فضائل شهر رجب وبدعه

الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد :

فقد اشتهر على كثير من الألسنة فضائل ومناقب لهذا الشهر الكريم أكثرها غير صحيح ، و صحيحها غير صريح ، وكثرت حاجة الناس إلى معرفة الخطأ من الصواب ، والتمييز بين الحق والباطل ، وبيان ما هو سنة صحيحة ، وما هو بدعة قبيحة .

فنقول مستعينين بالله :

  • رجب في لغة العرب :

قال العلماء : رجب ، جمعه أرجاب ، ورجبانات ، و أرجبه و أراجبه .

وله ثمانية عشر اسماً !!

الأول : رجب لأنه كان يرجب في الجاهلية ! أي يعظم .

الثاني: الأصم، لأنهم لا يسمعون فيه قعقعة السلاح .

الثالث : الأصب لقولهم : إن الرحمة تصب فيه .

الرابع : رجم ؛ لأن الشياطين ترجم فيه .

الخامس: الشهر الحرام .

السادس : الحرم ؛ لأن حرمته قديمة .

السابع: المقيم؛ لأن حرمته ثابتة .

الثامن : المعلى ؛ لأنه رفيع عندهم .

التاسع: الفرد؛ وهذا اسم شرعي .

العاشر : منصل الأسنة ، ذكره البخاري [ البخاري رقم ( 4376 ) ، وهو من قول أبى رجاء العطاوى ] .

الحادي عشر : مفصل الآل ؛ أي الجواب ؛ ذكره الأعشى في ديوانه .

الثاني عشر : منزل الأسنة ؛ وهو كالعاشر .

الثالث عشر : شهر العتيرة ؛ لأنهم كانوا يذبحون فيه .

الرابع عشر : المبري .

الخامس عشر : المعشعش .

السادس عشر : شهر الله .

السابع عشر : سُمي رجباً ، لترك القتال ، يقال : أقطع الله الرواجب .

الثامن عشر : سُمي رجباً لأنه مشتق من الرواجب .

هذا ، وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل هذا الشهر ، صحيحها غير صريح ، وصريحها ضعيف أو موضوع !!

قال الحافظ ابن حجر رحمة الله : ( لم يرد في فضل شهر رجب ، ولا في صيامه ، ولا في صيام شئ منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة ) .

و قال أيضا : ( الأحاديث الصريحة الواردة في فضل رجب أو فضل صيامه أو صيام شئ منه تنقسم إلى قسمين : قسم ضعيف، وقسم موضوع ) !!

وقد جمع كالآتي: -رحمه الله – الضعيف فكان أحد عشر حديثاً، وجمع الموضوع فكان واحداً وعشرين حديثاً !!

وبيانها كالآتي :

1 – إن في الجنة نهراً يقال له رجب .. إلخ . ضعيف .

2 – كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال : ” اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ” ضعيف .

3 – لم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رمضان إلا رجب وشعبان . ضعيف.

4 – رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي . باطل.

5 – من صام من رجب إيمانا واحتساباً … ومن صام يومين … ومن صام ثلاثة … إلخ .. موضوع .

6 – فضل رجب على سائر الشهور …. إلخ … موضوع .

7 – رجب شهر الله ويدعى الأصم.موضوع. … موضوع .

8 – من فرج عن مؤمن كربة في رجب …. إلخ … موضوع .

9 – إن أيام رجب مكتوبة على أبواب السماء السادسة ، فإن صام الرجل منه يوماً … إلخ . في إسناده كذاب .

10 – الحديث الوارد في صلاة أول ليلة منه .. موضوع .

11 – صيام يوم من رجب مع صلاة أربع ركعات فيه على كيفية معينة في القراءة … موضوع .

12 – من صلى ليلة سبع وعشرين من رجب اثنتي عشرة ركعة … إلخ .. موضوع .

13 – من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة.. إلخ .. موضوع .

14 – بعثت نبياً في السابع والعشرين من رجب … إسناده منكر،

15 – أحاديث كثيرة مختلفة اللفظ والسياق كلها في فضل صوم رجب ، وكلها موضوعة .

قال أبو بكر الطرطوشى في كتاب ” البدع و الحوادث ” : يكره صوم رجب على ثلاثة أوجه ؛ لأنه إذا خصه المسلمون بالصوم من كل عام حسب ما يفعل العوام ، فإما انه فرض كشهر رمضان !! و إما سنة ثابتة كالسنن الثابتة ، و إما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام بقية الشهور !! ولو كان من هذا شئ لبينه صلى الله عليه وسلم .

  • الإسراء والمعراج:

ذكر العلامة أبو شامة الحربي: النافع ” الباعث على إنكار البدع والحوادث ” أن الإسراء لم يكن في شهر رجب !!

قال – رحمه الله – : ( ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب ؛ وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب !! قال الإمام أبو إسحاق الحربي : أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم لسلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول ) . أهـ.

وذكر الحافظ في “رمضان، باري ” أن الخلاف في تحديد وقته يزيد على عشرة أقوال !! منها أنه وقع في رمضان ، أو في شوال ، أو في رجب ، أو في ربيع الأول أو في ربيع الآخر .

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية أن ليلة الإسراء والمعراج لم يقم دليل معلوم على تحديد شهرها أو عشرها – أي في العشر التي وقعت فيه – أو عينها ، يعنى نفس الليلة . أهـ.

وخلاصة أقوال المحققين من العلماء أنها ليلة عظيمة القدر مجهولة العين !!

ولتبسيط هذه المسألة وتسيرها نقول :

بعض العبادات تتعلق بوقت معلوم لا نتعداه ولا نتخطاه كالصلاة المكتوبة { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا } [ النساء : 103 ] .

و بعض العبادات أخفى الله وقتها عنا و أمرنا بالتماسها ليتنافس المتنافسون ويجتهد المجتهدون ؛ كليلة القدر في ليالي الوتر في العشر الأواخر من رمضان . وكذلك ساعة الإجابة في يوم الجمعة .

و هناك أوقات جليلة القدر عند الله ، وليس لها عبادة مشروعة لا صلاة ولا صوم ولا غيرهما ، ولذلك أخفى الله علمها عن عباده ؛ كليلة الإسراء .

هذا ، وقد جمع المشرف العام على مجلة الجندي المسلم سعادة اللواء د / فيصل بن جعفر بالى مدير الشئون الدينية للقوات المسلحة بالمملكة العربية السعودية جميع البدع التي تقع قديماً وحديثاً في شهر رجب ، فقال : ( الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :

فإن الشهور و الأيام تتفاضل كما يتفاضل الناس ، فرمضان أفضل الشهور ويوم الجمعة أفضل الأيام ، وليلة القدر أفضل الليالي .

والميزان في إثبات أفضلية شهر أو يوم أو ليلة أو ساعة شرع الله تعالى ، فما ثبت في الكتاب أو السنة الصحيحة أن له فضلاً أثبت له بعد ذلك الفضل ، وما لم يرد فيهما أو ورد فيه أحاديث ضعيفة أو موضوعة فلا يعترف به ولا يميز على غيره .

ومن الأشهر المحرمة الذي ثبتت حرمته بالكتاب والسنة شهر رجب المحرم ، ولكب طاب لبعض المبتدعة أن يزيدوا على ما جعله الشارع له من مزية باختراع عبادات واحتفالات ما انزل الله بها من سلطان ، مضاهاة لأهل الجاهلية ، حيث كانوا يفعلون كثيراً منها فيه ، ومن هذه الضلالات :

1 – ذبح ذبيحة يسمونها ( العتيرة ) ، وقد كان أهل الجاهلية يذبحونها فأبطل الإسلام ذلك ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا عتيرة في الإسلام ” . [ أخرجه أحمد ( 2 / 229 ) ] .

قال أبو عبيدة : العتيرة هي الرجبية ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لأصنامهم . [ فتح الباري لابن حجر ( 9 / 512 ) ] .

وقال ابن رجب : ويشبه الذبح في رجب اتخاذه موسماً وعيداً كأكل الحلو ونحوها . [ لطائف المعارف ( 227 ) ] .

2 – اعتقاد أن ليلة السابع و عشرين من رجب هي ليلة الإسراء والمعراج ، مما أدى إلى عمل احتفالات عظيمة بهذه المناسبة ، وهذا باطل من وجهين :

أ – عدم ثبوت وقوع الإسراء والمعراج في تلك الليلة المزعومة ، بل الخلاف بين المؤرخين كبير في السنة والشهر الذي وقع ، فكيف بذات الليلة .

ب – أنه لو ثبت وقوع الإسراء والمعراج كان في تلك الليلة بعينها لما جاز إحداث أعمال لم يشرعها الله ولا رسوله ، ولا شك أن الاحتفال بها من المحدثات في الدين ، فكيف إذا انضم إلى ذلك أوراد و أذكار مبتدعة ، وفى بعضها شركيات وتوسل واستغاثة بالني صلى الله عليه وسلم مما لا يجوز صرفه إلا لله تعالى .

3 – اختراع صلاة في أول ليلة جمعة من رجب يسمونها صلاة الرغائب ووضعوا فيها أحاديث لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهى صلاة باطلة مبتدعة عند جمهور العلماء .

4 – تخصيص أيام من رجب بالصيام ، وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه ، كان يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ، ويقول : ما رجب ؟ إن رجباً كان يعظمه أهل الجاهلية ، فلما كان الإسلام ترك . [ مصنف ابن أبى شيبة ( 2 / 345 ) ] .

5 – تخصيص رجب بالصدقة لاعتقاد فضله ، والصدقة مشروعة في كل وقت ، واعتقاد فضيلتها في رجب بذاته اعتقاد خاطئ .

6 – تخصيص رجب بعمرة يسمونها ( العمرة الرجبية ) ، والعمرة مشروعة في أيام العام كلها ، والممنوع تخصيص رجب بعمرة واعتقاد فضلها فيه على غيره .

وكل ما سبق من بدع وضلالات مبنى على اعتقاد خاطئ و أحاديث ضعيفة وموضوعة في فضل رجب ، كما بين الحافظ ابن حجر ، رحمه الله تعالى . [ ” تبيين العجب بما ورد في فضل رجب ” ( 23 ) ] .

وحرى بالمسلم أن يتبع ولا يبتدع ؛ إذ محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم تنال بالإتباع لا بالابتداع : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } [ آل عمران : 31 ، 32 ] . اهـ.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد و آله وصحبه وسلم .