سنابل لا تموت

الحمد لله، الذي سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ علينا نِعَمهُ، ظاهرةٍ وباطنةٍ، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن إنفاق المال في وجوه الخير من أفضل القُرُبات التي ترضي اللَّه تعالى والتي يتوصل بها المسلم إلى تحصيل الحسنات وتكفير السيئات.

الإنفاق وصية ربانية:

حثنا اللَّه تعالى على الإنفاق في وجوه الخير في كثير من آيات القرآن الكريم، فقال سبحانه: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) [البقرة: 261].

وقال جل شأنه: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) [آل عمران: 92].

وقال سبحانه: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين) [سبأ: 39].

وقال تعالى: (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) [محمد: 38].

الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحثنا على الصدقات:

حثنا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الإنفاق وبذل المال في وجوه الخير في كثير من أحاديثه الشريفة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «قال اللَّه عز وجل: يا ابن آدم، أَنْفق، أُنفقُ عليك». [البخاري حديث (4684)، ومسلم (993)]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ما مِن يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما: اللهم: أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا». [البخاري 1443، ومسلم 1010]

وعن عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه اللَّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه اللَّه مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار».[البخاري 5025، ومسلم 815]

اللَّه يجزل العطاء للمنفقين:

أخي الكريم: لو أن رجلاً من الأغنياء قال لك أعط فلانًا كذا وكذا من مالك، وتعال غدًا وأنا أعطيك أفضل من ذلك، فهل تتأخر لحظة واحدة عن هذه الدعوة ؟ فما بالك، والذي وَعَدَ هو اللَّه عز وجل، الغني، الكريم الذي لا تفنى خزائنه، وله ملك السموات والأرض، حيث قال في محكم التنزيل: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) [المزمل: 20]، والقائل سبحانه في الحديث القدسي: «يا ابن آدم: أَنْفق، أنفق عليك».

الإنفاق هو التجارة الرابحة:

إن الصدقات الخالصة لله تعالى هي التجارة الرابحة للعبد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور (29) ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور) [فاطر: 29، 30].

تلك هي التجارة الربانية الرابحة أبدًا، والتي تستمطر رضا اللَّه عز وجل وفضله الواسع والتي يشكر اللَّهُ العبدَ عليها ويغفر له بها ذنوبه فلنسارع إلى هذه التجارة الرابحة التي لا تبور.

ثمرات الصدقات:

إن للصدقات والإنفاق في سبيل اللَّه ثمارًا جليلة في الدنيا والآخرة، يمكن أن نوجز بعضها فيما يلي:

1- الصدقات تزيد الحسنات:

مما لا شك فيه أن هدف المسلم الواعي رفع رصيده من الحسنات عند اللَّه يوم القيامة، والصدقات هي إحدى السبل الموصلة إلى ذلك، فإذا كانت الصدقة من كسب حلال، خالصة لله تعالى؛ فإن اللَّه يقبلها بفضله ويضاعف ثوابها للعبد أضعافًا مضاعفة، والله ذو الفضل العظيم، قال سبحانه: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) [البقرة: 245].

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل اللَّه إلا الطيب، فإن اللَّه يقبلها بيمينه ثم يُرَبِّيها لصاحبها كما يُرَبي أحدكم فَلُوَّه ( مُهْرَهَ ) حتى تكون مثل الجبل». [البخاري 1410، ومسلم 1014].

فسارع أخي الكريم في جمع الحسنات قبل أن يفوت الوقت، واعلم أن ميزان الحسنات يرجح بحسنة واحدة خالصة لله تعالى.

2- الصدقات تزيد المال:

إن الصدقات الخالصة لله تعالى هي سبيل زيادة المال في الدنيا والحصول على رضوان اللَّه تعالى في الآخرة، قال تعالى: (إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم) [التغابن: 17]

روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ما نقصت صدقة من مال». [مسلم 2588]

وروى أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «بينما رجل في فلاة من الأرض (صحراء) سمع صوتًا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حَرَّه (أرض بها حجارة سوداء) فإذا شَرْجة من تلك الشِّرَاج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع هذا الرجل الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحوِّل الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد اللَّه: ما اسمك ؟ قال: فلان بذاك الاسم الذي سمع في السحابة، فقال: يا عبد اللَّه، لم تسألني عن اسمي ؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك فماذا تصنع فيها ؟ قال: أما إذ قلت هذا فإني أنظر ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثُلثًا وأرد فيها ثُلثه». [مسلم: 2984]

3- الصدقة تُظِلُ صاحبها يوم القيامة:

إذا حشَر اللَّه تعالى الناس يوم القيامة، واشتد الكرب، وكَثُر العَرَقُ، اقتربت الشمس من رءوس العباد، فإن الصدقة تظل صاحبها في هذا الموقف العصيب.

عن أبي هريرة أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «سبعة يظلهم اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله – وذكر منهم -: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ». [البخاري 1423، ومسلم 1031]

روى أحمد عن عقبة بن عامر أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «كل امرئ في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس». [حديث صحيح: صحيح الجامع للألباني 4510]

4- الصدقة تزكي النفس:

إن الإكثار من الصدقات يُزكي نفس المسلم ويُكسبه محاسن الأخلاق من الجود والكرم ويطهره من الشُّح والبخل، قال تعالى: (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) [محمد: 38]، وقال تعالى: (قد أفلح من زكاها) [الشمس: 9]، وقال سبحانه: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) [الحشر: 9]، وقال عز وجل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم) [التوبة: 103].

5- الصدقة شكر لنعم اللَّه على العباد:

إن الصدقة الطيبة الخالصة لله تعالى ما هي إلا ترجمة عملية لشكر اللَّه تعالى على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى، إن العبد إذا لم يقابل هذه النِّعم بالشكر فإنها سوف تزول، وبشكرها تدوم وتزداد ويبارك اللَّه فيها لعباده، قال تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) [إبراهيم: 7].

6- اللَّه يتكفل بقضاء حوائج المتصدقين:

من بركات الصدقة أن اللَّه يوفق صاحبها إلى الطاعات، وييسر له أبواب الخير، ويقضي له حوائجه، ويُسخر له من يخدمه، قال سبحانه: (فأما من أعطى واتقى (5) وصدق بالحسنى (6) فسنيسره لليسرى) [الليل: 75].

7- الصدقة مصدر سعادة القلب:

ما أجمل شعور المتصدق بالسعادة عندما يكون سببًا في مسح دَمْعَة يتيم أو دفع كُرْبة عن فقير؛ حقًا إنها سعادة يهبها اللَّه لعباده المحسنين، المنفقين في سبيله، إن هذه السعادة التي يملأ بها قلب المتصدق لا تُقَدَّرُ بمال، ولو لم يكن للمتصدِّق إلا هذه الفائدة الجليلة من السعادة الحقيقية لكفاه ذلك، قال تعالى: (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) [الحديد: 7].

نبينا محمد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خير المتصدقين:

كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَوادًا كريمًا، لا يبخل بما في يده، وكان يُؤْثر المحتاج على نفسه، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان سروره بما أعطى أعظم من سرور الآخذ بما أخذه.

عن أنس أن رجلاً سأل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غنمًا بين جبلين، فأعطاه إياه، فأتى قومه فقال: أي قوم: أسلموا، فوالله إن محمدًا ليعطي عطاء من لا يخاف الفقر. [مسلم 58].

تنافس الصحابة في الإنفاق في سبيل اللَّه:

كان أصحاب النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحرصون على الإنفاق وبذل الصدقات في وجوه الخير المختلفة يتنافسون في ذلك، وسوف نذكر طرفًا من هذه النماذج السامية:

1- أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي اللَّه عنهما:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول اللَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما أبقيت لأهلك ؟ قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما أبقيت لأهلك ؟ قال: أبقيت لهم اللَّه ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا. [حديث حسن: صحيح أبي داود للألباني (1472)]

2- عثمان بن عفان رضي الله عنه:

عن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفان إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جيش العسرة، قال: فصبها في حجر النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجعل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقلبها بيده ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم يُرددها مرارًا». [مسند أحمد 34/231]

3- أبو طلحة الأنصاري رضي اللَّه عنه:

عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه بَيْرُحَاء ( حديقة )، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب، فلما نزلت: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) قام أبو طلحة إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا رسول اللَّه، إن اللَّه يقول في كتابه (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند اللَّه، فضعها يا رسول اللَّه حيث شئت، فقال: بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، قد سمعت ما قلت وأرى أن تجعلها في الأقربين، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. [البخاري 2318، ومسلم 42]

4- عائشة رضي الله عنها زوج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

روى ابن سعد عن أم دُّرة قالت: أتيت عائشة بمائة ألف درهم ففرَّقَتْها، وهي يومئذ صائمة، فقلت لها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحمًا تفطرين عليه، فقالت عائشة: لو ذَكَّرْتِني لفعلت. [الطبقات الكبرى 8/53]

أنواع الصدقات:

هناك من أنواع الصدقات الكثير ويمكن أن نوجزها فيما يلي:

1- بناء المساجد وعمارتها:

إن بناء بيوت اللَّه تعالى من أفضل القربات التي يستطيع المسلم أن يتقرب بها إلى خالقه، قال سبحانه: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) [التوبة: 18]

ومن عِمارة المساجد، المساهمة في بنائها، وتنظيفها، والمحافظة عليها، وإقامة الصلوات المفروضة بها، ونشر العلم النافع، وحل مشاكل المجتمع المسلم في رحابها، ولقد حثنا النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بناء المساجد.

عن عثمان بن عفان أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من بنى لله مسجدًا، يبتغي به وجه اللَّه بني اللَّه له بيتًا في الجنة». [البخاري 450، ومسلم 533]

فعلى كل منا أن يبادر بالمساهمة في تعمير بيوت اللَّه، وليتذكر أنه ما من صلاة أو قراءة للقرآن أو درس علم أو أي شيء من أعمال الخير تتم في رحاب المسجد الذي ساهم فيه إلا وله أجر عظيم من اللَّه تعالى.

2- نشر العلم النافع:

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». [مسلم 1631]

ويدخل في ذلك نشر الكتب والرسائل العلمية، والأشرطة النافعة، وإمداد طلاب العلم بالكتب التي يحتاجونها.

3- كفالة الأيتام وإنظار المعسرين ومساعدة المحتاجين:

قال تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) [الإنسان: 8].

عن سهل بن سعد أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة»، وقال بأصبعه السبابة والوسطى. [البخاري 6005].

وقال سبحانه: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون (280) واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) [البقرة: 280، 281].

عن أبي اليَسرَ أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله اللَّه في ظله». [مسلم: 3006]

وعن أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «كان رجل يُداين الناس، وكان يقول لفتاه إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه لعل اللَّه أن يتجاوز عنا فلقى اللَّه فتجاوز عنه». [البخاري 3480، ومسلم 1532]

4- الإنفاق على الجهاد في سبيل اللَّه:

عن زيد بن خالد الجُهني أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من جَهَّز غازيًا في سبيل اللَّه فقد غزا، ومن خَلَف غازيًا في أهله بخير فقد غزا». [البخاري 2843، ومسلم 1895]

5- الصدقة في الزرع:

عن أنس أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة». [البخاري 6012، ومسلم 1553]

6- تفطير الصائمين:

عن زيد بن خالد الجهني أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا». [حديث صحيح: صحيح الترمذي للألباني 647]

آفات الصدقة

إن للصدقات آفات تقضي على ثوابها وتكون وَبَالاً على صاحبها في الدنيا والآخرة، وهذه الآفات يمكن أن نوجزها فيما يلي:

أولاً: الرياء:

إن الرياء داء عُضال يقضي على ثواب الأعمال الصالحة ويجعلها هباءً منثورًا، وهو من صفات المنافقين الذين ذمهم اللَّه تعالى في كتابه العزيز قائلاً عنهم: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) [النساء: 142].

عن أبي هريرة أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: قال اللَّه تعالى: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه». [مسلم: 2985]

ثانيًا: إتْباعُ الصدقات بالمن والأذى:

يجب على المسلم الحذر من أن يَمُن أو يؤذي أحدًا من الذين تصدق عليهم، فيقول له تذكر يوم أعطيتك كذا وكذا، قد حذرنا اللَّه من المن بالصدقة حيث قال سبحانه: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم (261) الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (262) قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم (263) يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين) [البقرة261-264]

عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ثلاثة لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئًا إلا مَنَّهُ، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره». [مسلم 106]

 سمع محمد بن سيرين رجلاً يقول لرجل آخر: فعلتُ إليك وفعلت، فقال له ابن سيرين: اسكت فلا خير في المعروف إذا أُحصي. [تفسير القرطبي 3/312]

ثالثًا: التصدق بالشيء الرديء:

اعلم أيها المسلم أن اللَّه تعالى لا يقبل إلا الطيب من الصدقات، فاحذر أن تتقرب إليه بالشيء الرديء.

قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه) [البقرة: 267].

رابعًا: احتقار شيء من الصدقات:

يجب على المسلم ألا يحتقر شيئًا من الصدقات، سواء كانت صدقته هو أو صدقة أخيه المسلم. عن عدي بن حاتم أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة».[البخاري 1413، ومسلم 1016]

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «سبق درهم مائة ألف درهم». قالوا: يا رسول اللَّه، وكيف ؟ قال: «رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به، ورجل له مال كثير، فأخذ من عُرْض ماله مائة ألف فتصدق بها».[حديث حسن: صحيح النسائي للألباني 2527]

اعلم أخي الكريم أن الصدقة وإن كانت قليلة فإنك سوف تجد ثوابها أضعافًا كثيرة عند اللَّه تعالى: قال سبحانه وتعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)  [الزلزلة: 7، 8]

عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «لا تحقرنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق». [مسلم 2626]

خامسًا: الرجوع في الصدقة:

احذر أخي الكريم أن ترجع في صدقتك التي أخرجتها لله تعالى.

روى الشيخان عن عمر بن الخطاب قال: حملت على فرس في سبيل اللَّه، فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه، وظننتُ أنه يبيعه برخص، فسألت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: «لا تشتره، ولا تعد في صدقتك، وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئته». [البخاري 2623، ومسلم 1620]

والحمد لله رب العالمين.