بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
روى الشيخانِ عَنْ أَبَي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ: فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَسُولًا وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ،لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلَادَةٌ مِنْ وَتَرٍ(أي وتر القوس) أَوْ قِلَادَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ» قَالَ مَالِكٌ: «أُرَى ذَلِكَ مِنَ الْعَيْنِ.» (البخاري حديث: 3005 /مسلم حديث: 2115)
قَال القاسمُ بن سلاَّم(رحمه الله): كانوا يضعون أوتار القوس القديمة في أَعْنَاقِ الإبل لِئَلَّا تصيبها الْعين، فَأمرهم النَّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقطعها،إعلاماً لهم بأَن الأوتار لَا تردُّ من أَمر اللَّه شَيْئا. (غريب الحديث للقاسم بن سلام جـ2صـ2)
قَالَ الإمامُ ابنُ عَبْدِ الْبَرِّ(رحمه الله): إِذَا اعْتَقَدَ الَّذِي قَلَّدَهَا أَنَّهَا تَرُدُّ الْعَيْنَ فَقَدْ ظَنَّ أَنَّهَا تَرُدُّ الْقَدَرَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ اعْتِقَادُهُ.(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ6صـ165)
قال الإمامُ البغوي (رحمه الله): تَأَولَ مالِكُ بْن أنسٍ أمْرَ رسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقطع القلائد على أنّهُ من أجل الْعين، وذلِك أَنهم كانُوا يشدون بِتِلْكَ الأوتار القلائد والتمائم، ويعلقون عليْها العُوذ، يظنون أنّها تعصِم من الْآفَات، فنهاهم النّبِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنْها، وأعلمهم أنّها لَا ترد من أَمر الله شيْئًا. (شرح السنة للبغوي 11صـ27)
روى أبو داودَ عَنْ زَيْنَبَ، امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ» قَالَتْ: قُلْتُ: لِمَ تَقُولُ هَذَا؟ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ(مَاءُ الْعَيْنِ مِنَ الْوَجَعِ) وَكُنْتُ أَخْتَلِفُ(أذهب) إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِينِي فَإِذَا رَقَانِي سَكَنَتْ(أَيِ الْعَيْنُ يَعْنِي وَجَعَهَا)، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّمَا ذَاكَ عَمَلُ الشَّيْطَانِ كَانَ يَنْخُسُهَا(أَيْ يَطْعَنُهَا) بِيَدِهِ فَإِذَا رَقَاهَا(أَيْ إِذَا رَقَى الْيَهُودِيُّ الْعَيْنَ ) كَفَّ(الشَّيْطَانُ ) عَنْهَا(أي تَرَكَ طَعْنَهَا )، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَذْهِبِ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي،لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا.»
(حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث : 3288)
قوله(عَمَلُ الشَّيْطَانِ): أَيْ مِنْ فِعْلِهِ وَتَسْوِيلِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْوَجَعَ الَّذِي كَانَ فِي عَيْنَيْكِ لَمْ يَكُنْ وَجَعًا فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ ضَرْبٌ مِنْ ضَرَبَاتِ الشَّيْطَانِ وَنَزَعَاتِهِ. (عون المعبود جـ10صـ263)
أولاً: الرقية
الرُّقَى: جَمْعُ رُقْيَةٍ: وهِيَ قِرَاءَةُ شيءٍ عَلى المريضِ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ،وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْقُرْآنِ وَالْأَسْمَاءِ الْإِلَهِيَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا بِالِاتِّفَاقِ وَبِمَا عَدَاهَا حَرَامٌ لَا سِيَّمَا بِمَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ. (عون المعبود جـ10صت264)
قال الإمامُ عبد الرحمن بن عبد الوهاب(رحمه الله): الحديثُ يشيرُ إلى أن الرُّقى الموصوفة بكونها شركاً هي التي يُستعانُ فيها بغير الله، وأما إذا لم يُذكر فيها إلا بأسماء الله وصفاته وآياته; والمأثور عن النبي صلى اللهُ عليه وسلم فهذا جائزٌ.(فتح المجيد صـ147)
شروط الرقية الشرعية :
قال الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني(رحمه الله) : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الرُّقْيَةِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ وهِي :
(1) أَنْ تَكُونَ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.
(2) أن تَكُونَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ.
(3) أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ الرُّقْيَةَ لَا تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا بَلْ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى.
( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ10 صـ206 )
والرقيةُ بشروطها الشرعية ثابتةٌ في السُّنة.
(1) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، أَنَّ جِبْرِيلَ، أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ(أي أصابك المرض)؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» قَالَ: «بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ»(مسلم حديث: 2186)
(2) روى البخاريُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَوِّذُ(يرقي) الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: ” إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ(كل حشرة ذات سم)، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ. ” (البخاري حديث: 3371)
(3) روى مسلمٌ عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لَدَغَتْ رَجُلًا مِنَّا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْقِي؟قَالَ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ.(مسلم حديث 2199 )
(4) روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اشْتَكَى(مرض) يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا . ( البخاري حديث 5016)
المعوذات هي : سورة( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وسورة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وسورة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) قل أعوذ برب الناس . ( فتح الباري لا بن حجر جـ8 صـ680)
النفث : النفخ مع ريق لطيف يُجعل في اليدين عقب قراءة المعوذات .
قَالَ القاضي عِيَاضٌ(رحمه الله): فَائِدَةُ النَّفْثِ التَّبَرُّكُ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ أَوِ الْهَوَاءِ الَّذِي مَاسَّهُ الذِّكْرُ.(فتح الباري لابن حجر جـ10 صـ208)
(5) روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبْ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا . ( البخاري حديث 5743 / مسلم حديث 2191)
(6) روى مسلمٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيّ ِأَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ . ( مسلم حديث 2202)
ثانياً: التمائم
التَّمَائِمُ: جَمْعُ التَّمِيمَةِ، وَهِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلادِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ بِزَعْمِهِمْ، فَأَبْطَلَهَا الشَّرْعُ.(شرح السنة للبغوي 12صـ158)
روى أحمدٌ عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً، فَلَا أَتَمَّ اللهُ لَهُ(دعاءٌ عليه)، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً، فَلَا وَدَعَ اللهُ لَهُ. (حديث حسن)(مسند أحمد جـ28 صـ623 حديث : 17404)
وَدَعَةٌ: شيءٌ يخرجُ من البحر يشبه الصدف يتقون به العين.
ثالثاً: التولة :
التِّوَلَةُ: نَوْعٌ مِنَ السِّحْرِ.وَهُوَ الَّذِي يُحَبِّبُ الْمَرْأَةَ إِلَى زَوْجِهَا. (شرح السنة للبغوي 12صـ158)
رابعاً: التنجيم
معنى التنجيم:
المقصود بالتنجيم: هو عِلْمُ النجوم والكواكب.
أنواع التنجيم :
ينقسمُ التنجيم إلى نوعين :
النوع الأول : عِلْمُ الاستدلال بأحوال النجوم والكواكب على ما يحدث في الأرض , بمعنى أن يربطَ المنجمُ ما يقع في الأرض أو ما سيقع فيها كنزول المطر أو هبوب الرياح أو موت عظيم أو ميلاده بالنجوم من حيث حركتها , وطلوعها وغربها واقترانها ببعضها أو افتراقها عن بعضها . وهذا العِلم محرمٌ لأنه من علم الغيب ،الذي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لُقْمَان: 34)
النوع الثاني : عِلْمُ الاستدلال بالشمس والقمر والنجوم على القبلة والاتجاهات المختلفة وأوقات الصلاة والأزمنة والفصول , فهذا جائزٌ ولا حرج فيه . قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (الْأَنْعَام: 97)
وَقَالَ تَعَالَى: (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (النَّحْل: 16) ( شرح السنة للبغوي جـ 12 صـ 183)
خامساً: الذهاب إلى الكُهان والعرافين
من أصول عقيدة أهل السُّنة والجماعة التحذير من الذهاب إلى الْكُهَّانِ والعَرَّافين،الذين يزعمون معرفتهم بأمور الغيب.
