نشأة الخوارج :
قال الإمامُ ابنُ حجرٍ العسقلاني(رحمه الله) :الْخَوَارِجُ جَمْعُ خَارِجَةٍ أَيْ طَائِفَةٍ وَهُمْ قَوْمٌ مُبْتَدِعُونَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِخُرُوجِهِمْ عَنِ الدِّينِ وَخُرُوجِهِمْ عَلَى خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ وَأَصْلُ بِدْعَتِهِمْ أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّهُ يَعْرِفُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْتَصُّ مِنْهُمْ لِرِضَاهُ بِقَتْلِهِ أَوْ مُوَاطَأَتِهِ إِيَّاهُمْ ، وَهُوَ خِلَافُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَخْبَارِ فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْخَوَارِجَ لَمْ يَطْلُبُوا بِدَمِ عُثْمَانَ بَلْ كَانُوا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ أَشْيَاءَ وَيَتَبَرَّءُونَ مِنْهُ وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْكَرُوا سِيرَةَ بَعْضِ أَقَارِبِ عُثْمَانَ فَطَعَنُوا عَلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ لِشِدَّةِ اجْتِهَادِهِمْ فِي التِّلَاوَةِ وَالْعِبَادَةِ إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَأَوَّلُونَ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ الْمُرَادِ مِنْهُ وَيَسْتَبِدُّونَ بِرَأْيِهِمْ وَيَتَنَطَّعُونَ فِي الزُّهْدِ وَالْخُشُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ قَاتَلُوا مَعَ عَلِيٍّ وَاعْتَقَدُوا كُفْرَ عُثْمَانَ وَمَنْ تَابَعَهُ وَاعْتَقَدُوا إِمَامَةَ عَلِيٍّ وَكُفْرَ مَنْ قَاتَلَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَمَلِ الَّذِينَ كَانَ رَئِيسُهُمْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ فَإِنَّهُمَا خَرَجَا إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ أَنْ بَايَعَا عَلِيًّا فَلَقِيَا عَائِشَةَ وَكَانَتْ حَجَّتْ تِلْكَ السَّنَةَ فَاتَّفَقُوا عَلَى طَلَبِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ وَخَرَجُوا إِلَى الْبَصْرَةِ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى ذَلِكَ فَبَلَغَ عَلِيًّا فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ الْمَشْهُورَةُ وَانْتَصَرَ عَلِيٌّ وَقُتِلَ طَلْحَةُ فِي الْمَعْرَكَةِ وَقُتِلَ الزُّبَيْرُ بَعْدَ أَنِ انْصَرَفَ مِنَ الْوَقْعَةِ فَهَذِهِ الطَّائِفَةُ هِيَ الَّتِي كَانَتْ تَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ قَامَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَكَانَ أَمِيرَ الشَّامِ إِذْ ذَاكَ وَكَانَ عَلِيٌّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ لِأَن يُبَايِعَ لَهُ أَهْلُ الشَّامِ فَاعْتَلَّ بِأَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الِاقْتِصَاصِ مِنْ قَتَلَتِهِ وَأَنَّهُ أَقْوَى النَّاسِ عَلَى الطَّلَبِ بِذَلِكَ وَيَلْتَمِسُ مِنْ عَلِيٍّ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهُمْ ثُمَّ يُبَايِعَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلِيٌّ يَقُولُ ادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ وَحَاكِمْهُمْ إِلَيَّ أَحْكُمْ فِيهِمْ بِالْحَقِّ فَلَمَّا طَالَ الْأَمْرُ خَرَجَ عَلِيٌّ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ طَالِبًا قِتَالَ أَهْلِ الشَّامِ فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ قَاصِدًا إِلَى قِتَالِهِ فَالْتَقَيَا بِصِفِّينَ فَدَامَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا أَشْهُرًا وَكَادَ أَهْلُ الشَّامِ أَنْ يَنْكَسِرُوا فَرَفَعُوا الْمَصَاحِفَ عَلَى الرِّمَاحِ وَنَادَوْا نَدْعُوكُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَتَرَكَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ وَخُصُوصًا الْقُرَّاءَ الْقِتَالَ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَدَيُّنًا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كتاب الله ليحكم بَينهم) الْآيَةَ فَرَاسَلُوا أَهْلَ الشَّامِ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا ابْعَثُوا حَكَمًا مِنْكُمْ وَحَكَمًا مِنَّا وَيَحْضُرُ مَعَهُمَا مَنْ لَمْ يُبَاشِرِ الْقِتَالَ فَمَنْ رَأَوُا الْحَقَّ مَعَهُ أَطَاعُوهُ فَأَجَابَ عَلِيٌّ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى ذَلِكَ وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ تِلْكَ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَارُوا خَوَارِجَ وَكَتَبَ عَلِيٌّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ كِتَابَ الْحُكُومَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ هَذَا مَا قَضَى عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَامْتَنَعَ أَهْلُ الشَّامِ مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا اكْتُبُوا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ فَأَجَابَ عَلِيٌّ إِلَى ذَلِكَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الْخَوَارِجُ أَيْضًا ثُمَّ انْفَصَلَ الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنْ يَحْضُرَ الْحَكَمَانِ وَمَنْ مَعَهُمَا بَعْدَ مُدَّةٍ عَيَّنُوهَا فِي مَكَانٍ وَسَطٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَيَرْجِعُ الْعَسْكَرَانِ إِلَى بِلَادِهِمْ إِلَى أَنْ يَقَعَ الْحُكْمُ فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الشَّامِ وَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ فَفَارَقَهُ الْخَوَارِجُ وَهُمْ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ وَقِيلَ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ وَقِيلَ سِتَّةُ آلَافٍ وَنَزَلُوا مَكَانًا يُقَالُ لَهُ حَرُورَاءُ ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لَهُمُ الْحَرُورِيَّةُ وَكَانَ كَبِيرُهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْكَوَّاءِ الْيَشْكُرِيَّ وَشَبَثَ التَّمِيمِي فَأرْسل إِلَيْهِم عَليّ بن عَبَّاسٍ فَنَاظَرَهُمْ فَرَجَعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَعَهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ عَلِيٌّ فَأَطَاعُوهُ وَدَخَلُوا مَعَهُ الْكُوفَةَ مَعَهُمْ رَئِيسَاهُمُ الْمَذْكُورَانِ ثُمَّ أَشَاعُوا أَنَّ عَلِيًّا تَابَ مِنَ الْحُكُومَةِ وَلِذَلِكَ رَجَعُوا مَعَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَخَطَبَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَتَنَادَوْا مِنْ جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ. فَقَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ. فَقَالَ لَهُمْ لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثَةٌ أَنْ لَا نَمْنَعَكُمْ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَلَا مِنْ رِزْقِكُمْ مِنَ الْفَيْءِ وَلَا نَبْدَؤُكُمْ بِقِتَالٍ مَا لَمْ تُحْدِثُوا فَسَادًا وَخَرَجُوا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ إِلَى أَنِ اجْتَمَعُوا بِالْمَدَائِنِ فَرَاسَلَهُمْ فِي الرُّجُوعِ فَأَصَرُّوا عَلَى الِامْتِنَاعِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ لِرِضَاهُ بِالتَّحْكِيمِ وَيَتُوبَ ثُمَّ رَاسَلَهُمْ أَيْضًا فَأَرَادُوا قَتْلَ رَسُولِهِ ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ مُعْتَقَدَهُمْ يَكْفُرُ وَيُبَاحُ دَمُهُ وَمَالُهُ وَأَهْلُهُ وَانْتَقَلُوا إِلَى الْفِعْلِ فَاسْتَعْرَضُوا النَّاسَ فَقَتَلُوا مَنِ اجْتَازَ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَرَّ بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَكَانَ وَالِيًا لِعَلِيٍّ بنِ أبي طَالِب عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْبِلَادِ وَمَعَهُ سُرِّيَّةٌ وَهِيَ حَامِلٌ فَقَتَلُوهُ وبقروا بطن سُرِّيَّتِهِ عَنْ وَلَدٍ فَبَلَغَ عَلِيًّا فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي الْجَيْشِ الَّذِي كَانَ هَيَّأَهُ لِلْخُرُوجِ إِلَى الشَّامِ فَأَوْقَعَ بِهِمْ بِالنَّهْرَوَانِ وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إِلَّا دُونَ الْعَشَرَةِ وَلَا قُتِلَ مِمَّنْ مَعَهُ إِلَّا نَحْوُ الْعَشَرَةِ. ظَهَرَ الْخَوَارِجُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْعِرَاقِ مَعَ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ وَبِالْيَمَامَةِ مَعَ نَجْدَةَ بْنِ عَامِرٍ. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ12 صـ296)
ألقاب الخوارج:
للخوارج ألقاب: فمن ألقابهم الوصف لهم بأنهم خوارج ومن ألقابهم: "الحرُورِيَّةُ" ومن ألقابهم "الشُّرَاةُ" و"الحرَّارِيَّةُ" ومن ألقابهم "المارِقَةُ" ومن ألقابهم "المُحَكِّمَةُ". والخوارج يرضونَ بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة، فإنهم ينكرون أن يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم مِن الرَّمِيَّة. والسبب الذي له سُموا خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب. والذي له سُموا محكمة إنكارهم الحكمين وقولهم: لا حكْم إلا لله. والذي سُموا له حرورية نزولهم بحروراء في أول أمرهم. والذي له سُموا شُرَاة قولهم: شَرَيْنا أنفسنا في طاعة الله:أي بعناها بالجنة. (مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري جـ1صـ207:206)
فرق الخوارج:
الْخَوَارِجُ أكثرُ مِنْ عِشْرِينَ فرقة، وَهَذِه أسماؤها:المحَكِّمَةُ الأُولى، والْأزَارِقَة والنَّجَدات والصُّفْرِيَّة، ثُمَّ العَجَارِدَة المفترقة فرقاً مِنْهَا: الخازمية والشَّعِيبية والمعلُومِيَّة والمجهولية، وَأَصْحَاب طَاعَة لَا يُرَاد الله تَعَالَى بهَا، والصَّلْتية، والأخْنَسِيَّة والشَّبيبية والشَّيبانية والمعْبَدِيَّة والرَّشِيدِيَّة والُمكْرَمِيَّة والحمزوية والشمراخية والإبراهيمية والواقفة والإبَاضِيَّة مِنْهُم افْتَرَقت فرقاً، منها:حَفْصِيَّة وحَارِثِيَّة، ويزيدية. (الفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي صـ91)
معتقدات الخوارج:
(1) يُكفِّرُنَ علياً بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، ومن معهما من سائر أصحاب النبي . -صلى الله عليه وسلم-
(2) يُكفِّرُنَ أصحاب الكبائر.
(3) يرونَ الخروج على الحاكم، إذا خالفَ السُّنةَ، حقاً واجباَ.
(4) أَبْطَلُوا رَجْمَ الْمُحْصَنِ وَقَطَعُوا يَدَ السَّارِقِ مِنَ الْإِبِطِ وَأَوْجَبُوا الصَّلَاةَ عَلَى الْحَائِضِ فِي حَالِ حَيْضِهَا.
(5) كَفَّرُوا مَنْ تَرَكَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ إِنْ كَانَ قَادِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا فَقَدِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَحُكْمُ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ عِنْدَهُمْ حُكْمُ الْكَافِرِ.
(6) كَفُّوا عَنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَعَنِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ مُطْلَقًا.
(7) فَتَكُوا فِيمَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْإِسْلَامِ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ.
(الملل والنحل للشهرستاني جـ1صـ115)(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ12 صـ297) (موسوعة الفرق والمذاهب ـ وزارة الأوقاف المصرية ـ صـ280:265)