الحمدُ للهِ الذي أكملَ لنا الدين، وأتم علينا نعمته،ورضي لنا الإسلام دينا، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ ، الذي أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ،أما بعد:فإن المساجد لها منزلة جليلة القدر عظيمة الشأن في الإسلام ،من أجل ذلك أحببت أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بمنزلة المساجد في الإسلام ،
فأقول و بالله تعالى التوفيق :
فضل بناء المساجد
قال الله تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ *رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.) (النور 38:36)
روى الشيخانِ عن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ تَعَالَى، يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. (البخاري حديث 450 / مسلم حديث 533)
روى أحمدُ عَنِ عبدِ الله ِبْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا(عش طائر صغير) بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. (حديث صحيح )(صحيح الجامع للألباني حديث : 6129)
وقفة مع النفس :ليسأل كل منا نفسه هل بنيتَ لله تعالى مسجداً يعبد فيه وحده ؟ هل ساهمت في بناء مسجد ؟
إذا رأيت غنياً يبني لله تعالى مسجداً ، فتمنى أن تكون مثله حتى تحصل على أجر بناء مسجد .
روى الشيخانِ عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ. (البخاري حديث: 1 / مسلم حديث: 1907)
روى الترمذيُّ عن أَبي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ :عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ،وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ،وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ،وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ. (حديث صحيح )(صحيح الترمذي للألباني حديث : 1894)
بناء المساجد من أفضل القربات للحصول على الحسنات
كل من يصلي في المسجد من فروض أو نوافل أو يقرأ قرآناً أو يذكر الله، أو يصلي على النبي أو يحضر دروس العلم ليتفقه في دين الله تعالى، يكون ذلك كله في ميزان حسنات من بنى المسجد ، ابتغاء وجه الله تعالى، دون أن ينقص من أجر المصلين والذاكرين وطلاب العلم شيئاً.
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ إِنِّي أُبْدِعَ بِي(هلكت دابتي، وهي مركوبي) فَاحْمِلْنِي فَقَالَ مَا عِنْدِي فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ. (مسلم حديث :1893)
روى مسلم ٌعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا. (مسلم حديث :2674)
بناء المسجد هو أول عمل للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة
كان أول عمل للرسول حين هاجر هو تأسيس المسجد الذي أصبح مكاناً للعبادة، ودار للشورى، ومقراً للقيادة تنطلق منه الجيوش المجاهدة في سبيل الله من أجل رفع كلمة التوحيد عالية في ربوع المعمورة، لتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وأصبح المسجد أيضاً منتدى اجتماع للتداول في شئون الدين والدنيا معاً .
بركة المساجد
هذه المساجد، جعلها الله تعالى، تذكرُ الناس بالأصل الأول للإسلام، إلا هو شهادة التوحيد ،في كل يوم وليلة خمس مرات.
إذا اعتاد الناس على دخول المساجد وامتلأت في الصلوات المفروضة كما تمتلئ وقت صلاة الجمعة لرأينا الزوج يحنو على زوجته، لأطاعت الزوجة زوجها ولبر الأبناء الآباء .
معرفة الأحكام الشرعية
إن الله جعل الأحكام الشرعية لسعادة الناس، فلنحرص على تعلمها، ولكن أين نتعلمها ؟ في المساجد، لو تعلمنا هذه الأحكام الشرعية ونقلناها إلى البيوت لاستضاءت بنور المساجد ولانتقلت إليها بركة المساجد، ولأرسل الله علينا المطر مدراراً وأمدنا بأموال وبنين وجعل لنا جنات وجعل لنا أنهاراً ولامتلأت بلاد المسلمين خيراً وبركة وسعادة وأمناً، لا لشيء إلا لتطبيق شرع الله في كل شيء .
فائدة :المسجد : هو المحكمة التي أصدرت أعدل الأحكام .
بركة الذهاب إلى المساجد
(1) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ. (البخاري حديث: 662 / مسلم حديث: 669)
(2) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً. (مسلم حديث :666)
(3) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ. (مسلم حديث :251)
(4) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ. (البخاري حديث: 651 / مسلم حديث: 662)
وقفه مع الأذان
إن المؤذن ينادي في كل يوم وليلة خمس مرات في شتى بقاع الدنيا في وقت معين : الله أكبر : يرددها أكثر من أي جملة ويعيدها عند نهاية الأذان، ليذكر كل كبير أنه صغير بين يدي الله تعالى، عَبْد له فيتخلصُ من نزوة النفس ونشوة الحياة وسُكْر النفوذ .ويتذكر الضعفاء كبرياء الله، وأنه أكبر من كل كبير، فتحيا آمالهم، وتقوى نفوسهم، وتهتز قلوبهم . إذا الأكبر ليس هذا المتسلط ولا ذاك الغاشم الظالم، وإنما هو الرحمن الرحيم .ثم يأتي بعد هذا، الإقرار والخضوع بشهادة التوحيد وشهادة أن محمداً رسول الله، وأصوات المؤذنين في القرى والمدن تغطي ما بين المساجد، والمشروع لسامع المؤذن أن يقول مثله في ذلك، فيكون المسلمون في جميع الدنيا يجددون إسلامهم كل يوم وليلة خمس مرات بنداء واحد ودعاء واحد، تنبع منه عقيدة واحدة . (مجلة البحوث الإسلامية العدد الثاني صـ461 )
تحية المساجد
مما يدل على قيمة المساجد وقدسيتها في الشريعة الإسلامية أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى أن نجلس في المساجد حتى نصلي تحية المسجد حتى ولو دخل إلى المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب وأجاز العلماء صلاة تحية المسجد حتى ولو في أي وقت من أوقات الكراهة الثلاثة .
(1) روى الشيخانِ عن أَبَي قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ الْأنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ. (البخاري حديث: 1167 / مسلم حديث: 714)
(2) روى مسلمٌ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ. (مسلم حديث :716)
(3) روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَجَلَسَ فَقَالَ لَهُ يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا ثُمَّ قَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا. (مسلم ـ كتاب الجمعة ـ حديث :59)
اجتماع المسلمين في المساجد
أمر الله تعالى ببناء المساجد لإقامة الصلوات المفروضة خمس مرات في اليوم والليلة جماعة، يلتقي فيها المسلمون بالجسد والروح معاً، نحو هدف واحد ومعتقد ثابت، عبادة الله عز وجل، وتذكيراً لنهج الإسلام وأخلاق المسلم، يغشونها تاركين أحوال دنياهم بعد نداء الحق ودعوة المؤذن، حي على الصلاة، حي على الفلاح، ليستشعروا باجتماعهم هذا في بيت الله، قربهم منه عز وجل وصلتهم به سبحانه، لا وسيط ولا رقيب، خاضعين، مستجيرين برب العالمين، راجين رحمته وخائفين من عذابه، طالبين رضوانه وعونه وتوفيقه، فتذهب من نفوسهم هموم كثيرة، وتغتسل أفئدتهم بطهارة الإيمان، فيستمدون من تلك الروحانية، عزيمة المؤمن القوى الصابر المكافح، المناضل، العامل، المجد، المجتهد، لخير الأعمال وأفضلها، والمنتجُ لأصلح الثمرات في دنياه وآخرته . ( مجلة البحوث الإسلامية – العدد الثاني صـ438 )
التربية في المساجد
إن رسالة المسجد تستمد جوهرها من رسالة نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ورسالته كانت رسالة عامة شاملة تهدف إلى إصلاح العبد فيما بينه وبين ربه، وإصلاحه فيما بينه وبين نفسه، كما تهدف إلى إصلاح كل طبقات المجتمع والرفع من شأنها، والدفع بها إلى ميدان العمل الصالح، ليصبح المجتمع الإسلامي مجتمعاً مثالياً، حتى يتحقق فيه وينطبق عليه ما أراده الله لهذه الأمة من أن تكون خير أمة أخرجت للناس : قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه ) فداخل المسجد يتربى المسلم على تطهير نفسه، وتصحيح عقيدته، والقرب من الله، ومراقبته في سره وعلانيته، وفي داخل المسجد وبين صفوفه، يتربى المؤمن على الاتصال بإخوانه المؤمنين، وتقوية صفوفهم، والشعور بآلامهم، والاهتمام بجميع شؤونهم، وفي داخل المسجد يشعر المؤمن بقوته جانب إخوانه ويشعر كذلك بالرسالة التي طُوق بأدائها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة . وداخل المسجد تتربى روح الأخوة والألفة والمحبة بين المسلمين، فيعيشون عالمهم المثالي الخالي من الحقد والكراهية، والحسد والحروب الطاحنة. وفي المسجد يشعر المؤمن بكرامته التي كرمه الله بها، وأنه متساو في جميع الحقوق والواجبات مع جميع الذين يجلسون بجانبه، سواء كانوا حكاماً أو محكومين، أغنياء أو فقراء، فهو واحد من هؤلاء، لا يتفاضلون إلا بالتقوى والعمل الصالح . ( مجلة البحوث الإسلامية – العدد الثاني صـ511 )
كيف نعمر المساجد ؟
قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) ( التوبة : 18 )
وعمارة المساجد تكون بالمحافظة على الصلوات المفروضة جماعة فيها وحضور مجالس العلم للتفقه في دين الله تعالى ومعرفة العقيدة الصحيحة وأمور الحلال والحرام .
روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً. (البخاري حديث: 645 / مسلم حديث: 650)
فضل تنظيف المساجد
اعلم ، أخي المسلم الكريم، أن من عمارة المساجد تعاهدا بالنظافة .
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوْ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا. (البخاري حديث: 458 / مسلم حديث: 956)
روى أبو داودَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ . (حديث صحيح ) (صحيح أبي داود للألباني حديث : 436)
وقفة هامة : ليسأل كل منا نفسه كم مرة قام بتنظيف مسجد في حياته ؟ هل دربت ولدك على تنظيف بيت الله حتى يجعله مكاناً مقدساً في حياته يحافظ عليه دائماً ؟
بركة الجلوس في المساجد
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا الصَّلَاةُ. (البخاري حديث: 659/ مسلم حديث: 649)
ثواب الحج و العمرة :
روى الترمذيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ. (حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث : 480)
وقفة للتأمل :أيها الفقير يا من لا تملك تكاليف الحج والعمرة، قد عفا الله عنك ولكن أحسن النية لله تعالى وسارع إلى هذا الباب من أبواب الخير لتنال ثواب الحج والعمرة دون أن تتكلف شيئاً من المال !!
الملائكة تحف الذاكرين في المساجد
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: َمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ. (مسلم حديث: 2699)
أهل المساجد في ظل الله تعالى يوم القيامة
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. (البخاري حديث: 660/ مسلم حديث: 1031)
هنيئاً لك من تعلق قلبك بالمحافظة على أداء الصلوات المفروضة في الجماعة الأولى في المساجد، وأنت في ظل عرش الرحمن حيث يغبطك الأولون والآخرون . ففي هذا اليوم تدنوا الشمس من الرؤوس قد ميل أو ميلين ويغرق الناس في عرقهم، وأنت تقف في ظل الله، قرير العين، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ .
مقارنة بين الجلوس في المساجد والجلوس في الطرقات
قارن ،أخي المسلم الكريم، بين من يجلس في بيت الله، تحفه الملائكة، وتغشاه الرحمة، ويذكره الله عنده في الملأ الأعلى، ويجلس في سكينه ووقار بين أناس متطهرين، وألسنتهم رطبة بذكر الله تعالى، وبين من يجلس على المقاهي وفي النوادي وفي الطرقات بين أناس منهم من لا يصلون ومنهم من يغتابون الآخرين، ومنهم من يتلفظ بألفاظ نابية تخدش الحياء، ومنهم من لا يراعي حق الطريق .
