السؤال:
تزوجت منذ سنة من رجل بيني وبينه تفاوت طبقي، فأنا أفضل منه من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والشهادة العلمية، لكنني لم أهتم بذلك
وقد اشترط أهلي عليه قبل الزواج أن أكون مستقلة في بيتي وأن لا يجبرني على الاختلاط بنساء أهله إلا برضى مني، فوافق زوجي ورحب بذلك، وبعد فترة قصيرة من العرس، بدأت حماتي تتدخل في حياتي، وتدخل شقتي بغير إذني، وتضايقني وتعيب أعمالي، ثم صُدمت عندما علمت أن بعض فرش شقتي ملك لها، وهذا مخالف لاتفاق زوجي مع أهلي قبل الزواج
وكانت حماتي تتحكم كلما صعدت لشقتي تتحكم في شئونها وتعايرني بفرشها، فلم أخبر أهلي بذلك، وكان زوجي معجب بصبري وعدم ردي عليها، وإحساني لها، ووعدني أن يسعى بعد سنة أو أكثر بقليل لتغيير السكن، فعشت معه حياة سعيدة طيبة.
وكانت حماتي تقابل إحساني لها بالإساءة، وتتعمد مضايقتي هي وزوجة ابنها الثاني، وكنت أصبر، وأكتفي بالبكاء، ثم قطعت حماتي كلامها معي حتى لم تعد ترد عليَّ السلام، وكنت أدعو الله أن ينصرني، ثم مرضت حماتي بعد ذلك، وكنت أخدمها وأطعمها رغم حزني وتعب حملي، واشتريت بعض الملابس هدية لها، لكنها ظلت تشتكيني لزوجي بكلام كذب
وفي اليوم الرابع من ولادة طفلي طردني زوجي من البيت أنا وأمي -وأنا نفساء في السرير- لأنني رددت عليه عندما كلم أمي بصوت عالي ثم جاءت حماتي إلى بيت أهلي، وأخذت مني مفاتيح الشقة بدعوى أن مفاتيح زوجي ضاعت، لكنها كانت تكذب، فأخبرتها أني أريد العيش مع زوجي في شقته بفرش من ماله هو حتى ولو كان حصيرًا، فذهبت وأخبرته وتلاعبت في الكلام، فاتصل يشتم
ثم مرت فترة، وصالحني زوجي، ووعدني أن يجمع مالًا ويشتري محلًا ثم بيتًا، فوافقتُ، وطلبت منه ألا تأخذ أمه مفتاح شقتي، ولا تصعد وتفعل فيها ما تشاء، فتحجج ببره بأمه، وتغَيَّرت معاملته لي ثم تحسنت قليلًا، لكن أهل البيت قاطعوني، وظلُّوا يؤذوني، فكنت أصبر وأدعو وأبكي، وزوجي يتجاهل ذلك بدعوى البر
ووصل الحال إلى صعود حماتي إلى شقتي أثناء زيارتي لأهلي، فتتبول وتتبرز فيها، وتقول لزوجي أنني من أفعل ذلك، وتشتكيني إليه
وكنت أحرم نفسي من شراء ما أريد لأوَفِّر لزوجي بعض المال وأعوضه عما فاته ولينسى سوء معاملة أبيه له، وكنت أصبّره عندما يشتكي أمه لي رغم ما أجده منها من سوء معاملة، لكنه مع ذلك كان يخبر أمه وأخته بأسرار بيتنا
وظلَّ الحال على ذلك خمسة أشهر بعد رجوعي من بيت أهلي، وفي يوم صرخ عليَّ زوجي بسبب أمه، فأصبتُ بنوبة وأخذت أضرب رأسي وأبكي وأصرخ بكلمة “حرام”، وجمعت ملابسي وغادرت البيت وأنا الآن مع ابني في بيت أهلي ولم يسأل عنا أحد..
فهل يجوز شرعًا أن يكون مفتاح شقتي مع حماتي؟
وهل زوجي غير مكلف بحفظ خصوصيتي؟
وهل أستحق منه ما فعل؟
وهل ما أطلبه كثير؟
الجواب:
الحمد لله وبعد،
أولاً: من متطلبات الزواج السعيد غالباً مراعاة الكفاءة الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك، وهذا لم يراع في زواجك. وفي ذلك عندي أحداث مؤلمة.
ثانياً: أنتِ تعاملتِ بمثالية عالية دون مقابل البته، لا من حماةٍ لا ترحم ولا من زوج عادل.
وكان يجب عليكِ إخبار زوجك بسوء معاملة والدته ومن ذكرتِ معها لك، والتزامكِ الصمت بهذه الصورة، سوَّل لهم الاستطراد في عدم احترامك وكثرة إهانتك.
ثالثاً: أنتِ أخطأتِ في عدم إخبار أهلكِ بهذه القاذورات الأخلاقية.
– وأما عن إهانته، لك وإقراره لسوء خلق أمه معكِ، فهذا ليس براً كما زعم، بل هو إقرار لمحظور في حق الزوجة ولها ما لها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” ،”إنما الطاعة في المعروف” ولا شك أن هذا ليس معروفاً.
وكان يجب عليه أن يكفّ ظلم أمه وتكرار تعديها بالإثم والعدوان، بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فقالوا كيف ننصره ظالماً؟ قال : أن تمنعه عن ظلمه”. وفي حق الوالدين أشد، لكونه من تمام برهما.
– وأما خلف الوعد أو الرجوع فيه بعد الدخول بالموعود به وقد توفرت مقتضياته فهذا محرم والآيات والأحاديث في الباب كثيرة.
وأما إلغاء أو نقد الشروط المتفق عليها حال العقد بعد الدخول (البناء) وقد توفرت مقتضياتها، فهذه خيانة وكذب، لأن المسلم عند شرطه.
ولو أنه كتب ما وعد به أو ما شرطه، ما تجرأ على نقضه، لأنه يعلم أنه سيحاسب عليه قانونياً!!!. سبحان الله العظيم نحترم القوانين البشرية ولا نحترم قوانين العزيز الجبار !!!!.
ومن قال بأن خلف الوعد ونقض الشروط لأجل رضا الوالدين فهو من برهما فهو جاهل، وقد ارتكب خطيئة مذمومة باستحواذ الشيطان عليه فأنساه ذكر ربه وحقيقة شرعه.
– ومن حق الزوجة الانفراد بمسكن خاص لاسيما في مثل هذه الظروف الواردة في هذا السؤال.
وليس من حق حماتكِ ولا غيرها أن تمتلك مفتاحاً لشقتك إلا بشرطه.
وليس لها ولا غيرها أن تدخل بيتكِ إلا بإذن وليس لها أن تنقّب عما يخصكِ أو أن تعبث في ما يخصك.
وإن أذن لها ولدها، فليحثها على تقوى الله ومراعاة حق البيت الذى شئونه بين اثنين لهما الولاية فيه (الزوج وزوجته) وليتق الله كل واحد منهما في حق الآخر، هذه هي العدالة التي حثت عليها الشريعة بإعطاء كل ذي حق حقه.
وعلى الزوج أن يبرَّ زوجته، ومِن برها بر أهلها. وكذا الزوجة والوالدان يخضعان للأمر بالمعروف والأمر عن المنكر بأصوله وضوابطه.
– ولا يجب على زوجة الابن خدمة أبوي زوجها، ولكن يستحب، والمعروف يأتي بمثله أو أكثر، وما في السؤال استعباد لحرّة، وظلم لها، وتعدٍ على حقها المنصوص عليه شرعاً.
– وليس من الخُلق الحميد إفشاء ما يدور بين الزوجين في بيتهما في الأمور العادية كالاجتماعية والاقتصادية ونحو ذلك.
والسائل عن ذلك يزجر حتى وإن كان من الأهل المقربين.
وأنبه على شيء قد تسمعينه أو يقال لكِ:
قال صلى الله عليه وسلم “أنتَ ومالك لأبيك” فهذا حديث صحيح فهمه أصحاب الهوى بالمزاج وملخص ما فيه أنه لا يعني أبداً أن مال الابن يتملكه الأب بغير طيب نفس منه، فماذا لو كان هذا المال مشترك فيه؟؟!!
ثم أنبه ثانية على شيء آخر قد تسمعينه أو يقال لكِ: “إذا قال الوالدين لولدهما: اخرج من زوجتك فعليه أن يخرج” ثم نرى الكاذب يذكر ما فعله سيدنا عمر بن الخطاب مع ابنه عبد الله رضي الله عنهما
وهذا عطن وعطب آخر في الفهم. و قد نسوا أو تناسوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله وضع الحق على لسان عمر وقلبه”، وملخص ما في هذا الأثر أن عمر رضي الله عنه قال ذلك لابنه لخلل رآه في دين زوجة ابنه عبد الله.
ثم أين كل البشر من عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما، هذا لا يخفى على صاحب العقل السليم.
وأوصيكِ بإبلاغ زوجك وأمه بتقوى الله، والخوف من الله، العزيز الجبار السميع البصير، الذي يُمَّهـِل ولا يُهْمِل، وقد حرَّم الظلم على عباده، وإذا أخذ الله الظالم لم يفلته، وليحذرا تلبسات شياطين الجن والإنس.
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد وهو الحكيم العليم.