السؤال:
أريد دليلًا من الكتاب أو السنة أو كليهما يبيح للمرأة الحائض قراءة القرآن من المصحف من خلال حائل كما يقول بعض المشايخ.
الجواب:
الحمد لله وبعد ليعلم السائل أن القرآن والسنة هما التشريع ومنهما كان الإجماع وعليهما كان القياس، ولذا فالأدلة المجمَع عليها عند أهل السنة والجماعة القرآن والسنة والإجماع وأقوال الصحابة والقياس، ويتفرع على ما سبق: القواعد الأصولية والفقهية؛ ومن ذلك جلب المصالح ودرء المفاسد؛ والضرورات تبيح المحظورات، والضرورة بقدرها.
ومسألتنا هذه مبنية عند الأئمة الأربعة ومَن وافقهم وخالفهم على طريقين:
الطريق الأول: “حديث لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن” وهذا حديث حققتُه في كتابي “المنحة الإلهية في ترتيب معجم ابن المقرئ على الأبواب الفقهية” برقم (101) حققته في عدة صفحات وحكمتُ عليه بأنه حسن لغيره – دون قوله “ولا الحائض” فلفظة الحائض لا تثبت في الحديث.
الطريق الثاني: القياس على الجنب. والطريقان فيهما كلام بين مؤيِّد ومعارِض ومعلِّل ومسلّم بقرائن استنباطية مبنية على الفهم من دلالات النصوص منطوقها ومفهومها، وبإيماء النصوص وتنبيهاتها وفحواها… الخ
وعلى ما سبق هذا ملخص أقوال المذاهب الأربعة:
أولًا: يرى الحنفية أن الحيض يمنع من قراءة القرآن بقصده ومسه.
ثانيًا: يرى المالكية أن الحيض يمنع مس المصحف، أما القراءة بغير مس فلا يمنع الحيض.
ثالثًا: يرى الشافعية أنه يحرم على الحائض ما يحرم على الجنب ومن ذلك قراءة القرآن، وفي قول قديم عن الشافعي أنه يجوز.
رابعًا: يرى الحنابلة أن الحائض تُمنع من قراءة القرآن مطلقًا، وعن أحمد رواية بالجواز، واختار ابن تيمية في اختياراته الفقهية أن الحائض لا تُمنع من قراءة القرآن – بخلاف الجنب – إذا احتاجت إليه، وهذا قول وجيه جدًا ويجمع ما سبق عن الأئمة الأربعة، وهو ما دلت عليه الشريعة، ولذا قال من قال ممن سمعت من المشايخ بالجواز للمحفظة في مدرسة أو حلقات تعليمية أو هي حافظة ولها أوراد يومية للمراجعة ، وهذا بخلاف الجنب كما هو ظاهر من وجوه عند التأمل، وهذا ما دلت عليه أصول الشريعة من أن الضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها ولما في ذلك جلب المصلحة الراجحة. هذا ملخص المسألة.
وليعلم السائل ثانية أن الفقه في الدين مطلب رئيس في طريق الدعوة إلى الله ورسوله وله أسس وقواعد ولا يصلح فيه الاحتطاب من هنا وهناك ولا يصلح فيه التقليد الأعمى والسقيم فإن هذا يورث التطرف والعصبية والتشدد وهي طرق منبوذة ومحتقرة مردودة. أسأل الله بأسمائه وصفاته أن يفقهنا في الدين.