الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فإنَّ الإرهاب قد أصبح ظاهِرَةً عالميَّة يُمارِسه أفرادٌ وجماعات وتَنظِيمات سريَّة وعلنيَّة، كما تُمارِسه حكومات.
فكما أنَّه تُوجَد منظَّمات إرهابيَّة، تُوجَد حكومات إرهابيَّة كذلك، ومن الحقائق الثابتة أنَّ الإرهاب لا ينتَمِي إلى دين أو وطن، أو جنس أو لغة، وهذا ما جعَلَه ظاهِرَة عالميَّة لا تختصُّ بها جماعة معيَّنة، ولا دولة بعينها.
ولخطورة الإرهاب على المجتمعات، وأضراره الجَسِيمة على الشعوب والحكومات، فقد دعَتْ مصر إلى عقد مؤتمر دولي؛ لِمُكافَحة الإرهاب، من خلال وضْع سياسة جماعيَّة، وآليَّة دوليَّة تلتَزِم بها كلُّ دُوَل العالَم في تَنسِيق وإحكام.
وهي دعوة كريمة في مُواجَهة مشكلة من أشدِّ مَشاكِل العصر تَعقِيدًا، وهي تَدفَعنا دفعًا إلى النظر والتدبُّر في مسألتين:
الأولى: صناعة الإرهاب.
والثانية: مُمارَسة الإرهاب.
أمَّا أولاهما: فإن الإرهاب – في غالبه – نتيجةٌ حَتمِيَّة للظلم الذي يَحكُم العالَم، وهذا تحليل وليس تبريرًا، ولقد قال الرئيس مبارك قولاً بَلِيغًا في حديثه الذي أدلى به لـ”جريدة الجمهورية” منذ فترة يَسِيرة، وخُلاصَة قوله: إن الظلم يُولِّد الكبت، وإن الكبت يُؤَدِّي إلى الانفِجار.
وإليك – أيُّها القارئ الكريم – أمثلة مَحدُودة للظلم الذي يَسُود عالم اليوم:
المثال الأول: النِّظام العالمي القديم؛ يعني: أنَّ العالَم بأَسْرِه تَتحَكَّم فيه دولتان فقط، هما الاتِّحاد السوفيتي، والولايات المتَّحدة الأمريكية، وتفرضان هَيْمَنَةً كاملة على حكوماته وشُعُوبه بأسماءٍ زائفة وشِعارات بَرَّاقَة.
أمَّا النِّظام العالمي الجديد – بعد انهِيار الاتِّحاد السوفيتي – فيعني – ببساطة -: أنَّ العالَم تَتحَكَّم فيه دولة واحدة هي أمريكا، تقول ما تَشاء، وتَفعل ما تَشاء، وتَحكُم بما تَشاء على مَن تَشاء، بغير مُساءَلة ولا مُناقَشَة ولا اعتِراض.
وهذا السُّلطَان الذي لا حُدُود له ولا قُيُود قد تَولاَّه رجلٌ جَمَعَ بين الكفْر والفِسْق، وقد فضَحَه الله في الدنيا على رُؤُوس الأشهاد، ولَعَذاب الآخِرة أشدُّ وأبقى.
المثال الثاني: هيئة الأُمَم المتَّحدة (الأوثان المتَّحدة) – كما يُسَمِّيها بعض العُلَماء – بها الجمعيَّة العامَّة، يُشارِك فيها كلُّ الدول، وقرارها غير ملزم إلا في حالات معيَّنة، وبها مجلس الأمن: خمس دُوَلٍ فقط لها حقُّ الاعتِراض (الفيتو)، وإبطال أيِّ قرار إذا اعتَرضَتْ عليه دولة واحدة فقط من الدُّوَل الخمس دائمة العضوِيَّة، والتي ليس من بينها دولة مسلمة، فالدُّوَل المسلمة – حكومةً وشعبًا – تَخضَع لسُلطَان هذه الدُّول الخمس الكَبِيرة التي تَقُودُهم – بالطبع – الولايات المتَّحدة الأمريكية، فهل هناك ظلم أشدُّ وأعلى من هذا الظلم؟
المثال الثالث: اليهود رأس الظلم والخَطِيئة، تُدافِع عنهم أمريكا، وتُوَفِّر لهم الحماية والرعاية، مع أنَّ اليهود هم الذين زرَعُوا الإرهاب في العالَم، ووَضَعُوا مَبادِئَه وقواعِدَه.
ومع ذلك فإنَّ أمريكا تُمارِس أبشعَ أنواع الظلم على الشُّعُوب المسلمة، على النحو الذي فعلَتْه الحملات الصَّليبية، ولا نُرِيد أن نستَطرِد في ذكْر الأمثلة الدالَّة على انتِشار الظلم في عالم اليوم، ولكنَّنا نُنَبِّه بما ذكرناه على ما تَركنَاه.
أمَّا المسألة الثانية – مُمارَسة الإرهاب -: فإنَّ الذي يُمارِس الإرهاب حقيقةً وواقِعًا ليس الأفراد فقط، أو التنظِيمات والجماعات، بل إنَّ أمريكا تُعَدُّ سيِّدة الإرهاب الأولى في العالم.
فالحِصار والتجويع اللذان تَفرِضهما أمريكا على شعب العراق المسلم، وشعب ليبيا المسلم – هما أعلى صور الإرهاب.
والتَّشرِيد والقتْل ومُصادَرة الأراضي وإذلال الشعب الفلسطيني المسلم على يد إسرائيل يُعَدُّ دليلاً قاطِعًا على بَشاعَة الإرهاب، الذي يُمارِسه اليهود، والذي لا يُساوِيه ولا يُدانِيه أيُّ إرهاب على وجه الأرض.
وسكوت أمريكا والغرب على ما يُمارِسه الصِّربُ من تصفِيَة عِرْقيَّة وجسديَّة للمسلمين في البوسنة بالأمس، وفي كوسوفا اليوم – هو دليل آخر على إقرار الإرهاب.
وضرب أمريكا للسُّودان وأفغانستان بصورة وحشية بدائية على طريقة الرومان القديمة هو عين الإرهاب.
والعجيب الغريب أن كلينتون – صديق النساء – عندما وَقَعَ حادثُ السِّفارَتَيْن الشهير في كينيا وتنزانيا، وَقَف يبكي أمام العالم، ويقول: ما ذنب الأبرياء؟ وعندما ضرب الأبرياء في السودان وأفغانستان، وقف يضحك، ويقول: لقد ضربنا أوكار الإرهاب.
ونَخلُص ممَّا ذكَرناه إلى أنَّ أمريكا بقِيادة اليهود هي التي صنعت الإرهاب بالظلم، والبطش، والهَيْمَنَة على حُكومات وشُعُوب العالم، وهي التي تُمارِسه في الوقت نفسه.
فإذا عُقِد المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، فإنَّه سيكون برئاسة أمريكا راعِيَةِ الإرهاب في العالم، حتى لو كان المؤتمر تحت مظلَّة الأُمَم المتَّحدة، فإنه مجرَّد سِتار وغِطاء، وهل استَطاع مجلس الأمن أن يُلزِمَ إسرائيلَ بقراراته، أو يَفرِضَ عليها عُقوباتٍ من أيِّ نوع، أو يُخضِعَها للتفتيش كما يحدث مع العراق، أو يُجبِرَها على تَسلِيم مُجرِمي الحرب كما فعل مع الصِّرب، أو تسليم مَن قَتَلوا ودَمَّروا كما يُحاوِلون مع ليبيا؟
إذًا هذا المؤتمر لن يحلَّ مشكلة الإرهاب في العالم، ولكنَّه سيُعالِج ويُناقِش مساحة مَحدُودة من الإرهاب؛ وهو المُتعَلِّق بالأفراد فقط أو التنظيمات، أمَّا إرهاب الدولة الذي تُمارِسه الحكومات، فلن يُدرَج في جدول الأعمال.
وستَبقَى رَوافِد الإرهاب ومَنابِعه ما دام الظلم باقيًا وقائمًا، وأمريكا عندما تُمارِس الإرهاب، فإنها لا تتَّبع سياسة واحدة مع كلِّ الدُّوَل، بل إنها تُغازِل الدولة القوية – وإن كانت مسلمة – كما تفعل مع إيران ومصر، وتُهاجِم الدُّوَل الضعيفة كما فعلت مع السودان وأفغانستان.
لكن العجيب – أيضًا – في عَلاقة الدُّوَل الإسلامية بأمريكا هو ذلك التناقُض والتبايُن بين موقف الحكومات الإسلامية من أمريكا، وموقف الشعوب المسلمة منها.
وفي هذه المسألة يقول الأستاذ صلاح الدين حافظ في مقاله بـ”الأهرام” 2/ 9/ 1998: بقدر قوَّة العلاقات الرسمية – يعني: بين الحكومات الإسلامية وأمريكا – بقدر اتِّساع الكراهية الشعبيَّة – يعني: كراهية الشعوب المسلمة لأمريكا.
ثم يذكر الأسباب المُحتَمَلة لتفسير هذه الظاهرة، فيقول: فهل ذلك يرجع إلى نضج الحكومات أكثر من الشعوب، أو يرجع إلى تفوُّق الشعوب على حكوماتها في فَهْمِ مَصالِحها الحقيقيَّة، ومعرفة أعدائها من أصدقائها؟ ثم هل يرجع أيضًا إلى غِياب الفَهْمِ المُتبادَل بين الشعوب والحكومات العربية والإسلامية، أو يرجع إلى الإصرار الأمريكي والغربي عُمُومًا على قَهْرِ العرب والمسلمين في كلِّ وقت وحين؟
وِراثةً عن عداء قديم يَتَجدَّد، ووُصُولاً إلى فَرْضِ إسرائيل شُرطيًّا على المنطقة العربية، مُرَبيًا مُؤَدِّبًا للساحة الإسلامية باسم الغرب الأوروبي الأمريكي المُتَغطرِس، نحسب أنَّ السبب هو جماع كلِّ ذلك؛ اهـ.
اليهود أكثر الناس قتلاً للأبرياء:
لقد باركَتْ أمريكا دائمًا كلَّ ما فعَلَه اليهود من سَفْكٍ لدماء الأبرياء، ولأن الأرقام لغة ناطِقَة، فإنَّنا نَسُوق هنا أمثلة من الوَقائِع المؤكِّدة ذات الدلالة القاطِعَة على إرهاب اليهود بإقرار الحكومة الأمريكية وسكوتها:
1- في عام 1948 وكذلك 1956م قام اليهود بقتل الأَسْرَى من الضبَّاط والجنود المصريين.
2- ارتَكَب اليهود 42 مجزرة بَشِعَة ضدَّ المواطنين الفلسطينيين في الفترة من عام 1948 إلى 1956م.
3- في عام 1970م قَصفَتْ إسرائيل مدرسة بحر البقر بالشرقية، وقتلت 45 طفلاً، وجرحت 36 آخَرين من الأبرياء.
4- في عام 1982 ارتَكَب اليهود مذبحة بَشِعَة في صبرا وشاتيلا، راح ضحيَّتها 3296 من النساء والأطفال والشيوخ.
5- في عام 1994 قام مُستَوطِن يهودي (ضابط احتياطي) بالهجوم على المسجد الإبراهيمي، وقتل 29 مسلمًا وهم يصلون.
6- في عام 1996م قامَتْ إسرائيل بمذبحة (عناقيد الغضب)، التي دكَّتْ جنوب لبنان، وقُتِل فيها 106 مُواطنٍ لبناني من الأبرياء.
7- يقوم جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) بالتصفيات الجسدية، واغتِيال عُلَماء الذَّرة العرب، والقيادات الإسلامية الفلسطينية، مثل: يحيى عيَّاش، وهاني العابد، وكذلك مُحاوَلة اغتِيال خالد مشعل.
والعجيب والغريب بل المريب أن أحدًا لم يربط بين هذا الإرهاب بجميع صُوَرِه المذكورة، والدِّيانَة التي ينتَمِي إليها فاعِلُوه، فلم يتحدَّث أحدٌ عن التوراة المحرَّفة وعلاقتها بهذا الإرهاب، ولم تَكتُب صحف أوروبا وأمريكا عن الدِّيانة اليهودية الإرهابية.
ولا يُوجَد على ظهر الأرض ربطٌ بين الدين والإرهاب، إلا إذا نُسِب الحادث إلى مسلمين، أمَّا إذا نفَّذ الحوادث الإرهابية يهود أو نَصارَى أو غيرهم، فإنَّ وسائل الإعلام العالمي تتحدَّث – حينئذ – عن جنسيَّة الفاعل، لا عن ديانته.
وبعبارة أخرى: كلُّ إرهابي مسؤول عن فعله إذا لم يكن مسلمًا، أمَّا إذا كان مسلمًا فالدين الإسلامي – عندهم – هو المسؤول، وهذا هو الظلم عينه الذي حرَّمه الله.
ومن الأدلَّة على هذا: ما جاء في هذا الإحصاء: تقرير عن حوادث الإرهاب المُنَفَّذة في أمريكا في الفترة من 1982 إلى 1995م:
(إجمالي الحوادث 169).
عدد الحوادث الجهة المنفِّذة:
16 مُتَطرِّفون يهود.
3 عناصر عربية وشرق أوسطية
129 الجماعات اليمينية المتطرِّفة (غير مسلمين).
21 الجماعات اليسارية (غير مسلمين)
إن هذه الإحصائية تَكشِف بوضوح الكذب والافتِراء، الذي تُمارِسه وسائل الإعلام في تَضلِيل الرأي العام، وتَشوِيه صورة الإسلام، والله من وَرائِهم مُحِيط.
وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على نبيِّنا محمد وآله وصحبه.