاري حديث / 1378] [مسلم حديث / 1980]
6– تذكر قبل المعصية أن جوارحك ستشهد عليك يوم القيامة:
قال تعالى: (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون (19) حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون (20) وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون).
[فصلت: 19، 21]
وقال سبحانه: (اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون).
[يس: 65]
روى مسلم عن أنس قال: (كنا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فضحك، فقلنا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: من مخاطبة العبد رَبَّهُ، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم، قال: يقول: بلى، فيقول: فإني لا أجيزُ على نفسي إلا شاهدًا مني. قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا وبالكرام الكاتبين شهودًا، فيختم على فيه، فيقال لأركانه: انطفي، فتنطق بأعماله، ثم يُخلى بينه وبين الكلام، فيقول: بُعدًا لكنَّ وسحقًا فعنكن كنت أناضل). (أي أدافع).
[مسلم حديث / 2969]
7– تذكر الحسرة والندامة على ارتكاب المعاصي عند الموت ويوم القيامة:
قال تعالى: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون (99) لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون).
[المؤمنون: 99، 100]
وقال سبحانه: (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا (27) يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا (28) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا).
[الفرقان: 27، 29]
وقال جلَّ شأنه: (كلا إذا دكت الأرض دكا دكا (21) وجاء ربك والملك صفا صفا (22) وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى (23) يقول يا ليتني قدمت لحياتي (24) فيومئذ لا يعذب عذابه أحد).
[الفجر: 21: 25 ]
8 – تذكر قبل المعصية أن المعاصي سبب نزول لعنة الله على العباد وزوال نعمه عنهم:
قال سبحانه: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78) كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون (79) ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون).
[المائدة:78: 80 ]
وقال جل شأنه: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور (15) فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل (16) ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور).
[سبأ:15: 17]
وقال تعالى: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).
[النحل: 122]
9– تذكر أن المعاصي هي سبب طَرْد أصحابها عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري عن سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني فرطكم على الحوض: مَن مَرَّ عليَّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبدًا، ليردنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يُحالُ بيني وبينهم فأقول: إنهم مني، فيقالُ: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سُحقًا لمن غير بعدي).
[البخاري / 6583، 6584]
10– تذكر قبل المعصية أنها ستكون فضيحة أمام جميع الخلائق:
روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الغادر ينصبُ له لواء يوم القيامة فيقالُ: هذه غدرة فلان ابن فلان).
[البخاري / 6178]
11– تذكر قبل المعصية أن ما يصيبك من العرق يوم القيامة يكون بمقدار ما ترتكبه من المعاصي:
روى الترمذي عن المقداد بن الأسود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم القيامة أُدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو اثنين فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقبه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حُقويه، ومنهم من يُلجمه إلجامًا، قال المقداد: فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى فيه).
[صحيح الترمذي للألباني / 1973]
12– تذكر أن المعاصي تُسَوّدُ وجوه أصحابها يوم القيامة:
قال تعالى: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه).
[آل عمران: 106]
قال ابن عباس: يوم القيامة تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.
[تفسير ابن كثير 3/139]
وقال سبحانه: (وجوه يومئذ عليها غبرة (40) ترهقها قترة).
[عبس: 40، 41]
قال ابن عباس: يغشاها سواد الوجوه.
[تفسير ابن كثير 14/ 256]
13– تذكر قبل المعصية أن الشيطان سيتبرأ من وساوسه لك بالمعاصي:
قال تعالى: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم).
[إبراهيم: 22]
14 – تذكر قبل المعصية وقوفك وحدك للحساب بين يدي الله تعالى:
عن عدي بن حاتم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه تُرجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة).
[متفق عليه]
والحمد لله رب العالمين