المقدمة
الحمد لله الذي خَلَقَ كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه الله هادياً ومبشراً نذيراً ، وداعياً إلى الله تعالى بإذنه و سراجاً منيرا ، أما بعد :
فإن الإسلام هو الدين الخاتم الذي اختاره الله تعالى ليختم به الأديان السماوية، وقد جاءت أحكام الشريعة الإسلامية المباركة مناسبة وشاملة لجميع جوانب الحياة الإنسانية في كل زمان ومكان، إن مبادئ الإسلام تسموا على جميع المبادئ الإنسانية التي وضعها البشر من عند أنفسهم وذلك لأن مبادئ الإسلام وتعاليمه تشريع من عند الله تبارك وتعالى الذي خلق الإنسان ويعلم ما فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، وهذا واضح لكل من تأمل بصدق أحكام الشريعة الإسلامية .
من أجل ذلك قُمت بإعداد هذه الرسالة الموجزة موضحاً أهمية تطبيق الحدود التي ذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز وطبقها النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته والخلفاء الراشدون من بعده، حتى يعيش الناس في بيوتهم وشوارعهم وأماكن أعمالهم في أمن وسلام بفضل تطبيق حدود الشريعة الإسلامية المباركة، وقد تناولت الحديث في هذه الرسالة الموجزة عن معنى الحدود وحكمة مشروعيتها، وعقوبة شارب الخمر، وعقوبة الزنا، واللواط، والقذف، وحد السرقة، وحد الحرابة ثم ختمت الرسالة بالحديث عن عقوبة من ارتد عن الإسلام .
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب العلم, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أحكام الحدود
الحد في اللغة: الحَدُّ الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أَحدهما بالآخر أَو لئلا يتعدى أَحدهما على الآخر، وجمعه حُدود ،وفصل ما بين كل شيئين حَدٌّ بينهما ومنتهى كل شيء حَدُّه .
(لسان العرب لابن منظور جـ 2 صـ 799)
الحد في الشرع :عقوبةٌ مقدرةٌ شرعاً ،لمرتكب الجريمة ، وجبت لحق الله تعالى، لتمنع من الوقوع في مثلها.
(الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري جـ 5 صـ 10)
الحكمة من تشريع الحدود :
يمكن أن نوجز الحكمة من تشريع الحدود في الأمور التالية :
(1) إقامة الحدود زجر الناس وردع لهم عن اقتراف الجرائم، وصيانة للمجتمع عن الفساد، وتطهير من الذنوب.
ليس في قطع يد السارق تعذيب وقسوة :
إن في تطبيق عقوبة القطع زجراً مناسباً للمجرم ولأمثاله في المجتمع، فهو رحمة بالناس عامة. إن بعض المرتابين والمتشككين يصفون عقوبة القطع (أي في حدي السرقة والحرابة) بأنها لا تتفق مع المدنية والتقدم، ويرمونها بالعنف والغلظة. وهؤلاء يركزون النظر على شدة العقوبة ويتناسون فظاعة الجريمة وآثارها الخطيرة على المجتمع، إنهم يتباكون على يد سارق أثيم تقطع، ولا تهولهم جريمة السرقة ومضاعفاتها الخطيرة، كم من جرائم ارتكبت في سبيل السرقة، كم من جرائم اعتداء على الأشخاص وإحداث عاهات جسام وقعت على الأبرياء بسبب السرقة، كم من أموال اغتصبت وثروات سلبت وأناس تشردوا بسبب السطو على أموالهم ومصدر رزقهم، كل ذلك لا يخطر ببال المشفقين على أيد قليلة في سبيل أمن المجموع واستقراره، فيكون الهدف من إقامة الحدود توفير سلامة المجتمع وتحقيق أمنه واستقراره ومنع كل ما يهدد المصالح الكبرى للأمة.
(2) قطع القليل من أيدي اللصوص كفيل بالقضاء على السرقة :
ألا يتساءل هؤلاء،الذين يعترضون على قطع يد السارق ، أيهما أهون على المجتمع: أن تقطع يد أو يدان في كل عام، وتختفي السرقة، ولا تكاد تقطع يد بعد ذلك، ويعيش الناس مطمئنين على أموالهم وأنفسهم، أم يحبس ويسجن ويحكم بالأشغال الشاقة المؤقتة والمؤبدة في جريمة السرقة وحدها، في أغلب الدول، عشرات الآلاف كل عام، ثم لا تنقضي السرقة، بل تزداد وتتنوع وتستفحل، فما زلنا نسمع عن مصارف تُسرقُ، وقطارات تُنهبُ في وضح النهار، وخزائن تُسلبُ، وجرائم على الأموال تصحبها جرائم على الأشخاص والأعراض لا تقع تحت حصر.
إن الجرائم الخطيرة لا يفلح في صدها ومقاومة أخطارها إلا عقوبات شديدة فعالة، فاسم العقوبة مشتق من العقاب، ولا يكون العقاب عقاباً إذا كان موسوماً بالرخاوة والضعف. والعقاب الناجح هو ذلك الذي ينتصر على الجريمة، وليس ذلك الذي تنتصر عليه الجريمة. ثم إن المشرعين الوضعيين لم يستغلظوا عقوبة الإعدام بالنسبة إلى بعض الجرائم الخطيرة، وما من شك في أن هذه العقوبة أشد من عقوبة القطع في السرقة والحرابة، فالعبرة إذن بالعقوبة المناسبة والفعالة في مقاومة الجريمة. والحقيقة التي لا مراء فيها أن قطع يد سارق أو عدد محدود من اللصوص أهون كثيراً من ترك السرقة ترتع في المجتمع تروع الآمنين بما تفضي إليه من العديد من الجرائم والمنكرات.
