الاحتفال بالمولد النبوي

وسوف نحاول الإجابة عليه بإيجاز شديد، فنقول وبالله التوفيق:

معنى الموالد

الموالد هي الاجتماعات التي تُقام لتكريم الماضين من الأنبياء والأولياء، والأصل فيها أن يتحرى الوقت الذي وُلد فيه من يقصد بعمل المولد.
[الإبداع في مضار الابتداع لعلي محفوظ ص250].

 

الفاطميون أول من أحدث الموالد

أول من أحداث الموالد في مصر الفاطميون، وهم من الشيعة الروافض، وذلك في القرن الرابع الهجري، فابتدعوا ستة موالد وهي: المولد النبوي، ومولد علي بن أبي طالب، ومولد فاطمة الزهراء، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الخليفة الحاضر، وبقيت هذه الموالد مدة من الزمن حتى أبطلها الأفضل ابن أمير الجيوش ثم أعيدت في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله سنة 524 هجرية بعد ما كاد الناس ينسونها، وكان الفاطميون (العبيديون) يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس محبة في النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وإنما كان من أجل تحقيق هدفهم الوحيد، وهو بلوغ أغراضهم السياسية، ونشر مذهبهم الشيعي الرافضي، وذلك باستمالة عامة الناس إليهم بإقامة الموالد، التي تتجلى فيها مظاهر الكرم، والهدايا النفيسة من النقود، والجوائز للشعراء والعلماء وكذلك الإحسان إلى الفقراء وإقامة ولائم الطعام، وكل هذه الأمور جديرة بأن تستميل قلوب عوام الناس إلى اعتناق مذهبهم الشيعي الرافضي الخبيث. [الإبداع في مضار الابتداع (ص251)، والبدعة الحولية للتويجري ص137، 157].

منكرات الاحتفال بالموالد

إن الاحتفال بالمولد، مع كونها بدعة محدثة في الإسلام، لا تخلو من اشتمالها على منكرات، كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب الخمور والمخدرات، وغير ذلك، مما هو مشاهد ومعلوم لجميع الناس، وقد يقع في الموالد ما هو أعظم من ذلك، وهو الشرك بالله تعالى، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأولياء، وذلك بدعائه والاستعانة به، وطلب المدد منه صلى الله عليه وسلم ، ولقد نهانا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الغلو في الدين.
روى أحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم بالغلو في الدين». [حديث صحيح: مسند أحمد ج1 ص215، السلسلة الصحيحة للألباني ح1283].
روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطروني (لا تبالغوا في مدحي) كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله». [البخاري ح3445].

عجائب وغرائب

إن من عجائب وغرائب الاحتفال بالمولد أننا نرى الكثير من الناس ينشطون ويجتهدون في هذه الاحتفالات المبتدعة في دين الله ويدافعون عنها، ويتخلفون عما أوجبه الله تعالى من الحضور إلى صلاة الجماعة في المساجد، ويعتقد بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد، ولهذا يقومون له محيين ومرحبين به، وهذا من أعظم الباطل، وأقبح الجهل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحضر الموالد، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو في قبره إلى قيام الساعة، وروحه في أعلى عليين عند الله تعالى.

ليس في الإسلام بدعة حسنة

قال الإمام مالك بن أنس: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خان الرسالة لأن الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (الاعتصام للشاطبي ص37).
وعلى ذلك نقول: من زعم أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة حسنة فقد أخطأ، فليس هناك بدعة حسنة على الإطلاق، بل البدع في الدين كلها شر وضلالة. روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة». [مسلم حديث 867].
وفي ضوء هذا الحديث نقول: من زعم أن في البدع التي ابتدعت في دين الله تعالى شيئًا محمودًا، فإنما هو في الحقيقة استدراك على شريعة الله الكاملة، ورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذان أمران خطيران جدًا ؛ لما فيهما من المحادة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى: 
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3].
أخي الكريم: إن هذه الآية الكريمة تقضي على البدع كلها، وترد ردًا قاطعًا على من تعلق بالبدع أو بشيء منها، وترد كذلك على كل من أفتى بأن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة حسنة.

تعريف البدعة

قال الشاطبي: البدعة: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى. (الاعتصام الشاطبي ص28).

ربيع الأول: شهر الفرح أم شهر الحزن؟

قال ابن الحاج (وهو يتحدث عن بدعة المولد النبوي):
«العجب العجاب، كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور لأجل مولده صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر الكريم، وفيه انتقل إلى كرامة ربه عز وجل وفجعت الأمة وأصيبت بمصاب عظيم، لا يعدل غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا كان يتعين البكاء والحزن الكثير، وانفراد كل إنسان بنفسه لما أصيب به؟!
روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتغز بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدًا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي». [صحيح ابن ماجه للألباني ح1300).
[المدخل لابن الحاج ج2/ص15].

هل احتفل نبينا صلى الله عليه وسلم بيوم مولده؟

روى مسلم عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن صوم يوم الاثنين ؟ فقال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بُعثت فيه»، أو: «أُنزل عليَّ فيه». [مسلم ح1167].
حدد لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف، نوع العمل الذي نتقرب به إلى الله تعالى في يوم مولده، وهذا العمل الذي سنه لنا النبي صلى الله عليه وسلم هو الصيام، وقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم الصيام دون غيره في هذا اليوم لأن الصوم سر بين العبد وربه سبحانه وتعالى، مما يوحي للمسلم أن العمل الذي يتقرب به إلى الله تعالى في يوم مولد رسوله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يكون سرًا، بعيدًا عن التجمعات البشرية في الأماكن العامة أو الخاصة.
ولاحظ أخي الكريم في صيغة السؤال والجواب في هذا الحديث الشريف أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل ذلك على سبيل الاحتفال المعهود اليوم في أذهان كثير من المسلمين، وإنما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل شكر النعمة، نعمة خَلق النبي صلى الله عليه وسلم ، ونعمة اصطفائه بالرسالة الخاتمة إلى جميع الخلق.
أخي الكريم: لو كان صوم النبي صلى الله عليه وسلم ليوم مولده احتفالاً كما يزعم كثير من الناس لاختلفت كيفية الأداء حينئذ، كأن يجتمع الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتسابقون في إلقاء الخطب وعبارات الثناء والمدح والأناشيد من أجل النبي صلى الله عليه وسلم ، كما يفعله الكثير من المسلمين اليوم، ولكن شيئًا من هذا لم يحدث، وهذا يؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتقرب بالصيام يوم مولده شكرًا لله تعالى على نعمة خلق النبي صلى الله عليه وسلم على نعمة اصطفائه وإرساله رحمة للعالمين.

شبهات والرد عليها

إن المؤيدين للاحتفال بمولد نبينا صلى الله عليه وسلم يثيرون بعض الشبهات لكي يجعلوا الاحتفال بالمولد النبوي مشروعًا أو مباحًا على الأقل، ونذكر بعضًا من هذه الشبهات، ونرد عليها، فنقول وبالله التوفيق:
الشبهة الأولى: يقولون: إن الاحتفال بالمولد النبوي ليس بدعة، بل هو سنة حسنة ؛ بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة».
الرد على هذه الشبهة: نقول: إن السنة الحسنة هي التي يكون لها أصل في الشرع، وقد سنها النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك كالصدقة التي هي سبب هذا الحديث الشريف، فعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قومًا فقراء حث الصحابة على التصدق عليهم فتسابقوا على إجابة دعوته صلى الله عليه وسلم ، فذكر الحديث تعليقًا على ما سبق بالصدقة، وأما الاحتفال بالمولد النبوي فهو بدعة حدثت بعد القرون الثلاثة الفاضلة.
الشبهة الثانية: يقول المؤيدون للاحتفال بالمولد النبوي: إن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لم يحتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لقرب عهدهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وليسوا في حاجة إلى الاحتفال لهذا السبب.
الرد على هذه الشبهة نقول: إن بُعد المسافة الزمنية بيننا وبين نبينا صلى الله عليه وسلم لا يبرر إحداث بدع في دين الله تعالى، خاصة وأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد حذرنا من الابتداع في الدين، وما دام أصحاب القرون الثلاثة الفاضلة لم يحتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ينبغي علينا أن نسير على نهجهم لننال المحبة الحقيقية لنبينا صلى الله عليه وسلم .
الشبهة الثالثة: يقول المؤيدون للمولد النبوي: هل تمنعون ذكر الله تعالى والحديث عن سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم ؟
الرد على هذه الشبهة: نقول: لا نمنع ذكر الله تعالى ولا الحديث عن سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وإنما نمنع تخصيص ذلك بيوم واحد في السنة من غير دليل شرعي من القرآن الكريم أو سنة نبينا صلى الله عليه وسلم .
الشبهة الرابعة: يقول المؤيدون للاحتفال بالمولد النبوي: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين، ولما سئل عنه قال ذاك يوم: ولدت فيه، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين بمعنى أنه كان يحتفل به لأنه وُلد فيه.
الرد على هذه الشبهة: إننا لا ننكر مشروعية صوم يوم الاثنين وفضله، وكذلك صوم يوم الخميس فصومهما مستحب طوال العام وليس في وقت دون وقت آخر.
إن قياس ما هو مشروع- وهو الصيام على ما لم يشرعه النبي- وهو الاحتفال بيوم مولده- قياس مع الفارق، وهو قياس باطل. ولو اقتصر احتفالكم بالنبي صلى الله عليه وسلم على صوم يوم الاثنين في عموم العام قبله لكان الأمر أهون.
الشبهة الخامسة: يقول المؤيدون للاحتفال بالمولد النبوي: إن النعم تقتضي الشكر بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى اليهود يصومون يوم عاشوراء قال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومون ؟ قالوا: هذا يوم صالح أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «نحن أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه، وميلاد نبينا صلى الله عليه وسلم من أكبر النعم وهي تقتضي شكرًا لله تعالى، فاحتفالنا بمولده صلى الله عليه وسلم إنما هو من الشكر على هذه النعمة العظيمة.
الرد على هذه الشبهة: نقول: إن النعم تستوجب الشكر عليها، وأعظم النعم على هذه الأمة هي بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم وليس مولده ؛ لأن القرآن لم يشر إلى مولده صلى الله عليه وسلم ، وإنما أشار إلى بعثته صلى الله عليه وسلم على أنها نعمة من الله تعالى، قال عز وجل: 
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ [آل عمران: 164].
وهذا هو الشأن مع جميع الرسل، فإن العبرة ببعثتهم لا بمولدهم، كما قال تعالى: 
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ [البقرة: 213].
فلو كان الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم مشروعًا لكان الأولى به ذكرى بعثته صلى الله عليه وسلم وليس مولده صلى الله عليه وسلم ، وأما صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فإنما هو بوحي من الله تعالى، ولا يجوز لنا أن نقيس عليه فنبتدع في دين الله تعالى ما ليس منه.
وختامًا: احذر أخي المسلم أن تخالف سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك بمشاركتك في بدعة الاحتفال بمولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأي صورة من صور المشاركة أو غير ذلك من البدع التي حذرنا منها نبينا صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: 
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور: 63].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين.