الرد على من يطعن في صحيح البخاري

المقدمة

الحمد لله الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:

فقد اتفق العلماء على أن صحيح الإمام البخاري هو أصح كتاب بعد القرآن الكريم، وتلقَّته الأمة الإسلامية بالقبول، قديمًا وحديثًا، وله منزلةٌ عظيمةٌ في قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وهو أكثر كتب الحديث شروحًا، على الإطلاق.

إن الطعن في صحيح البخاري يعني تشكيك عوام المسلمين في كتب السنة المباركة، وهذا يؤدي إلى ضياع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،لقد حاول بعض الناس، قديمًا وحديثًا، التشكيك في صحة بعض أحاديث صحيح البخاري، وذلك بذكر شبهات واهية، فيسر الله تعالى لهذا الكتاب المبارك جماعة من أهل العلم الأثبات والمتقنين لعلوم الحديث الشريف، فقاموا بالرد على هذه الشبهات والاعتراضات، وأثبتوا صحة جميع أحاديث الجامع الصحيح للإمام البخاري.

إن التصدي بحزم لكل من يطعن ويشكك المسلمين في صحيح الإمام البخاري واجبٌ على أهل العلم في كل مكان.

من أجل ذلك قمت بإعداد هذه الرسالة الموجزة للدفاع عن صحيح الإمام البخاري، وبيان منزلته الرفيعة في قلوب المسلمين، وذكرت الشبهات التي أثارها بعض الناس حول أحاديث صحيح البخاري، ثم ذكرت رد العلماء على هذه الشبهات،أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم،وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

صلاح نجيب الدق

بسم الله الرحمن الرحيم

الاسم والنسب:

هو: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَهْ (معناها الزراع)، البخاري، أسلم المغيرة على يدي اليمان الجعفي، والي بخارى، وكان مجوسيًّا؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 391: صـ 392).

كنية البخاري: أبو عبدالله.

لقب البخاري: إمام المحدثين، أو: أمير المؤمنين في الحديث.

ميلاد البخاري: ولد البخاري في بخارى، وهي مدينة معروفة، في شهر شوال سنة أربع وتسعين ومائة بعد صلاة الجمعة.

والد البخاري: إسماعيل بن إبراهيم، وكنيته (أبو الحسن)، كان من تلاميذ الإمام مالك بن أنس، ورأى حماد بن زيد، وصافح ابن المبارك بكلتا يديه؛ (الثقات لابن حبان جـ 9 صـ 98).

ورع والد البخاري:

قال أحمد بن حفص: دخلت على أبي الحسن – يعني: إسماعيل – والد البخاري عند موته، فقال: لا أعلم من مالي درهمًا من حرام، ولا درهمًا من شبهة،قال أحمد: فتصاغرت إلي نفسي عند ذلك؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 447).

والدة البخاري:

كانت والدة البخاري امرأة عابدة، صاحبة كرامات،كان البخاري قد فقد بصره وهو طفل، وعجز الأطباء عن علاجه، فتوسلت إلى الله تعالى بالدعاء حتى رأت الخليل إبراهيم في المنام فقال لها: يا هذه، قد ردَّ الله على ابنك بصره بكثرة دعائك، فأصبح وقد رد الله عليه بصره؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 393).

بداية طلب البخاري للعلم:

قال محمد بن أبي حاتم،: قلت لأبي عبدالله: كيف كان بَدْء أمرك؟ قال: ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتَّاب،فقلت: كم كان سنك؟ فقال: عشر سنين، أو أقل، ثم خرجت من الكتَّاب بعد العشر، فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره، فقال يومًا فيما كان يقرأ للناس: سفيان، عن أبي الزبير، عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لم يروِ عن إبراهيم،فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل، فدخل فنظر فيه، ثم خرج، فقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت: هو الزبير بن عدي، عن إبراهيم، فأخذ القلم مني، وأحكم كتابه، وقال: صدقت،فقيل للبخاري: ابن كم كنت حين رددت عليه؟ قال: ابن إحدى عشرة سنةً، فلما طعنت في ست عشرة سنةً، كنت قد حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، وعرفت كلام هؤلاء، ثم خرجت مع أمي وأخي أحمد إلى مكة، فلما حججت رجع أخي بها، وتخلَّفت في طلب الحديث؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 393).

البخاري يتبع خطوات الرسول صلى الله عليه وسلم:

قال النجم بن الفضيل: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه يمشي، ومحمد بن إسماعيل يمشي خلفه، فكلما رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه، وضع محمد بن إسماعيل قدمه في المكان الذي رفع النبي صلى الله عليه وسلم قدمه؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 405).

عدد شيوخ البخاري:

قال محمد بن أبي حاتم: سمعت البخاري قبل موته بشهر يقول: كتبت عن ألف وثمانين رجلًا، ليس فيهم إلا صاحب حديث، كانوا يقولون: الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 395).

رحلة البخاري في طلب العلم:

رحل البخاري إلى مكة، وبلخ، ومرو، ونيسابور، والرَّيِّ، وبغداد، والبصرة، والكوفة، والمدينة، ومصر، والشام؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 394: صـ 395).

تلاميذ البخاري:

كان للبخاري الكثير من التلاميذ، أشهرهم: مسلم بن الحجاج (صاحب الصحيح)، والترمذي (صاحب السنن)، والنسائي (صاحب السنن)، وأبو حاتم الرازي، ومحمد بن أبي حاتم الرازي، وابن خزيمة، ومحمد بن نصر المروزي – رحمهم الله جميعًا.

بداية تأليف البخاري للكتب:

قال البخاري: لما دخلت في ثمان عشرة سنة صنفت كتاب قضايا الصحابة والتابعين، ثم صنفت التاريخ في المدينة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت أكتبه في الليالي المقمرة،وقلَّ اسم في التاريخ إلا وله عندي قصة، إلا أني كرهت أن يطول الكتاب؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 400).

قوة حافظة البخاري:

(1) قال محمد بن أبي حاتم: سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان: كان أبو عبدالله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلامٌ، فلا يكتب، حتى أتى على ذلك أيام، فكنا نقول له: إنك تختلف معنا ولا تكتب، فما تصنع؟ فقال لنا يومًا بعد ستة عشر يومًا: إنكما قد أكثرتما علي وألححتما، فاعرضا علي ما كتبتما،فأخرجنا إليه ما كان عندنا، فزاد على خمسة عشر ألف حديث، فقرأها كلها عن ظهر القلب، حتى جعلنا نُحكِم (نَضبِط) كتبنا من حفظه،ثم قال البخاري: أترون أني أختلف هدرًا، وأضيع أيامي؟! فعرفنا أنه لا يتقدمه أحدٌ؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 408).

(2) قال أبو أحمد عبدالله بن عدي: سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد، فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد هذا، وإسناد هذا المتن هذا، ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخاري في المجلس، فاجتمع الناس، وانتدب أحدهم، فسأل البخاري عن حديث من عشرته، فقال: لا أعرفه،وسأله عن آخر، فقال: لا أعرفه،وكذلك حتى فرغ من عشرته،فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض، ويقولون: الرجل فهم،ومن كان لا يدري قضى على البخاري بالعجز، ثم انتدب آخر، ففعل كما فعل الأول،والبخاري يقول: لا أعرفه،ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس، وهو لا يزيدهم على: لا أعرفه،فلما علم أنهم قد فرغوا، التفت إلى الأول منهم، فقال: أما حديثك الأول فكذا، والثاني كذا، والثالث كذا إلى العشرة، فرد كل متن إلى إسناده،وفعل بالآخرين مثل ذلك،فأقر له الناس بالحفظ؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 408: صـ 409).

(3) قال أبو الأزهر: كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث، فاجتمعوا سبعة أيام، وأحبوا مغالطة محمد بن إسماعيل، فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق، وإسناد اليمن في إسناد الحرمين، فما تعلقوا منه بسقطة، لا في الإسناد، ولا في المتن؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 411).

(4) قال البخاري: رُبَّ حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام، ورُبَّ حديث سمعته بالشام كتبته بمصر؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 411).

(5) قال البخاري: أحفظ مائة ألف حديث صحيح، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 415).

(6) قال أبو بكر الكلواذاني: ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل، كان يأخذ الكتاب من العلم فيطَّلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث من مرة واحدة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 416).

اجتهاد البخاري في طلب العلم:

(1) قال محمد بن يوسف البخاري: كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلة، فأحصيت عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 404).

(2) قال محمد بن أبي حاتم: كان أبو عبدالله إذا كنت معه في سفر، يجمعنا بيتٌ واحدٌ، إلا في القيظ أحيانًا، فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة، في كل ذلك يأخذ القداحة، فيوري نارًا، ويسرج، ثم يخرج أحاديث، فيعلم عليها؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 404).

عبادة البخاري وورعه:

(1) قال مسبح بن سعيد: كان محمد بن إسماعيل يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمةً، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 438).

(2) قال البخاري: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدًا؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 439).

(3) كان البخاري يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعةً؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 441).

(4) قال البخاري: ما اغتبت أحدًا قط منذ علمت أن الغِيبةَ تضرُّ أهلها؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 441).

(5) قال الفِرَبْرِيُّ: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال لي: أين تريد؟ فقلت: أريد محمد بن إسماعيل البخاري، فقال: أقرئه مني السلام؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 443).

(6) قال محمد بن أبي حاتم: أملى يومًا عليَّ حديثًا كثيرًا، فخاف ملالي، فقال: طب نفسًا؛ فإن أهل الملاهي في ملاهيهم، وأهل الصناعات في صناعاتهم، والتجَّار في تجاراتهم، وأنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه،فقلت: ليس شيءٌ من هذا، يرحمك الله، إلا وأنا أرى الحظ لنفسي فيه؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 445).

(7) أخبر السلطان بأن أبا عبدالله خرج في طلب غريم له،فأراد السلطان التشديد على غريمه، وكره ذلك أبو عبدالله، وصالح غريمه على أن يعطيه كل سنة عشرة دراهم شيئًا يسيرًا،وكان المال خمسةً وعشرين ألفًا،ولم يصل من ذلك المال إلى درهم، ولا إلى أكثر منه؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 446).

(8) قال محمد بن أبي حاتم: قال البخاري: ما توليت شراء شيء ولا بيعه قط،فقلت له: كيف وقد أحل الله البيع؟ قال: لِما فيه من الزيادة والنقصان والتخليط، فخشيت إن توليت أن أستوي بغيري،قلت: فمن كان يتولى أمرك في أسفارك ومبايعتك؟ قال: كنت أكفى ذلك؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 446).

(9) كان للبخاري تجارة، فجاء بعض التجار إليه،فطلبوها بربح خمسة آلاف درهم،فقال: انصرفوا الليلة،فجاءه من الغد تجارٌ آخرون، فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف،فقال: إني نويت بيعها للذين أتوا البارحة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 448).

(10) قال محمد بن أبي حاتم: سمعت البخاري يقول: خرجت إلى آدم بن أبي إياس، فتخلفت عني نفقتي، حتى جعلت أتناول الحشيش، ولا أخبر بذلك أحدًا،فلما كان اليوم الثالث أتاني آتٍ لم أعرفه، فناولني صرة دنانير، وقال: أنفق على نفسك؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 448).

(11) قال الحسين بن محمد السمرقندي: كان محمد بن إسماعيل مخصوصًا بثلاث خصال مع ما كان فيه من الخصال المحمودة: كان قليل الكلام، وكان لا يطمع فيما عند الناس، وكان لا يشتغل بأمور الناس، كل شغله كان في العلم؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 448).

كرم البخاري:

قال محمد بن أبي حاتم: كان البخاري يتصدق بالكثير، يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث، فيناوله ما بين العشرين إلى الثلاثين، وأقل وأكثر، من غير أن يشعر بذلك أحدٌ،وكان لا يفارقه كيسه،ورأيته ناول رجلًا مرارًا صرةً فيها ثلاثمائة درهم – وذلك أن الرجل أخبرني بعدد ما كان فيها من بعد – فأراد أن يدعو، فقال له أبو عبدالله: ارفق، واشتغل بحديث آخر كيلا يعلم بذلك أحدٌ؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 450).

حِلْمُ البخاري:

قال عبدالله بن محمد الصيارفي: كنت عند محمد بن إسماعيل في منزله، فجاءته جاريته وأرادت دخول المنزل، فعَثَرَت (سقطت) على محبرة بين يديه، فقال لها: كيف تمشين؟!قالت: إذا لم يكن طريق كيف أمشي،فبسط يديه وقال: اذهبي فقد أعتقتك،قيل له: يا أبا عبدالله، أغضبَتْك؟ قال: فقد أرضيت نفسي بما فعلت؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 452).

أقوال العلماء في البخاري:

(1) قال نعيم بن حماد: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 419).

(2) قال عبدالله بن يوسف للبخاري (شيخ البخاري): يا أبا عبدالله، انظر في كتبي، وأخبرني بما فيه من السَّقَط،قال: نعم؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 419).

(3) قال أحمد بن عبدالسلام: ذكرنا قول البخاري لعلي بن المديني – يعني: ما استصغرتُ نفسي إلا بين يدي علي بن المديني – فقال علي: دعوا هذا؛ فإن محمد بن إسماعيل لم يرَ مِثلَ نفسه؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 420).

(4) قال إسحاق بن راهويه (شيخ البخاري): اكتبوا عن هذا الشاب – يعني: البخاري – فلو كان في زمن الحسن، لاحتاج إليه الناس؛ لمعرفته بالحديث وفقهه؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 421).

(5) قال علي بن حُجْر: أخرجت خراسان ثلاثةً: أبو زرعة، ومحمد بن إسماعيل، وعبدالله بن عبدالرحمن الدارمي، ومحمد عندي أبصرُهم وأعلمهم وأفقههم؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 421).

(6) قال أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبدالله بن نمير: ما رأينا مثل محمد بن إسماعيل؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 421).

(7) قال أحمد بن حنبل: انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة، والبخاري، وعبدالله بن عبدالرحمن، والحسن بن شجاع؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 423).

(8) قال محمود بن النضر الشافعي: دخلت البَصرة والشام والحجاز والكوفة، ورأيت علماءها، كلما جرى ذِكر محمد بن إسماعيل فضَّلوه على أنفسهم؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 422).

(9) قال عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي: محمد بن إسماعيل أكيس خَلْق الله، إنه عقل عن الله ما أمره به، ونهى عنه في كتابه، وعلى لسان نبيه، إذا قرأ محمدٌ القرآن، شغل قلبه وبصره وسمعه، وتفكر في أمثاله، وعرَف حلاله وحرامه.

وقال أيضًا عندما سئل عن البخاري، فقال: محمد بن إسماعيل أعلمنا وأفقهنا وأغوصنا، وأكثرنا طلبًا؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 426).

(10) قال سليم بن مجاهد: لو أن وكيعًا وابن عُيَينة وابن المبارك كانوا في الأحياء، لاحتاجوا إلى محمد بن إسماعيل؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 429).

(11) قال قُتَيبة بن سعيد: لو كان محمد بن إسماعيل في الصحابة لكان آيةً؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 431).

(12) قال أبو حاتم الرازي: محمد بن إسماعيل أعلمُ مَن دخَل العراق؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 431).

(13) قال أبو عبدالله الحاكم: محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 431).

(14) قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلمَ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظ له من محمد بن إسماعيل؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 431).

(15) قال أبو زيد المروزي الفقيه: كنت نائمًا بين الركن والمقام، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أبا زيد، إلى متى تدرس كتاب الشافعي، ولا تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول الله، وما كتابك؟ قال: (جامع) محمد بن إسماعيل؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 438).

منزلة الإمام البخاري في قلوب المسلمين:

(1) قال مسلم بن الحجاج: لما قدم محمد بن إسماعيل نيسابور ما رأيت واليًا ولا عالمًا فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به، استقبلوه مرحلتين وثلاثة،فقال محمد بن يحيى الذُّهْلي في مجلسه: من أراد أن يستقبل محمد بن إسماعيل غدًا فليستقبله،فاستقبله محمد بن يحيى الذُّهْلي وعامة العلماء، فنزل دار البخاريين؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 458).

(2) قال يوسف بن موسى المروزي: كنت بالبصرة في جامعها، إذ سمعت مناديًا ينادي: يا أهل العلم، قد قدم محمد بن إسماعيل البخاري، فقاموا في طلبه، وكنت معهم، فرأينا رجلًا شابًّا، يصلي خلف الأسطوانة،فلما فرغ من الصلاة، أحدقوا به، وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاء، فأجابهم،فلما كان الغد اجتمع قريبٌ من كذا كذا ألف، فجلس للإملاء؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 409).

(3) قال محمد بن يعقوب بن الأخرم: سمعت أصحابنا يقولون: لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل ركبانًا على الخيل، سوى مَن ركب بغلًا أو حمارًا، وسوى الذين يسيرون على أقدامهم؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 437).

مهارة البخاري في معرفة علل الأحاديث:

معنى علل الحديث:

العلة: هي الأسباب الخفية الغامضة، التي تطعن في صحة الحديث وقبوله، مع كون ظاهره السلامة؛ (تدريب الراوي للسيوطي جـ 1 صـ 294).

إن معرفة علل الحديث تعتبر من أدق وأصعب المباحث في علوم الحديث، وهي تستلزم الإحاطة بألفاظ جميع طرق الحديث، بالإضافة إلى المهارة الكاملة في معرفة مواليد الرواة ووفَيَاتهم وسماعهم وألفاظهم؛ ولذلك قال المحدثون: معرفة علم علل الحديث من أغمض أنواع علوم الحديث، وأشرفها وأدقها، وإنما يتمكن من التكلم فيه أهل الحفظ التام، والخبرة الكاملة، والفهم الثاقب؛ ولهذا لم يتصَدَّ للتكلم في هذا النوع إلا جمعٌ قليلٌ من المحدثين، مثل: علي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم الرازي، وأبي زرعة الرازي، والدارقطني، ومن سار على نهجهم؛ (تدريب الراوي للسيوطي جـ 1 صـ 294).

نماذج من مهارة البخاري في معرفة علل الحديث:

(1) قال محمد بن أبي حاتم: سمعت البخاري يقول: كنت في مجلس الفريابي، فقال: حدثنا سفيان الثوري، عن أبي عروة، عن أبي الخطاب، عن أنس: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد”، فلم يعرف أحدٌ في المجلس أبا عروة، ولا أبا الخطاب،فقلت: أما أبو عروة، فمعمر بن راشد، وأبو الخطاب: قتادة بن دعامة؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 413).

(2) قال أبو حامد أحمد بن حمدون القصار: سمعت مسلم بن الحجاج، وجاء إلى البخاري، فقبَّل بين عينيه، وقال: دعني أقبِّل رِجليك،ثم قال: حدثك محمد بن سلام، حدثنا مخلد بن يزيد الحراني، أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة، عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس، فما علته؟ قال محمد بن إسماعيل: هذا حديثٌ مليحٌ، ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثًا غير هذا الحديث الواحد في هذا الباب، إلا أنه معلولٌ، حدثنا به موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيبٌ، حدثنا سهيلٌ، عن عون بن عبدالله قوله، قال محمدٌ: وهذا أولى؛ فإنه لا يُذكر لموسى بن عقبة سماعٌ من سهيل،فقال له مسلمٌ: لا يبغضك إلا حاسدٌ، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 436).

شهادة العلماء بمهارة البخاري في علم علل الحديث:

سوف نذكر بعض أقوال أهل العلم التي تدل على مهارة الإمام البخاري وتمكنه من علم علل الحديث:

(1) قال أحمد بن حمدون: رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة سعيد بن مروان، ومحمد بن يحيى الذهلي يسأله عن الأسامي والكنى والعلل، ومحمد بن إسماعيل يمر فيه مثل السهم، كأنه يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 432).

(2) جاء مسلم بن الحجاج إلى البخاري فقال: دعني أقبِّل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 432).

(3) قال أبو عيسى الترمذي: لم أرَ بالعراق ولا بخراسان في معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 432).

وقفات مع صحيح البخاري

تأليف صحيح البخاري:

* قال البخاري: كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لسنن النبي صلى الله عليه وسلم، فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 401).

* قال البخاري: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأنني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذبُّ بها عنه، فسألت بعض المعبرين، فقال لي: أنت تذُبُّ عنه الكذب؛ فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 9).

* قال البخاري أيضًا: أخرجت هذا الكتاب من زهاء (أي: نحو) ستمائة ألف حديث.

* قال البخاري أيضًا: ما وضعت في كتابي (الصحيح) حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك، وصليت ركعتين.

* وقال البخاري أيضًا: ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح، وتركتُ من الصحاح؛ كيلا يطول الكتاب؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 403).

* كتَب البخاري تراجم جامعه بين قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنبره، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 404).

* قال البخاري: كنت إذا كتبت عن رجل، سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديث، إن كان الرجل فهمًا، فإن لم يكن سألته أن يخرج إلى أصله ونسخته؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 406).

مدة تصنيف صحيح البخاري:

قال البخاري: صنفت (الصحيح) في ست عشرة سنةً، وجعلته حجةً فيما بيني وبين الله تعالى؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 405).

شروط صحيح البخاري:

وضع الإمام البخاري شروطًا للأحاديث التي جمعها في جامعه الصحيح، وهي كما يلي:

(1) أن يكون جميع رواة الحديث ثقات إلى الصحابي، بحيث يكون قد وقع الاتفاق على ثقتهم؛ أي: يكونون صادقين، غير مدلسين، متصفين بصفات العدالة، ضابطين، حافظين، سليمي الاعتقاد، وأن تكون هذه الصفات من الدرجة العليا.

(2) ألا يكون هناك انقطاع في السند.

(3) إن كانت الرواية بالعنعنة (حدثنا فلان عن فلان)، فيجب أن يثبت لقاء الراوي بشيخه.

(4) أن يتفق على صحة الحديث المحدِّثون من قبل البخاري، أو المحدِّثون المعاصرون له.

(5) أن يكون الحديث خاليًا من العلة والشذوذ؛ (سيرة الإمام البخاري ـ لعبدالسلام المباركفوري صـ 178).

عدد من سمع صحيح البخاري:

* قال محمد بن يوسف الفربري: سمع كتاب (الصحيح) لمحمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل، فما بقي أحدٌ يرويه غيري؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 398).

شهادة العلماء لصحيح البخاري:

صحيح الإمام البخاري له أهمية خاصة تميزه من بين سائر مؤلفاته، ولا يوجد مكان على وجه الأرض وصل إليه الإسلام إلا ونجد صحيح البخاري فيه،وهذا الكتاب المبارك من أهم وأبرز الأمور التي دعت الأمة الإسلامية إلى تلقيب الإمام البخاري بـ: إمام المحدثين، وأمير المؤمنين في الحديث،ولم يحصل، على امتداد التاريخ الإسلامي، أن نال أيُّ مصنَّف لأي محدِّثٍ، أو أي مؤلِّف، أو إمام أو فقيه من المتقدمين، ما ناله هذا الكتاب من الفضل والشرف والقبول لدى الأمة الإسلامية كلها.

وسوف نذكر بعض أقوال أهل العلم في صحيح البخاري:

(1) قال الإمام أبو جعفر محمود بن عمرو العقيلي – رحمه الله -: لما ألف البخاري كتاب الصحيح عرضه على أحمد بن حنبل ويحيى بن مَعين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث،قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري، وهي صحيحة؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 9).

(2) قال الإمام النووي – رحمه الله -: اتفق العلماء (رحمهم الله) على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم، وتلقَّتهما الأمة بالقبول، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة،وقد صح أن مسلمًا كان ممن يستفيد من البخاري ويعترف بأنه ليس له نظير في علم الحديث، وهذا الذي ذكرناه من ترجيح كتاب البخاري هو المذهب المختار الذي قاله الجماهير وأهل الإتقان والحِذْق والغوص على أسرار الحديث؛ (مقدمة مسلم بشرح النووي جـ 1 صـ 30).

(3) قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح – رحمه الله -: أول من صنف الصحيح البخاريُّ أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج،وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز،وأما ما روينا عن الشافعي رضي الله عنه من أنه قال: “ما أعلم في الأرض كتابًا في العلم أكثر صوابًا من كتاب مالك”، ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ – فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم،ثم إن كتاب البخاري أصح الكتابين صحيحًا، وأكثرهما فوائد؛ (مقدمة ابن الصلاح صـ 9).

(4) قال الإمام ابن تيمية – رحمه الله -: ليس تحت أديم السماء كتابٌ أصح من البخاري ومسلم بعد القرآن؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 18 صـ 74).

وقال الإمام ابن تيمية – رحمه الله – أيضًا: اتفق أهل العلم أنه ليس بعد القرآن كتابٌ أصح من كتاب البخاري ومسلم؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 20 صـ 321).

(5) قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: صحيح البخاري وصحيح مسلم أصح كتب الحديث، وصحيح البخاري أرجح؛ لأنه اشترط في إخراجه الحديثَ في كتابه هذا: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عند سماعُه منه، ولم يشترط مسلمٌ الشرط الثاني، بل اكتفى بمجرد المعاصرة؛ (الباعث الحثيث لابن كثير صـ 25).

(6) قال الإمام ابن أبي العز الحنفي – رحمه الله -: الصحيحان اللذان جمعهما البخاري ومسلم أصحُّ الكتب المصنفة، هذا الذي عليه أئمة الإسلام؛ (الاتباع لابن أبي العز صـ: 46).

(7) قال الإمام عبدالرحمن بن خلدون – رحمه الله -: لقد سمعت كثيرًا من شيوخنا (رحمهم الله) يقولون: شرح كتاب البخاري دَينٌ على الأمة؛ (مقدمة ابن خلدون صـ: 560).

وقال الإمام عبدالرحمن بن خلدون – رحمه الله – أيضًا: صحيح البخاري هو أعلى كتب الحديث رتبة؛ (مقدمة ابن خلدون صـ: 560).

(8) قال الإمام بدر الدين العيني – رحمه الله -: اتفق علماء الشرق والغرب على أنه ليس بعد كتاب الله تعالى أصح من صحيحي البخاري ومسلم؛ (عمدة القاري لبدر الدين العيني جـ 1 صـ 5).

قال الإمام بدر الدين العيني – رحمه الله – أيضًا: أطبق على قَبول صحيح البخاري بلا خلاف علماءُ السلف والخلَف؛ (عمدة القاري لبدر الدين العيني جـ 1 صـ 2).

(9) قال الإمام ابن حجر العسقلاني – رحمه الله -: صحيح البخاري من أصح الكتب المصنفة في الحديث النبوي؛ (مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني صـ: 2).

وقال الإمام ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – (بعد أن ذكر الأحاديث التي انتقدها بعض العلماء في صحيح البخاري، وجوابه عنها): إذا تأمل المنصف ما حررته من ذلك عظُم مقدار صحيح البخاري في نفسه، وجل تصنيفه في عينه، وعذَر الأئمة من أهل العلم في تلقيه بالقَبول والتسليم، وتقديمهم له على كل مصنَّف في الحديث والقديم؛ (مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني صـ: 383).

(10) انتقد الإمام أبو الحسن الدارقطني وغيره من أهل العلم مائة وعشرة أحاديث من أحاديث صحيح البخاري،وهذا الطعن مبني على قواعد لبعض المحدثين ضعيفة جدًّا، مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم،وقد رد الإمام ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – على هذه الطعون، وبيَّن أن الصواب مع الإمام البخاري – رحمه الله؛ (مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني صـ: 402: 364).

(11) قال الإمام السخاوي – رحمه الله -: صحيح البخاري وصحيح مسلم أصح كتب الحديث؛ (فتح المغيث للسخاوي جـ 1 صـ 46).

(12) قال الإمام ابن عابدين – رحمه الله -: صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله ذي الجلال؛ (سيرة الإمام البخاري ـ لعبدالسلام المباركفوري صـ 121).

(13) قال أحد الشعراء، وهو يصف صحيح البخاري:

صحيحُ البُخاري لو أنصفوه = لما خط إلا بماء الذَّهَبْ

هو الفَرْقُ بين الهدى والعمَى = هو السدُّ بين الفتى والعَطَبْ

أسانيدُ مثلُ نجومِ السَّماءِ = أمام متونٍ كمِثل الشُّهُبْ

بهِ قام ميزانُ دِين الرسول = ودان به العُجْم بعد العَرَبْ

حجابٌ من النار لا شك فيه = تميَّز بين الرضا والغضَبْ

وسترٌ رقيقٌ إلى المصطفى = ونص مبينٌ لكشف الرِّيَبْ

فيا عالمًا أجمع العالمون = على فضل رتبته في الرِّيَبْ

سبقتَ الأئمة فيما جمعتَ = وفزتَ على رُغمهم بالقصَبْ

نفيتَ الضعيف من الناقلين = ومَن كان متهمًا بالكذِبْ

وأبرزتَ في حُسنِ ترتيبه = وتبويبه عجبًا للعَجَبْ

فأعطاك مولاك ما تشتهيه = وأجزَل حظَّك فيما وهَبْ

(سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 471).


ابتلاء البخاري:

بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إليَّ كتاب (الجامع) و(التاريخ) وغيرهما لأسمع منك، فقال لرسوله: أنا لا أُذِل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلى شيء منه حاجةٌ، فاحضُر في مسجدي، أو في داري، وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطانٌ، فامنعني من المجلس؛ ليكون لي عذرٌ عند الله يوم القيامة؛ لأني لا أكتم العلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجم بلجام من نار))، فكان سبب الوحشة بينهما هذا،فاستعان الأمير بحريث بن أبي الورقاء وغيره، حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد، فدعا عليهم، فلم يأتِ إلا شهرٌ حتى ورد أمر الطاهرية بأن ينادى على خالد في البلد، فنودي عليه على أتان،وأما حريثٌ، فإنه ابتلي بأهله، فرأى فيها ما يجلُّ عن الوصف،وأما فلان، فابتلي بأولاده، وأراه الله فيهم البلايا؛ (سير أعلام النبلاء جـ 464: صـ 465).

وفاة البخاري:

(1) قال عبدالقدوس بن عبدالجبار السمرقندي: جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك (قريةٌ على فرسخين من سمرقند)، وكان له بها أقرباء، فنزل عندهم، فسمعته ليلةً يدعو وقد فرغ من صلاة الليل: اللهم إنه قد ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك، فما تم الشهر حتى مات، وقبره بخرتنك؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 466).

(2) قال أبو منصور غالب بن جبريل، (وهو الذي نزل عليه البخاري ضيفًا): أقام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل عندنا أيامًا، فمرض، واشتد به المرض، حتى وجه رسولًا إلى مدينة سمرقند في إخراج محمد، فلما وافى تهيأ للركوب، فلبس خفَّيه، وتعمم، فلما مشى قدر عشرين خطوةً أو نحوها وأنا آخذٌ بعضده ورجلٌ أخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبها، فقال – رحمه الله -: أرسلوني؛ فقد ضعفت، فدعا بدعوات، ثم اضطجع، فقضى – رحمه الله – فسال منه العرق شيءٌ لا يوصف، فما سكن منه العرق إلى أن أدرجناه في ثيابه،وكان فيما قال لنا وأوصى إلينا: أن كفنوني في ثلاثة أثواب بيض، ليس فيها قميصٌ ولا عمامةٌ، ففعلنا ذلك،فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحةٌ غاليةٌ أطيب من المسك، فدام ذلك أيامًا، ثم علت سواري بيضٌ في السماء مستطيلةٌ بحذاء قبره، فجعل الناس يختلفون ويتعجبون، وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر، ولم نكن نقدر على حفظ القبر بالحراس، وغلبنا على أنفسنا، فنصبنا على القبر خشبًا مشبكًا، لم يكن أحدٌ يقدر على الوصول إلى القبر، فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب، ولم يكونوا يخلصون إلى القبر، وأما ريح الطيب فإنه تداوم أيامًا كثيرةً حتى تحدث أهل البلدة، وتعجبوا من ذلك، وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته، وخرج بعض مخالفيه إلى قبره، وأظهروا التوبة والندامة مما كانوا قد تكلموا به في مذهب البخاري؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 466: صـ 467).

(3) قال عبدالواحد بن آدم الطواويسي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، ومعه جماعةٌ من أصحابه وهو واقفٌ في موضع، فسلمت عليه، فرد عليَّ السلام،فقلت: ما وقوفك يا رسول الله؟ قال: أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري، فلما كان بعد أيام بلغني موته، فنظرت، فإذا قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 468).

(3) توفي البخاري ليلة السبت، ليلة الفطر، عند صلاة العشاء، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر، سنة ست وخمسين ومائتين، وعاش اثنتين وستين سنةً إلا ثلاثة عشر يومًا؛ (سير أعلام النبلاء جـ 12 صـ 468).

* * * * *

شبهات حول بعض أحاديث صحيح البخاري والرد عليها

سوف نذكر شبهات الطاعنين في بعض أحاديث صحيح البخاري، ونذكر رد أهل العلم عليها.

(1) حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم:

* روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِر، حتى كان يرى أنه يأتي (أي يجامع) النساء، ولا يأتيهن، قال سفيان بن عيينة (أحد رواة الحديث): وهذا أشد ما يكون من السحر، إذا كان كذا، فقال: ((يا عائشة، أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه، أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للآخر: ما بال الرجل؟ قال: مطبوبٌ (أي مسحور)، قال: ومن طبَّه (سحَره)؟ قال: لَبيد بن أعصم – رجلٌ من بني زريق حليفٌ ليهود كان منافقًا – قال: وفيم؟ قال: في مشط (هو الآلة المعروفة التي يسرح بها شعر الرأس)، ومشاقة (ما يخرج من الشعر إذا مشط)، قال: وأين؟ قال: في جُفِّ (هو الغشاء الذي يكون على الطلع) طلعة ذكَر، تحت راعوفة (حجر) في بئر ذروان))، قالت: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه، فقال: ((هذه البئر التي أريتها، وكأن ماءها نقاعة (لون ماء البئر لون الماء الذي ينقع فيه الحناء) الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين))، قال: فاستخرج، قالت: فقلت: أفلا – أي تنشرت (أي أظهرت السحر ليراه الناس، وتذكر اسم الساحر) – فقال: ((أما الله فقد شفاني، وأكره أن أثير على أحد من الناس شرًّا))؛ (البخاري حديث: 5765).

الشبهة:

أنكر هذا الحديث طائفةٌ من الناس.

(1) قال الطاعنون: لا يجوز وقوع السحر عليه صلى الله عليه وسلم، وقالوا: كل ما جاء في ذلك فهو باطلٌ.

(2) وقالوا: إن القول بتأثر النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر ينافي عصمته صلى الله عليه وسلم، ويطعن في نبوته، ويزيل الثقة بما يبلغه عن الله تعالى.

(3) وقالوا: إن القول بتأثر النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر يعدم الثقة بما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم من الشرائع؛ إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه صلى الله عليه وسلم أنه يرى جبريل وليس هو، وأنه يوحي إليه صلى الله عليه وسلم بشيء ولم يوحَ إليه بشيء.

الرد على هذه الشبهة:

هذه الشبهات كلها مردودةٌ؛ للأدلة التالية:

(1) قام الدليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ، والمعجزات شاهداتٌ بتصديقه؛ فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطلٌ.

(2) إن السحر الذي تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو عَرَضٌ من الأعراض الدنيوية، التي تعتري الناس جميعًا، بما فيهم الأنبياء؛ كالمرض، والجوع، والعطش، والحر، والبرد، والتعب، والإغماء، وغيرها، فغير بعيد أن يخيل إليه صلى الله عليه وسلم في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له، مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين.

(3) قال بعض الناس: إن المراد بالحديث أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطئ (أي جامَع) زوجاته، ولم يكن وطِئَهن (أي جامعهن)، وهذا كثيرًا ما يقع تخيله للإنسان في المنام، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة.

(4) قال القاضي عياضٌ: إن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه صلى الله عليه وسلم، لا على تمييزه ومعتقده؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 10 صـ 237).

(2) حديث فقء موسى صلى الله عليه وسلم لعين ملك الموت:

* روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: “أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه (أي ضربه على عينه ففقأها)، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه، وقال: ارجع فقل له: يضع يده على متن (ظهر) ثور، فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنةٌ، قال: أَيْ ربِّ، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه (يقربه) من الأرض المقدسة رميةً بحجر (أي قدر ما يبلغه)”، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فلو كنت ثَمَّ (هناك) لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق، عند الكثيب (أي الرمل المجتمع) الأحمر))؛ (البخاري حديث: 1339).

الشبهة:

أنكر بعض الناس هذا الحديث، وقالوا: كيف يجوز على موسى صلى الله عليه وسلم فقءُ عين ملك الموت؟

الرد على هذه الشبهة:

لطم موسى صلى الله عليه وسلم ملَك الموت؛ لأنه رأى آدميًّا دخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح النبي صلى الله عليه وسلم فقء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن، وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم صلى الله عليه وسلم وإلى لوط صلى الله عليه وسلم في صورة آدميين، فلم يعرفاهم ابتداءً، ولو عرفهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما قدم لهم المأكول، ولو عرفهم لوطٌ صلى الله عليه وسلم لما خاف عليهم من قومه؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 6 صـ 510).

(3) حديث مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته أثناء الحيض:

روى البخاري عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرني، فأتزر، فيباشرني وأنا حائضٌ))؛ (البخاري حديث: 300).

الشبهة:

أنكر هذا الحديث طائفةٌ من الناس، بحجة أنه مخالفٌ للقرآن الكريم.

فقالوا: يقول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222].

قالوا: القرآن يأمر باعتزال النساء في حالة الحيض، والحديث يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم باشَر زوجته عائشة فوق الإزار.

الرد على هذه الشبهة:

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

(1) معنى: فأتزر؛ أي: إنها تشد إزارها على وسطها، وحدد ذلك الفقهاء بما بين السرة والركبة، عملًا بالعُرف الغالب؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 1 صـ 481).

(2) المراد بالمباشرة في هذا الحديث: التقاء البشرتين، لا الجماع؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 1 صـ 481).

(3) لا يوجد أي تعارض بين هذا الحديث الشريف والقرآن الكريم، كما فهم الطاعنون، بل الحديث مفسِّرٌ للقرآن الكريم، ومبيِّنٌ لمعنى الاعتزال الذي أمر الله تعالى به؛فليس المقصود بالاعتزال اجتناب المرأة تمامًا، كما يفعل اليهود الذين لا يبيت أحدهم مع امرأته الحائض في مكان واحد، وإنما المراد بالاعتزال هو ترك جماع الزوجة أثناء فترة الحيض، أما الاستمتاع بالزوجة بما دون ذلك، فليس من الاعتزال المحظور؛ (كيف نتعامل مع السنة؟ صـ: 54).

(4) حديث الذبابة:

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا وقع الذُّباب في إناء أحدكم، فليغمِسْه كله، ثم ليطرحه؛ فإن في أحد جناحيه شفاءً، وفي الآخر داءً))؛ (البخاري حديث 5782).

الشبهة:

أنكر هذا الحديث طائفةٌ من الناس، وقال الطاعنون:

هذا الحديث يتعارضويخالف ما يقرره الأطباء، وهو أن الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم، فإذا وقع في الطعام أو في الشراب، علقت به تلك الجراثيم.

وقالوا أيضًا: كيف يجتمع الشفاء والداء في جَناحيِ الذباب؟

الرد على هذه الشبهة:

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

(1) هذا الحديث لا يخالف الأطباء، بل هو يؤيدهم؛ إذ يخبر أن في أحد جناحي الذباب داءً، ولكنه يزيد عليهم فيقول: (وفي الآخر شفاءً)، فهذا مما لم يحيطوا بعلمه، فوجب عليهم الإيمان به.

(2) إن كثيرًا من الحيوانات قد جمع الصفات المتضادة، وقد ألف الله بينها وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان، وإن الذي ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه، وألهم النملة أن تدخر قوتها لوقت حاجتها، وأن تكسر الحبَّة نصفين لئلا تستنبت – لقادرٌ على إلهام الذبابة أن تقدم جَناحًا وتؤخر آخر.

(3) قال الإمام ابن الجوزي – رحمه الله -: هذا ليس بعجيب؛ فإن النحلة تعسل من أعلاها، وتلقي السَّمَّ من أسفلها،والحية القاتل سمها تدخل لحومها في الدواء الذي يعالج به السم.

(4) ذكر بعض حذَّاق الأطباء أن في الذباب قوةً سميةً يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه، وهي بمنزلة السلاح له، فإذا سقط الذباب فيما يؤذيه تلقاه بسلاحه،فأمر الشارع أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله تعالى في الجناح الآخر من الشفاء، فتتقابل المادتان، فيزول الضرر بإذن الله تعالى؛ (معالم السنن للخطابي جـ: 4 صـ 259)؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 10 صـ 263).

(5) أثبت الطب الحديث أن الذباب يحمل في أحد جناحيه سمًّا، وفي الآخر شفاء له، ومن هنا فإن حديث الذبابة المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم آيةٌ على الإعجاز العلمي للسنة الشريفة؛ (كشاف الإعجاز العلمي للدكتور/ نبيل هارون صـ 30).

(5) تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم بأجساد المرتدين:

روى البخاري عن قتادة: أن أنسًا رضي الله عنه حدثهم: أن ناسًا من عُكْل وعُرَينة قدموا المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالإسلام، فقالوا: يا نبي الله، إنا كنا أهلَ ضرع، ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، (فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود ورَاعٍ، وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها)، فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة، كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعيَ النبي صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الذود، (فبلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعث الطلب في آثارهم، فأمر بهم فسمروا أعينهم (سمر العين: كحلها بالمسمار المحمي)، وقطعوا أيديهم، وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم)؛ (البخاري حديث: 4192).

الشبهة:

قال الطاعنون على هذا الحديث:

(1) هل يصدق مسلمٌ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينهى عن المُثْلة يقوم هو بنفسه فيمثل بهؤلاء القوم فيقطع أيديهم وأرجلهم ويسمر أعينهم؛ لأنهم قتلوا راعيه؟!

(2) وقالوا أيضًا: إن العلاج بشرب أبوال الإبل يتعارض مع العقل.

الرد على هذه الشبهة:

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

(1) روي عن سليمان التيمي، عن أنس بن مالك (رضي الله عنه)، قال: (إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك؛ لأنهم سملوا أعين الرعاء)؛ (مسلم حديث: 1671).

(2) قال قتادة بن دعامة: حدثني محمد بن سيرين: (أن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود)؛ (البخاري حديث: 5686).

(3) قال ابن حجر العسقلاني: هذا الحديث فيه المماثلة في القِصاص، وليس ذلك من المُثْلة المنهيِّ عنها؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ: 1 صـ: 407).

(4) أثبت الطب الحديث علاج مرض الاستسقاء عن طريق تناول ألبان وأبوال الإبل الصحراوية؛ حيث إنه قد ثبت علميًّا أن لبن الإبل يحتوي على كمية كبيرة من الكالسيوم مركزة فيه، كما أن هذه الإبل ترعى على النباتات الصحراوية، كالشيح والقيصوم، وفيها مواد نافعة تساعد على فتح الأوعية التي تساعد في تصريف السوائل المجتمعة في حالة الاستسقاء.

وأثبت الطب الحديث أيضًا أن بول الإبل يحتوي على عدد من العوامل العلاجية، كمضادات حيوية (البكتريا الموجودة ببول الإبل والملوحة واليوريا)؛ فجسم الإبل يحتوي على جهاز مناعي مهيأ بقدرة عالية على محاربة الفطريات والبكتريا والفيروسات، وذلك عن طريق احتوائه على أجسام مضادةl g G )؛ (زاد المعاد لابن القيم جـ 4 صـ 48)، (التداوي بألبان وأبوال الإبل ـ لشهاب البدري يس صـ 62)، (الإعجاز العلمي في السنَّة للدكتور /صالح أحمد رضا جـ 2 صـ 833: صـ 835).

(6) زواج النبي صلى الله عليه وسلم ودخوله بعائشة وهي ابنة تسع سنين:

قال البخاري: حدثنا معلى بن أسد، حدثنا وهيبٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين)؛ (البخاري حديث: 5134).

* قال الطاعنون:

هذا الحديث معلولٌ من جهة الرواة ومن جهة المتن (نص الحديث)؛ حيث إنه غير موافق لمقاصد الإسلام.

الرد على هذه الشبهة

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

(1) هذا الحديث صحيح، وقد رواه كثيرٌ من أئمة الحديث في كتبهم، ومنهم: مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد بن حنبل وابن سعد؛كلهم من حديث عائشة بالأسانيد الثابتة الصحاح، وبالألفاظ الواضحة التي لا تحتمل تأويل المتأولين.

(2) قول الطاعنين في الحديث: نص الحديث غير موافق لمقاصد الإسلام، مردودٌ عليهم.

كيف بأمر من أمور الدين هو بدرجة (مقصد) يغيب عن علماء الشريعة وأئمة الدين من الصحابة ومن بعدهم الذين بلغهم الخبر وتناقلوه وتلقوه بالقبول، ثم يدركه المعاصرون؟!

وكيف تغيب مقاصد الشريعة عن أقرب الناس عهدًا برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والأئمة، ثم يدركها المتأخرون؟!

(3) من المعلوم أن البنات في المناطق الحارة (كصعيد مصر والسودان وشبه الجزيرة العربية) يحِضْنَ قبل البنات في المناطق الباردة.

(4) قالت عائشة رضي الله عنها: إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأةٌ؛ (تعني إذا حاضت فهي امرأةٌ)؛ (سنن الترمذي جـ: 3 صـ: 409).

(5) قال الإمام الشافعي – رحمه الله -: أعجل من سمعت من النساء يحضن، نساءٌ بتهامة، يحِضْنَ وهن بنات تسع؛ (شرح السنة للبغوي جـ 9 صـ 338).

قال الإمام الشافعي – رحمه الله – أيضًا: رأيت بصنعاء جَدَّةً بنت إحدى وعشرين سنةً، حاضت ابنة تسع، وولدت ابنةَ عَشْرٍ، وحاضت البنت ابنة تسع، وولدت ابنة عشر؛ (السنن الكبرى للبيهقي جـ: 1 صـ 476 رقم1531).

(6) قال الحسن بن صالح – رحمه الله -: أدركت جارةً لنا صارت جدةً بنت إحدى وعشرين سنةً؛ (السنن الكبرى للبيهقي جـ: 1 صـ 476 رقم 1531).

(7) سجود الشمس تحت العرش:

روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس، فقال: ((يا أبا ذر، أتدري أين تغرب الشمس؟)) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش))، فذلك قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38]؛ (البخاري حديث: 4802).

الشبهة:

أنكر الطاعنون هذا الحديث فقالوا: سجود الشمس يتعارض مع العقل؛ لأن سجودها يُعِيقها عن دورانها.

الرد على هذه الشبهة:

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

(1) قال الخطابي – رحمه الله -: ليس في سجود الشمس كل ليلة تحت العرش ما يُعِيق عن دورانها في سيرها؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 8 صـ 542).

(2) رد شيخ الإسلام – رحمه الله – على من أنكر هذا الحديث لعدم استيعاب عقله له، وأنكر مثله حديث نزول الله إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير، ووضع في هذا قاعدة مفيدة، فيها بيان سبب وقوع هؤلاء فيما وقعوا فيه، فقال – رحمه الله -: (هذا إنما قالوه لتخيُّلِهم من نزوله سبحانه وتعالى ما يتخيلونه من نزول أحدهم)؛ (بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية جـ 4 صـ: 55).

(3) قال أبو بكر بن العربي: قد أنكر قومٌ سجود الشمس، وهو صحيح ممكن؛ (عمدة القاري للبدر العيني جـ 15 صـ 119).

(4) قال البدر العيني (عن الذين ينكرون سجود الشمس): هؤلاء قوم من الملاحدة؛ لأنهم أنكروا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت عنه بوجهٍ صحيح، ولا مانع من قدرة الله تعالى أن يمكن كل شيء من الحيوان والجمادات أن يسجد له؛ (عمدة القاري للبدر العيني جـ 15 صـ 119).

وقال البدر العيني أيضًا: دوران الشمس في فلَكِها لا يستلزم مَنْعَ سجودها في أي موضع أراده الله تعالى؛ (عمدة القاري للبدر العيني جـ 15 صـ 119).

(5) هؤلاء الطاعنون قاسُوا هذا الأمر الغَيبي على ما يشاهدونه من سجود الناس، الذي يقتضي وجود الأطراف، كاليدين والرِّجلين، ولزوم التوقف والاطمئنان،وهذا غير لازم؛ فإن سجود كل شيء بحسَبه، ولا يمكن قياس عالَم الغيب على عالم الشَّهادة.

(8) خُلوُّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة من الأنصار:

روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاءت امرأةٌ من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها، فقال: ((والله إنكن لأحب الناس إلي))؛ (البخاري حديث: 5234).

الشبهة:

قال الطاعنون في هذا الحديث: كيف يخلو النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة لا تحل له؟

الرد على هذه الشبهة:

الرد على هذه الشبة من عدة وجوه:

(1) هذا الحديث ليس فيه دليلٌ على الاختلاط المحرم؛ فغاية ما في الأمر أن تلك المرأة التي خلا بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم كانت لها مسألة، وأرادت أن تستفتي فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وتلك المسألة مما تستحيي من ذِكره النساء بحضرة الناس، وكانت إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لها تقتضي أن يحدثها في جانب بعض الطرق حتى يسمع حاجتها، ويقضيها لها، وهذه الطرق من الأماكن العامة التي لا تخلو من مرور الناس غالبًا،فهذه حاجة طارئة، وليست كاختلاط الرجال بالنساء لساعات طويلة في مكان العمل، أو الدراسة.

(2) عنوان الباب الذي ذكر تحته الإمام البخاري هذا الحديث هو: (باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس).

قال الإمام ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – عند شرحه لهذا العنوان: (أي: لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به، كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بين الناس)؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 9 صـ 244).

(2) أخذ البخاري قوله في الترجمة (عند الناس) من قوله في بعض طرق الحديث: (فخلا بها في بعض الطرق، أو في بعض السِّكَك)، وهي الطرق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبًا؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 9 صـ 244).

(3) قوله: (فخلا بها رسول الله)؛ أي: في بعض الطرق، لم يرد أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خلا بها بحيث غاب عن أبصار من كان معه، وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها، ولا ما دار بينهما من الكلام؛ ولهذا سمع أنسٌ آخر الكلام فنقله، ولم ينقل ما دار بينهما؛ لأنه لم يسمعه؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 9 صـ 244).

(4) قال الإمام النووي (عند شرحه لهذا الحديث): (المراد بالخَلوة: أنها سألته سؤالًا خفيًّا بحضرة ناس، ولم يكن خَلوة مطلقة، وهي الخَلوة المنهي عنها))؛ (مسلم بشرح النووي جـ 8 صـ 307).

(9) إمساك أم حرام بنت ملحان لرأس النبي صلى الله عليه وسلم:

روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه – وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت؛ (أي: زوجته) – فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته وجعلت تفلي (تفتش) رأسه (تأخذ منه القمل)، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت: فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناسٌ من أمتي عرضوا عليَّ غزاةً (مجاهدين) في سبيل الله، يركبون ثَبَج (ظهر) هذا البحر ملوكًا على الأسِرَّة، أو: مثل الملوك على الأسِرَّة))، شك إسحاق (أحد رواة الحديث)، قالت: فقلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع رأسه، ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: وما يضحكك يا رسول الله؟ قال: ((ناسٌ من أمتي عُرضوا عليَّ غزاةً في سبيل الله)) – كما قال في الأول – قالت: فقلت: يا رسول الله، ادعُ الله أن يجعلني منهم، قال: ((أنتِ من الأولين))، فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان، فصرعت (سقطت) عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت (ماتت)؛ (البخاري حديث: 2788).

الشبهة:

قال الطاعنون في هذا الحديث:

(1) هذا الحديث يدل على خلوِّ النبي صلى الله عليه وسلم بأم حرام، ومعلوم أن خَلوة الرجل بالمرأة الأجنبية لا تجوز، باتفاق العلماء.

(2) في الحديث (تفلي رأسه)، هل يجوز للمرأة مس جسد الرجل الأجنبي؟

الرد على هذه الشبهة:

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

(1) قال الإمام الدمياطي – رحمه الله -: ليس في الحديث ما يدل على الخَلوة بأم حرام، فلعل ذاك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع، والعادة تقتضي المخالطة بين المخدوم وأهل الخادم، سيما إذا كن مسنات، مع ما ثبت له صلى الله عليه وسلم من العصمة؛ (عمدة القاري للبدر العيني جـ: 14 صـ: 86).

(2) قال الإمام النووي – رحمه الله -: اتفق العلماء على أنها كانت محرمًا له صلى الله عليه وسلم، واختلفوا في كيفية ذلك،فقال ابن عبدالبر – رحمه الله – وغيره: كانت أم حرام بنت ملحان إحدى خالاته صلى الله عليه وسلم من الرَّضاعة،وقال آخرون: بل كانت خالةً لأبيه أو لجده؛ لأن عبدالمطلب كانت أمه من بني النجار؛ (مسلم بشرح النووي جـ 7 صـ: 67)؛ (التمهيد لابن عبدالبر جـ 1 صـ 226).

(3) قال الإمام ابن عبدالبر – رحمه الله -: لا يشك مسلمٌ أن أم حرام كانت محرمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلذلك كان منها ما ذكر في هذا الحديث؛ (التمهيد لابن عبدالبر جـ 1 صـ 226).

(4) قال الإمام ابن وهب – رحمه الله -: أم حرام كانت خالةَ النبي صلى الله عليه وسلم من الرَّضاعة؛ فلذلك كان يَقِيلُ عندها، وينام في حَجْرها، وتَفْلي رأسه؛ (المنتقى شرح الموطأ ـ أبو الوليد الباجي جـ 3 صـ: 213).

(10) انشقاق القمر:

روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آيةً، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا حراءً (الجبل المعروف) بينهما)؛ (البخاري حديث: 3868).

الشبهة:

قال الطاعنون: هذا الحديث يتعارض مع العقل.

وقالوا أيضًا: لو وقع هذا، لنقل متواترًا، واشترك أهل الأرض كلهم في معرفته، ولم يختص به أهل مكة.

الرد على هذه الشبهة:

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

(1) قال أبو إسحاق الزجاج – رحمه الله -: أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر، ولا إنكار للعقل فيه؛ لأن القمر مخلوقٌ لله، يفعل فيه ما يشاء، كما يُكوِّره يوم البعث ويُفْنيه؛ (مسلم بشرح النووي جـ 9 صـ 160)؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ: 7 صـ: 224).

(2) قال القاضي عياض – رحمه الله -: انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد رواها عدةٌ من الصحابة رضي الله عنهم، مع ظاهر الآية الكريمة وسياقها؛ (مسلم بشرح النووي جـ 9 صـ 160).

(3) وأما قول بعض المنكرين لهذا الحديث: لو وقع هذا لنقل متواترًا واشترك أهل الأرض كلهم في معرفته، ولم يختص به أهل مكة.

فأجاب العلماء بأن هذا الانشقاق حصل في الليل، ومعظم الناس نيامٌ غافلون، والأبواب مغلقةٌ وهم متغطون بثيابهم، فقلَّ مَن يتفكر في السماء أو ينظر إليها إلا الشاذ النادر، ومما هو مشاهدٌ معتادٌ أن كسوف القمر وغيره من العجائب والأنوار الطوالع والشهب العظام وغير ذلك مما يحدث في السماء في الليل يقع ولا يتحدث بها إلا الآحاد، ولا علم عند غيرهم، وكان هذا الانشقاق آيةً حصلت في الليل لقوم سألوها واقترحوا رؤيتها، فلم يتنبه غيرهم لها، قالوا: وقد يكون القمر كان حينئذ في بعض المجاري والمنازل التي تظهر لبعض الآفاق دون بعض، كما يكون ظاهرًا لقوم غائبًا عن قوم، كما يجد الكسوفَ أهلُ بلد دون بلد؛ (مسلم بشرح النووي جـ 9 صـ 160)، (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 7 صـ 224).

(4) قال ابن حجر العسقلاني – رحمه الله -: أنكر جمهور الفلاسفة انشقاق القمر، متمسكين بأن الآيات العلوية لا يتهيأ فيها الانخراق والالتئام، وكذا قالوا في فتح أبواب السماء ليلة الإسراء، إلى غير ذلك من إنكارهم ما يكون يوم القيامة من تكوير الشمس وغير ذلك، وجواب هؤلاء – إن كانوا كفارًا – أن يناظروا أولًا على ثبوت دين الإسلام، ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين، ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض، ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة، فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزةً لنبي الله صلى الله عليه وسلم؛ (فتح الباري لابن حجر جـ 7 صـ 224).

(11) طعن الشيطان في جنب عيسى صلى الله عليه وسلم عند ولادته:

روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم يطعُنُ (يضرب) الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعُنُ فطعَن في الحجاب (الثوب الذي يُلَف فيه المولود)))؛ (البخاري حديث: 3286).

الشبهة:

قال الطاعنون: هذا الحديث يتعارض مع عصمة الأنبياء.

وقالوا: هذا الحديث يتعارض مع العقل؛ لأن الشيطان إنما يغوي من يعرف الخير والشر، والمولود بخلاف ذلك، وأنه لو مكن الشيطان من هذا القدر لفعل أكثر من ذلك من إهلاك وإفساد.

وقالوا: هذا الحديث دليلٌ على أفضلية عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا غير صحيح.

الرد على هذه الشبهة:

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

(1) قال الإمام ابن حجر العسقلاني – رحمه الله -: الذي يقتضيه لفظ الحديث لا إشكال في معناه، ولا مخالفة لما ثبَت من عصمة الأنبياء، بل ظاهر الخبر أن إبليس ممكَّنٌ من مس كل مولود عند ولادته، لكن من كان من عباد الله المخلصين لم يضره ذلك المس أصلًا، واستثني من المخلصين مريم وابنها، فإنه ذهب يمس على عادته فحيل بينه وبين ذلك، فهذا وجه الاختصاص، ولا يلزم منه تسلطه على غيرهما من المخلصين؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ: 8 صـ: 60).

(2) هذا الحديث وما دل عليه هو استجابة لدعاء أم مريم؛ حيث قالت: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: 36].

(3) ليس هناك ضررٌ في أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخَصُوصية من الخصائص، أو فضيلة من الفضائل لأحد من إخوانه الأنبياء أو غيرهم، إن إظهار فضيلة من الفضائل لأحد من إخوانه الأنبياء أو غيرهم، إن دل على شيء فإنما يدل على غاية السمو المحمدي، وعلى الأمانة الفائقة في التبليغ، وعلى أن الإسلام دين إلهي وليس من عند بشر؛ إذ لو كان من عند بشر لما حرَص على أن يظهر الأنبياء بهذا المظهر الكريم، وبهذه المنازل العالية، وليس في إسناد خَصُوصية لعيسى أو لغيره ما يعود بالنقص على إخوانه الأنبياء، ولا ما يثبت تفضيله عليهم؛ إذ من المسلَّم أنه قد يكون في المفضول من الخصائص ما ليس للأفضل، ولا يؤثر هذا في أفضليته؛ لأن له مِن الخصائص ما يؤهله لاستحقاق الأفضلية.

(4) ليس في الحديث ما يدل على أفضلية عيسى صلى الله عليه وسلم على نبينا صلى الله عليه وسلم، أما كون بعض القساوسة اعتمدوا على هذا الحديث في إثبات عقيدة من عقائدهم الزائفة، فلا يعود على الحديث بالبطلان أو الرد؛ (دفاع عن السنة ـ لمحمد أبو شهبة صـ: 98: 97).

(12) تمر المدينة النبوية وقاية من السم والسحر:

روى البخاري عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تصبَّح كل يوم سبع تمرات عجوةً، لم يضرَّه في ذلك اليوم سَمٌّ ولا سحرٌ))؛ (البخاري حديث: 5445).

* تصبَّح: أكل صباحًا قبل أن يأكل شيئًا.

الشبهة:

قال الطاعنون: هذا الحديث يتعارض مع العقل.

الرد على هذه الشبهة:

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

(1) قال الإمام ابن حجر العسقلاني – رحمه الله -: العجوة نوعٌ من أجود تمر المدينة وأليَنِه؛ (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني جـ 10 صـ 249).

(2) قال القاضي عياضٌ – رحمه الله -: تخصيصه ذلك بعجوة العالية (مكان) وبما بين لابَتَيِ المدينة: يرفع هذا الإشكال، ويكون خصوصًا لها، كما وجد الشفاء لبعض الأدواء في الأدوية التي تكون في بعض تلك البلاد دون ذلك الجنس في غيره، لتأثير يكون في ذلك من الأرض أو الهواء؛ (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني جـ 10 صـ 250: 249).

(3) قال الإمام الخطابي – رحمه الله -: كون العجوة تنفع من السم والسحر إنما هو ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لتمر المدينة، لا لخاصية في التمر؛ (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني جـ 10 صـ 249).

(4) قال الإمام النووي – رحمه الله -: عدد السبع من الأمور التي علمها الله تعالى ولا نعلم نحن حكمتها، فيجب الإيمان بها، واعتقاد فضلها، والحكمة فيها، وهذا كأعداد الصلوات، ونُصُب الزكاة، وغيرها، فهذا هو الصواب؛ (مسلم بشرح النووي جـ 7 صـ: 251).

(5) قال الإمام ابن القيم – رحمه الله -: عجوة المدينة هي أحد أصناف التمر بها، ومن أنفع تمر الحجاز على الإطلاق، وهو صنفٌ كريمٌ ملذذٌ، متينٌ للجسم والقوة، من ألين التمر وأطيبه وألَذِّه؛ (زاد المعاد لابن القيم جـ 4 صـ: 313).

وقال الإمام ابن القيم – رحمه الله – أيضًا: التمر من أكثر الثمار تغذيةً للبدن بما فيه من الجوهر الحار الرطب، وأكله على الريق يقتل الدود؛ فإنه مع حرارته فيه قوةٌ ترياقيةٌ (أي علاجية)، فإذا أديم استعماله على الريق، خفف مادة الدود، وأضعفه وقلَّله، أو قتَله؛ (زاد المعاد لابن القيم جـ 4 صـ: 268).

(6) بعض الفواكه والثمار والنباتات قد يكون لها من الخصائص والآثار في تربة ما لا يكون لها في تربة أخرى، وهذا هو ما أيده العلم اليوم، فما المانع عقلًا أن يكون لهذا النوع من تمر المدينة خصائص في إزالة السموم، وتقوية النفس والجسم ضد أثر السم والسحر؟

(7) الطب النبوي له أثرٌ من الناحية الروحية والنفسية، فمن أكل تمرًا أو عجوة بهذه النية فسيحصل له من قوة الروح والبدن ما يزيل كل أثر لما يحتمل من سحر، ولا يخفى علينا أثر الإيحاء إلى النفس بالصحة أو المرض، وإن بعض الأشخاص ينجيهم من بعض أمراضهم قوة أرواحهم ويقينهم، وبعض الأصحاء قد يجني عليهم الوهم والخوف.

(8) هذا الحديث يعتبر من المعجزات النبوية؛قال الدكتور الكيميائي محمود سلامة: العجوة عاملٌ قويٌّ في دفع السموم من الجسم والتخلص منها؛ (الدفاع عن السنة ـ محمد أبو شهبة صـ 204: 203).

(13) تردُّد اللهِ تعالى في قبض روح المؤمن:

* روى البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قال: مَن عادى لي وليًّا فقد آذَنتُه (أعلَمْتُه) بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورِجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأُعيذَنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكرَهُ مَسَاءَتُه))؛ (البخاري حديث: 6502).

الشبهة:

قال الطاعنون: تفرد البخاري برواية هذا الحديث دون غيره، وعن أبي هريرة فقط.

وقالوا: قوله (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن) لا يتناسب مع الله تعالى.

الرد على هذه الشبهة:

الرد على هذه الشبهة من عدة وجوه:

(1) هذا الحديث لم ينفرد به الإمام البخاري وحده، بل رواه بعض أهل الحديث في كتبهم:

أخرجه أحمد في الزهد، وابن أبي الدنيا، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الزهد، والطبراني، وأبو يعلى الموصلي، والبزار، وابن ماجه، وابن حبان؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11 صـ 349).

(2) قولهم: لم يروِ هذا الحديث إلا أبو هريرة، غير صحيح؛ فقد روى هذا الحديث أيضًا: عائشة أم المؤمنين، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وعبدالله بن عباس، وحذيفة بن اليمان، ومعاذ بن جبل، وأبو أمامة الباهلي؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11 صـ 349).

(3) قال الإمام ابن حجر العسقلاني – رحمه الله -: إطلاق أنه لم يُروَ هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردودٌ؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11 صـ 349).

(4) قال الإمام الخطابي – رحمه الله -: التردد في حق الله غيرُ جائز، والبَدَاءُ (تغيير الرأي) عليه في الأمور غيرُ سائغ؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11 صـ 353).

(5) بالنسبة لمعنى الحديث فلا شيء فيه، إلا ما كان من قوله: (وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن)، ولا إشكال فيه أيضًا؛ لأن تردد الله تعالى ليس كتردد الناس؛فأهل السنة والجماعة يثبتون صفة التردد لله تعالى كما جاءت في هذا الحديث، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون تحريف أو تعطيل، أو تشبيهٍ أو تكييف؛ مصداقًا لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]؛ (شرح العقيدة الواسطية للهراس صـ 19).

* * * * *

اعتراضات على صحيح البخاري والرد عليها

لقد اعترض بعض الناس على صحيح البخاري بالأمور الآتية:

(1) كثرة الأحاديث المكررة.

(2) اختصار بعض الأحاديث.

(3) تقطيع بعض الأحاديث في مواضعَ مختلفة.

الرد على هذه الاعتراضات:

قال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي – رحمه الله -:

كان البخاري – رحمه الله – يذكر الحديث في كتابه في مواضعَ، ويستدل به في كل باب بإسناد آخر، ويستخرج منه بحُسن استنباطه وغزارة فقهه معنى يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه، وقلما يورد حديثًا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد، وإنما يورده من طريق أخرى لمعانٍ (فوائد) نذكرها، منها:

(1) يخرج البخاري الحديث عن صحابي، ثم يورده عن صحابي آخر، والمقصود منه أن يخرج الحديث عن حد الغرابة، وكذلك يفعل في أهل الطبقة الثانية والثالثة، وهلم جرًّا إلى مشايخه، فيعتقد من يرى ذلك من غير أهل الصنعة أنه تكرار، وليس كذلك؛ لاشتماله على فائدةٍ زائدة، غير استنباط المسائل الفقهية.

(2) صحح البخاري أحاديث على هذه القاعدة،يشتمل كل حديث منها على معانٍ متغايرة، فيورده في كل باب من طريق غير الطريق الأولى، ويستنبط في كل باب مسائل جديدة.

(3) أحاديث يرويها بعض الرواة تامةً، ويرويها بعضهم مختصرة، فيوردها كما جاءت؛ ليزيل الشبهة عن ناقليها.

(4) أن الرواة ربما اختلفت عباراتهم، فحدَّث راوٍ بحديث فيه كلمة تحتمل معنى، وحدث به آخر فعبر عن تلك الكلمة بعينها بعبارة أخرى تحتمل معنى آخر، فيورده بطرقه، إذا صحت على شرطه، ويُفرد لكل لفظة بابًا مفرَدًا.

(5) أحاديث تعارض فيها الوصل والإرسال، ورجح عنده الوصل فاعتمده، وأورد الإرسال منبِّهًا على أنه لا تأثير له عنده في الوصل.

(6) أحاديث تعارض فيها الوقف والرفع، والراجح فيها الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقصِد البخاري بذكر الطريقين بيانَ أن طريق الوقف لا يضر في صحة الرفع بشيء ما.

(7) أحاديث زاد فيها بعض الرواة رجلًا في الإسناد، ونقصه بعضهم، فيوردها البخاري على الوجهين؛ حيث يصح عنده أن الراوي سمعه من شيخ حدثه به عن آخر، ثم لقي الآخر فحدثه به، فكان يرويه على الوجهين.

(8) ربما أورد البخاري حديثًا عنعنه راويه، فيورده البخاري من طريق أخرى مصرحًا فيها بالسماع، على ما عُرف من طريقته في اشتراط ثبوت اللقاء في المعنعن؛ فهذا جميعه فيما يتعلق بإعادة المتن الواحد في موضع آخرَ أو أكثر.

* تقطيع البخاري للحديث في الأبواب تارة، واقتصاره منه على بعضه أخرى له فوائد، منها:

(1) إن كان المتن قصيرًا أو مرتبطًا بعضه ببعض، وقد اشتمل على حكمين فصاعدا، فإن البخاري يُعيده بحسَب ذلك، مراعيًا مع ذلك عدم إخلائه من فائدة حديثية، وهي إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه قبل ذلك، فتستفيد بذلك تكثير الطرق لذلك الحديث.

(2) ربما ضاق على البخاري مخرج الحديث، حيث لا يكون له إلا طريق واحدة، فيتصرف البخاري حينئذ فيه، فيورده في موضع موصولًا، وفي موضع معلقًا، ويورده تارة تامًّا، وتارة مقتصرًا على طرَفه الذي يحتاج إليه في ذلك الباب.

(3) إن كان المتن مشتملًا على جمل متعددة لا تعلُّق لإحداها بالأخرى، فإن البخاري يُخرج كل جملة منها في باب مستقل، فرارًا من التطويل، وربما نشط فساق الحديث بتمامه.

* وأما اقتصار البخاري على بعض المتن (نص الحديث)، ثم لا يذكر الباقي في موضع آخر، فإنه لا يقع له ذلك في الغالب إلا حيث يكون المحذوف موقوفًا على الصحابي، وفيه شيء قد يحكم برفعه، فيقتصر على الجملة التي يحكم لها بالرفع، ويحذف الباقي؛ لأنه لا تعلُّق له بموضوع كتابه، كما وقع له في حديث هزيل بن شرحبيل، عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: إن أهل الإسلام لا يُسيِّبون، وإن أهل الجاهلية كانوا يُسيِّبون، هكذا أورده وهو مختصر من حديث موقوف، أوله: جاء رجل إلى عبدالله بن مسعود فقال: إني أعتقت عبدًا لي سائبةً، فمات وترك مالًا، ولم يدَعْ وارثًا، فقال عبدالله: إن أهل الإسلام لا يُسيِّبون، وإن أهل الجاهلية كانوا يُسيِّبون، فأنت وليُّ نعمته، فلك ميراثه، فإن تأثَّمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله منك، ونجعله في بيت المال، فاقتصر البخاري على ما يعطي حكم الرفع من هذا الحديث الموقوف، وهو قوله: إن أهل الإسلام لا يُسيِّبون؛ لأنه يستدعي بعمومه النقل عن صاحب الشرع لذلك الحكم، واختصر الباقي؛ لأنه ليس من موضوع كتابه، وهذا من أخفى المواضع التي وقعت له من هذا الجنس، وإذا تقرر ذلك اتضح أن البخاري لا يعيد الحديث إلا لفائدة، حتى لو لم تظهر لإعادته فائدة من جهة الإسناد ولا من جهة المتن، لكان ذلك لإعادته لأجل مغايرة الحكم الذي تشتمل عليه الترجمة الثانية موجبًا لئلا يعد مكررًا بلا فائدة، كيف وهو لا يُخْليه مع ذلك من فائدة إسنادية، وهي إخراجه للإسناد عن شيخ غير الشيخ الماضي أو غير ذلك؛ (مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني صـ 18: 17).

رحم الله تعالى البخاري، وجمعنا معه في الفردوس الأعلى من الجنة، مع النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.