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا فَقَالَ إِذْ أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ. (البخاري حديث: 6229/ مسلم حديث: 2121)
ومن هذه المقارنة الموجزة نرى أن من يجلس في المساجد يرتفع رصيده من الحسنات ويثقل ميزانه يوم القيامة إن شاء الله تعالى، ومن يجلس في الطرقات ،يرتفع رصيده من السيئات ويخف ميزانه يوم القيامة إلا أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً .
وظيفة المساجد في الإسلام
يمكن أن نوجز وظيفة المساجد فيما يلي:
(1) المساجد أماكن للعبادة:
وهذه هي الوظيفة الأساسية للمساجد في كل مكان وزمان منذ صدر الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
قال الله تعالى(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ *رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.)(النور 38:36)
قال ابن كثير(رحمه الله)في قوله تعالى: { رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ } ، يقول تعالى: لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها ومَلاذ بَيعها وريحها، عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم، والذي يعلمون أن ما عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم؛ لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق؛ ولهذا قال: { لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } أي: يقدمون طاعته ومُرَاده ومحبته على مرادهم ومحبتهم. (تفسير ابن كثير جـ 10صـ 252:251)
روى ابن جرير الطبري عن عبد الله بن مسعود أنه رأى قوماً من أهل السوق حيث نودي بالصلاة، تركوا بياعاتهم، ونهضوا إلى الصلاة، فقال عبد الله: هؤلاء من الذين ذَكَرَ اللهُ في كتابه(لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ). (تفسير الطبري جـ 20جـ 10صـ 359)
روى ابن جرير الطبري عن عمرو بن ميمون، قال: أدركت أصحاب رسول الله وهم يقولون: المساجد بيوت الله، وإنه حقّ على الله أن يكرم من زاره فيها. (تفسير الطبري جـ 20جـ 10صـ 353)
(2) المساجد معاهد علمية
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه أمور دينهم حتى تربى رعاة الإبل والأغنام في المساجد وتخرجوا فيها علماء وحكماء وخلفاء وأمراء وقادة شجعان، نفع الله تعالى بهم البشرية جمعاء
روى الطبرانيُّ عن أبي هريرة ، أنه مر بسوق المدينة ، فوقـف عليهــا، فقال : « يا أهل السوق ، ما أعجزكم » قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال : « ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَسَّمُ ، وأنتم هاهنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه » قالوا : وأين هو ؟ قال: « في المسجد» فخرجوا سراعاً إلى المسجد ، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا ، فقال لهم : « ما لكم ؟ »قالوا : يا أبا هريرة فقد أتينا المسجد ، فدخلنا ، فلم نر فيه شيئاً يُقَسَّمُ . فقال لهم أبو هريرة: أما رأيتم في المسجد أحداً ؟ قالوا: بلى، رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرءون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام. فقال لهم أبو هريرة: ويحكم، فذاك ميراث محمد -صلى الله عليه وسلم- . (الطبراني في معجمه الأوسط جـ2صـ114)
* أخي الكريم : من المساجد تخرجت أجيال كثيرة من العلماء في العلوم الإسلامية، يعتز بأسمائهم الكريمة العالم الإسلامي وتنير آثارهم العلمية الطريق أمام المسلمين في كل مكان من العالم .
(3) المساجد مجالس للشورى
كان الرسول يشاور أصحابه الكرام في شئون الحرب والمعاهدات والصلح، وكان للخلفاء الراشدين مجلس للشورى، يتكون من كبار الفقهاء من المهاجرين والأنصار، رضي الله عنهم جميعاً .
(4)المساجد تقوم بعمل الجمعيات الخيرية
كانت المساجد أماكن يأوي إليها الغريب وابن السبيل فيجد بها المبيت والطعام والشراب والكساء، فقد كان بالمسجد صفة، وهي مكان مظلل في مؤخرة المسجد، يأوي إليها من لا دار له، ولا أهل، ولا مال، يسمون، أضياف الله، وكان المسلمون يتبارون في إكرامهم ولم يكونوا عالة، فقد كانوا يحتطبون بالنهار، ويتعبدون بالليل، ويهبون للقتال إذا ما دعوا للجهاد في سبيل الله تعالى .
كانت تجمع في المساجد زكاة الفطر والزكاة المفروضة والأموال التي ترد من الأقاليم والغنائم وتوزع على مستحقيها ممن ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم .
روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَالٍ مِنْ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خُذْ فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ إِلَيَّ قَالَ لَا قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ قَالَ لَا فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَيَّ قَالَ لَا قَالَ فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَيَّ قَالَ لَا فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ احْتَمَلَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ. (البخاري حديث :421)
روى الترمذي عَنْ الْبَرَاءِ{ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ }قَالَ نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ كُنَّا أَصْحَابَ نَخْلٍ فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي مِنْ نَخْلِهِ عَلَى قَدْرِ كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ وَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي بِالْقِنْوِ وَالْقِنْوَيْنِ فَيُعَلِّقُهُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ أَهْلُ الصُّفَّة لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ فَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا جَاعَ أَتَى الْقِنْوَ فَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَيَسْقُطُ مِنْ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ فَيَأْكُلُ وَكَانَ نَاسٌ مِمَّنْ لَا يَرْغَبُ فِي الْخَيْرِ يَأْتِي الرَّجُلُ بِالْقِنْوِ فِيهِ الشِّيصُ وَالْحَشَفُ وَبِالْقِنْوِ قَدْ انْكَسَرَ فَيُعَلِّقُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ تَعَالَى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ }قَالَ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُ لَمْ يَأْخُذْهُ إِلَّا عَلَى إِغْمَاضٍ أَوْ حَيَاءٍ قَالَ فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ يَأْتِي أَحَدُنَا بِصَالِحِ مَا عِنْدَهُ. (حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث 2389)
(5) المسجد مستشفى عسكري : كان في المسجد النبوي مستشفي عسكري لعلاج المرضى .
روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُصِيبَ سَعْدٌ(ابن معاذ) يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي الْأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمْ يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ إِلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا أَهْلَ الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ فِيهَا. (البخاري حديث: 463)
(6) المسجد دار للقضاء والصلح بين الناس
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس في المسجد ليقضي بين الناس ويصلح بينهم كما صلح بين كعب ابن مالك وابن أبي حدرد ، حيث جعل كعب بن مالك يتنازل عن نصف دينه .
روى البخاريُّ عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ يَا كَعْبُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ قَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُمْ فَاقْضِهِ . (البخاري حديث: 457)
روى البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَضَى اللَّهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ قَالَ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ فَرَغَا مِنْ التَّلَاعُنِ فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ ذَاكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ. (البخاري حديث:3509)
(7) المسجد دار لضيافة الوفود : كان النبي يستقبل الوفود في المسجد .
(8) المسجد مركز إعلامي للدفاع عن الإسلام
كان حسان بن ثابت ينشد الشعر مظهراً محاسن الإسلام، ويدافع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- .
روى البخاريُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ:مَرَّ عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ فَقَالَ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ نَعَمْ . (البخاري:3212) (مجلة البحوث الإسلامية ـ العدد الثاني صـ 489:487)
نريد أن نقتدي برسول الله وأصحابه فنبني مسجداً في كل تجمع للمسلمين ليكون بيت الله تعالى منارة بينهم ومكاناً يلتقون فيه للعبادة وكل ما فيه مصلحة للمسلمين .
وختاماً : أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العِلْمِ.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .