التقديم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] (آل عمران: 102).
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا] (النساء: 1).
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا] (الأحزاب: 70، 71).
أما بعد: في عصر كثرت فيه الأيمان الباطلة والنذور المحرمة على ألسنة كثير من المسلمين، وكثر فيه الحلف بالله وبغير الله، وأخذ الناس يُحْدِثَونَ أيمانًا ما أنزل الله بها من سلطان، فنجد هذا قد حلف على امرأته بالطلاق، ونجد الأخر قد حلف بأبيه وبأمه ويعتقد أن هذا هو الصحيح، وأن هذه الأيمان هي المعظمة وهي التي يحترمها الناس ويصدقونه بها فيفعل هذا وهو غافل وجاهل لا يعلم أن هذا من التعدي على حدود الله، وأن هذا من التعدي على هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
والله سبحانه وتعالى يقول: [وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ] (الطلاق: 1).
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت». والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول أيضًا في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من نزر أن يطيع الله فليطعه، ومن نزر أن يعصيه فلا يعصيه». والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول أيضًا في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ »
فأحذرك أخي المسلم من نذر البخيل الذي قال عنه نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: لَا يَأْتِي ابْنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ وَلَكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى الْقَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ فَيَسْتَخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ فَيُؤْتِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ. »
فكان لابد من وقفة يقف فيها الإنسان مع نفسه ويقف مع أيمانه ينظر بمن يقسم ويحلف ولمن ينذر ويتصدق لكي لا يدخل في هذا التعدي الذي ذمه الله سبحانه وتعالى وحذر منه نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد قام أخونا الأخ/ صلاح نجيب الدِّق بمجهود طيب في جمع وتنقيح مشروعية الأيمان والنذور، وبمن تحلف ولمن تنذر، وجمع مبحث في الكفارات من هذه الأيمان والنذور التي تخالف أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- لتقريب هذه الأمور إلى أفهام عوام المسلمين وتحذيرهم من البدع والضلالات التي انتشرت في هذا الباب.
فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل هذا العمل في موازين حسناته، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن ينفع بهذا البحث كاتبه وقارئه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الدكتور /جمال المراكبي
الرئيس العام السابق
لجماعة أنصار السُّنة المحمدية بمصر
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الأيْمان:
الأيْمان لغة: جمع يمين، وهو القَسَمُ والحلفُ، وأصل اليمين في اللغة: اليد، وأطلقت على الْحَلِفِ لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كلٌّ بيمين صاحبه، وقيل لأن اليد اليمنى من شأنها حفظ الشيء، فسُمي الحلف بذلك لحفظ المحلوف عليه، وسُمي المحلوف عليه يمينًا لتلبسه بها، ويجمع اليمين على أَيْمُنْ. ( لسان العرب جـ6 صـ4970 )
الأيمان شرعًا:
تحقيقُ الأمرِ أو تأكيده بذِكْرِ اسم الله أو صفة من صفاته.
( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11 صـ525 )
مشروعية الأيمان:
الأيمان مشروعة بالكتاب والسُّنة والإجماع.
أما الكتاب:
فقوله سبحانه: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ ) ( المائدة: 89 )
وقوله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) ( النحل: 91 )
وقد أمر الله سبحانه نبيه -صلى الله عليه وسلم- في ثلاث مواضع بالحلف فقال سبحانه: (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ) ( يونس: 53 )
وقال جَلَّ شأنه: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) ( سبأ: 3 )
وقال سبحانه: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) ( التغابن: 7 )
وأما السُّنة فقول النبي -صلى الله عليه وسلم-إِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا.( البخاري حديث 6721 )
وكان أكثر قسم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ( ومصرف القلوب، ومقلب القلوب، والذي نفسي بيده. ( البخاري حديث 6628 / 6629 )
وأجمع علماء المسلمين قديماً وحديثاً على مشروعية وثبوت أحكامها. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ435 )
الحكمة من مشروعية الأيمان:
من أساليب التأكيد المتعارفة في جميع العصور أسلوب التأكيد باليمين وهي إما لحمل المخاطب على الثقة بكلام الحالف وأنه لم يكذب فيه إن كان خبرًا ولا يخلفه إن كان وعدًا أو وعيدًا أو نحوهما، وإما لتقوية عزم الحالف على فعل شيء يخشى إحجام نفسه عنه أو ترك شيء يخشى الإقدام عليه، وذلك أن الإنسان إذا دعاه طبعه إلى فعل لما يتعلق به من اللذة الحاضرة، فعقله يزجره عنه لما يتعلق به من العاقبة الوخيمة، وربما لا يقاوم طبعه، فيحتاج إلى أن يتقوى على أن يجري على موجب العقل، فيحلف بالله وذلك لما عرف من قبح هتك حرمة اسم الله تعالى، وكذا إذا دعاه عقله إلى فعل تحسنُ عاقبته، وطبعه يستثقل ذلك فيمنعه عنه، فيحتاج إلى اليمين بالله تعالى ليتقوى بها على التحصيل، وقد يكون اليمين لتقوية الطلب من المخاطب أو غيره، وحثه على فعل شيء أو منعه منه، فالغاية العامة لليمين قصد توكيد الخبر ثبوتًا أو نفيًا. ( الأيمان لسعاد محمد الشايقي صـ32 )
الإكثار من الحلف:
يُكره الإفراط في الحلف بالله تعالى، لقوله سبحانه: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ ) (القلم: 10 )
وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله، فإن لم يخرج إلى حد الإفراط فليس بمكروه، إلا أن يقترن به ما يوجب كراهته. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ439 )
إن كثرة الحلف عادة ما تجر الإنسان إلى الكذب، وتنزع هيبة اليمين من قلبه فلا يكون لها تأثير على نفسه، إن الكثير من التجار اليوم – إلا من عصم الله – قد اعتاد كثرة الحلف في الحق والباطل من أجل أن يربح القليل من المال.
روى الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ. ( البخاري حديث 2087 / مسلم حديث 1606 )
قال النووي: رحمه الله: في هذا الحديث نهى عن كثرة الحلف في البيع فإن الحلف من غير حاجة مكروه وينضم إليه هنا ترويج السلعة وربما اغتر المشتري باليمين.( مسلم بشرح النووي جـ6 صـ50 )
وقال ابن حجر العسقلاني: قال ابن المنير: الحلف الكاذب وأن زاد في المال فإنه يمحق البركة. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ4 صـ370 )
روى مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ ثُمَّ يَمْحَقُ. ( مسلم حديث 1607 )
المسلم يبرُّ قَسَم أخيه:
روى الشيخان عن الْبَرَاءِ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: َأَمَرَنَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بِسَبْعٍ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ.( البخاري حديث 5863 / مسلم حديث 2066 )
إذا أقسم عليك أخوك المسلم أن تفعل شيئًا أو أقسم عليك ألا تفعله، فيُستحب أن تبر قسمه إن كان في إمكانك، بشرط أن لا تكون فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك.
قال النووي ( رحمه الله ): إبرار القسم سُّنَّةٌ مستحبةٌ متأكدة، وإنما يندبُ إليه إذا لم يكن فيه مفسدة أو خوف ضرر أو نحو ذلك، فإن كان شيء من هذا لم يبر قسمه كما ثبت أن أبا بكر الصديق – لمَّا عَبَّر الرؤيا بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا. فقال أبو بكر: أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني، فقال: لا تقسم، ولم يخبره.( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3874 ) ( مسلم بشرح النووي جـ7 صـ291 ) ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ503 )
حُكْمُ اليمين:
يختلف حكم اليمين باختلاف الأحوال كما يلي:
1- اليمين الواجبة:
وهي اليمين التي يُنجي بها المسلم نفسه أو غيره من هلاك محقق، وذلك مِثْلُ أَنْ تَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ أَيْمَانُ الْقَسَامَةِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَرِيءٌ.
2- اليمين المندوب إليها (المستحبة):
وَهُوَ الْحَلِفُ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ ؛ مِنْ إصْلَاحٍ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ، أَوْ إزَالَةِ حِقْدٍ مِنْ قَلْبِ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَالِفِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ دَفْعِ شَرٍّ، فَهَذَا مَنْدُوبٌ ؛ لِأَنَّ فِعْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالْيَمِينُ مُفْضِيَةٌ إلَيْهِ.
3- اليمين المباحة (الجائزة):
مِثْلُ الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِهِ، وَالْحَلِفِ عَلَى الْخَبَرِ بِشَيْءِ، وَهُوَ صَادِقٌ فِيهِ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ فِيهِ صَادِقٌ.
4- اليمين المكروهة:
وهو الحلف على فعل مكروه أو ترك أمر مستحب.
5- اليمين المحرَّمة:
وَهُوَ الْحَلِفُ الْكَاذِبُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قد ذَمَّهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: [ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ]
( المجادلة: 14 ) ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ440: صـ444)
اليمين لا تكون إلا بالله تعالى:
اليمين تنعقد بالله أو باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته واليمين بالله سبحانه أن يقول المسلم: والذي لا إله غيره، والذي أعبده، والذي نفسي بيده، واليمين بأسمائه سبحانه كأن يقول الحالف: والله، والرحمن، والرحيم، والخالق، والبارئ، والرازق، والرب، والسميع، والبصير، وباسط الرزق، وفالق الإصباح، واليمين بصفات الله تعالى كأن يقول المسلم: وعظمة الله، وجلال الله، وعِزة الله، وقدرة الله، وكبرياء الله، وعِلْمِ الله، وكلامِ الله (القرآن الكريم).
( شرح السنة للبغوي جـ10 صـ4، صـ5 )
الحلف بغير الله:
لا يجوز للمسلم أن يحلف بأحد من الأنبياء أو الملائكة أو بأحد من أولياء الله الصالحين، ولا يحلف بالكعبة، ولا بالأمانة ولا بالوالدين، ولا يحلف كذلك بالطلاق، ولا بالشرف ولا بالنعمة؛ لأن الحلف بغير الله تعالى مُحرم، فهو نوع من الشرك.
روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ. ( البخاري حديث 6646 / مسلم – كتاب الأيمان حديث 3 )
روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بِالْأَنْدَادِ وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ.
( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2784 )
قال ابن قدامة:
لِأَنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ، فَقَدْ عَظَّمَ غَيْرَ اللَّهِ تَعْظِيمًا يُشْبِهُ تَعْظِيمَ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلِهَذَا سُمِّيَ شِرْكًا ؛ لِكَوْنِهِ أَشْرَكَ غَيْرَ اللَّهِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَعْظِيمِهِ بِالْقَسَمِ بِهِ.( المغني لابن قدامة جـ13 صـ438 )
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ. ( البخاري حديث 6650 / مسلم حديث 1647 )
روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا. ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2788 )
روى أبو داودَ عن ابْنِ عُمَرَ إِن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ.( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2787 )
قال ابنُ قدامة: من حلف بغير الله تعالى فليقل( لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ) تَوْحِيدًا لِلَّهِ – تَعَالَى، وَبَرَاءَةً مِنْ الشِّرْكِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ – تَعَالَى، فَلْيَقُلْ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ.( المغني لابن قدامة جـ13 صـ438 )
حروف القَسَم:
حروف القَسَم المشهورة ثلاثة، وهي: الباء والواو والتاء، كأن يقول الحالف: والله، أو بالله،أو: تالله، وهي بحسب استعمال العرب، وقد جاء الشرع الشريف بتأييد لغة العرب، قال تعالى: [وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ] (الأنعام: 109)، [وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ] (التوبة: 56)، وقال جَلَّ شأنه: [وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ] (الأنعام: 3)، [وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ](الأنبياء: 57)، [تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ] (النحل: 56)، [تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ]
(يوسف: 91)، وقال سبحانه: [تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ] (يوسف: 85)
( المغني لابن قدامة جـ13صـ457: صـ460 )
فائدة هامة:
حرفا الباء والواو يستعملان في جميع ما يقسم به المسلم من أسماء الله تعالى وصفاته، وأما التاء فلا تستعملُ إلا في لفظ الجلالة: «الله»، فنقول: «تالله».
صيغ القَسَم:
من صيغ القسم المشروعة: «أقسم: أقسم بالله، أحلف: أحلف بالله، وعهد الله(كلام الله الذي أمرنا به ونهانا )، والقرآن، والمصحف وحق الله، أشهد بالله، أعزم بالله، وعَمْرُ الله، وحياة الله، ورب الكعبة، وحق القرآن، وأيم الله (أي ويمين الله )، والذي نفسي بيده».( المغني لابن قدامة جـ13 صـ460: صـ471 )
روى عبدُ الرزاق عن معمر بن طاوس عن أبيه في الرجل يقول: «عليَّ عهد الله وميثاقه أو عليَّ عهد الله، قال: يمين يكفِّرها». (إسناده صحيح ) ( مصنف عبد الرازق جـ8 صـ481 رقم 15979 )
أنواع اليمين:
تنقسم اليمين إلى ثلاثة أنواع وهي:
1- اليمين اللغو.
2- اليمين الغموس.
3- اليمين المنعقدة.
وسوف نتحدث عن كل نوع منها بشيء من الإيجاز:
أولاً: اليمين اللغو:
اللغو لغة: قال الراغب الأصفهاني: اللغو: هو ما لا يُعتد من الكلام، وهو الذي يُورد لا عن روية ولا فكر، فيجري مجرى اللغو وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور.
( المفردات للراغب الأصفهاني صـ382 )
واليمين اللغو: هو ما يجري على لسان المسلم المكلَّف من الحَلِفِ بدون قصد، كمن يكثر في كلامه قول: لا والله، بلى والله.( منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري صـ428 )
مثل من يقول لضيفه: والله لتأكلن، أو: والله لتشربن، ونحو ذلك، وهو لا يريد بذلك قَسَمًا بالله تعالى، إنما اعتاد عليه عند الكلام.
روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [ لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ] فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ. ( البخاري حديث 4613 )
روى أبو داودَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: هُوَ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلَّا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ. ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2789 )
حُكْمُ يمين اللغو:
اليمين اللغو لا إثم فيها ولا كفَّارة، على قائلها لأنها يمين غير منعقدة ولا نية فيها
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ449: صـ450 )( روضة الطالبين للنووي جـ11 صـ3)
قال اللهُ تعالى: [لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ] (المائدة: 89)، ولأن هذه اليمين اللغو لا نية لقائلها على أنها حلف بالله تعالى.
روى الشيخانِ عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى. ( البخاري حديث 1 / مسلم حديث 1907 )
قال الإمام مالك بن أنس: «ليس في اللغو كفَّارة».( موطأ مالك – كتاب النذور والأيمان صـ477 )
ثانيًا: اليمين الغموس:
اليمين الغموس: أن يحلف المسلم متعمدًا الكذب على شيء قد مضى. كأن يقول: والله: لقد اشتريت هذا الثوب بخمسين جنيهًا، أو يقول: والله قد فعلت كذا وهو لم يفعل.
قال ابنُ حجر العسقلاني: وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار.
( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11 صـ564 )
واليمين الغموس هي تلك اليمين التي يقصد بها صاحبها أكل حقوق الناس بالباطل، وهي من الكبائر التي حذرنا الله منها في كتابه العزيز وكذلك رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سنته المطهرة.
يقول الله تعالى: [وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] (النحل: 94).
قال ابنُ جرير الطبري: في تفسير هذه الآية: [وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ] تغرون بها الناس فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين.( جامع البيان لابن جرير الطبري جـ14 صـ168: صـ169 )
روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ.( البخاري حديث 6675 )
روى مسلم عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ. ( مسلم حديث 137 )
روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ[ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. ( آل عمران: 77) ( البخاري حديث 6676 / مسلم حديث 138 )
حُكم اليمين الغموس:
اليمين الغموس كبيرة من الكبائر وصاحبها آثم، ولكن لا كفارة عليه، وإنما يجب فيها التوبة والاستغفار.روى البيهقي عن ابن مسعود قال: كنا نعد من الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس فقيل ما اليمين الغموس قال: اقتطاع الرجل مال أخيه باليمين الكاذبة.
( إسناده حسن ) ( سنن البيهقي جـ10 صـ38 )
قال الإمام مالك بن أنس:
الَّذِي يَحْلِفُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ وَيَحْلِفُ عَلَى الْكَذِبِ وَهُوَ يَعْلَمُ لِيُرْضِيَ بِهِ أَحَدًا أَوْ لِيَعْتَذِرَ بِهِ إِلَى مُعْتَذَرٍ إِلَيْهِ أَوْ لِيَقْطَعَ بِهِ مَالًا فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ.
( موطأ مالك – كتاب النذور والأيمان صـ447 )
قال الخِرقي: مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَتَى بِهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الْكَفَّارَةُ ).( المغني لابن قدامة جـ13 صـ448: صـ449 )
ثالثًا: اليمين المنعقدة:
اليمين المنعقدة:
هي اليمين يقصدها المسلم ويصمم عليها بفعل شيء أو عدم فعله في المستقبل، كأن يقول: والله لأشترين لك ثوبًا جديدًا غدًا، أو يقول: والله لا أدخل بيتك لمدة شهر.
شروط اليمين المنعقدة:
لكي تكون اليمين منعقدة، لا بد أن يتوافر لها عدة شروط، وهذه الشروط بعضها خاص بالحالف نفسه، وبعضها خاص بالشيء المحلوف عليه، وبعضها خاص بصيغة اليمين نفسها.وسوف نتحدث عن كل منها بإيجاز، فنقول وبالله التوفيق:
شروط الحالف:
يُشترط في الحالف: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والتلفظ باليمين مع القصد والاختيار.
شروط المحلوف عليه:
يُشترط في المحلوف عليه أن يكون أمرًا مستقبلاً، وأن يكون متصور الوجود حقيقة عند الحلف، بمعنى أن يكون غير مستحيل وجوده.
شروط صيغة الحِلِف:
يُشترط التلفظ باليمين، ولا تكفي النية وحدها، وأن يكون الحلف باسم من أسماء الله تعالى أو بصفة من صفاته العَلِّية، وأن يكون خاليًا من الاستثناء وهو قول: إن شاء الله. ( بدائع الصنائع للكساني جـ3 صـ10: صـ12 )
حُكْمُ اليمين المنعقدة:
يجب الوفاء باليمين المنعقدة، مع وجوب الكفارة على صاحبها في حالة عدم الوفاء بها. يقول الله تعالى: [وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً] (النحل: 91).
وقال سبحانه: [لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون] (المائدة: 89).
كفارة اليمين المنعقدة هي:
كفارة اليمين المنعقدة هي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مؤمنة، والمسلم مخير بين هذه الثلاث، فله أن يُكفِّر بأيها شاء، فإن عجز ولم يستطع أن يفعل واحدًا منها فإنه ينتقل إلى الصوم، فيصوم ثلاثة أيام متتابعات أو متفرقات، ولا يُجزئ الصوم إلا بعد العجز عن الإطعام أو الكسوة أو عتق رقبة مؤمنة. ( بداية المجتهد لابن رشد جـ1 صـ628 )
أقسام اليمين باعتبار المحلوف عليه:
يمكن تقسيم اليمين باعتبار المحلوف عليه إلى الأقسام الآتية:
1- أن يحلف على فعل واجب أو ترك محرم، فهذا يحرم الحنث فيه، لأنه تأكيد لما كلفه الله به من عبادة.
2- أن يحلف على ترك واجب أو فعل محرم.
فهذا يجب الحنث فيه لأنه حلف على معصية، كما تجب الكفارة.
3- أن يحلف على فعل مباح، أو تركه.فهذا يكره فيه الحنث ويندب البر.
4- أن يحلف على ترك مندوب أو فعل مكروه.فالحنث مندوب، ويكره التمادي فيه.وتجب الكفارة.
5- أن يحلف على فعل مندوب.أو ترك مكروه، فهذا طاعة لله. فيندب له الوفاء، ويكره الحنث. ( فقه السنة للسيد سابق جـ 4 صـ 18 )
اليمين على نية المستحلف:
إن اليمين على نية الحالف في كل الأحوال إلا إذا استحلفه القاضي أو نائبه في دعوى توجهت عليه والتورية وإن كان لا يحنث بها فلا يجوز فعلها حيث يبطل بها حق المستحلف.
( نيل الأوطار للشوكاني جـ8 صـ302 )
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ. ( مسلم حديث 1653 )
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ. ( مسلم – كتاب الأيمان حديث 21 )
قال النووي: إذا ادعى رجل على رجل حقا فحلفه القاضي فحلف وورى فنوى غير مانوى القاضي، انعقدت يمينه على ما نواه القاضي، ولا تنفعه التورية وهذا مجمع عليه. ( مسلم بشرح النووي جـ6 صـ131)
فائدة هامة:
لو كانت اليمين على نية الحالف لما كانت لها معنى عند القاضي ولضاعت الحقوق بين الناس.
متى تجوز التورية في اليمين ؟
التورية: هي أن يقصد الحالف شيئًا غير الذي يحلف عليه إذا كان المستحلف ظالمًا للحالف أو لغيره، فيجوز للحالف التورية ليحفظ حقه أو لينصر مظلوم. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ497: صـ501 )
ولأن الظالم ليس له حق التحليف، فجاز للمظلوم أن يوري في يمينه.
روى أبو داود عن سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ فَأَخَذَهُ عَدُوٌّ لَهُ فَتَحَرَّجَ الْقَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ الْقَوْمَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي قَالَ صَدَقْتَ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ. ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2791 )
مبنى الأيمان على العُرف والنية:
قال الشيخ السيد سابق: أمر الأيمْان مبني على العرف الذي درج عليه الناس،لا على دلالات اللغة ولا على اصطلاحات الشرع، فمن حلف أن لا يأكل لحما، فأكل سمكا فإنه لا يحنث وإن كان الله سماه لحما، إلا إذا نواه، أو كان يدخل في عموم اللحم في عرف قومه.( فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ12 )
حُكمُ يمين الناسي والمكره والمخطئ:
من حلف أن لا يفعل شيئًا ففعله ناسيًا أو مخطئًا أو مكرهًا عليه كرهًا شديدًا، يضر بنفسه أو ماله أو عرضه، فلا إثم عليه ولا كفارة.( روضة الطالبين للنووي جـ11 صـ78: صـ79 )
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ446:صـ448 )
يقول الله تعالى: [وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ] (الأحزاب: 5)
روى أحمد عن أبي ذر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ( حديث صحيح ) ( صحيح الجامع للألباني حديث 1731)
ومن صور الفعل الخطأ: أن يدخل المسلم دارًا لا يعرف أنها المحلوف عليها، أو كمن حلف ألا يسلم على شخص مُعين، فسلم عليه وهو لا يعرف أنه هو الشخص الذي حلف ألا يسلم عليه.
الحنث في اليمين لمصلحة شرعية:
الحنث في اليمين: هو الخُلْفُ وعدمُ الوفاء باليمين.
يجوز للمسلم أن يحنث في يمينه، ويكفر عنها من أجل مصلحة شرعية راجحة، يقول الله تعالى: [وَلاَ تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ] (البقرة: 224).
قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: لا تجعلوا الله قوة لأيمانكم في أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس، ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه من ترك البر والإصلاح بين الناس فليحنث في يمينه، وليبر، وليتق الله وليصلح بين الناس وليكفر عن يمينه. ( جامع البيان لابن جرير الطبري جـ2 صـ402 )
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ. ( مسلم –كتاب الأيمان جـ1 حديث 13 )
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَاللَّهِ: لَأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ. ( البخاري حديث 6625 / مسلم حديث 1655 )
اللَجَاجُ: هو أن يتمادى الإنسان في الأمر ولو تبين له خطؤه وأصل اللجاج في اللغة هو الإصرار على الشيء مطلقاً. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11 صـ528 )
قال النووي (رحمه الله ): معنى الحديث أنه إذا حلف يمينا تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه ويكون الحنث ليس بمعصية فينبغي له أن يحنث فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه فإن قال لا أحنث بل أتورع عن ارتكاب الحنث وأخاف الإثم فيه فهو مخطئ بهذا القول بل استمراره في عدم الحنث وإدامة الضرر على أهله أكثر إثما من الحنث. (مسلم بشرح النووي جـ6 صـ137 )
وقت إخراج كفارة اليمين:
من حلف على يمين فهو مُخيَّر في إخراج الكفارة قبل الحنث وبعده سواء كانت الكفارة صومًا أو غيره إلا في كفارة الظهار فعليه إخراج الكفارة قبل الحنث في اليمين لقوله تعالى: [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا] [المجادلة:3 )
روى البخاريُّ عن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِني إن شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا.
( البخاري حديث 6721 ) تَحَلَّلْتُهَا (أي جعلتها حلالاً بكفارة).
وروى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ. ( البخاري حديث 6722 / مسلم حديث 1650 )
وفي رواية عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ نَحْوَهُ قَالَ: فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ. (حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2806 )
ورواية أبي داود صريحة في تقديم الكفارة على الحنث في اليمين، وممن قال بجواز تقديم الكفارة على الحنث في اليمين أربعة عشر صحابيًّا. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11 صـ617 )
وقد أيد هذا المذهب الإمام البخاري(رحمه الله) حيث قال: في كتاب كفارات الأيمان باب الكفارة قبل الحنث وبعدَهُ. ( البخاري – كتاب الكفارات الأيمان باب 10 )
إخراج الكفارة قبل الحنث:
لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ تَقْدِيمٌ لِلْحُكْمِ قَبْلَ سَبَبِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ، وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ قَبْلَ الْجَرْحِ.( المغني لابن قدامة جـ13 صـ483 )
حُكْمُ من مات وعليه كفارة يمين:
إذا مات المسلم وعليه كفارة يمين، وجب إخراجها من تركته قبل تقسيمها، سواء أوصى بذلك أم لم يوص. ( روضة الطالبين للنووي جـ11 صـ25 )
إخراج قيمة الكفارة نقوداً: لا تُجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطَّعَامِ وَلا الْكِسْوَةِ،ولا عتق الرقبة، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَلَوْ جَازَتْ الْقِيمَةُ لَمْ يَنْحَصِرْ التَّخْيِيرُ فِي الثَّلَاثَةِ، وَلِأَنَّهُ، لَوْ أُرِيدَتْ الْقِيمَةُ لَمْ يَكُنْ لِلتَّخْيِيرِ مَعْنًى ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الطَّعَامِ إنْ سَاوَتْ قِيمَةَ الْكِسْوَةِ، فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، فَكَيْفَ يُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا ؟ وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَكَيْفَ يُخَيَّرُ بَيْنَ شَيْءٍ وَبَعْضِهِ ؟ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَعْطَاهُ فِي الْكِسْوَةِ مَا يُسَاوِي إطْعَامَهُ أَنْ يُجْزِئَهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْآيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ غَلَتْ قِيمَةُ الطَّعَامِ، فَصَارَ نِصْفُ الْمُدِّ يُسَاوِي كِسْوَةَ الْمِسْكِينِ، يَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ نِصْفُ الْمُدِّ وَهُوَ خِلَافُ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ فَتَعَيَّنَ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ كَالْعِتْقِ أَوْ فَلَا تُجْزِئُ فِيهِ الْقِيمَةُ كَالْعِتْقِ فَعَلَى هَذَا، لَوْ أَعْطَاهُمْ أَضْعَافَ قِيمَةِ الطَّعَامِ، لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ.( المغني لابن قدامة جـ13 صـ511: صـ512 )
حُكْمُ تكرار اليمين مع عدم الوفاء بها:
إذا حلفَ المسلمُ على شيء وحنث فيه وأدى ما عليه من الكفارة ثم حلف على نفس الشيء وحنث فيه، وجبت عليه كفارة أخرى، وهكذا إذا تكرر هذا الحال وبنفس الطريقة، وأما إذا تكرر اليمين على شيء واحد، سواء في مجلس واحد أو مجالس متعددة، ثم حنث (أي لم يُوف بها) فليس عليه إلا كفارة واحدة.
وكذلك إذا حلف يمينًا واحدة على أمور مختلفة، فقال: والله لا آكل، ولا أشرب، ولاأبيت، عندك، فحنث في الجميع فليست عليه إلا كفارة واحدة وذلك اليمين واحدة والحنث واحد.
( المحلى لابن حزم جـ8 صـ53: صـ54 ) ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ472: صـ474 ) ( فتاوى ابن تيمية جـ33 صـ219 )
روى عبدُ الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم قال: «ربما قال ابن عمر لبعض بنيه: لقد حفظت عليك في هذا المجلس أحد عشر يمينًا، ولا يأمره بتكفير».
قال عبد الرزاق: يعني تكفيه كفارة واحدة. ( صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ8 صـ503 رقم 16056 )
وروى عبد الرزاق عن الثوري عن أبان بن عثمان عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال: إذا أقسمت مرارًا فكفارة واحدة. ( صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ8 صـ504رقم 16061)
روى ابنُ أبي شيبة عن ابن عُلية عن أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر إذا حلف أطعم مدًا وإن أوكد اعتق فقلت لنافع: ما التوكيد ؟ قال: يردد اليمين في الشيء الواحد. ( صحيح ) (مصنف ابن أبي شيبة جـ3 صـ485 )
الاستثناء في اليمين:
الاستثناء لغة: الكَفِّ والصرف والرَّدّ لأَن الحالف إذا قال والله لا أَفعل كذا وكذا إلا أَن يشاء الله غَيْرَه فقد رَدَّ ما قاله بمشيئة الله غيره.( لسان العرب لابن منظور جـ1 صـ517 )
والاستثناء في اليمين: تعليق اليمين بمشيئة الله تعالى وذلك بأن يقول المسلم مثلاً: والله لأشترين لك ساعة جديدة غدًا إن شاء الله.
حُكْمُ الاستثناء في اليمين:
من حلف باسم من أسماء الله تعالى أو يصفه من صفاته وقال بعدها إن شاء الله، فقد استثنى، فإن شاء فعل وإن شاء ترك ولا كفارة عليه. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ484 )
قال ابنُ رشد: اتفق الفقهاء على أن الاستثناء بمشيئة الله في الأمر المحلوف على فعله إن كان فعلاً أو على تركه إن كان تركًا رافع لليمين لأن الاستثناء هو رفع لزوم اليمين.
( بداية المجتهد لابن رشد جـ1 صـ621 )
روى أبو داود عَنْ ابْنِ عُمَرَ أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَثْنَى. ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2794 )
روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ حَلَفَ فَاسْتَثْنَى فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ غَيْرَ حِنْثٍ. ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2795 )
شروط الاستثناء في اليمين:
يشترط لصحة الاستثناء ما يلي:
أولاً: التلفظ بالاستثناء (وهو قول إن شاء الله) ولا تكفي النية وحدها.
روى عبدُ الرزاق عن معمر عن الحسن البصري قال: «إذا حرَّك لسانه أجزأه عنه في الاستثناء.( صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ8 صـ519 )
ثانيًا: أن يكون الاستثناء (وهو قول إن شاء الله) متصل باليمين مباشرة.
روى الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ. ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 1237 )
قال الترمذيُّ:
وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إِذَا كَانَ مَوْصُولًا بِالْيَمِينِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ.( سنن الترمذي جـ4 صـ92 )
وروى مالك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ قَالَ وَاللَّهِ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ. ( صحيح ) ( موطأ مالك – كتاب النذور والأيمان حديث 10 )
قَالَ مَالِكٌ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الثُّنْيَا أَنَّهَا لِصَاحِبِهَا مَا لَمْ يَقْطَعْ كَلَامَهُ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَسَقًا يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا قَبْلَ أَنْ يَسْكُتَ فَإِذَا سَكَتَ وَقَطَعَ كَلَامَهُ فَلَا ثُنْيَا لَهُ.
( موطأ مالك – كتاب الأيمان والنذور صـ348 )
روى البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه وإن كان غير موصول فهو حانث. ( حسن ) ( سنن البيهقي جـ10 صـ47 )
روى عبد الرزاق عن الثوري قال: «إن اتصل الكلام له استثناؤه وإن قطعه وسكت ثم استثنى فلا استثناء له، والناس عليه. (إسناده صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ8 صـ518 رقم 1622 )
قال النووي: ويشترط في الاتصال أن يكون قوله إن شاء الله متصلا باليمين من غير سكوت بينهما ولا تضر سكتة النفس. ( مسلم بشرح النووي جـ6 صـ134 )
قال ابنُ قدامة:
يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ، بِحَيْثُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ أَجْنَبِيٌّ، وَلَا يَسْكُتُ بَيْنَهُمَا سُكُوتًا يُمْكِنُهُ الْكَلَامُ فِيهِ، فَأَمَّا السُّكُوتُ لِانْقِطَاعِ نَفَسِهِ أَوْ صَوْتِهِ، أَوْ عَيٍّ، أَوْ عَارِضٍ، مِنْ عَطْسَةٍ، أَوْ شَيْءٍ غَيْرِهَا، فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَثُبُوتَ حُكْمِهِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَإِسْحَاقُ الرَّأْيِ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: [ مَنْ حَلَفَ، فَاسْتَثْنَى ] وَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَقِيبَهُ، وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ، فَاعْتُبِرَ اتِّصَالُهُ بِهِ، كَالشَّرْطِ وَجَوَابِهِ.( المغني لابن قدامة جـ13 صـ438 )
حُكْمُ الحَلِف بالحرام:
إذا حَرَّمَ المسلم على نفسه شيئًا حلالاً، فقال: هذا الطعام، أو هذا الشراب حرام عليَّ أو دخولي دار فلان حرام عليَّ أو ما شابه ذلك، فلا يحرم، وعليه كفارة يمين.( المغني لابن قدامة جـ13 صـ465: صـ467 )
يقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ] (لتحريم: 1، 2).
وقال سبحانه: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ] (لمائدة: 87).
روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا فَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ عَلَى أَيَّتُنَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ قَالَ لَا وَلَكِنِّي كُنْتُ أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا. ( البخاري حديث 4912 )
روى مسلمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ: يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ[ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ].( الأحزاب: 21 ).( مسلم حديث 1473 )
الحلف بغير الإسلام:
اعتاد بعض المسلمين على الحلف بدين غير الإسلام لتأكيد ما يريدونه، وهذا لا يجوز، وقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك.
روى الشيخانِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-
قَالَ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ. ( البخاري حديث 1363 / مسلم حديث 110 )
قال ابن حجر العسقلاني: الِملَّةُ بكسر الميم وتشديد اللام الدين والشريعة وهي نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية والنصرانية ومن لحق بهم من المجوسية والصابئة وأهل الأديان والدهرية والمعطلة وعبدة الشياطين والملائكة وغيرهم. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11 صـ546 )
قال النووي: في قوله: ( من حلف على يمين بملة غير الإسلام)كاذبا فهو كما قال وفى الرواية الأخرى كاذبا متعمدا ففيه بيان لغلظ تحريم هذا الحلف. ( مسلم بشرح النووي جـ1 صـ403)
حُكْمُ الحلف بغير الإسلام:
إذا حلف المسلم بدين غير الإسلام واعتقد تعظيمه، كَفَرَ بالله تعالى، وأما إن لم يكن معظمًا له، وكان قلبه مطمئنًا بالإيمان فإنه لا يكفر ولا يخرج عن مِلة الإسلام، ولكنه يأثم، سواء كان صادقًا أم كاذبًا، وتلزمه التوبة. ( مسلم بشرح النووي جـ1 صـ403 )
قال القسطلاني: الحالف إن كان مطمئن القلب بالإيمان وهو كاذب في تعظيم مالا يعتقد تعظيمه لم يكفر وإن قاله معتقداً لليمين بتلك الملة لكونها حقا كفر وإن قاله لمجرد التعظيم لها باعتبار ما كان قبل النسخ فلا يكفر. ( عون المعبود جـ9 صـ60 )
روى أبو داود عن بُرَيْدَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَنْ حَلَفَ فَقَالَ: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا.
( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2793 )
قال ابنُ حجر العسقلاني في شرح هذا الحديث: يحتمل أن يكون المراد بهذا الكلام التهديد والمبالغة في الوعيد لا الحكم وكأنه قال فهو مستحق مثل عذاب من اعتقد ما قال ونظيره من ترك الصلاة فقد كفر.
أي استوجب عقوبة من كفر.
وقال ابنُ المنذر قوله( فهو كما) قال: ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر بل المراد انه كاذب ككذب المعظم لتلك الجهة. ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11 صـ548 )
قال النووي:
إذا قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الله تعالى أو من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو من الإسلام أو من الكعبة أو مستحل الخمر, وقصد بذلك تبعيد نفسه عنه لم يكفر وإن قصد به الرضا بذلك وما في معناه إذا فعله فهو كافر في الحال. ( روضة الطالبين للنووي جـ11 صـ7 )
حُكْمُ الحنث في الحلف بغير الإسلام:
إذا حلف المسلم بدين غير الإسلام، وحنث في يمينه، وجبت عليه كفارة يمين، وهذا قول طاوس بن كيسان وسفيان الثوري والأوزاعي، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه والحنفية وإحدى الروايات عن أحمد.
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ464 ) ( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11 صـ54)
( حاشية ابن عابدين جـ3 صـ52: صـ55 ) ( شرح زاد المستقنع لابن عثيمين جـ11 صـ383 )
ومذهب ابن تيمية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال أكثر أهل العلم: إذا قال: هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل ذلك، فهي يمين، بمنزلة قوله: والله لأفعلن، لأنه ربط عدم الفعل بكفره الذي هو براءته من الله، فيكون قد ربط الفعل بإيمانه بالله، وهذا هو حقيقة الحلف بالله، فربطُ الفعل بأحكام الله من الإيجاب أو التحريم أدنى حالاً من ربطه بالله. ( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ35 صـ253: صـ256، صـ274: صـ276 )
روى عبدُ الرزاق بن همام الصنعاني عن ابن التيمي عن أبيه عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع قال: قالت لي مولاتي ليلى ابنة العجماء: كل مملوك لها حُرٌ، وكل ما لها هَدْي، وهي يهودية، ونصرانية، إن لم تكلف زوجتك أن تفرق بينك وبين امرأتك، قال: فأتيت زينب ابنة أم سلمة، وكانت إذا ذكرت امرأة بفقه ذُكرت زينب، قال: فجاءت معي إليها، فقالت: أفي البيت هاروت وماروت ؟ فقال: يا زينب، جعلني الله فداك، إنها قالت كل مملوك لها حر، وهي يهودية ونصرانية، فقالت: يهودية ونصرانية ؟ خلي بين الرجل وامرأته، قال: فكأنها لم تقبل ذلك، قال: فأتيت حفصة فأرسلت معي إليها، فقالت: يا أم المؤمنين، جعلني الله فداك، إنها قالت: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية، قال: فقالت حفصة: يهودية ونصرانية ؟ خلي بين الرجل وامرأته، فكأنها أبت، فأتيت عبد الله بن عمر، فانطلق معي إليها، فلما سَلَّم عرفت صوته، فقالت: بأبي أنت وبآبائي أبوك، فقال: أمن حجارة أنت أم من حديد، أم من أي شيء أنت ؟ أفتتك زينب، وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي منها. قالت: يا أبا عبد الرحمن، جعلني الله فداك، إنها قالت: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هَدْي وهي يهودية ونصرانية، قال لهم: يهودية ونصرانية ؟ كَفِّري عن يمينك، وخلي بين الرجل وامرأته.
( صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ8 صـ486 رقم 1600 )
روى عبدُ الرزاق عن أبان وسليمان التيمي عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع أنه سمع ابن عمر وسألته امرأة فقالت: إنها حلفت، فقالت: هي يومًا يهودية، ويومًا نصرانية، ومالها في سبيل الله وأشباه هذا، فقال ابن عمر: كفري عن يمينك.( صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ8 صـ490 رقم16013 )
روى عبدُ الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: من قال: أنا كافر أو أنا يهودي أو نصراني أو مجوسي أو أخزاني الله أو أشبه ذلك، فهي يمين يكفرِّها.
( صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ8 صـ480 رقم 15975 )
روى عبدُ الرزاق عن الثوري عن حماد عن إبراهيم النخعي قال: «أقسمت أو أقسمت بالله، فهي يمين، أو قال: أشهد أو أشهد بالله فهي يمين، أو قال: عليَّ عهد الله وميثاقه فهي يمين أو قال: عليَّ نذر أو عليَّ لله نذر، فهي يمين، أو قال يهودي أو نصراني أو مجوسي، فهي يمين، أو برئ من الإسلام فهي يمين، أو قال ذمة، أو عليَّ ذمة الله فهي يمين».
( صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ8 صـ480 رقم 15973 )
النُّــــــذوُر
معنى النذر:
أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر. ( المفردات للراغب الأصبهاني صـ742)
مشروعية النذر:
النذر مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فيقول الله تعالى: [وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ] (البقرة: 270)، ويقول سبحانه: [ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ] (الحج: 29)، ويقول جل شأنه: [يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا] (الإنسان: 7).
وأما السُّنة: فقد روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ. ( البخاري حديث 6696 )
وروى الشيخانِ عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ لَا أَدْرِي ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ.
( البخاري حديث 2651 / مسلم حديث 2535 )
وأما الإجماع:
فقد أجمع المسلمون على صحة النذر في الجملة ولزوم الوفاء به.
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ621 )
النذر في الأديان السابقة:
كان النذر مشروعًا في الأديان السابقة للإسلام، يقول الله تعالى: [إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ] (آل عمران: 35).
ويقول سبحانه عن مريم عليها السلام:[فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا] (مريم: 26).
حُكْمُ النذر:
يختلف حكم النذر حسب أحواله، فيباح النذر المطلق الذي يُرادُ به وجه الله تعالى كنذر صيام أو حج أو عمرة أو صلاة أو صدقة، ويكره النذر المقيد والمشروط كأن يقول المسلم: إن شفا الله مريضي صمت أسبوعًا أو تصدقت بكذا على الفقراء.
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنْ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ قَدَّرَهُ لَهُ وَلَكِنْ النَّذْرُ يُوَافِقُ الْقَدَرَ فَيُخْرَجُ بِذَلِكَ مِنْ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ. ( مسلم حديث 1640 )
ويحرمُ النذر إذا كان لغير وجه الله كالنذر لقبور أولياء الله الصالحين، كأن يقول المسلم: يا سيدي فلان إن شفا الله مريضي، ذبحت عند قبرك كذا، أو تصدقت بكذا، وهذا النذر فيه صرف للعبادة لغير الله تعالى، وهذا هو الشرك الذي حرَّمه الله بقوله: [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا] (النساء: 36).( منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري صـ430 )
شروط النذر:
إن للنذر شروطًا، لابد من توافرها، بعضها يتعلق بالناذر نفسه، وبعضها يتعلق بالمنذور به، وهو كالآتي:
أولاً: شروط الناذر:
يشترط في الناذر أن يكون مسلمًا، بالغًا، عاقلاً، قاصدًا للنذر بإرادته ورغبته.
أما الإسلام، فلأنه أساس قبول الأعمال الصالحة عند الله، والكافر لا يصح منه النذر، ولو نذر ثم أسلم بعد ذلك، لا يلزمه الوفاء بنذره، لعدم أهليته للتقرب إلى الله تعالى.
وأما البلوغ والعقل، فلأن التكليف مرفوع عن المجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يحتلم.
وهؤلاء غير مطالبين بشيء من الأحكام الشرعية.
روى أبو داود عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَام عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ. ( حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3711 )
وأما القصد والإرادة، فلأن النذر لا يصح من المُكْره، الذي لا نية له، ولذا لا يلزمه الوفاء بالنذر حال الإكراه.
روى البيهقيُّ عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».( حديث صحيح ) ( صحيح الجامع للألباني حديث 7110 )
ثانيًا: شروط المنذور به:
1- أن يكون المنذور به متصور الوجود في نفسه:
فلا يصح النذر بما لا يُتصور وجوده شرعًا، كما قال: «لله عليَّ نذر أن أصوم ليلاً»، أو قالت امرأة: «لله عليَّ نذر أن أصوم أيام حيضتي» ؛ لأن الليل ليس محل الصوم، والحيض مناف له شرعًا، إذ الطهارة شرط وجوب الصوم الشرعي.
2- أن يكون المنذور به قربة إلى الله تعالى:
كصلاة وصيام وحج وعمرة، وصدقات للفقراء وما شابه ذلك، فلا يصح النذر بما ليس قربة، كالنذر بالمعاصي، كأن يقول المسلم: لله عليَّ نذر أن أشرب الخمر أو اقتل فلان، لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ. ( مسلم جـ3 حديث 1641 )
وروى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ. ( البخاري حديث 6696 )
3- أن يكون المال المنذور به مملوكًا للناذر وقت النذر:
فإن نذر المسلم صدقة مال لا يملكه وقت النذر، فلا يصح.
روى مسلمٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ. ( مسلم جـ3 حديث 1641 )
4- أن لا يكون المنذور به فرضًا أو واجبًا:
فلا يصح النذر بشيء من الفرائض، سواء كان فرض عين كالصلوات الخمس أو صوم رمضان أم فرض كفاية كالجهاد في سبيل الله أو صلاة الجنازة، ولا بشيء من الواجبات كزكاة الفطر. ( الفقه الإسلامي لوهبة الزحيلي جـ3 صـ470: صـ474 )
أنواع النذور وأحكامها:
أولاً: النذر المُعيَّن:
وهو نذر الطاعة، الخارج مخرج الخبر مثل قول المسلم:
لله عليَّ حج بيته الحرام، أو صيام ثلاثة أيام، أو التصدق على خمسة فقراء، ويريد قائله بذلك التقرب إلى الله، وحكم هذا النذر وجوب الوفاء به، لقوله تعالى: [وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ] (النحل: 91)، وقوله سبحانه: [يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا](الإنسان: 7)،
وقوله سبحانه: [ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ](الحج: 29)
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ622 )
ثانيًا: النذر المطلق:
وهو نذر الطاعة الذي لم يُحدد ولم يُسَمه صاحبه، كأن يقول: «لله عليَّ نذر». ثم يسكت دون أن يحدد أو يسمي نوع هذا النذر.
وحُكْمُ هذا النذر، غير المعين، أنه يجب الوفاء به، ويكفي للوفاء به كفارة يمين.
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ624 )
روى أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن عباس قال: النذر أربعة: من نذر نذرًا لم يُسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا فيما لا يطيق فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا فيما يطيق فليوف بنذره».( حسن ) ( مصنف ابن أبي شيبة جـ3 صـ472 )
وروى ابنُ أبي شيبة عن ابن عباس قال: «النذر إذا لم يسمَّ أغلظ اليمين وعليه أغلظ الكفارة».
( صحيح ) ( مصنف ابن أبي شيبة جـ3 صـ471 )
وروى ابنُ أبي شيبة عن عبد الله بن عمر قال: إذا قال عليَّ نذر، فلم يسمه، فعليه كفارة يمين غليظة».( صحيح ) ( مصنف ابن أبي شيبة جـ3 صـ471 )
ثالثًا: النذر المكروه:
وهو النذر المشروط، كأن يقول المسلم: إن شفاني اللهُ، فلله عليَّ صوم شهر أو لأتصدقن بكذا على الفقراء، وهذا النوع من النذر لا يكون خالصًا للتقرب لله تعالى، بل معلق بشرط حصول نفع للناذر، وهو مكروه لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، وذلك أن الناذر شرط ذلك بالمنفعة، فإذا لم يشفه الله، فلن يصوم ولن يتصدق على الفقراء.
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَا تَنْذِرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنْ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ. ( مسلم حديث 1640 )
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنْ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ قَدَّرَهُ لَهُ وَلَكِنْ النَّذْرُ يُوَافِقُ الْقَدَرَ فَيُخْرَجُ بِذَلِكَ مِنْ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ. ( مسلم – كتاب النذر حديث 7)
حُكم النذر المكروه:
هذا النذر، وإن كان مكروهًا إلا أنه يجب الوفاء به لقوله تعالى: [ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ] (الحج: 29)،
وهذا أمر بالوفاء بالنذر، وهو يقتضي الوجوب.
وروى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ. ( البخاري حديث 6696 )
وهذا نذر طاعة، فوجب الوفاء به. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ622 )
رابعًا: نذر ما لا يملكه المسلم:
كأن يقول: «إن شفى الله مريضي فلله عليَّ أن أعتق عبد فلان، أو أتصدق بثوبه أو بداره»، أو نحو ذلك، هذا النذر لا يجوز وقد نهى عنه النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
روى مسلمٌ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ. ( مسلم جـ3 حديث 1641 )
روى الشيخانِ عن ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَيْسَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ. ( البخاري حديث 6047 / مسلم حديث 110 )
وهذا النوع من النذر فيه كفارة يمين.
خامسًا: نذر المعصية:
وهو أن ينذر فعلاً محرمًا، أو ترك واجب، كأن ينذر ضرب أحد الناس بغير حق أو أن يشرب الخمر، وهذا النوع من النذر يحرم الوفاء به لأنه معصية.
روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ. ( البخاري حديث 6696 )
حكم نذر المعصية:
نذر المعصية، حرام ولا يجوز الوفاء به، ويجب على صاحبه كفارة يمين، لأن النذر كاليمين.
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ624: صـ626 )
روى أبو داودَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ . ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2816 )
روى النسائيُّ عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ النَّذْرُ نَذْرَانِ فَمَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ فَذَلِكَ لِلَّهِ وَفِيهِ الْوَفَاءُ وَمَا كَانَ مِنْ نَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ. ( حديث صحيح ) صحيح النسائي للألباني حديث 3854 )
سادسًا: نذر تحريم الحلال:
كأن ينذر تحريم طعام أو شراب مباحين أو ما أشبه ذلك، وحكم هذا النوع من النذر أنه لا يحرم شيئًا وعليه كفارة يمين.( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ11 صـ583 )
يقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ] (التحريم: 1 – 2).
سابعاً: نَذْرُ الْمُسْتَحِيلِ :
نَذْرُ الْمُسْتَحِيلِ، كَصَوْمِ أُمْسِ، فَهَذَا لَا يَنْعَقِدُ، وَلَا يُوجِبُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُهُ، وَلَا الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، فَالنَّذْرُ أَوْلَى. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ628 )
ثامنًا: نذر اللجاج (الغضب):
المقصود بنذر اللجَاج هو حث الناذر نفسه على فعل شيء أو منعها، غير قاصد للنذر ولا القربة لله تعالى، مثل أن يقول: إن فعلت كذا فعليَّ الحج أو فمالي صدقة أو فعلي صيام، يريد بذلك يمنع نفسه عن الفعل أو أن يقول: إن لم أفعل كذا فعليَّ الحج أو نحو ذلك. وهذا النذر يخرج مخرج اليمين لأن الناذر هنا لم يرد التقرب إلى الله تعالى.
( الفقه الإسلامي للزحيلي جـ3 صـ477 )( فتاوى ابن تيمية جـ35 صـ253 )( المغني لابن قدامة جـ13 صـ461 )
حُكم نذر اللجاج:
إذا نذر المسلم نذر اللجَاج (الغضب) فهو بالخيار، إن شاء وفَّى بما نذره، وإن شاء حنث فيه (لم يوف به)، وعليه كفارة يمين.( فتاوى ابن تيمية جـ35 صـ253: صـ258 ) ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ461: صـ462 )
حُكم من مات وعليه نذر:
من نذر حجًا أو عمرة أو صيامًا أو صدقة أو عتقًا أو اعتكافًا أو غير ذلك من الطاعات إلا الصلاة، ومات قبل الوفاء بنذره، فإن وليَّه يقضي عنه نذره، فإن كان النذر مالاً فإنه يُؤدى عن الميت من رأس ماله قبل ديون الناس. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ655: صـ657)
روى الشيخانِِِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى. ( البخاري حديث 1953 / مسلم حديث 1148 )
روى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْرٌ. فَقَالَ: اقْضِهِ عَنْهَا.
( البخاري حديث 2761 / مسلم حديث 1638 )
العجز عن الوفاء بالنذر:
من نذر طاعة لله تعالى ثم عجز عن الوفاء به، وجبت عليه كفارة يمين.
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ632: صـ633 )
روى مسلمٌ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ. ( مسلم جـ3 حديث 1645 )
نذر الصلاة في المسجد الحرام:
إِذَا نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لَمْ تُجْزِئْهُ الصَّلَاةُ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ وَخَيْرُهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَوَابًا لِلْمُصَلِّي فِيهَا.وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ؛ أو المسجد النبوي؛ لأنهما أكثر ثوابًا للمصلي فيهما من المسجد الأقصى.
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ640 )
روى أبو داودَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَذَرْتُ لِلَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ صَلِّ هَاهُنَا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ صَلِّ هَاهُنَا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ شَأْنُكَ إِذَنْ. ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 2827 )
النذر المطلق في الصلاة والصيام:
من نذر صلاة مطلقة، ولم يحدد عددًا معينًا، فيجزئه صلاة ركعتين لأن أقل صلاة وجبت بالشرع ركعتان، فوجب حمل النذر عليه، وإذا نذر صيامًا مطلقًا، ولم يذكر عددًا معينًا، ولم ينوه، فيجزئه صيام يوم واحد.( المغني لابن قدامة جـ13 صـ634: صـ635 )
نذر الهَدْي المطلق للمسجد الحرام:
من نذر هديًا لم يُسمه ولم يحدده، لم يجزئه إلا ما يجزئ في الأضحية، وذلك لأن المطلق يُحمل على معهود الشرع.( المغني لابن قدامة جـ13 صـ641 )
ويلزمه أيضًا إيصاله إلى مساكين الحرم لأن إطلاق الهدي يقتضي ذلك، قال تعالى: [هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ](المائدة: 95).( المغني لابن قدامة جـ13 صـ642 )
النذر للأموات:
قال الصنعاني: رحمه الله: النذر في هذه الأزمنة على القبور والمشاهد والأموات فلا كلام في تحريمها لأن الناذر يعتقد في صاحب القبر أنه ينفع ويضر ويجلب الخير ويدفع الشر ويعافي الأليم ويشفي السقيم وهذا هو الذي كان يفعله عباد الأوثان بعينه فيحرم كما يحرم النذر على الوثن ويحرم قبضه لأنه تقرير على الشرك ويجب النهي عنه وإبانة أنه من أعظم المحرمات وأنه الذي كان يفعله عباد الأصنام لكن طال الأمد حتى صار منكراً والمنكر معروفا وصارت تعقد اللواءات لقباض النذور على الأموات ويجعل للقادمين إلى محل الميت الضيافات وينحر في بابه النحائر من الأنعام وهذا هو بعينه الذي كان عليه عباد الأصنام فإنا لله وإنا إليه راجعون. ( سبل السلام للصنعاني جـ4 صـ558 )
فوائد هامة خاصة بالنذر:
(1) من نَذَرَ صِيَامَ شَهْرٍ مِنْ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَقَدِمَ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَجْزَأَهُ صِيَامُهُ لِرَمَضَانَ وَنَذْرِهِ لِأَنَّهُ نَذَرَ صَوْمًا فِي وَقْتٍ، وَقَدْ صَامَ فِيهِ.( المغني لابن قدامة جـ13 صـ644)
(2)من قال: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا، فَنَوَى صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، لِنَذْرِهِ وَرَمَضَانَ، لَمْ يُجْزِئْهُ ؛ لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ وَاجِبٌ بِفَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَذْرُهُ يَقْتَضِي إيجَابَ شَهْرٍ، فَيَجِبُ شَهْرَانِ بِسَبَبَيْنِ، وَلَا يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمِ شَهْرَيْنِ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ تُجْزِئْهُ صَلَاةُ الْفَجْرِ عَنْ نَذْرِهِ، وَعَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ645)
(3) مَنْ قال لله عليَّ صوم يوم العيد، حَرُمَ عليه ذلك، وعليه كفارة يمين ولا قضاء عليه.
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ 647 )
(4) إذا نذرت المرأة صوم أيام حيضها أو نفاسها، حَرُمَ عليها ذلك، وعليها الكفارة ولا قضاء عليها. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ648 )
(5) مَنْ نذر أن يصوم يوم يقدم فلان، فقدم يوم عيد الفطر أو الأضحى أو أحد أيام التشريق الثلاثة، حرم الصوم، ووجب عليه صوم يوم مكانه، ولا كفارة عليه لأن الشرع قد منعه من الصوم في هذه الأيام، فهو كالمكره. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ646 )
(6) من قال عليَّ الحج في عامي هذا، فلم يحج لغير عذر، فعليه القضاء والكفارة، وإن كان لعذر فعليه القضاء ولا كفارة عليه.( المغني لابن قدامة جـ13 صـ654 )
(7) مَنْ نذر أن يصوم شهرًا مُعينًا، فأفطر يومًا لغير عذر، ابتدأ صوم شهرٍ جديدٍ وعليه كفارة يمين، وأما من أفطر لعذر، فإنه يبنى على ما مضى ويقضى ما فاته ولا كفارة عليه.
( المغني لابن قدامة جـ13 صـ653: صـ654 )
(8) من نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ الْحَجَّ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ. لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْذُورِ فِي وَقْتِهِ. ( المغني لابن قدامة جـ13 صـ655 )
الكفارات:
معنى الكفَّارة: سميت الكَفَّاراتُ كفَّاراتٍ لأَنها تُكَفِّرُ الذنوبَ أَي تسترها مثل كَفَّارة الأَيْمان وكَفَّارة الظِّهارِ والقَتْل الخطإِ وقد بينها الله تعالى في كتابه وأَمر بها.( لسان العرب لابن منظور جـ5 صـ3900 )
الحكمة من مشروعية الكفارة:
إن حكمة الله اقتضت مجازاة الناس على قدْر أعمالهم، خيرها وشرها، دل على ذلك الكتاب والسنة النبوية، ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد كتب على نفسه الرحمة، وأن رحمته سبقت غضبه، فتوفيقًا بين ما قضاه الله وقدَّره ومراعاة لتقصير الناس فيما أمرهم به، شُرعت الكفارة، لما يُرجى من ورائها من ستر الذنب وتهذيب نفس المسلم وصيانتها من الوقوع فيما نهى الله عنه. ( اليمين لسعاد محمد الشايقي صـ98 )
أنواع الكفَّارات:
تنقسم الكفارات إلى أربعة أنواع وهي:
1- كفارة الظِّهار.
2- كفارة القتل شبه العَمْد، والقتل الخطأ.
3- كفارة الجِماع في نهار رمضان.
4- كفارة اليمين.
أولاً: كفارة الظِّهار:
قبل أن نتحدث عن كفارة الظهار سوف نتحدث عن معنى الظِّهار وحُكْمه في الإسلام.
الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أمي، ولا يختص الظهار بلفظ الأم فقط، بل يمكن أن يكون بتشبيه الزوجة بكل امرأة محرمة عليه تحريمًا مؤبدًا كابنته أو جدته أو أخته أو عمته أو خالته أو ابنة أخيه أو ابنة أخته، إذ كل هؤلاء في حُكْم الأم في الحرمة المؤبدة.( المغني لابن قدامة جـ11 صـ57: صـ58 )
حُكْمُ الظِّهار:
يقول الله تعالى: [الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ] (المجادلة: 2).
قال ابن القيم:
إن الظّهَارَ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ لِأَنّهُ كَمَا أَخْبَرَ اللّهُ عَنْهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ. ( زاد المعاد لابن القيم جـ5 صـ326 )
وقال الصنعاني:
قد أجمع العلماء على تحريم الظهار وإثم فاعله. ( سبل السلام للصنعاني جـ3 صـ272 )
لقد سمى الله الظهار منكرًا من القول وزورًا، ولذا فإن الزوجة تحرم على زوجها، فلا يجامعها ولا يستمتع بشيء منها حتى يؤدي كفارة الظهار التي ذكرها الله في كتابه العزيز.
كفارة الظهار:
قال الله تعالى: [وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ] (المجادلة: 3، 4)
من هذه الآيات المباركة يتضح أن كفارة الظهار هي واحدة من ثلاث حسب ترتيبها كما يلي:
أولاً: عتق رقبة مسلمة.
ثانيًا: صوم شهرين متتابعين.
ثالثًا: إطعام ستين مسكينًا من أوسط ما يأكله الزوج،ولا يجوز دفع قيمة الطعام نقودًا.
( المغني لابن قدامة جـ11 صـ101 )
روى الترمذيُّ عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ سَلْمَانَ بْنَ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيَّ أَحَدَ بَنِي بَيَاضَةَجَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ حَتَّى يَمْضِيَ رَمَضَانُ فَلَمَّا مَضَى نِصْفٌ مِنْ رَمَضَانَ وَقَعَ عَلَيْهَا لَيْلًا فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ لَا أَجِدُهَا قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا أَجِدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِفَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو أَعْطِهِ ذَلِكَ الْعَرَقَ وَهُوَ مِكْتَلٌ يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ صَاعًا إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 959 )
قال ابن قدامة:
أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ بَعْضَ الشَّهْرِ، ثُمَّ قَطَعَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَأَفْطَرَ، أَنَّ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافَ الشَّهْرَيْنِ. ( المغني لابن قدامة جـ11 صـ88 )
فائدة هامة:
هذا الترتيب المذكور في الآيات المباركة أجمع عليه العلماء عند إخراج كفارة الظهار.
( سبل السلام للصنعاني جـ3 صـ274 )
فلا يجوز الانتقال من عتق الرقبة إلى الصوم إلا إذا عجز الزوج عن عتق الرقبة، ولا يجوز الانتقال إلى الإطعام إلا إذا عجز عن الصوم.
أما إذا عجز الزوج عن كفارة الظهار فإنها تبقى في ذمته لحين ميسرة.
ثانيًا: كفارة القتل شِبْه العَمْد، والقتل الخطأ:
أولاً: كفارة القتل شبه العمد:
المقصود بالقتل شبه العَمْد هو أن يقصد المسلم المكلف ضرب إنسان آخر بما لا يقتل غالبًا، إما لقصد العدوان عليه، أو لقصد التأديب له، فيسرف فيه، كالضرب بالسوط، والعصا، والحجر الصغير، والوكز باليد، وسائر ما لا يقتل غالبًا فيؤدي ذلك إلى القتل.
( المغني لابن قدامة جـ11 صـ462 )
الآثار المترتبة على القتل شبه العمد:
يترتب على القتل شبه العمد ما يلي:
1- دفع عاقلة القاتل الدية المغلظة إلى أولياء المقتول:
وهذه الدية عبارة عن مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها، وتجب على عاقلة الجاني لأولياء المقتول.( المغني لابن قدامة جـ11 صـ463 )
روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:مُسَدَّدٌ خَطَبَ يَوْمَ الْفَتْحِ ثُمَّ اتَّفَقَا فَقَالَ أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثُرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ تُذْكَرُ وَتُدْعَى تَحْتَ قَدَمَيَّ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سِقَايَةِ الْحَاجِّ وَسِدَانَةِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ أَلَا إِنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. ( حديث حسن ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3807 )
روى الشيخانِ عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ وَقَضَى أَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا. ( البخاري حديث 6740 / مسلم حديث 1681 )
2- الكفارة:
تجب على القاتل الكفَّارة، وهي:
عتق رقبة مسلمة من ماله، فإن لم يستطع، صام شهرين متتابعين.( منهاج المسلم لأبي بكر الجزائري صـ440 )
يقول الله تعالى: [وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا] (المائدة: )
ثانيًا: كفَّارة القتل الخطأ:
القتل الخطأ هو أن يفعل المسلم، البالغ العاقل، فعلاً لا يريد به إصابة المقتول، فيصيبه ويقتله، مثل أن يرمي صيدًا أو هدفًا فيصيب إنسانًا فيقتله.( المغني لابن قدامة جـ11 صـ464 )
يقول الله تعالى: [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا](النساء: 92).
الآثار المترتبة على القتل الخطأ:
يترتب على القتل الخطأ ما يلي:
1-وجوب الدية والكفَّارة معًا:
تجب الدية والكفارة على من قتل مسلمًا خطأ، أو غير مسلم، له عهد مع المسلمين، وذلك باتفاق أهل العلم.
بدليل الآية السابقة. ( المغني لابن قدامة جـ11 صـ464 )
فائدة هامة:
الدية تكون مخففة (مائة من الإبل) وتدفعها عاقلة القاتل لأولياء المقتول، والكفارة تكون من مال القاتل.
2- وجوب الكفارة فقط:
وتجب الكفارة فقط على من قتل مسلمًا في حرب مع الكفار وهو يظن أنه منهم وذلك لقوله تعالى: [فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ].
( المغني لابن قدامة جـ11 صـ465 )
ثالثًا: كفَّارة الجماع في نهار رمضان:
إذا جامع الرجل زوجته عمدًا وهي راضية في نهار رمضان وكانا صائمين، فسد صومهما ووجب على كل منهما قضاء ذلك اليوم مع الكفارة وهي عتق رقبة مسلمة، فإن لم يستطيعا، فعلى كل منهما صوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطيعا، أطعم كل منهما ستين مسكينًا، فإن لم يستطيعا بقيت الكفارة في ذميتهما لحين ميسرة، وأما إذا كانت الزوجة مكرهة، فلا كفارة عليها ولكن وجب عليها قضاء ذلك اليوم فقط. ( المغني لابن قدامة جـ4 صـ372: صـ382 )
روى الشيخانِ عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ: مَا لَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا. قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا. قَالَ: خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ. ( البخاري حديث 1936 / مسلم حديث 1111 )
رابعًا: كفارة اليمين المنعقدة:
يقول الله تعالى: [لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ] (المائدة: 89).
يتضح من هذه الآية الكريمة أن كفارة اليمين المنعقدة هي:
إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة مسلمة، والمسلم مخير بين هذه الثلاث، فله أن يكفرِّ بأيها شاء، فإن عجز ولم يستطع أن يفعل واحدًا منها فإنه ينتقل إلى الصوم، فيصوم ثلاثة أيام متتابعات أو متفرقات، ولا يجزئ الصوم إلا بعد العجز عن الإطعام أو الكسوة أو عتق رقبة مسلمة.( بداية المجتهد لابن رشد جـ1 صـ628 )
وختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم،وأن ينفع به المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.