هل حب فاطمة – رضي الله عنها – يستوجب بغض عائشة – رضي الله عنها؟!

الحمد لله رب العالمين، سبحانه اختار لنا الإسلام دينًا، وجعل لنا القرآن هاديًا ودليلاً، والسنة منارًا وسبيلاً، نحمده حمد الشاكرين، ونشكره شكر المقرين له بالنعمة، ونصلي ونسلم على خير خلقه وصفوة عباده محمد بن عبد الله نبي الهدى والرحمة، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعدُ:

فإن الله تعالى جعل لكل نبي أصحابًا وحواريين، يؤمنون به ويتبعونه، ويناصرونه ويؤازرونه، ويحملون الرسالة ليبلغوها الناس من بعده، وقد اختار الله عز وجل محمدًا؛ فجعله خاتم أنبيائه ورسله، وجعل رسالته خاتمة الرسالات؛ وذلك لأنه سبحانه اطَّلع على قلوب العباد فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خيرها، فاختاره لرسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلوات الله وسلامه عليه فوجد خيرها قلوب الفئة التي صحبته وآمنت به واتبعت النور الذي جاء به، وهؤلاء الأصحاب منهم من كان من أقربائه، ومنهم من كان من غير أقربائه، فعلَّم النبي -صلى الله عليه وسلم- الكل ورباهم فأحسن تربيتهم، وأدبهم فأحسن تأديبهم، فكانوا جميعًا على الصراط المستقيم والهدي القويم، فرضي الله عنهم أجمعين.

وهؤلاء الأصحاب منهم من آمن به في مكة بمجرد بعثته -صلى الله عليه وسلم- ، فلما هاجر؛ هاجروا معه، وتركوا ديارهم وأموالهم، ومنهم من ترك أهله وأولاده في سبيل هذا الدين، ومنهم من آمن به في المدينة، واستقبله فيها هو وأصحابه من المهاجرين، فأثنى الله تعالى على الفئتين جميعًا، وزكاهم أعظم تزكية، ورفعهم مكانًا عليًّا، فقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]، وقال تعالى في سورة الحشر في قَسْم الفيء: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 8، 9]. وأثنى الله تعالى على من تبع الصحابة بإحسان ويستغفرون لهم، فقال جل ذكره: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].

ووعد الله تبارك وتعالى الحسنى جميع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، سواء منهم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن أنفق من بعد الفتح؛ فقال جل ثناؤه: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]، وزكى سبحانه أهل بدر، وأهل بيعة الرضوان، وبيَّن سبحانه أنه أثنى على أصحاب محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم في الكتب السابقة، فذكرهم بالإحسان في التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله المنزلة على رسله.

بين الصحابة وأهل البيت

إن أهل السنة يحبون أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم – كلهم-؛ سواء منهم من كان من أقارب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو من غير أقاربه، لا يبغضون أحدًا منهم، ويعرفون لكلٍّ قدره ومنزلته التي أنزله الله تعالى إياها، فكما أن النصوص جاءت عامة فيهم كلهم؛ فنحن نحبهم كلهم، ولا نبغض أحدًا منهم، شأن أهل الإسلام في الإيمان برسل الله تعالى جميعًا لا يفرقون بين أحد منهم، بخلاف أهل الأديان والملل الأخرى، فإنهم لا يؤمنون إلا برسلهم فقط.

فكذلك أهل السنة يؤمنون بأن الله تعالى اختار صحبة نبيه، وجعلهم خير البشر بعد الأنبياء، فنحبهم جميعًا، ونوقرهم ونعرف فضلهم، بخلاف الرافضة الذين أحبوا قرابته وسبُّوا صحابته، والحق أنهم لم يحبوا قرابته جميعًا، بل فرقوا بينهم فلم يحبوا إلا عليًّا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، وخرج من أهل البيت عندهم زوجات رسول -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهن، وهن أمهات المؤمنين بنص رب العالمين، فقد بيَّن في كتابه أنها الرسالة وأنها لا تورث، وأن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين، فقال سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40]، وقال تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6].

بل خرج من أهل البيت عندهم العباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- وذريته، بل وذرية جعفر بن أبي طالب، بل لا يذكرون واحدة من بنات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وجعلوا كل الصحابة والقرابة ما عدا عليًّا وفاطمة والحسن والحسين أعداءً لأهل البيت عندهم، بل لا يذكرون الحسن بن علي رضي الله عنه، فانحصر الأمر عندهم في ذرية الحسين رضي الله عنه، وهذا من أعجب العجب.

بين فاطمة وعائشة رضي الله عنهما

أولاً : ما ورد في كل منهما من الأحاديث:

أ- ما ورد في فضائل فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ورضي الله عنها:

1- عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر وهو يقول : «إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن يُنكِحوا ابنتهم عليَّ بنَ أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بَضْعةٌ مني، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها». [أخرجه مسلم برقم: 2449].

وعنه رضي الله عنه قال : إن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل على فاطمة، فسمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا – وأنا يومئذ محتلم – فقال : «إن فاطمة مني، وإني أتخوف أن تُفتن في دينها». [متفق عليه].

2- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا فاطمة ابنته فسارَّها فبكت، ثم سارَّها فضحكت، فقالت عائشة : فقلت لفاطمة : ما هذا الذي سارَّك به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فبكيتِ، ثم سارَّك فضحكتِ ؟ قالت: سارَّني بموته فبكيتُ، ثم سارَّني فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكتُ . [مسلم: 2450].

3- عن عائشة رضي الله عنها قالت : كن أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عنده، لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي – ما تخطئ مشيتُها من مشية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا . فلما رآها رحَّب بها. فقال: «مرحبًا بابنتي». ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم سارَّها فبكت بكاءً شديدًا، فلما رأى جزعها سارَّها الثانية فضحكت . فقلت لها : خصَّك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بين نسائه بالسِّرار . ثم أنت تبكين ؟ فلما قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سألتها : ما قال لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ قالت : ما كنت لأفشي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سِرّه . قالت : فلما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت : عزمتُ عليك بما لي عليك من الحق، لما حدثتني ما قال لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ فقالت : أما الآن فنعم، أما حين سارَّني في المرة الأولى، فأخبرني أن جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرةً أو مرتين، وإنه عارضه الآن مرتين، وإني لا أُرى الأجل إلا قد اقترب . «فاتقي الله واصبري؛ فإنه نعم السلف أنا لك». قالت : فبكيت بكائي الذي رأيتِ . فلما رأى جزعي سارَّني الثانية، فقال : «يا فاطمة، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة»؟ قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت . [متفق عليه].

4- عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن عليًّا ذكر بنت أبي جهل، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال : «إنما فاطمة بَضْعَة مني، يؤذيني ما آذاها، ويُنْصِبني ما أنْصَبها». [الترمذي برقم (3869)، وقال : هذا حديث حسن صحيح].

5- عن أنس رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «حسبك من نساء العالمين مريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون». [أحمد في المسند 3/135، وفي فضائل الصحابة، والترمذي وابن حبان والحاكم].

6- عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران». [أخرجه أحمد في فضائل الصحابة، وقال محققه : إسناده حسن لغيره، وله متابع عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي].

7- عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الصبح، ويقول : «الصلاة الصلاة، { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }.» [أحمد في فضائل الصحابة والحاكم وصحح إسناده على شرط مسلم].

ب- ما ورد في فضائل أم المؤمنين عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- :

1- عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «أُرِيْتُكِ في المنام ثلاث ليالٍ، جاءني بك الملك في سَرقةٍ من حرير، فيقول : هذه امرأتك . فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول : إن يك هذا من عند الله يُمْضِهِ». [متفق عليه].

2- عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليَّ غَضْبى». قالت : فقلت : ومن أين تعرف ذلك؟ قال -صلى الله عليه وسلم- : أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين : لا، ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت : لا، ورب إبراهيم. قالت: قلت: أجل، والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك. [متفق عليه].

3- عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنها قالت : أرسل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مِرْطي، فأذن لها، فقالت : يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة . قالت : فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «أي بنية، ألست تحبين ما أحب؟ قالت : بلى . قال : فأحبي هذه». قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرجعت إلى أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقلن لها : ما نراك أغنيت عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولي له : إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة. فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدًا . قالت عائشة : فأرسل أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وهي التي كانت تساميني في المنزلة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ولم أر امرأة قط خيرًا منها في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرَّب به إلى الله تعالى، ما عدا سَوْرة من حدة كانت فيها، تسرع فيها الفيئة، قالت : فاستأذنت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع عائشة في مرطها، على الحال التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقالت : يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قالت : ثم وقعت بي، فاستطالت عليَّ، وأنا أرقب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأرقب طَرْفَهُ، هل يأذن لي فيها، قالت : فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يكره أن أنتصر، قالت : فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها، قالت : فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وتبسم : «إنها ابنة أبي بكر». [مسلم 2442].

4- عن أنس بن مالك وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». [متفق عليه].

5- عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول : أين أنا غدًا، أين أنا غدًا ؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها، قالت عائشة : فمات في اليوم الذي كان يدور عليَّ فيه في بيتي، فقبضه الله وإن رأسه لبين نَحْري وسحري، وخالط ريقه ريقي..». [متفق عليه].

6- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : «يا عائشُ، هذا جبريل يقرأ عليك السلام»، قالت : فقلت : وعليه السلام ورحمة الله . قالت : وهو يرى ما لا أرى . [متفق عليه].

7- عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة رضي الله عنها : فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة رضي الله عنها، فقلن: يا أم سلمة، والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان، أو حيث ما دار، قالت : فذكرتْ ذلك أم سلمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ، قالت : فأعرض عني، فلما عاد إليَّ ذكرتُ له ذلك، فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرتُ له، فقال : «يا أم سلمة، لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليَّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها». [البخاري: 3775].

8- عن القاسم بن محمد – رحمه الله – أن عائشة رضي الله عنها اشتكت فجاء ابن عباس فقال : يا أم المؤمنين تَقْدَمين على فرط صدق ؛ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى أبي بكر . [البخاري: 3771].

9- عن أبي وائل قال : لما بعث عليٌّ رضي الله عنه عمارًا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم، خطب عمار فقال : إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها» [البخاري: 3772].

10- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعثه على جيش ذات السلال، قال : فأتيته فقلت : أيُّ الناس أحبُّ إليك ؟ قال : «عائشة». فقلت: من الرجال، قال : «أبوها». قلت: ثم من؟ قال: «عمر». فعد رجالاً . [متفق عليه].

11- عن عمرو بن غالب أن رجلاً نال من عائشة عند عمار بن ياسر، فقال : اغْرُبْ مقبوحًا منبوحًا، أتؤذي حبيبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟! [الترمذي: 3888 وصححه].

ثانيًا : بعض ما ورد في كتب تراجم الصحابة في كل من فاطمة وعائشة رضي الله عنهما:

أ- فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :

قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب : فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيدة نساء العالمين على أبيها وعليها السلام، كانت هي وأختها أم كلثوم أصغر بنات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، واختُلف في الصغرى منهما، إلى أن قال : وقد اضطرب مصعب والزبير في بنات النبي -صلى الله عليه وسلم- أيتهن أكبر وأصغر، اضطرابًا يوجب ألا يُلتفت إليه، قال : والذي تسكن إليه النفس على ما تواترت به الأخبار في ترتيب بنات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أن زينب الأولى، ثم رقية الثانية، ثم الثالثة أم كلثوم، ثم الرابعة فاطمة الزهراء. والله أعلم.

ونقل عن ابن السراج عن عبد الله بن محمد بن سليمان بن جعفر الهاشمي قال: وُلدت فاطمة رضي الله عنه سنة إحدى وأربعين من مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وأنكح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاطمةَ عليَّ بنَ أبي طالب رضي الله عنهما بعد وقعة أحد، وقيل : تزوجها بعد أن ابتنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعائشة بأربعة أشهر ونصف، وبنى بها بعد تزويجه إياها بتسعة أشهر ونصف، وكانت سنّها يوم تزويجها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفًا، وكانت سن علي رضي الله عنه إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر .

وقال : قال علي رضي الله عنه لأمه فاطمة بنت أسد : اكفي بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخدمة خارجًا وسقاية الماء الحاج، وتكفيك العمل في البيت ؛ العجن والخبز والطحن .

قال أبو عمر : فولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب، ولم يتزوج عليّ عليها غيرها حتى ماتت .

وتوفيت بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيسير ؛ قيل بستة أشهر، وقيل : بثلاثة أشهر، وروي بثمانية أشهر، وقيل : عاشت بعد أبيها سبعين يومًا.

وساق عن ابن السراج بسنده إلى أبي ثعلبة الخشني قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من غزو أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم يأتي فاطمة، ثم يأتي أزواجه .

وذكر عن الدراوردي بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «سيدة نساء أهل الجنة مريم، ثم فاطمة بنت محمد، ثم آسية امرأة فرعون».

وساق ابن السراج بسنده عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت : ما رأيت أحدًا كان أشبه كلامًا وحديثًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه؛ قام إليها فقبَّلها ورحَّب بها، كما كانت تصنع هي به -صلى الله عليه وسلم- .