كَانَتِ الْكِهَانَةُ فِي الْعَرَبِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا بُعِثَ نَبِيًّا وَحُرِسَتِ السَّمَاءُ بِالشُّهُبِ وَمُنِعَتِ الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ مِنِ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَإِلْقَائِهِ إِلَى الْكَهَنَةِ بَطَلَ عِلْمُ الْكِهَانَةِ وَأَزْهَقَ اللَّهُ أَبَاطِيلَ الْكِهَانَةِ بِالْفُرْقَانِ الذي فرَّقَ اللهُ عز وجل بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَأَطْلَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْوَحْيِ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ عِلْمِ الْغُيُوبِ الَّتِي عَجَزَ الْكَهَنَةُ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِهِ فَلَا كِهَانَةَ الْيَوْمَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَمَنِّهِ.(عون المعبود جـ10صـ283)
إن أكثرَ ما يقع في هذه الأمة هو ما يخبر به الجنُ أولياءهم من الإنس عن الأشياء الغائبة بما يقع في الأرض من الأخبار، فيظنه الجاهل كشفاً وكرامة، وقد اغتر بذلك كثير من الناس يظنون المخبر لهم بذلك عن الجن ولياً لله، وهو من أولياء الشيطان.(فتح المجيد صـ333)
كما قال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام: 128)
الفرق بين الكاهن والعراف:
الْكَاهِنُ: هو الذي يزعم معرفة ما يحدث فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ.
الْعَرَّافُ: هو الذي يزعمُ معرفة الأمور التي حديث في الماضي، كمَعْرِفَةِ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانِ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا. (مسلم بشرح النووي جـ3صـ28)
(1) روى مسلمٌ عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» (مسلم حديث: 2230)
قال الإمامُ النوويُّ(رحمه الله): عَدَمُ قَبُولِ صلاته معناه أنه لا ثواب لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ الفرض عنه ولا يحتاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَةٍ. (مسلم بشرح النووي جـ7صـ486)
(2) روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْكُهَّانَ كَانُوا يُحَدِّثُونَنَا بِالشَّيْءِ فَنَجِدُهُ حَقًّا قَالَ: «تِلْكَ الْكَلِمَةُ الْحَقُّ، يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ فَيَقْذِفُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، وَيَزِيدُ فِيهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ» (البخاري حديث: 5762 /مسلم حديث: 2228)
قَالَ الإمامُ الْخَطَّابِيُّ(رحمه الله): بَيَّنَ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ إِصَابَةَ الْكَاهِنِ أَحْيَانًا إِنَّمَا هِيَ لِأَنَّ الْجِنِّيَّ يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَلِمَةَ الَّتِي يَسْمَعُهَا اسْتِرَاقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَيَزِيدُ عَلَيْهَا أَكَاذِيبَ يَقِيسُهَا عَلَى مَا سَمِعَ فَرُبمَا أصَاب نَادراً وخطؤه الْغَالِبُ.(فتح الباري للعسقلاني جـ10 صـ230)
(3) روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ»
(حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث: 3304)
قَالَ الإمامُ ابنُ الْأَثِيرِ(رحمه الله): قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ أَتَى كَاهِنًا) يَشْتَمِلُ عَلَى إِتْيَانِ الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ وَالْمُنَجِّمِ. (عون المعبود جـ10صـ284)
هَذا الْحَدِيثُ دليلٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ والْعَرَّافِين وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَدَّعُونَهُ. (مسلم بشرح النووي جـ3صـ28)
(4) روى أبو داودَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ اقْتَبَسَ(تَعَلَّمَ) عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ(عِلْمًا مِنْ عُلُومِهَا)،اقْتَبَسَ شُعْبَةً(قِطْعَةً) مِنَ السِّحْرِ زَادَ(أَيِ الْمُقْتَبِسُ مِنَ السِّحْرِ) مَا زَادَ.» (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 3305)
قَالَ الإِمَامُ البغوي(رحمه الله): الْمَنْهِيُّ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ مَا يَدَّعِيهِ أَهْلُهَا مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَمْ تَقَعْ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ، مِثْلَ إِخْبَارِهِمْ بِوَقْتِ هُبُوبِ الرِّيَاحِ، وَمَجِيءِ الْمَطَرِ، وَوُقُوعِ الثَّلْجِ، وَظُهُورِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَتَغَيُّرِ الأَسْعَارِ وَنَحْوِهَا، يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَسْتَدْرِكُونَ مَعْرِفَتِهَا بِسَيْرِ الْكَوَاكِبِ، وَاجْتِمَاعِهَا وَافْتِرَاقِهَا، وَهَذَا عِلْمٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرَهُ، كَمَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) (لُقْمَان: 34) ، فَأَمَّا مَا يُدْرَكُ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ مِنْ عِلْمِ النُّجُومِ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ الزَّوَالُ، وَجِهَةُ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ.قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (الْأَنْعَام: 97) ، وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (النَّحْل: 16) ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ النُّجُومَ طُرُقٌ لِمَعْرِفَةِ الأَوْقَاتِ وَالْمَسَالِكِ، وَلَوْلاهَا لَمْ يَهْتَدِ النَّائِي عَنِ الْكَعْبَةِ إِلَى اسْتِقْبَالِهَا». (شرح السُّنة للبغوي جـ12صـ: 183)
(5) روى الشيخانِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَةَ الصُّبْحِ بِالحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ(عقب مطر) كَانَتْ مِنَ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ” أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالكَوْكَبِ ” (البخاري حديث: 846/مسلم حديث: 71)
* الْأَنْوَاءُ : جَمْعُ نَوْءٍ: وهي منازلُ القمر. (عون المعبود جـ10صـ285)
قَالَ الإمامُ الْخَطَّابِيُّ(رحمه الله): الْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَطَرَ سَمَاءً لِأَنَّهُ مِنَ السَّمَاءِ يَنْزِلُ وَالنَّوْءُ وَاحِدُ الْأَنْوَاءِ وَهِيَ الْكَوَاكِبُ الثَّمَانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ الَّتِي هِيَ مِنَازِلُ الْقَمْرِ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقَمْرَ إِذَا نَزَلَ بِبِعْضِ تِلْكَ الْكَوَاكِبِ نَزَلَ المطَرُ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلَهُمْ وَجَعَلَ الْمَطَرَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ فِعْلِ غَيْرِهِ. (عون المعبود جـ10صـ285)
سادساً: النشرة
معنى النشرة:
النُّشْرَةُ: حَلُّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ. (إعلام الموقعين لابن القيم جـ4صـ301)
وقال الإمامُ ابنُ الأثير(رحمه الله): النُّشْرَةُ: نَوْعٌ مِنَ الرُّقْيةِ والعِلاجِ، يُعالَجُ بِهِ مَن كَانَ يُظَنُّ أَنَّ بِهِ مَسَّاً مِنَ الجِنّ. وَسُمِّيَتْ نُشْرةً لِأَنَّهُ يُنْشَر بِهَا عَنْهُ(: أَيْ يُكْشَفُ ويُزالُ) مَا أصابهُ مِنَ الدَّاءِ. (النهاية لابن الأثير جـ5صـ54)
روى أبو داودَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ النُّشْرَةِ فَقَالَ: «هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ» (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث: 3277)
قال الإمامُ عبد الرحمن بن عبد الوهاب(رحمه الله): قَوْلُهُ: (سُئِلَ عَنِ النُّشْرَةِ ) أي النشرة المعهودة التي كان أهل الجاهلية يصنعونها هي من عمل الشيطان. (فتح المجيد صـ342)
قال الإمامُ شمس الحق العظيم آبادي(رحمه الله): قوله -صلى الله عليه وسلم- (هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) أَيْ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُعَالِجُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَ فِيهِ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ النَّبَوِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ. (عون المعبود جـ10صـ249)
أنواع النشرة:
قال الإمامُ ابنُ القيم (رحمه الله): النَّشْرَةُ نَوْعَانِ:
الأول: حَلُّ سِحْرٍ بِسِحْرٍ مِثْلَهُ، وَهُوَ الَّذِي مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّ السَّحَرَ مِنْ عَمَلٍ فَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِ النَّاشِرُ وَالْمُنْتَشِرُ بِمَا يُحِبُّ، فَيُبْطِلُ عَمَلَهُ عَنْ الْمَسْحُورِ.
