الغضب

معنى الغضب :

 الغضب : تغيِّرُُ يحصلُ عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر .

( التعريفات للجرحاني صـ209)

أنواع الغضب :

 الغضب نوعان : غضب مذموم وغضب محمود .

أولاً : الغضب المذموم :

 وهو الغضب للنفس . وهذا النوع من الغضب حذرنا منه النبي -صلى الله عليه وسلم- .

روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْصِنِي قَالَ لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ لَا تَغْضَبْ . (البخاري حديث 6116)

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ . (البخاري حديث 6114 / مسلم حديث 2609)

النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يغضب لنفسه :

 روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . (مسلم حديث 2328)

روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً قَالَ أَنَسٌ فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ . (البخاري حديث 3149)

ثانياً الغضب المحمود :

 والمقصود بالغضب المحمود هو أن يغضب المسلم عندما تُنْتهكُ حرمات الله تعالى . والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عَلِم أو رأى شيئاً فيه انتهاك لحرمات الله، اشتد غضبه واحمر وجهه لذلك .

روى البخاري عَنْ عبد الله بن مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْفَجْرِ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا فُلَانٌ فِيهَا فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا رَأَيْتُهُ غَضِبَ فِي مَوْضِعٍ كَانَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْهُ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ فَمَنْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيَتَجَوَّزْ فَإِنَّ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ . (البخاري حديث 704)

روى البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَاقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ فَلَمَّا رَآهُ

رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَتَكَهُ وَقَالَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ قَالَتْ فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ . (البخاري حديث 5954)

درجات الغضب :

 إن قوة الغضب محلها القلب، ومعناها غليان دم القلب بطلب الانتقام، وإنما تتوجه هذه القوة عند ثورانها إلي دفع المؤذيات قبل وقوعها وإلي التشفي والانتقام بعد وقوعها . والانتقام قوت هذه القوة وشهوتها وفيه لذاتها، ولا تسكن إلا به، ثم إن الناس في قوة الغضب على درجات ثلاث في أول الفطرة من التفريط والإفراط والاعتدال .

الدرجة الأولى : التفريط :

 إن التفريط بفقد قوة الغضب أو ضعفها مذموم . وهو الذي يُقال فيه انه لا حمية له . ولذلك قال الشافعي –رحمه الله، من استغضب فلم يغضب فهو حمار . فمن فقد قوة الغضب والحمية أصلاً فهو ناقص جداً، وقد وصف الله تعالى أصحاب نبينا -صلى الله عليه وسلم-

 بالشدة والحمية . فقال سبحانه : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ(الفتح : :29) وقال لنبيه -صلى الله عليه وسلم- يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ( التوبة :73)

والغلظة والشدة من آثار قوة الحمية وهو الغضب .  (الإحياء جـ3صـ261)

آثار التفريط :

1-عدم الغيرة على محارم الله تعالى .

2-احتمال الذُّل وصِغر النفس .

3-السكوت عن مشاهدة المنكرات . (الإحياء جـ3صـ263)

الدرجة الثانية : الإفراط :

 المقصود بالإفراط هو تَغلبُ قوة الغضب على الإنسان حتى تخرج عن سياسة العقل والدين، ولا يبقى للمرء معها بصيرة ونظر، وفكرة ولا اختيار، بل يصير في صورة المضطر . وهذا الإفراط في الغضب يرجع لأسباب غريزية، وأسباب اعتيادية .

أولاً : الأسباب الغريزية :

 يرجع الإفراط في قوة الغضب إلي أن الإنسان قد يكون بفطرته التي خلقه الله عليها مستعداً لسرعة الغضب، حتى كأن صورته في الفطرة صورة غضبان .

ثانياً : الأسباب الاعتيادية :

 قد يكون من أسباب إفراط الغضب وازدياده هو أن الإنسان قد يخالط قوماً يتبجحون بتشفي الغيظ وطاعة الغضب ويسمون ذلك شجاعة ورجولية، فيقول الواحد منهم : أنا الذي لا أصبر على المكر ولا أحتمل من أحداً أمراً . ومعنى هذا الكلام انه لا عقل فيه ولا حِلْم – ويذكر ذلك في معرض الفخر بنفسه . فمن سمعه، رسخ في نفسه حُسْن الغضب وجب التشبه بالقوم فيقوى به الغضب . ومهما اشتدت نار الغضب وقوى اضطرامها أعمت صاحبها وأصمته عن كل موعظة، فإذا وُعظ لم يسمع بل زاده

ذلك غضباً، وإذا استضاء بنور عقله وراجع نفسه لم يقْدر . إذ ينطفئ نور العقل في الحال بدخان الغضب . ( الإحياء جـ3صـ261)

آثارُ الإفْراط في الغضب :

 إن للغضب المفْرط آثاراً تمكن أن نوجزها فيما يلي

أثر الغضب على الجسد :

 من آثار الغضب في الظاهر : تغير اللون، وشدة الرعدة في الأطراف و خروج الأفعال عن الترتيب والنظام واضطراب الحركة والكلام، حتى يظهر الزَبّدُ على الأشداق، وتحمر الأحداق، وتنقلب المناخر، وتستحيل الخِلْقة، ولو رأى الغضبان في حاله غضبه، قبح صورته لسكن غضبه حياء من قُبْح صورته واستحالة خلقته، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره، فإن الظاهر عنوان الباطن، وإنما قبحت صورة الباطن أولاً ثم انتشر قبحها إلي الظاهر ثانياً، فتغير

 الظاهر ثمرةُ تغير الباطن .

أثر الغضب على اللسان :

 وأما أثر الغضب على اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش من الكلام الذي يستحي منه ذو العقل، ويستحي منه قائله عند فتور الغضب، وذلك مع تخبط النظم واضطراب اللفظ .

أثر الغضب على الأعضاء :

 وأما أثر الغضب على الأعضاء، فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل والجُرْح عند التمكن من غير مبالاة، فإن هرب منه المغضوب عليه أو فاته بسبب وعجز عن التشفي، رجع الغضب على صاحبه فمزق ثوب نفسه، ولطم نفسه، وقد يضرب بيده على الأرض، ويعدو عَدْو الوالِه السكران، والمدهوش المتحير، وربما يسقط سريعاً لا يطيق العَدْو والنهوض بسبب شدة الغضب، ويعتريه مثل الغشْية، وربما يضرب الجمادات والحيوانات، فيضرب القصعة مثلاً على الأرض، وقد يكسر المائدة إذا غضب عليها، وقد يقوم بأفعال المجانين، فيشتم البهائم والجمادات ويخاطبها كأنه يخاطب عاقلاً .

أثر الغضب على القلب :

 وأما أثر الغضب في القلب مع المغضوب عليه، فالحقد والحسد وإضمار السوء والشماتة بالمساءات والحزن بالسرور، والعزم على إفشاء السر وهَتْك السِّتْر، وغير ذلك من القبائح .

( الإحياء للغزالي جـ3 صـ262: صـ263)

الدرجة الثالثة : الاعتدال :

 المقصود بالغضب المعتدل هو الذي ينتظر إشارة العقل والدين، فينبعث حيث تجب الحمية وينطفئ حيث يحسن الحِلْم، وحفظه على حد الاعتدال هو الاستقامة التي كلف الله بها عباده وهو الوسط الذي مدحه النبي -صلى الله عليه وسلم- .

فإن من مال غضبه إلي الفتور حتى يشعر صاحبه بضعف الغيرة وخسة النفس واحتمال الذل، وجب على صاحبه أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه . ومن مال غضبه إلي الإفراط حتى يجره إلي التهور واقتحام الفواحش، وجب عليه أن يعالج نفسه ليقلل من حدة غضبه هذا حتى يصل إلي الغضب المعتدل المحمود . (الإحياء للغزالي جـ3صـ263)

الأسبابُ المُهيجةُ للغضب :

 إن الأسباب المهيجة للغضب كثيرة، يمكن أن نجملها فيما يلي :

الزهو (الكِبْرُ ) والعُجْب والمزاح والهزل والهزء والتعيير والمماراة والمضادة والغدر، وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهي بأجمعها أخلاق رديئة، مذمومة شرعاً ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب، فلا بد من إزالة هذه الأسباب بأضدادها .

فيجب أن تُميت الزهو بالتواضع، وتميت العُجب بمعرفتك بحقيقة نفسك، وأما المزاح فتزيله بالتشاغل بالمهمات الدينية التي تستوعب العمر، وتفضل عنه . وأما الهزل فتزيله بالجِّد في طلب الفضائل والأخلاق الحسنة والعلوم الدينية التي تَبَلِّغك إلي سعادة الآخرة .

وأما الهزء فتزيله بالتكرم عن إيذاء الناس وبصيانة النفس عن أن يُستهزأ بك . وأما التعيير فبالحذر عن القول القبيح وصيانة النفس عن مُرِّ الجواب . وأما شدة الحرص على مزايا العيش، فتُزالُ بالقناعة بقدر الضرورة، طلباً لِعز الاستغناء، وترفعاً عن ذُل الحاجة .  (الإحياء للغزالي جـ3صـ268: صـ269)

وسائل علاج الغضب

 إذا هاج المسلم واشتد غضبه، فإنه يمكنه أن يعالج غضبه بالعلم والعمل .

أولاً : علاج الغضب بالعلم :

 وهو ستة أمور يمكن أن نوجزها فيما يلي :-

الأول :أن يتفكر في الأخبار الواردة في فضل كظم الغيظ والعفو والحلم,، فيرغب في ثوابه، فتمنعه شدة الحرص على ثواب كظم الغيظ عن التشفي والانتقام وينطفئ عنه غيظه . قال تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-

( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ . (الأعراف : 199)

وقال سبحانه وهو يتحدث عن صفات المتقين : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( آل عمران :134)

الثاني : أن يخوف نفسه من عقاب الله، وذلك بأن يقول قدرة الله علىَّ أعظمُ من قدرتي على هذا الإنسان . فلو أمضيت غضبي عليه لم آمن أن يمضي الله غضبه علىَّ يوم القيامة، فأنا أحوج ما أكون إلي عفو الله في ذلك اليوم .

الثالث : أن يُحذر نفسه عاقبة العداوة والانتقام، وأن عدوه له بالمرصاد، حيث يجتهد في الشماتة بمصائبه، فإن الإنسان لا يخلو من المصائب، فيخوف نفسه من عاقبة الغضب في الدنيا وإن لم يخف من الآخرة .

الرابع : أن يتفكر في قبح صورته عند الغضب وأنه يكون مجانباً لأخلاق الأنبياء والعلماء والحكماء في عاداتهم لتميل نفسه إلي الإقتداء بهم

خامساً : أن يتفكر في السبب الذي يدعوه إلي الانتقام ويمنعه من كظم الغيظ مثل أن يكون سببُ غضبه أن يقول له الشيطان إن كظم الغيظ والعفو المسيء يُحمل منك على العجز، والذلّة والمهانة، وصغر النفس

وأنك تصير صغيراً في أعين الناس، فليقل لنفسه : تأنفين من الاحتمال الآن ولا تأنفين من خزي يوم القيامة إذا أخذها هذا بيدك وانتقم منكِ، وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين !!

سادساً : أن يعلم أن غضبه إنما كان من شيء جرى على وفق مُراد الله تعالى، لا على وفق مُراده، فكيف يقدم مُراد الله تعالى ! ( مختصر منهاج القاصدين صـ233: صـ235)

ثانياً : علاج الغضب بالعمل :

(1) يقول المسلم عند غضبه لنفسه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

(2) الصمت وعدم الصمت وعدم الكلام .

(3) إن كان قائماً فليجلس، وإن كان جالساً فليضطجع .

(4)الإسراع إلي الوضوء، لأن المسلم إذا بدأ في الوضوء ذكر الله فُيطرد الشيطان بإذن الله تعالى . ( مختصر منهاج القاصدين صـ235)