المقدمة
الحمد لله, الذي أكمل لنا ديننا, وأتم علينا نعمته ورضي لنا الإسلام ديناً، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا, أما بعد: فإن الله تعالى جعل لنا مواسم للخيرات يزداد فيها المؤمن إيماناً ويتوب فيها العاصي إلى مولاه تبارك وتعالى . فالسعيد من اغتنم هذه المواسم المباركة بفعل الطاعات والشقي من حرم نفسه خيرها .
أيها القارئ العزيز بين يديك رسالة في فضل شهر الله المحرم وصوم عاشوراء وقد تناولت فيها الحديث عن لطائف عن شهر الله المحرم , وفضل الصوم فيه , وفضل صوم التطوع , وفضل صوم عاشوراء , واهتمام السلف الصالح بصومه وضرورة حث أطفالنا الصغار على صومه وأحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- في صوم يوم عاشوراء وختمتها بذكر أفضل مراتب صوم يوم عاشوراء المبارك .
ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في السر والعلانية وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم , وأن يتقبل الله منا ومنك صالح العمل . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
صلاح نجيب الدق
بلبيس – مسجد التوحيد
بسم الله الرحمن الرحيم
شهرُ المحرَّم أحدُ الأشهر الحرُم:
إن شهرَ المحرَّم هو أحدُ الأشهر الحرُم التي قال الله تعالى عنها في كتابه العزيز:
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:36)
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ثُمَّ قَالَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ قُلْنَا بَلَى قَالَ فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ فَلَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا أَوْ ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلَا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ ثُمَّ قَالَ أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ.” ( البخاري حديث 4406 /مسلم حديث 1679 )
وذهب بعض أهل العلم إلى أن أفضل الأشهر الحرم هو شهر المحرم .
قال الحسنُ البصري: إن الله افتتح السنة بشهر حرام، وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة، بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرَّم، وكان يُسمي شهر الله الأصم مِن شدة تحريمه. (لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي صـ 79 )
قال أبو عثمان النهدي: ( كانوا ـ أي أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ـ يعظمون ثلاث عشرات : العشر الأخير من رمضان والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم. ( لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي صـ 80 )
ومن فضائل شهر الله المحرم أن الله نجي فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون وقومه.
روي البخاريُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِه”.(البخاري حديث 2004 )
فـضـل الصيـام في شهر الـمحرم
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ. ( مسلم حديث 1163 )
قال الإمامُ النووي : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَفْضَل الصِّيَام بَعْد رَمَضَان شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم )تَصْرِيح بِأَنَّهُ أَفْضَل الشُّهُور لِلصَّوْمِ . ( صحيح مسلم بشرح النووي جـ4 صـ312)
وقال الإمام ابن رجب الحنبلي( تعليقاً علي هذا الحديث أيضاً ) : سمى النبي -صلى الله عليه وسلم-المحرم شهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته، كما نسب محمداً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته ونسب إليه بيته وناقته . ( لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي صـ 81 )
إن من أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم في شهر المحرم هو الصيام، فينبغي على كل مسلمٍ أن يكثرَ مِن صيام التطوع فيه. ولنتذكر أن الصومَ له ثوابٌ عظيمٌ عند الله تعالى يوم القيامة، ( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ *)
(1) روى الشيخانِ عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ”. (البخاري حديث 1896، مسلم حديث 1152)
(2) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا”. ( البخاري حديث 2840 / مسلم حديث 1153 )
(3) روى النسائيُّ عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِأَمْرٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ قَالَ عَلَيْكَ بِالصِّيَامِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ. ( حديث صحيح ) (صحيح النسائي للألباني حديث 2098 )
قال ابنُ رجب الحنبلي: من صام شهر ذي الحجة، سوى الأيام المحرَّم صيامها منه، و صام المحرَّمَ، فقد ختم السنة بالطاعة و افتتحها بالطاعة، فيرجى أن تُكتبَ له سنته كلها طاعة.فإن من كان أول عمله طاعة و آخره طاعة، فهو في حُكمِ مَن استغرق بالطاعة ما بين العامين. (لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي صـ 80 )
فضـل صـوم يوم عـاشوراء
إن صوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم، له فضل عظيم عند الله، فعلي كل مسلم أن يغتنم صومه خالصاً لله وحده رجاء أن يغفر الله ذنوب السنة الماضية.
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ. (مسلم- كتاب الصيام ـ حديث197)
فانظر أخي الكريم إلي هذا الفضل الجزيل من رب كريم واغتنم هذه الفرصة المباركة ولا تجعل هذا اليوم يمر عليك دون أن تصومه إلا إذا كنت صاحب عذر شرعي كمرض أو كبر سن أو غير ذلك، ولكن عليك أن تنوى صيام عاشوراء .
لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- حريصاً على صوم يوم عاشوراء وإرشاد أمته إلى صيام ذلك اليوم المبارك، لتنال هذه المغفرة الربانية الكريمة.
روى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. ( البخاري حديث 2006 ( )مسلم حديث 1132 )
حرص سلفنا الصالح على صوم عاشوراء:
إن سلفنا الصالح، من أصحاب نبينا-صلى الله عليه وسلم- والتابعين لهم بإحسان، كانوا حريصين على صوم يوم عاشوراء امتثالاً لسُّنةِ نبينا -صلى الله عليه وسلم- .
روى عبد الرزاق عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع عبد الله بن عباس يقول في يوم عاشوراء: ” خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر ” . (حديث صحيح)( مصنف عبد الرزاق جـ4 صـ 287حديث 7839 )
روى عبد الرزاق عن الأسود بن يزيد قال : ما رأيت أحدا كان آمَرَاً بصوم يوم عاشوراء من علي وأبي موسى.(حديث صحيح)( مصنف عبد الرزاق جـ4 صـ 287 حديث 7836)
روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى عبد الرحمن بن الحارث ليلة عاشوراء، أن تسحر وأصبح صائما، قال : فأصبح عبد الرحمن صائما. (حديث صحيح)( مصنف عبد الرزاق جـ4 صـ 287 حديث 7838)
وينبغي علي كل منا أن يدعوَ أهل بيته وجيرانه وأصدقاءه لصوم يوم عاشوراء إحياءً لسُّنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- .
تشجـيع الأطفال علي صـوم عاشوراء
ينبغي أن يعتاد أطفالنا الصغار فعل الخيرات منذ نعومة أظفارهم و اتباع سُّنة نبينا-صلى الله عليه وسلم- . ولذا علينا أن نعرفهم فضل صوم يوم عاشوراء ونشجعهم علي صيامه وذلك بأن نعطيهم بعض الهدايا أو القليل من المال.ولنتذكر دائماً أن التربية الصحيحة في سن الطفولة لها أثر كبير في حياة الإنسان
روى الشيخانِ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ :أَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ. ( البخاري حديث1960/مسلم حديث1136)
أحوال نبينا -صلى الله عليه وسلم- في صوم عاشوراء
كان لنبينا -صلى الله عليه وسلم- في صيام عاشوراء أربعة أحوال وهي :
الحالة الأولي: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم يوم عاشوراء بمكة قبل هجرته إلى المدينة ولم يأمر أحداً من المسلمين بصيامه .
الحالة الثانية: لما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلي المدينة ورأى صيام أهل الكتاب لعاشوراء وتعظيمهم له، صامه وأمر المسلمين بصيامه، وأكد الأمر بصيامه.
الحالة الثالثة: لما فرض اللهُ صومَ رمضان على المسلمين ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أصحابه بصيام يوم عاشوراء .
روى مسلمٌ عَنْ نَافِعٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. ( مسلم حديث رقم 1126 )
الحالة الرابعة : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عزم في آخر حياته علي أن لا يصوم يوم عاشوراء مفرداً، بل يضم إليه يوماً آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه . ( لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي صـ 102 : 108 )
روى مسلمٌ عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ( مسلم حديث 1134 )
مراتب صوم يوم عاشوراء
ذكر بعض أهل العلم أن صوم يوم عاشوراء على ثلاث مراتب وهي:
المرتبة الأولي: صيام اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذه أكمل المراتب وأفضلها.
روى الطبري في تهذيب الآثار عن عطاء بن أبي رباح أن عبد الله بن عباس كان يصوم يوماً قبله ويومًا بعده. (أي يوم عاشوراء) (حديث صحيح )(ما صح مِن آثار الصحابة في الفقه لزكريا بن غلام قادر جـ2 صـ675 :676 )
المرتبة الثانية: صيام يوم التاسع والعاشر، وهذه المرتبة أقل في الفضل من المرتبة الأولى.
المرتبة الثالثة:صيام اليوم العاشر فقط، وهذه أدني المراتب الثلاث (زاد المعاد لابن القيم جـ 2صـ76 )( فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ4 صـ289 )
بــدع يــوم عـاشــوراء
لقد أحدث بعض الناس في يوم عاشوراء كثيرا ًمن البدع معتمدين على أحاديث مكذوبة وموضوعة أو أحاديث ضعيفة جداً لا قيمة لها عند أهل العلم بالحديث ويمكن أن نُجْمِلَ بدع يوم عاشوراء فيما يلي:
1) اعتبار يوم عاشوراء عيدا ًمن أعياد الإسلام وهذا تشبه باليهود لأنهم يتخذون يوم عاشوراء عيداً لهم وقد أمرنا النبي-صلى الله عليه وسلم- أن نخالف أهل الكتاب في أعيادهم .
2) التوسعة علي الأهل والأبناء والأقارب والفقراء في ذلك اليوم وصنع أطعمة خاصة بهذا اليوم.
3) الاغتسال والاكتحال في هذا اليوم خاصة .
4) قيام الناس بأداء صلاة بهيئة مخصوصة يوم أو ليلة عاشوراء .
5) الطواف بالبخور علي المنازل والمحلات التماساً للبركة في هذا اليوم .
6) قيام بعض الجهلة برقية الأطفال بكلمات ساقطة أمام أبائهم وأمهاتهم اعتقاداً منهم أن هذه الرقية وقاية للأطفال من الحسد إلي العام القادم .
7) قيام الشيعة بإظهار الحزن بالبكاء ولطم الخدود، والعطش، وإنشاد المراثي، وسب الصحابة الكرام ولعنهم في يوم عاشوراء، حيث قُتِلَ الحسين بن علي -رضى الله عنه- في ذلك اليوم. ( الإبداع في مضار الابتداع صـ269: صـ272)) السنن والمبتدعات صـ 118 : 119 )
التحذير من الابتداع في الدين
إن جهل الكثير من الناس بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- جعلهم يبتدعون في دين الله ما ليس فيه ومن المعلوم أن الله قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، ولا يجوز لنا أن نبتدع شيئاً في دين الله ليس من الشرع في شيء . قال تعالي: ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ” ( المائدة: 3 )
وقال سبحانه : ” وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ” ( الحشر : 7 )
وقد حذرنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من الابتداع في الدين :
روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ. ( البخاري حديث 2697، مسلم حديث 1718 )
قال الإمام الشاطبي : البدعة : طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الشرعية، يقصد منها المبالغة في التعبد لله سبحانه . ( الاعتصام للشاطبي جـ1صـ28 )
قال الإمام مالك بن أنس : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً ً-صلى الله عليه وسلم- خان الرسالة، لأن الله تعالى يقول :
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً ) (المائدة : 3 )
فما لم يكن يومئذٍ دينا ً، فلا يكون اليوم دينا ً. ( الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم جـ6صـ 225)
روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ. (مسلم حديث 867 )
وفى ضوء هذا الحديث نقول : من زعم أن في البدع التي ابتدعها الناس في دين الله تعالى شيئا محمودا , فإنما هو في الحقيقة استدراك على شريعة الله الكاملة , وردٌ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وهذان أمران خطيران جدا لما فيهما من المحادة لله تعالى ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-.
أحاديث مكذوبة في فضل شهر المحرم وعاشوراء :
أخي المسلم الكريم : اعلم أن بعضَ الكذابين والجاهلين وضعوا أحاديث في فضل شهر المحرم وصوم يوم عاشوراء ونسبوها كذباً إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- ومن هذه الأحاديث ما يلي:
1) من أحيا ليلة عاشوراء فكأنما عبد الله تعالي بمثل عبادة أهل السموات، ومن صلى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة الحمد لله رب العالمين مرة، وخمسين مرة قل هو الله أحد غُفر له ذنوب خمسين عاماً مستقبلا، وبُنِي له في الملأ الأعلى ألف ألف منبر من نور .
( الموضوعات لابن الجوزي جـ2 صـ122 )
2) من صلى يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربعين ركعة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسي عشر مرات، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة والمعوذتين خمس مرات، فإذا سلم استغفر سبعين مرة، أعطاه الله في الفردوس قبة بيضاء فيها بيت من زمردة خضراء، سعة ذلك البيت مثل الدنيا ثلاث مرات، وفي ذلك البيت سرير من نور، قوائم السرير من العنبر الأشهب، علي ذلك السرير ألف فراش من الزعفران . ( الموضوعات لابن الجوزي جـ2 صـ122 )
3) من صام آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من المحرم فقد ختم السنة الماضية وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعل الله له كفارة خمسين سنة.
4) من صام تسعة أيام من أول المحرم بني الله له قبة في الهواء ميلاً في ميل لها أربعة أبواب.
5) من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف مَلَكَ .
6) من وسع علي أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سَنَتهُ.
7) من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً .
8) إن الصرد أول طير صام عاشوراء .
( الموضوعات لابن الجوزي جـ2صـ200، صـ204 ( )اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي جـ2صـ108 : صـ 113(
)الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني صـ96 : 99 )
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم .وأن ينفع به المسلمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .