السؤال:
أعمل في مجال نسخ الكتب على الكمبيوتر والمراجعة اللغوية، وجاءني أحد الأشخاص يطلب مني مراجعة كتاب يقوم بتجهيزه في تفسير القرآن، ووجدت في كتابه بعض الأمور التي ارتبت منها، وتحدثت معه فوجدته يعتمد على العقل في قياس الأمور ولكن بشكل مطلق، وعلى حد قوله (لا يعترف بالأحاديث التي لا تتوافق مع العقل مهما كان سندها) على سبيل المثال مسألة وجود الجن
فهل يجوز لي أن أعمل في مثل هذا الكتاب؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على عباده الذين أصطفى أما بعد، فإني أشكر الأخ السائل العامل في مجال الكتابة بالكمبيوتر، على غيرته وحميته هذه، هذا أولًا.
ثانيًا: اعلم أخي أن عقائد الناس في وجود الجن على ثلاث حالات:
الأولى: أهل السنة والجماعة ونحن منهم، على إثبات وجود الجن، وأنه خلق قبل الإنسان (أي أدم عليه السلام):
1- لقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ﴾ [الحجر : 26 ، 27] وهو ما قرره أهل التفسير عن ابن عباس وابن عمر وقتادة وغيرهم.
2- وأنه خلق من نار كما سبق في الآية السابقة وغيرها كما في قوله: ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف : 12]، وقوله: ﴿ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ [الرحمن : 15]، وفي صحيح مسلم وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” خُلِقَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ “.
3- وأنهم يتشكلون في صور المخلوقات كما أثر عن ابن عباس رضي الله عنه يشد بعضها بعضًا، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي الله مِنْهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ ” وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند أحمد بإسناد حسن ……وفيه:” لَوْ رَأَيْتُمُونِي وَإِبْلِيسَ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي فَمَا زِلْتُ أَخْنُقُهُ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ لُعَابِهِ بَيْنَ إِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا ” ومثله حديث أبي الدرداء عند مسلم، وأبي هريرة عند البخاري وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين في قصة الفتى التي قتلته الحية عند مسلم.
4- وأنهم يتناكحون ويتناسلون ولهم ذرية: لقوله تعالى في الكهف: [ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ] [الكهف : 50] فيها أنهم ذكور وإناث يتناكحون لأجل الذرية، وهو ما ورد عن جماعة من أئمة التفسير من التابعين كقتادة والحسن البصري والشعبي وغيرهم، وفي سورة الجن: [وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ] [الجن : 6]، وفي الأحقاف: [ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ الله] [الأحقاف : 31] وفي الصحيحين من حديث أنس. 5- وأنهم يأكلون ويشربون حقيقة: كما في حديث ابن مسعود عند مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” آتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا وكل بعرة علف لدوابكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم” وفي حديث ابن عمر عند مسلم وفيه:….” فإن الشيطان يأكل بالشمال” ومثله في حديث جابر عند مسلم.
6- الجن مكلفون ولهم إرادة واختيار، قال الله تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] [الذاريات : 56].
7- الجن يموتون ويبعثون بعد الموت للحساب: اقرأ في الأحقاف: [أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ] [الأحقاف : 18]، والرحمن: [ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ] [الرحمن : 26]، والقصص: [ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ] [القصص : 28]، الأنعام: [ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ] [الأنعام : 130]، وهود: [ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ] [هود : 119]، وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” كَانَ يَقُولُ أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ يَمُوتُونَ
8- الجن يسكنون الحشائش والحمامات والنجاسات: لحديث زيد بن أرقم عند الطبراني والحاكم وغيرهما.
9- الجن يكثر وجودهم في الأسواق لحديث سلمان عند مسلم وغيره.
10 الجن يتلبس بالأنس باتفاق أهل السنة والجماعة، وهذا ملخص سريع أردت به تثبيت أخي السائل واحتقار المعتزلي الضال صاحب الكتاب المذكور.
الثانية: جمهور الكفار كعادة أهل الكتاب من اليهود والنصارى وجمهور اليونانين والرومانين والهنود وكذا المجوس، يقرون بوجود الجن ولكن مع انحراف في تصورهم لهذا المخلوق:
1- فمنهم من اعتقد أن الجن شركاء لله في الخلق والتدبير.
2- ومنهم من اعتقد أن للجن سلطانًا مطلقًا في الأرض وأنهم يعلمون الغيب.
3- ومنهم من اعتقد أخوة بين الله وإبليس، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا واقرأ في الأنعام: [وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ] [الأنعام : 100] ، والصافات: [وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ * سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ] [الصافات : 158 ، 159]
الثالثة: جمهور الفلاسفة والمعتزلة والجهمية والقدرية وهذه الفرق الضالة التي تنتسب إلى الإسلام فهم بين الإنكار الصريح وغير الصريح، حيث أولوا النصوص الدالة على وجود الجن بتأويلات تدل على إنكارهم.
وأما الشيوعية القديمة والحديثة فإنهم ينكرون بشكل عام؛ لأنهم لا دين لهم، ويعتقدون أن الكون وُجد صدفة، ولذا تراهم يحاربون الأديان، ويعتبرونها آفيون الشعوب.
وختاما:
1- اعلم أخي الحبيب القاعدة العلمية التي تقول: عدم العلم بوجود الشيء لا يستلزم عدم وجوده، وعليه فنحن نؤمن بوجود التيار الكهربائي في الأسلاك ولا نراه، ونؤمن بوجود المغناطيسية والجاذبية ولا نراها، ونؤمن بوجود المستجدات والمستحدثات المعاصرة في المراسلات مثل الفاكس والتلكس، وهذه الغرائب الالكترونية، فهذه الورقة مكتوبة ومختومة وبالألوان ذاتها توضع في الجهاز في مصر وتذهب في لحظات إلى الصين وغيرها، ولا نرى كيفية الأداء…. إلخ، وهذا خطاب عقلي لذلك الكاتب الأحمق الضال المعتزلي.
2- من أنكر وجود الجن بعد نص القرآن والسنة والإجماع فهو كافر مرتد عن الإسلام.
فائدة مهمة: لذاك المعتزلي الهالك أن عبيد الله بن باب من رؤوس المعتزلة يقول بوجود الجن وتلبسه بالأنس واستدل بآية سورة البقرة، وحديث أنس وصفية في الصحيح، وكفر من قال بغير ذلك، وأقر عبد الجبار الهمداني وهو من رأس المعتزلة أيضًا.
3- فرقة المعتزلة من الفرق التي المنتسبة إلى الإسلام، والذي ينتمي إليها صاحب الكتاب الضال المضلل. 4- قانونهم بين حالتين:
الأولى: تأويل النصوص التي تتعارض مع العقل – أي عقولهم.
الثانية: رد النص المعارض لعقولهم وقد تجردوا عن تأويله.
أخي الحبيب: أوصيك برفض هذه القاذورة وأمثالها، واعلم أن الدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله، فاحذر. أسال الله عز وجل لي ولك التوفيق والسداد لرد سفه السافهين وضلال الضالين، وأن لا يجعل لأهل الضلال والخذلان سبيلا.