وروى بسنده إلى فاطمة رضي الله عنها أنها قالت لأسماء بنت عميس رضي الله عنها : يا أسماء، إني قد استقبحت ما يُصنَع بالنساء، إنه يُطرَح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء : يا بنت رسول الله، ألا أريك شيئًا رأيته بأرض الحبشة ! فدعت بجرائد رطبة فَحَنَتْها ثم طرحت عليها ثوبًا، فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله، تُعرَف به المرأة من الرجال، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعليّ، ولا تُدخلي عليَّ أحدًا، فلما توفيت جاءت عائشة رضي الله عنها تدخل، فقالت أسماء : لا تدخلي . فشكت إلى أبي بكر، فقالت : إن هذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء أبو بكر فوقف على الباب، فقال : يا أسماء، ما حملك على أن منعت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدخلن على بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ وجعلت لها مثل هودج العروس ؟ قالت : أمرتني ألا يدخل عليها أحد، وأريتها هذا الذي صنعت، وهي حية، فأمرتني أن أصنع لها ذلك، قال أبو بكر رضي الله عنه : فاصنعي ما أمرتك ثم انصرف، فغسلها عليٌّ وأسماء، ودفنت ليلاً كما أوصت زوجها عليًّا رضي الله عنهما بذلك.

قال أبو عمر : فاطمة رضي الله عنها أول من غُطِّي نعشها من النساء في الإسلام على الصفة المذكورة، ثم بعدها زينب بنت جحش رضي الله عنها، صُنع ذلك بها أيضًا.

وتوفيت فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان، وقد قيل: إنه صلى عليها العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، ودخل قبرها هو وعلي والفضل رضي الله عنهم وعن الصحابة والقرابة أجمعين . ونكتفي بما جاء في الاستيعاب لابن عبد البر؛ خوف الإطالة.

ب- عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:

قال أبو عمر : عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها، زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ، تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة قبل الهجرة بسنتين، هذا قول أبي عبيدة، وقال غيره : بثلاث سنين، وهي بنت ست سنين وقيل سبع، وابتنى بها بالمدينة، وهي ابنة تسع، لا أعلمهم اختلفوا في ذلك.

قال أبو عمر : كان نكاحه -صلى الله عليه وسلم- عائشة رضي الله عنها في شوال، وابتناؤه بها في شوال، وكانت تحب أن تُدْخِل النساء من أهلها وأحِبتها على أزواجهن في شوال، وتقول : هل كان في نسائه عنده أحظى مني، وقد نكحني في شوال وابتنى بي في شوال، وتوفي عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهي بنت ثماني عشرة سنة، وكان مُكثها معه تسع سنين.

قال : لم ينكح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكرًا غيرها، واستأذنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الكنية، فقال لها : «اكتني بابنك عبد الله بن الزبير»، يعني ابن أختها، وكان مسروق إذا حدث عنها قال : حدثتني الصديقة ابنة الصديق البرية المبرأة بكذا وكذا، وقال أبو الضحى عن مسروق : رأيت مشيخةً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الأكابر يسألونها عن الفرائض . وقال عطاء بن أبي رباح : كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة . وقال هشام بن عروة عن أبيه : ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطِبّ ولا بشعر من عائشة رضي الله عنها . وقال الزهري: لو جُمع علم عائشة إلى علم جميع أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل.

قال أبو عمر : أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالذين رموا عائشة رضي الله عنها بالإفك، حين نزل القرآن ببراءتها؛ فجُلدوا الحد ثمانين، فيما ذكر جماعة من أهل السِّير والعلم بالخبر.

قال : وتوفيت عائشة رضي الله عنها سنة سبع وخمسين، ذكره المدايني عن سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه.

وقال خليفة بن خياط : وقد قيل : إنها توفيت سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، أُمرت أن تدفن ليلاً، فدُفنت بعد الوتر بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة، ونزل في قبرها خمسة : عبد الله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر .

رضي الله عن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن سائر بناته، ورضي الله عن عائشة أم المؤمنين وعن سائر أمهات المؤمنين، ونسأل الله تعالى بحبنا آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ومنهم أزواجه بل هن على رأس أهل البيت بنص القرآن الكريم، وبحبنا جميع أصحابه أن يحشرنا معهم في جنته ودار كرامته، وأن يهدي أهل الضلالة الذين اتخذوا الصحابة أعداءً، وزعموا أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا أعداء لقرابته فأكذبهم الله ورسوله، وكذا الواقع والتاريخ يبين أن الصحابة والقرابة كانوا متحابين متوادين، وإنما كانت عداوتهم لأعداء الله ورسوله، فعدوُّ آلِ البيت من يفتري عليهم الكذب، ويزعم أنهم كانوا يكرهون الصحابة ويعادونهم ويقاتلونهم، فهذا ضلال مبين، وإن فئة تزعم حبها لآل البيت تقيم المآتم والحزن لوفاة أيٍّ من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ويقيم احتفالات وأفراحًا لوفاة أمهات المؤمنين، بل ويعظمون قبر قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لَيُقِيمُونَ دينًا غير دين الإسلام، وينتحلون ملة غير ملة الإسلام، فنسأل الله عز وجل أن يعاملهم بما يستحقون، وأن يكفي أهل السنة شرورهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.