وَالثَّانِي: النَّشْرَةُ بِالرُّقْيَةِ وَالتَّعَوُّذَاتِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْأَدْوِيَةِ الْمُبَاحَةِ، فَهَذَا جَائِزٌ، بَلْ مُسْتَحَبٌّ. “.(إعلام الموقعين لابن القيم جـ 4 صـ301)
وقال الإمامُ ابنُ القيم (رحمه الله): وَقَوْلُ الْحَسَنِ البصري ” لَا يَحِلُّ السِّحْرَ إلَّا سَاحِرٌ” يُحْمَلُ عَلَى النَّوْعِ الْمَذْمُومِ. (إعلام الموقعين لابن القيم جـ 4 صـ301)
قال الإمامُ حافظ حكمي(رحمه الله): يَحْرُمُ حَلُّ السِّحْرِ عَنِ الْمَسْحُورِ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ،لأنَّهُ مُعَاوَنَةٌ لِلسَّاحِرِ وَإِقْرَارٌ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ, وَتَقَرُّبٌ إِلَى الشَّيْطَانِ بِأَنْوَاعِ الْقُرَبِ لِيُبْطِلَ عَمَلَهُ عَنِ الْمَسْحُورِ. (معرج القبول لحافظ حكمي جـ1صـ455)
قَالَ الإمامُ البخاريُّ (رحمه الله): قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دُعَامَةَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ: رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ(أي سِحْرٌ)،أَوْ: يُؤَخَّذُ عَنِ امْرَأَتِهِ(لا يستطيع أن يجامعها)، أَيُحَلُّ عَنْهُ أَوْ يُنَشَّرُ؟ قَالَ: «لاَ بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الإِصْلاَحَ، فَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ.» (البخاري ـ كتاب الطب ـ باب 49)
النهي عن سب الدهر
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ” يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. (البخاري حديث: 4826)
قال الإمامُ ابنُ القيمِ (رحمه الله) : سَابُ الدّهْرِ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا بُدّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا . إمّا سَبّهُ لِلّهِ أَوْ الشّرْكُ بِهِ فَإِنّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنّ الدّهْرَ فَاعِلٌ مَعَ اللّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنّ اللّهَ وَحْدَهُ هُوَ الّذِي فَعَلَ ذَلِك وَهُوَ يَسُبّ مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ سَبّ اللّهَ .(زاد المعاد لابن القيم جـ 2صـ 355 )
وروى الإمامُ مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ” يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا “
وفي رواية للإمامِ مسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ»( مسلم حديث: 2246)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: “لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ”: كَانَتِ الْعَرَبُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا إِذَا أَصَابَهُمْ شِدَّةٌ أَوْ بلاء أو نكبة، قالوا: يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَيُسْنِدُونَ تِلْكَ الْأَفْعَالَ إِلَى الدَّهْرِ وَيَسُبُّونَهُ، وَإِنَّمَا فَاعِلُهَا هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَكَأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَبُّوا، اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّهُ فَاعِلُ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ، فَلِهَذَا نُهي عَنْ سَبِّ الدَّهْرِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ الَّذِي يَعْنُونَهُ، وَيُسْنِدُونَ إِلَيْهِ تِلْكَ الْأَفْعَالَ. (تفسير ابن كثير جـ12صـ364)
النهي عن سب الريح
روى الترمذيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ،فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ،وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ. (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث: 1836)
نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سب الريح،لأن الريح تَهُبُ بأمر الله تعالى; لأنه فهو الذي خلقها ، فَمَسَبَّتُها مَسَبَّةٌ للفاعل، وهو الله سبحانه، ولا يفعله إلا أهل الجهل بالله ودينه وبما شرعه لعباده، فنهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل الإيمان عما يقوله أهل الجهل،وأرشدهم إلى ما يجب أن يُقالَ عند هبوب الرياح، فقال: ” إِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ” يعني إذا رأيتم ما تكرهون من الريح إذا هبت، فارجعوا إلى ربكم بالتوحيد وقولوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ،وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ.ففي هذا عبودية لله تعالى وطاعة له ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، واستدفاعٌ للشرور به سبحانه وحده، وتعرضٌ لفضله ونعمته سبحانه. (فتح المجيد صـ559)
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب العلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .