نشرت مجلة (نور الإسلام) التي تصدرها هيئة علماء الوعظ والإرشاد بالأزهر في عددها الصادر في ربيع الأول 1403 في باب (يسألونك) ما يلي: (يسأل المواطنون من أهل دلهمو منوفية فيقولون: في القرية مسجد به ضريح لأحد الأولياء في الجانب الغربي منه.
وحدث توسيع للمسجد حتى أصبح الضريح في وسط المسجد من جهة الغرب.
فهل يجوز نقل الضريح من مكانه؟).
وأجاب علماء الوعظ والإرشاد بما يلي: (إن دين الله لا تشدد فيه ولا غلو. فمدار الأعمال على النية.
وما دامت النية خيراً فلا مانع من بقائه بشرط أن يبنى عليه حاجز أو مقصورة.
وإذا كان فيه شبهة فيجوز نقله مع المحافظة على عظامه ورفاته لأن إيذاء الميت كإيذائه حياً وكسر عظم الميت ككسره حياً والله أعلم).
وأمام هذه الفتوى الغريبة عن الإسلام لا يسعنا إلا أن نضع أمام هيئة علماء الوعظ والإرشاد بالأزهر التي أصدرت هذه الفتوى بعض المراجع الأزهرية لعل هيئة العلماء تراجع موقفها من هذه الفتوى:
أولا : كتاب الفتاوى للشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق الذي حرم دفن الموتى في أماكن العبادة.
ثانياً : كتاب الإبداع للشيخ على محفوظ وهو كتاب كان يدرس من قبل في كلية أصول الدين،
ثالثاً : كتاب فقه السنة للشيخ السيد سابق.
رابعاً- مجلة الأزهر عدد شعبان 1359هـ.
وإذا كانت هيئة علماء الوعظ والإرشاد ليس لديها الوقت للرجوع إلى هذه المراجع فقد رأيت أن أنشر لكم نص ما نشرته مجلة الأزهر في عدد شعبان 1359 على لسان مفتي الديار المصرية وقتها .
وعنوان الفتوى: حكم إقامة القبور في المساجد وبناء المساجد على القبور.
وتقول الفتوى: أصدرت دار الإفتاء في الديار المصرية الفتوى الآتية في شهر جمادى الآخرة الماضي: كتبت وزارة الأوقاف ما يأتي: (يوجد بوسط مسجد عز الدين أيبك قبران ورد ذكرهما في الخطط التوفيقية، وتقام الشعائر أمامهما وخلفهما، وقد طلب رئيس خدم هذا المسجد إلى محافظة مصر دفنه في أحد هذين القبرين، لأن جده الذي جدد بناء المسجد مدفون بأحدهما.
فنرجو التفضل ببيان الحكم الشرعي في ذلك).
والجواب: إنه قد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه لا يجوز أن يدفن في المسجد ميت لا صغير و لا كبير ولا جليل ولا غيره، فإن المساجد لا يجوز تشبيهها بالمقابر.
وقال في فتوى أخرى: إنه لا يجوز دفن ميت في مسجد، فإن كان المسجد قبل الدفن غير، إما بتسوية القبر، وإما بنبشه إن كان جديداً الخ اهـ.
وذلك لأن الدفن في المسجد إخراج لجزء من المسجد عما جعل له من صلاة المكتوبات وتوابعها من النفل والذكر وتدريس العلم، وذلك غير جائز شرعاً، ولأن اتخاذ قبر في المسجد على الوجه الوارد في السؤال يؤدي إلى الصلاة إلى هذا القبر أو عنده، وقد وردت أحاديث كثيرة دالة على حظر ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم (ص158) ما نصه: إن النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترت بالنهي عن الصلاة عند القبور مطلقاً، وعن اتخاذها مساجد أو بناء المساجد عليها.أهـ
ومن الأحاديث ما رواه مسلم عن أبي مرثد الغنوي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها).
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: نص الإمام أحمد وغيره على أنه إذا دفن الميت في المسجد نبش.
وقال ابن القيم أيضاً: لا يجتمع في دين الإسلام قبر ومسجد، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه، وكان الحكم للسابق.
وقال الإمام النووي في شرح المهذب ج5 ص316 ما نصه: اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهوراً بالصلاح أو غيره، لعموم الأحاديث.
قال الشافعي والأصحاب: وتكره الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحاً أو غيره.
قال الحافظ أبو موسى: قال الإمام الزعفراني رحمه الله: ولا يصلي إلى قبر ولا عنده تبركا به ولا إعظاماً له، للأحاديث . أهـ
وقد نص الحنفية على كراهة صلاة الجنازة في المسجد لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى على جنازة في المسجد فلا أجر له) وعلل صاحب الهداية هذه الكراهة بعلتين: إحداهما أن المسجد بني لأداء المكتوبات، يعني وتوابعها من النوافل والذكر وتدريس العلم.
وإذا كانت صلاة الجنازة في المسجد مكروهة للعلة المذكورة كراهة تحريم – كما هو إحدى الروايتين، وهي التي اختارها العلامة قاسم وغيره-كان الدفن في المسجد أولى بالحظر، لأن الدفن في المسجد فيه إخراج الجزء المدفون فيه عما جعل له المسجد من صلاة المكتوبات وتوابعها.
وهذا مما لاشك في عدم جوازه شرعاً. والله أعلم .
وبعد فكم كان بودنا أن يلتزم كل من يتصدى للإفتاء بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عنهم وخاصة أن قضية بناء القبور في المساجد أوضح من أن يبسط فيها الكلام من جديد بل يكفي ان تراجع كتب الحديث والفقه وإلى الله المشتكى.