(3) تطبيق الحدود أمان للمجتمع المسلم :
أثبت التاريخ أن المجتمع الإسلامي عندما طبق الحدود، عاش آمناً مطمئناً على أمواله وأعراضه ونظامه، حتى إن المجرم نفسه كان يسعى لإقامة الحد عليه، رغبة في تطهير نفسه، والتكفير عن ذنبه. وقد كانت الجزيرة العربية مرتعاً خصباً لأشنع جرائم السرقة وقطع الطريق، حتى على حجاج بيت الله الحرام رجالاً ونساء. فما أن طبقت الحجاز هذين الحدين حتى استتب الأمن وانقطعت السرقات، وانهارت عصابات قطع الطريق، حتى أصبحت البلاد مضرب المثل المستغرب في القضاء على جريمتي السرقة وقطع الطريق، بالرغم من أن ما قطع من الأيدي منذ تطبيق الحدود لا يمثل إلا عدداً ضئيلاً جداً لا يوازي ما كان يقطعه قطاع الطريق من رقاب الأبرياء في هجمة واحدة.
(4) الحدود رحمة عامة بالمجتمع وتمنع المجرمين من الإقدام على الجريمة :
إن شدة عقوبة القطع في السرقة والحرابة، هي في الواقع رحمة عامة بالمجتمع في مجموعه حتى يتخلص من شرور هاتين الجريمتين، وأخطارهما الوبيلة، فإن التضحية بعدد محدود جداً من الأيدي والأرجل بالنسبة لأناس آثمين خارجين على حكم الله ، أهون كثيراً من ترك الجريمة تفتك بآلاف الأبرياء في أرواحهم وأبدانهم وثرواتهم.
بل إن شدة العقوبة ذاتها رحمة بمن توسوس لهم أنفسهم بالإجرام حيث تمنعهم تلك الشدة من الإقدام على الجريمة، فتحول بينهم وبين التردي في الإجرام، فهي شدة في نطاق محدود، تفضي إلى رحمة واسعة شاملة بالنسبة إلى المجتمع الواسع العريض، كيف لا، وشريعة الإسلام هي شريعة الرحمة، أليس الله هو القائل: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} [الأنعام:54/6]. والرسول صلى الله عليه و سلم أمرنا بالشفقة على الحيوان. وشريعة هذا شأنها لا يمكن أن تحمل أحكامها في الحدود على محمل الشدة والقسوة، وإنما هي رحمة بالناس في مجموعهم.
(5) تطبيق بعض الحدود أحب إلى كثير من العصاة من الحبس في السجون:
إن النظر إلى أثر الحدود على القلة التي تتعرض لها دون نظر إلى أثرها في المجتمع ككل، هو نظر مقلوب ومعكوس. ويكاد أن يكون نظراً مغرضاً ومريباً؛ لأن العبرة بمصلحة الناس في مجموعهم، وليست بمصلحة مجرمين ثبت جرمهم، ولم يدرأ عنهم الحد شبهة. ومع ذلك فلا يغرب عن البال أن الإسلام حريص كل الحرص على ألا يقام الحد، إلا حيث يتبين على وجه اليقين ثبوت ارتكاب الجرم، وذلك بتشدده في وسائل الإثبات. ثم إنه بعدئذ يدرأ الحد بالشبهات، كل هذا تفادياً لتوقيع الحدود إلا في حالات استثنائية محضة، ويكفي توقيعها في هذه الحالات حتى يتحقق أثرها الفعال في منع الجريمة وتضييق الخناق عليها إلى أقصى حد ممكن. بل إن تطبيق بعض الحدود كالجلد أحب إلى كثير من العصاة من الحبس في السجون مدة من الزمن، قلت أم كثرت. وأما الرجم فهو مجرد قتل بوسيلة زاجرة تمثل انتقام المجتمع ممن سطا على الأعراض.
(التشريع الإسلامي و أدلته للدكتور/ وهبة الزحيلي جـ 6 صـ 14: 17)
الستر على العصاة :
حثنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- على الستر على العصاة من المسلمين .
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
( مسلم حديث 2699 )
ويستحب أن يستر المسلم العاصي على نفسه .
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ . ( البخاري حديث 6069 / مسلم حديث 2990 )
إقامة الحدود كفارة للمعاصي :
روى الشيخانِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك ( البخاري حديث18 / مسلم حديث 1709 )
إقامة الحدود مسئولية الحاكم:
اتفق الفقهاء على أنه لا يقيم الحدود إلا الإمام ( الحاكم )أو من ينوب عنه.
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَا:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ فَقَالَ صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْ فَقَالَ إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا(أجيراً) فِي أَهْلِ هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ وَإِنِّي سَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ الْمِائَةُ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَيَا أُنَيْسُ اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَسَلْهَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا ( البخاري حديث 6859 / مسلم حديث 1698 )
لا الشفاعة في الحدود إذا وصلت إلى الحاكم :
روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا . ( البخاري حديث 3457 / مسلم حديث 1688 )
روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ . ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3680 )
روى أبو داود عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ كُنْتُ نَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ عَلَيَّ خَمِيصَةٌ لِي ثَمَنُ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فَجَاءَ رَجُلٌ فَاخْتَلَسَهَا مِنِّي فَأُخِذَ الرَّجُلُ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ بِهِ لِيُقْطَعَ قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَتَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَنَا أَبِيعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهَا قَالَ فَهَلَّا كَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ . ( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3693 )
حد شرب الخمر :
الخمر في اللغة : سميت بهذا الاسم : لأنها تخمر أي تغطي عقل الإنسان وتفقده الشعور بالإدراك .
الخمر في الشرع : الخمر اسم لكل مسكر، وكل مسكر حرام . ( نيل الأوطار للشوكاني جـ7 صـ192)
أخي المسلم الكريم اعلم أن المخدرات كالحشيش والأفيون والهروين والكوكايين وغيرها، تدخل في حكم المسكرات لأنها تغيب العقل .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ تيمية :
” الْحَشِيشَةُ ” الْمَلْعُونَةُ الْمُسْكِرَةُ : فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهَا مِنْ الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُسْكِرُ مِنْهَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ؛ بَلْ كُلُّ مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا : كَالْبَنْجِ فَإِنَّ الْمُسْكِرَ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَغَيْرَ الْمُسْكِرِ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ . وَأَمَّا قَلِيلُ ” الْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ ” فَحَرَامٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ كَسَائِرِ الْقَلِيلِ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ } يَتَنَاوَلُ مَا يُسْكِرُ . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْكِرُ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا ؛ أَوْ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا . فَلَوْ اصْطَبَغَ كَالْخَمْرِ كَانَ حَرَامًا وَلَوْ أَمَاعَ الْحَشِيشَةَ وَشَرِبَهَا كَانَ حَرَامًا . وَنَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُعِثَ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ فَإِذَا قَالَ كَلِمَةً جَامِعَةً كَانَتْ عَامَّةً فِي كُلِّ مَا يَدْخُلُ فِي لَفْظِهَا وَمَعْنَاهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَعْيَانُ مَوْجُودَةً فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ .
( مجموع فتاوى ابن تيمية جـ34 صـ204 : صـ205 )
شروط إقامة حد شرب الخمر :
يشترط لإقامة حد شرب الخمر ما يلي :
(1) أن يكون شارب الخمر مسلماً، لأنه لا حد على غير المسلم في شرب الخمر .
(2) أن يكون شارب الخمر بالغاً عاقلاً، فلا يقام الحد على الصغير ولا على المجنون .
(3) أن يكون شارب الخمر مختاراً غير مكره على شربها .
(4) أن يعلم أنه خمر، فإذا شرب مشروباً يظنه شراباً آخر فلا حد عليه .
(5) أن يعلم أن شرب الخمر حرام .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ499 : صـ501 )
ثبوت شرب الخمر :
يثبت شرب الخمر بأحد أمرين :
أولاً : اعتراف شارب الخمر بإرادته من غير إكراه .
ثانياً : البينة تكون بشهادة رجلين عدلين من المسلمين على أحد بأنه شرب الخمر .
فائدة هامة :
لَا يَجِبُ إقامة الْحَدُّ بِوُجُودِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ مِنْ فِم شخص معين، وهذا مذهب أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ الرَّائِحَةَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِهَا ، أَوْ حَسِبَهَا مَاءً ، فَلَمَّا صَارَتْ فِي فِيهِ مَجَّهَا، أَوْ ظَنَّهَا لَا تُسْكِرُ ، أَوْ كَانَ مُكْرَهًا ، أَوْ أَكَلَ نَبْقًا بَالِغًا ، أَوْ شَرِبَ شَرَابَ التُّفَّاحِ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْهُ ، كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ ، وَإِذَا اُحْتُمِلَ ذَلِكَ ، لَمْ يَجِبْ إقامة الْحَدُّ الَّذِي يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ501 : صـ502 )
عقوبة شارب الخمر :
إذا ثبت شرب الخمر كثيراً أو قليلاً على أحد، فإن الحاكم أو من ينوب عنه، يجلده أربعين جلدة، فإذا رأى الزيادة إلى ثمانين جلدة تعزيراً فله ذلك .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ498 : صـ499 )
روى مسلم عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ .
( مسلم – كتاب الحدود حديث 37 )
روى مسلمٌ عن حُصَيْنِ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ قَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَزِيدُكُمْ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ فَقَالَ عُثْمَانُ إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا فَقَالَ يَا عَلِيُّ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَقَالَ عَلِيٌّ قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ فَقَالَ الْحَسَنُ وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا فَكَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَقَالَ أَمْسِكْ ثُمَّ قَالَ جَلَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ .
( مسلم حديث 1707 )
روى البخاريُّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إِلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ .
( البخاري حديث 6779 )
روى مسلمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ . ( مسلم حديث 1706 )
لا يجوز لعن معين في شرب الخمر :
روى البخاريُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا تَلْعَنُوهُ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . ( البخاري حديث 6780 )
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ . ( البخاري حديث 6781 )
حد الزنا
تعريف الزنا :
الزنا هو وطء مكلف في فرج امرأة مشتهاة، خال عن الملك وشبهته .
وثبت به حرمة المصاهرة، نسباً ورضاعة . ( الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري جـ5 صـ42 )
حكم الزنا :
الزِّنَى حَرَامٌ ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْعِظَامِ . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ307)
قَال اللَّهِ تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } .
وَقَالَ سبحانه : { وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا .
روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ (البخاري حديث 7520 / مسلم حديث 86 )
كيف يثبت حد الزنا ؟
يثبت حد الزنا بأحد أمرين :
أولاً : اعتراف الزاني بإرداته من غير إكراه .
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ أَحْصَنْتَ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ . ( البخاري حديث 6814 / مسلم حديث 1318 )
روى مسلمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ، مِنْ الْأَزْدِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي فَقَالَ وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَقَالَتْ أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ وَمَا ذَاكِ قَالَتْ إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى فَقَالَ آنْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ لَهَا حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَ إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ فَرَجَمَهَا .
( مسلم حديث 1695 )
ثانياً : شهادة أربعة رجال مسلمين عدول بأنهم قد رأوا حادثة الزنا أثناء فعلها .
قال الله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ) ( النساء : 15 )
وقال سبحانه : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) ( النور : 4 )
وقال جل شأنه : (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) ( النور : 13 )
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَؤُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ قَالَ نَعَمْ . ( مسلم حديث 1498 )
شهادة أقل من أربعة شهود على الزنا :
إذا شهد أقل من أربعة رجال على جريمة الزنا، فإن البينة لا تثبت، ويجب أن يقام على الثلاثة حد القذف وهو ثمانون جلدة لكل منهم . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ367 : صـ368 )
روى ابنُ أبي شيبة عن أبي عثمان قال : لما قدم أبو بكرة وصاحباه على المغيرة بن شعبة،جاء زياد فقال له عمر : رجل لن يشهد إن شاء الله إلا بحق ، قال : رأيت انبهاراً ومجلساً سيئاً فقال عمر : هل رأيت المرود دخل المكحلة ؟ قال : لا ، قال : فأمر بهم فجلدوا.
( إسناده صحيح ) ( صحيح مصنف ابن أبي شيبة جـ9 صـ365 )
( إرواء الغليل للألباني جـ 8 صـ 29:28حديث رقم 2361 )
عقوبة الزاني غيرالمحصن :
عقوبة الزاني غير المحصن ( غير المتزوج)، البالغ، العاقل، الحر، غير المكره، هي : مائة جلدة ونفيه عن بلده لمدة عام هجري، ويستوي في ذلك الرجال والنساء، ويجب على ولاة الأمور توفير مكان آمن للمرأة . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ322 : صـ325 )
قال الله تعالى : (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) ( النور : 2 )
روى مسلمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كُرِبَ لِذَلِكَ وَتَرَبَّدَ لَهُ وَجْهُهُ قَالَ فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَلُقِيَ كَذَلِكَ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ الثَّيِّبُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ رَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ وَالْبِكْرُ جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ نَفْيُ سَنَةٍ . ( مسلم حديث 1690 )
روى البخاريُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ . ( البخاري حديث 6831 )
عقوبة الزاني المحصن:
عقوبة الزاني المحصن ( المتزوج ) ، الحر, البالغ، العاقل، غير المكره هي : الرجم بالحجارة حتى الموت.
روى مسلمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ . ( مسلم حديث 1690)
روى الشيخانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ عُمَرُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ .
( البخاري حديث 6830 / مسلم حديث 1691 )
وقد رجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماعز والغامدية واليهوديين .
( البخاري حديث 6841، 6827 / مسلم حديث 1696، 1699 )
الجلد والرجم للزاني المحصن :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الزاني المحصن لا يجلد قبل رجمه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رجم ماعز والغامدية واليهوديين، ولم يجلد أحداً منهم قبل الرجم . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ313 )
هل يقام حد الزنا على المرأة الحامل من غير زواج ؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم إقامة حد الزنا على المرأة الحامل من غير زواج، لأن الزنا لا يثبت بالحمل، ولكن يمكن بالاعتراف أو بشهادة أربعة مسلمين عدول، ولأن حد الزنا يدرأ بالشبهات فلعل هذه المرأة أجبرها أحد الناس على الزنا، ويحتمل أن رجلاً جامعها أثناء نومها أو غير ذلك من الاحتمالات .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ377 : صـ378 )
روى عبد الرزاق عن أبي موسى الأشعري أنه كتب إلى عمر في امرأة أتاها رجل وهي نائمة ، فقالت : إن رجلا أتاني وأنا نائمة ، فوالله ما علمت حتى قذف في مثل شهاب النار ، فكتب عمر : تهامية تنومت ، قد يكون مثل هذا ، و أمر أن يدرأ عنها الحد . (إسناده صحيح) ( مصنف عبد الرزاق جـ7 صـ410 )
( إرواء الغليل للألباني جـ 8 صـ 30حديث رقم 2362 )
حكم زنا العبد المملوك :
حد العبد المملوك أوالأمة المملوكة خمسين جلدة، سواء كانا ( محصنين ) ( متزوجين ) أو غير محصنين (غير متزوجين ) ولا تغريب عليهما . قال الله تعالى : (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ) ( النساء : 25 ) ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ331 : صـ332 )
تكرار الزنا :
اتفق الفقهاء على أن من زنى عدة مرات، ولم يقم عليه الحد في أحدها، فعليه، حد واحد عن جميع ما سبق . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ381 )
رجوع الزاني عن اعترافه :
إذا رجع الزاني عن إقراره بالزنا قبل أو أثناء إقامة حد الجلد عليه، إذا كان غير متزوج أو إقامة حد الرجم عليه إذا كان متزوجاً، فإنه يقبل منه، ويتركه الحاكم أو من ينوب عنه .
روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ مَاعِزٌ الْأَسْلَمِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ جَاءَ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ زَنَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ جَاءَ مِنْ شِقِّهِ الْآخَرِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَدْ زَنَى فَأَمَرَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْحَرَّةِ فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ فَرَّ يَشْتَدُّ حَتَّى مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ لَحْيُ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ بِهِ وَضَرَبَهُ النَّاسُ حَتَّى مَاتَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ فَرَّ حِينَ وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ وَمَسَّ الْمَوْتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ .( حديث حسن ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 1154 )
وأما إذا ثبت الزنا بشهادة أربعة رجال عدول من المسلمين يتم إقامة الحد على الزاني وإن أنكر ذلك .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ312 )
حكم إقامة حد الزنا على المرأة الحامل :
أجمع الفقهاء على أنه لا يقام الحد على المرأة الحامل حتى تضع حملها، سواء كان الحمل من زنا أو غيره. ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ327 )
روى مسلمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ مِنْ غَامِدٍ مِنْ الْأَزْدِ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي فَقَالَ وَيْحَكِ ارْجِعِي فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَقَالَتْ أَرَاكَ تُرِيدُ أَنْ تُرَدِّدَنِي كَمَا رَدَّدْتَ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ وَمَا ذَاكِ قَالَتْ إِنَّهَا حُبْلَى مِنْ الزِّنَى فَقَالَ آنْتِ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ لَهَا حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنِكِ قَالَ فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ قَالَ فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ فَقَالَ إِذًا لَا نَرْجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُرْضِعُهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ فَرَجَمَهَا.
( مسلم حديث1695 )
إقامة الحد على الزاني المريض :
المريض نوعان :
أولاً : مرض يُرجى شفاؤه، فهذا يقام عليه الحد بعد شفائه .
روى مسلم عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ خَطَبَ عَلِيٌّ بتِ أبي طالبٍ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمْ الْحَدَّ مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا فَإِذَا هِيَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَحْسَنْتَ . ( مسلم حديث1705 )
ثانياً : مريض لا يُرجى شفاءه، فهذا يقام عليه الحد في الحال، ولا يؤخر، وذلك بأن يضرب بسوط يؤمن معه موت الذي يقام عليه الحد، كالعصا الصغيرة، وشمراخ النخل، فإن خيف عليه من ذلك جمعت سباطة فيها مائة شمراخ، فضرب مرة واحدة . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ329 : صـ331 )
روى أبو داودَ عن أبي أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى أُضْنِيَ فَعَادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالُ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ اسْتَفْتُوا لِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي قَدْ وَقَعْتُ عَلَى جَارِيَةٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالُوا مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ الضُّرِّ مِثْلَ الَّذِي هُوَ بِهِ لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ مَا هُوَ إِلَّا جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً .
( حديث صحيح ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3754 )
حد اللواط :
معنى اللواط : هو فعل قوم لوط -صلى الله عليه وسلم-، ومعناه : وطء رجل، بالغ، عاقل، لرجل آخر في دبره .
حكم جريمة اللواط :
أجمع العلماء على تحريم اللواط، وقد ذمه الله تعالى في كتابه .
قال سبحانه : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) ( الأعراف : 80 : 81 )
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ348 )
ثبوت جريمة اللواط :
تثبت جريمة اللواط بأحد أمرين :
الأول : الإقرار والاعتراف .
الثاني : البينة بشهادة رجلين عدلين من المسلمين .
عقوبة جريمة اللواط :
إذا فعل رجل برجل آخر فعل قوم لوط، فحدهما القتل، سواء كان محصنين ( متزوجين ) أو غير محصنين ( غير متزوجين ) إذا كان ذلك بغير إكراه . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ35 )
روى أبو داود عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ .( حديث حسن ) ( صحيح أبي داود للألباني حديث 3745 )
تنبيه هام :
إذا كان أحد من يرتكب جريمة اللواط، غير بالغ، فإن الحاكم يعقبه بعقوبة أقل من القتل .
حد القذف :
معنى القذف :
رمى شخص ما بالزنا . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ382 )
كأن يقول : يا زان أو غير ذلك من الألفاظ التي تدل على الاتهام بالزنا .
كأن يقول شخص لآخر عند الشجار، لست بزان، ولا أمي بزانية .
حكم القذف :
القذف من الكبائر والموبقات التي حرمها الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- .
قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) ( النور : 23 : 25 )
وقال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ) ( النور : 19 )
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصِنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ . ( مسلم حديث 89 )
عقوبة القذف :
قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( النور : 4 : 5 )
يتضح من هذه الآية الكريمة أن القاذف له عقوبتان :
(1) الجلد ثمانين جلدة للحر وأما عقوبة المملوك فهي أربعون جلدة .
(2) رد شهادته حتى يعلن التوبة إلى الله تعالى .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ383 : صـ387 )
ثبوت حد القذف :
يثبت حد القذف بأحد أمرين :
1 – اعتراف القاذف نفسه .
2 – شهادة عدلين من المسلمين .
شروط إقامة حد القذف :
إن للقذف شروطاً يجب توافرها في القاذف والمقذوف وفي الشيء المقذوف به :
أولاً : شروط القاذف :
1 – العقل . 2 – البلوغ . 3 – الاختيار .
هذه الشروط الثلاثة هي أساس التكاليف الشرعية، وإذا فُقِدَ أحدها ، سقط إقامة الحد .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ386 )
ثانياً : شروط المقذوف :
1 – العقل . 2 – البلوغ . 3 – الاختيار . 4 – الحرية . 5 – العفة عن الزنى .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ385)
ثالثاً : شروط الشيء المقذوف به :
التصريح بالزنا، أو التعريض الواضح، سواء كان ذلك في القول أو الكتابة .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ407 )
قذف الوالد لأحد أولاده :
إذا قذف الأب ولده، فلا حد عليه، لأن الحد عقوبة تجب لحق الآدمي، فلم تجب للولد على أبيه، كالقصاص، وأما قذف باقي الأقارب فيوجب الحد على القاذف بإجماع الفقهاء .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ388 : صـ389 )
قذف جماعة من الناس بكلمة واحدة :
إذا قذف شخصاًَ ما جماعة من الناس بكلمة واحدة، كأن قال : يا أولاد الزنا، وجب عليه حد واحد، إذا طالبوا به أو واحد منهم، لأن الله تعالى قال : (لَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) ( النور : 4 )
فلم يفرق القرآن بين من قذف واحد أو جماعة . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ405 : صـ406 )
قذف جماعة من الناس بألفاظ مختلفة :
إذا قذف شخص ما جماعة من الناس بألفاظ مختلفة، كأن يقول لأحدهم : يا ابن الزانية، ويقول لآخر : يا لوطي، وهكذا وجب إقامة حد لكل واحد منهم، منفصل عن الآخر، لأنها حقوق لآدميين، فلم تتداخل، كالديون والقصاص . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ407 )
حكم من قذف شخصاً عدة مرات :
إذا قذف شخصاًَ ما إنساناً آخر عدة مرات، ولم يقم عليه الحد، فعليه واحد فقط عن الجميع .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ407 )
حكم من رمى والدي آخر بالزنا :
إذا قال شخص لآخر يا ابن الزانيين، فهو قاذف لهما بكلمة واحدة، ولم يجب عليه إلا حد واحد فقط، إن كان الوالدين على قيد الحياة، وإن قال رجل آخر : يا ابن الزانية، وكانت أم المقذوف على قيد الحياة وجب على القاذف حدين .( المغني لابن قدامة جـ12 صـ407 )
حد السرقة :
السرقة في اللغة : أخذ الشيء خفية . ( المعجم الوجيز صـ309 )
السرقة في الشرع :
أخذ العاقل، البالغ، غير المكره، مقداراً من المال خفيه من حرز معلوم بدون حق ولا شبهة .
( الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري جـ5 صـ129 )
الحرز : ما يوع فيه المال لحفظه .
حكم السرقة :
السرقة حارم ، وقطع يد السارق ثابت بالكتاب والسنة والإجماع .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ415 )
شروط السرقة :
أولاً : شروط خاصة بالسارق :
شروط السارق التي تستوجب إقامة الحد عليه هي :
1 – البلوغ 2 – العقل 3 – الاختيار وإرادة السرقة 4 – أن لا يكون للسارق في الشيء المسروق شبهة ملك . فلا تقطع يد الأب إذا سرق مال ولده، ولا تقطع يد الابن إذا سرق من مال والديه، وكذلك سرقة الرجل من مال زوجته أو سرقة المرأة من مال زوجها .
ثانياً : شروط الشيء المسروق :
يشترط في الشيء المسروق الذي يقام فيه الحد ما يلي :
1 – النصاب: وهو مقدار من المال حدده الشرع ليقام فيه الحد وهو ربع دينار ( 0625، 1 جرام ذهب).
2 – أن يكون الشيء المسروق مما يمتلك ويحل بيعه .
3 – أن لا يكون للسارق فيه ملك، ولا شبهة ملك .
4 – أن يكون المال موجوداً في حرز . ( وهو المكان المستخدم في حفظ الشيء فيه عادة ) .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ416 : صـ437 )
ثبوت حد السرقة :
يثبت حد السرقة بأحد أمرين :
(1) اعتراف السارق وإقراره بالسرقة من غير إكراه .
(2) البينة وذلك بشهادة رجلين عدلين من المسلمين . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ463 : صـ465)
عقوبة السارق :
عقوبة السارق، البالغ، العاقل، غير المكره هي : قطع يده اليمنى مع حسمها بالزيت المغلي .
فإذا سرق السارق مرة ثانية، قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم مع حسمها بالزيت أو كيها بالنار، حتى يتوقف نزيف الدم . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ439 : صـ444 )
روى عبد الرزاق عن عمرو بن دينار أن نجدة بن عامر كتب إلى ابن عباس : السارق يسرق فتقطع يده ، ثم يعود فتقطع يده الاخرى ؟ قال الله تعالى : (فاقطعوا أيديهما) قال : بلى ، ولكن يده ورجله من خلاف .
( إسناده صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ10 صـ185رقم 18763 )
روى عبد الرزاق عن عائشة قالت : كان رجل أسود يأتي أبا بكر فيدنيه ، ويقرئه القرآن ، حتى بعث ساعيا – أو قال : سرية – فقال : أرسلني معه ، فقال : بل تمكث عندنا ، فأبى ، فأرسله معه ، واستوصى به خيرا ، فلم يغب عنه إلا قليلا حتى جاء قد قطعت يده ، فلما رآه أبو بكر فاضت عيناه ، وقال : ما شأنك؟ قال : ما زدت على أنه كان يوليني شيئا من عمله ، فخنته فريضة واحدة ، فقطع يدي ، فقال أبو بكر : تجدون الذي قطع يد هذا يخون أكثر من عشرين فريضة ، والله لئن كنت صادقا لاقيدنك منه ، قال : ثم أدناه ولم يحول منزلته التي كانت له منه ، قال : وكان الرجل يقوم من الليل فيقرأ ، فإذا سمع أبو بكر صوته قال : تالله لرجل قطع هذا ، قال : فلم يغب إلا قليلا حتى فقد آل أبي بكر حليا لهم ومتاعا ، فقال طرق الحي الليلة ، فقام الأقطع فاستقبل القبلة ، ورفع يده الصحيحة والأخرى التي قطعت ، فقال : اللهم أظهر على من سرقهم ، أو نحو هذا ، وكان معمر ربما يقول : اللهم أظهر على من سرق أهل هذا البيت الصالحين ، قال : فما انتصف النهار حتى ظهروا على المتاع عنده ، فقال له أبو بكر : ويلك إنك لقليل العلم بالله فأمر به ، فقطعت رجله . ( إسناده صحيح ) ( مصنف عبد الرزاق جـ10 صـ188 رقم 18774)
تكرار السرقة أكثر من مرتين :
إذا سرق شخص وقطعت يده اليمنى وفي المرة الأولى، وقطعت رجله ليس في المرة الثابتة ثم سرق بعد ذلك، فإنه يضرب ويحبس ولا قطع عيه بعد المرة الثانية . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ446 : صـ448 )
روى عبد الرزاق عن عمر أنه أتي برجل قد سرق يُقالُ له : سدوم ، فقطعه ، ثم أتي به الثانية فقطعه ، ثم أتي به الثالثة ، فأراد أن يقطعه : فقال له علي : لا تفعل ، إنما عليه يد ورجل ، ولكن احبسه .
( إسناده حسن ) ( مصنف عبد الرزاق جـ10 صـ186 رقم 18766 )
تكرار السرقة قبل إقامة الحد :
إِذَا سَرَقَ اللص عدة مَرَّاتٍ قَبْلَ قطع يده ، أَجْزَأَ قَطْعٌ وَاحِدٌ عَنْ جَمِيعِهَا ، وَتَدَاخَلَتْ حُدُودُهَا ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ أَسْبَابُهُ تَدَاخَلَ ، كَحَدِّ الزِّنَا .( المغني لابن قدامة جـ12 صـ433 )
اشتراك جماعة في السرقة :
إذا اشترك جماعة من الناس في سرقة مال، بحيث لو قسم هذا المال عليهم بلغ نصاباً لكل واحدٍ منهم, فإن الحاكم يقيم عليهم حد السرقة جميعاً، باتفاق جميع الفقهاء .
وأما إذا كان مقدار المال الذي سرقوه، يبلغ نصاباً ولكنه لو قسم عليهم لم يبلغ نصاباًَ لكل منهم، فإن جمهور الفقهاء على أنه يقام عليهم حد السرقة لأنهم جميعاً اشتركوا في هتك حرز وإخراج النصاب منه فلزمهم إقامة الحد عليهم . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ468 )
إنكار السارق :
إذا ثبتت سرقة اللص ببينة عادلة (شهادة عدلين من المسلمين), فأنكر، لم يلتفت لإنكاره، ويقام عليه الحد .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ472 )
هبة الشيء المسروق للسارق :
إنَّ السَّارِقَ إذَا مَلَكَ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ بِهِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ ، لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَمْلِكَهَا قَبْلَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ ، وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا عِنْدَهُ ، أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَإِنْ مَلَكَهَا قَبْلَهُ، لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْمُطَالَبَةَ بِالْمَسْرُوقِ وَبَعْدَ مِلْكِهِ لَهُ لَا تَصِحُّ الْمُطَالَبَةُ ، وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَهُ ، لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ451 : صـ452 )
جاحد الشيء المستعار :
ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم وجوب القطع على من جحد العارية لأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق والجاحد ليس بسارق، وإنما هو خائن والمرأة التي كانت تستعير المتاع إنما قطعت يدها لسرقتها وليس لجحدها .
( شرح السنة للبغوي جـ10 صـ321 : صـ322 ) ( نيل الأوطار للشوكاني جـ7 صـ132 )
روى الترمذيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ. ( حديث صحيح ) ( صحيح الترمذي للألباني حديث 1172 )
حد الحرابة : ( قطاع الطريق )
تعريف الحرابة :
الحرابة ( قطع الطريق ) : هي خروج طائفة مسلحة في دار الاسلام، لإحداث الفوضى، وسفك الدماء، وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وإهلاك الحرث والنسل ، متحدية بذلك الدين والأخلاق والنظام والقانون.
( فقه السنة للسيد سابق جـ3 صـ214 )
شروط إقامة حد الحرابة :
يشترط في من يقيم عليه الحاكم حد الحرابة الشروط التالية :
1 – البلوغ 2 – العقل 3 – الاختيار 4 – حمل السلاح 5 – المجاهرة بأخذ المال .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ474 : صـ475 )
عقوبة الحرابة :
قال الله تعالى : (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( المائدة : 33 : 34 )
ويتضح من هذه الآية الكريمة أن عقوبة الحرابة هي : إحدى عقوبات أربع وهي :
(1) القتل .
(2) الصلب حتى الموت .
(3) تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف .
(4) النفي من الأرض .
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن هذه العقوبات الأربع المذكورة في الآية الكريمة تتنوع حسب نوع الجريمة التي ارتكبها المحاربون المفسدون في الأرض . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ475 : صـ476 )
روى البيهقي عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا واخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا اخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا خافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً، نُفوا من الأرض . ( السنن الكبرى للبيهقي جـ8 صـ283 )
توبة قطاع الطريق قبل القبض عليهم :
إذا تاب قطاع الطريق قبل القبض عليهم، وأعلنوا هذه التوبة قبل القبض عليهم ثم قبض الحاكم عليهم بعد ذلك فإن الله تعالى يغفر لهم ما قد سلف، ويرفع عنهم عقوبة الحرابة الخاصة بحقه سبحانه ويبقى عليهم حقوق الناس من القصاص في النفس والجراح، وغرامة المال والدية لما لا قصاص فيه إلا أن يعفوَ أصحابُ الحقوق . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ483 )
حد الردة :
معنى الردة : هي الرجوع عن الدين الإسلامي إلى الكفر بالقول أو بالفعل .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ264 )
قال الله تعالى : (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ( البقرة : 217 )
أمور تدل على الردة عن الإسلام :
1- إنكار ما علم من الدين بالضرورة. مثل إنكار وحدة الله وخلقه للعالم وإنكار وجود الملائكة، وإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن وحي من الله، وإنكار البعث والجزاء، وإنكار فرضية الصلاة والزكاة، والصيام والحج.
2 – استباحة محرم أجمع المسلمون على تحريمه، كاستباحة الخمر، والزنا، والربا، وأكل الخنزير، واستحلال دماء المعصومين وأموالهم إلا إذا كان ذلك بتأويل – مثل تأويل الخوارج – فإنهم استحلوا دماء الصحابة وأموالهم – ومثل تأويل قدامة بن مظعون شرب الخمر، ومع ذلك – فجمهور الفقهاء على أنهم غير كافرين.
3 – تحريم ما أجمع المسلمون على حله ” كتحريم الطيبات “.
4 – سب النبي أو الاستهزاء به ، وكذا سب أي نبي من أنبياء الله.
5 – سب الدين، والطعن في الكتاب والسُّنة، وترك الحكم بهما، وتفضيل القوانين الوضعية عليهما.
6 – ادعاء فردمن الأفراد أن الوحي ينزل عليه.
7 – إلقاء المصحف في القاذورات، وكذا كتب الحديث، استهانة بها واستخفافاً بما جاء فيها.
8 – الاستخفاف باسم من أسماء الله، أو أمر من أوامره، أو نهي من نواهيه، أو وعد من وعوده، إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام، ولا يعرف أحكامه، ولا يعلم حدوده، فإنه إن أنكر منها جهلا به لم يكفر.
وفيه مسائل أجمع المسلمون عليها، ولكن لا يعلمها إلا الخاصة، فإن منكرها لا يكفر، بل يكون معذورا بجهله بها، لعدم استفاضة علمها في العامة، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأن القاتل عمدا لا يرث، وأن للجدة السدس، ونحو ذلك.
ولا يدخل في هذا الوساوس التي تساور النفس فإنها مما لا يؤاخذ الله بها.
(فقه السنة للسيد سابق جـ 3 صـ203 : صـ205 )
شروط الردة عن الإسلام :
يشترط لصحة الردة عن الإسلام الشروط التالية :
1 – العقل 2 – البلوغ 3 – الاختيار وإرادة الكفر .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ265 : صـ266 )
فائدة هامة :
اتفق الفقهاء على أنه إذا أكره أحد على التلفظ بكلمة الكفر فإنه لا يخرج بذلك عن الإسلام ما دام قلبه مطمئن بالإيمان .
قال الله تعالى : (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ *مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ( النحل : 105 : 106 ) ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ292 : صـ294 )
ثبوت الردة عن الإسلام :
تثبت الردة عن الإسلام بأحد أمرين :
(1) اعتراف الشخص نفسه وإقراره بالردة عن الإسلام .
(2) شهادة عدلين من المسلمين على ردة هذا الشخص . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ287 )
عقوبة المرتد عن الإسلام :
اتفق جميع الفقهاء على وجوب قتل المرتد عن الإسلام وذلك بعد استتابته، وإقامة الحجة الواضحة عليه من أهل العلم . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ264 : صـ268 )
روى البخاري عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ أُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ . ( البخاري حديث6922 )
( روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنْ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ ). ( البخاري حديث 6878 )
الآثار المترتبة على الردة :
(1) تحبط جميع أعمال المرتد الصالحة .
(2) لا يرث أحد من أقاربه المسلمين ولا يرثه أحد من أقاربه المسلمين بعد موته .
(3) لا تحل ذبيحته .
(4) يرد ماله إلى بيت مال المسلمين .
(5) إذا مات أو قتل فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين .
( المغني لابن قدامة جـ12 صـ272 )
توبة المرتد :
إذا تاب المرتد توبة نصوحا قبلت توبته وتكون بنطق الشهادتين . ( المغني لابن قدامة جـ12 صـ269 )
روى الشيخان عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ . ( البخاري حديث 25/ مسلم حديث 22 )
وختاماً :
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به طلاب العِلْم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.