المقدمة
الحمدُ لله الذي خَلَقَ السموات والأرض، ولم يكن له شريك في الملك، وخَلَقَ كُلَّ شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً. أما بعد:فإن عمار بن ياسر -رضى الله عنه- من الصحابة البارزين، فأحببت أن أُذَكِرَ نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته العطرة .أسألُ اللَه تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعَ به طلاب العِلْمِِ.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين .
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.
الاسم والنسب:
هو:عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين.
أمه: سمية بنت خياط. وهي أول من استشهد في سبيل الله عز و جل.
كان عمار بن ياسر وأبوه وأمه من السابقين.
كُنيته: أبو اليقظان.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ186)
إسلام عمار بن ياسر:
قَدِمَ ياسر بن عامر وأخواه الحارث ومالك من اليمن إلى مكة يطلبون أخاً لهم فرجع الحارث ومالك إلى اليمن وأقام ياسر بمكة وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وزَوَّجَه أبو حذيفة أَمَةً له يُقالُ لها سُمية بنت خياط فولدت له عماراً، فأعتق أبو حذيفة عماراً، ولم يزل ياسر وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات وجاء الله بالإسلام فأسلم ياسر وسمية وعمار وأخوه عبد الله بن ياسر.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ186)
قال عمار بن ياسر : لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم ورسول الله صلى الله عليه و سلم فيها فقلت : أردت أن أدخل على محمد وأسمع كلامه . فقال : وأنا أريد ذلك . فدخلنا عليه فعرض علينا الإسلام فأسلمنا. وكان إسلامهم بعد بضعة وثلاثين رجلاً.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ187) (أسد الغابة لابن الأثير جـ3صـ626)
روى ابنُ ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَعَمَّارٌ وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ وَصُهَيْبٌ وَبِلَالٌ وَالْمِقْدَادُ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمْ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا إِلَّا بِلَالًا فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ، أَحَدٌ.
(حديث حسن)(صحيح سنن ابن ماجه للألباني حديث:122)
صبراً آل ياسر:
كان بنو مخزوم يخرجون بعمار بن ياسر وبأبيه وأمه، سمية، وكانوا أهل بيت إسلام إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : صبراً آل ياسر، موعدكم الجنة. فأما سمية فطعنها أبو جهل بحربة كانت في يده فقتلها، وهي تأبى إلا الإسلام.
(أسد الغابة لابن الأثيرجـ3صـ627:626)
ثبات عمار بن ياسر على الإيمان:
(1) روى ابنُ جرير الطبريُّ عن قتادة ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ)(النحل:106) قال: ذُكِر لنا أنها نزلت في عمار بن ياسر، أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر ميمون وقالوا: اكفر بمحمد، فتابعهم على ذلك وقلبه كاره، فأنزل الله تعالى ( إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ) : أي من أتى الكفر على اختيار واستحباب،( فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ). (إسناده صحيح)(تفسير الطبري جـ17صـ458 رقم:951)
(2) روى البيهقيُّ عن محمد بن عمار بن ياسر قال : أخذ المشركون عمارَ بن ياسر فلم يتركوه حتى سَبَّ النبي صلى الله عليه و سلم وذَكَرَ آلهتهم بخير ثم تركوه، فلما أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ما وراءك؟ قال: شرٌ يا رسول الله، ما تُرِكْت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير. قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنٌ بالإيمان. قال: فإن عادوا فعد.(سنن البيهقي الكبرى جـ8صـ208)
شدة الابتلاء:
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : قُلْت لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ: أَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاَللّهِ إنْ كَانُوا لَيَضْرِبُونَ أَحَدَهُمْ وَيُجِيعُونَهُ وَيُعَطّشُونَهُ حَتّى مَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا مِنْ شِدّةِ الضّرّ الّذِي نَزَلَ بِهِ حَتّى يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنْ الْفِتْنَةِ حَتّى يَقُولُوا لَهُ آللّاتُ وَالْعُزّى إلَهُك مِنْ دُونِ اللّهِ ؟ فَيَقُول : نَعَمْ حَتّى إنّ الْجُعَلَ(حيَوان معروف كالْخُنْفُسَاء) لَيَمُرّ بِهِمْ فَيَقُولُونَ لَهُ أَهَذَا الْجُعَلُ إلَهُك مِنْ دُونِ اللّهِ ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، افْتِدَاءً مِنْهُمْ مِمّا يَبْلُغُونَ مِنْ جَهْدِهِ .
(سيرة ابن هشام جـ 1صـ 320)
هجرة عمار بن ياسر وجهاده:
هاجر عمار بن ياسر -رضى الله عنه- إلى المدينة، وصلى إلى القبلتين،وآخى النبي بينه وبين حذيفة بن اليمان. شهد عمارُ بدراً،وأحداً،والخندق،والمشاهد كلها، وأبلى ببدرٍ بلاء حسناً، ثم شهد اليمامة، فأبلى فيها أيضاً بلاءً حسناً، ويومئذ قُطِعت أُذنه.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ190) (الاستيعاب لابن عبد البر جـ3صـ228)
روى ابنُ سعد عن طارق بن شهاب قال: غزا أهل البصرة ماء وعليهم رجلٌ من آل عطارد التميمي، فأمده أهل الكوفة وعليهم عمار بن ياسر، فقال الذي من آل عطارد لعمار بن ياسر: يا أجدع(مقطوع الأذن) أتريد أن تشاركنا في غنائمنا،فقال عمار: خير أذني أصيبت مع النبي صلى الله عليه و سلم. قال: فكتب في ذلك إلى عمر فكتب عمر: إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ193)
دعوة عمار للمسلمين للجهاد:
روى ابنُ سعدٍ عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: رأيت عمارَ بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون؟ أنا عمار بن ياسر، هلموا إليَّ، وأنا أنظر إلى أذنه قد قٌطعت، وهو يقاتل أشد القتال. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ192)
علم عمار بن ياسر:
روى عمارُ بن ياسر -رضى الله عنه- اثنتين وستين حديثاً، منها في ” الصحيحين ” خمسة.
روى عنه علي بن طالب وابن عباس وأبو موسى وجابر وأبو أمامة وأبو الطفيل وغيرهم من الصحابة . وروى عنه من التابعين : ابنه محمد بن عمار وابن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن ومحمد بن الحنفية وأبو وائل وعلقمة وزر بن حُبيش وغيرهم .
(أسد الغابة لابن الأثيرجـ3صـ631) (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 1صـ407)
روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبْ الْمَاءَ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ(تمرغت في التراب) فَصَلَّيْتُ فَذَكَرْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا : فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ وَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ. (البخاري حديث:347/مسلم حديث:368)
مناقب عمار بن ياسر:
(1) روى البخاريُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّأْمِ فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ،فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ يَعْنِي حُذَيْفَةَ، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ؟ يَعْنِي عَمَّارًا، قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ أَوْ مِنْكُمْ صَاحِبُ السِّوَاكِ وَالْوِسَادِ أَوْ السِّرَارِ؟ قَالَ: بَلَى. (البخاري حديث:3743)
(2) روى الترمذيُّ عَنْ عَلِيٍّ بن أبي طالب قَالَ:جَاءَ عَمَّارٌ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ائْذَنُوا لَهُ، مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ. (حديث صحيح)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:2986)
(3) روى الترمذيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَرْشَدَهُمَا. (حديث صحيح)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:2987)
(4) روى الترمذيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنِّي لَا أَدْرِي مَا قَدْرُ بَقَائِي فِيكُمْ فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَمَا حَدَّثَكُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ. (حديث صحيح)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:2988)
(5) روى ابنُ ماجه عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِيءٍ قَالَ:دَخَلَ عَمَّارٌ عَلَى عَلِيٍّ بن أبي طالب، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَقُولُ مُلِئَ عَمَّارٌ إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ ( رؤوسِ العِظام،كالمِرْفَقَيْن والكَتِفين والرُّكبتين) .(حديث حسن)(صحيح سنن ابن ماجه للألباني حديث:120)
(6) روى أحمدٌ عَنْ أبي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ قَالَ:جَزِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عِنْدَ الْمَوْتِ جَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا هَذَا الْجَزَعُ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدْنِيكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ قَالَ أَيْ بُنَيَّ قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَحُبًّا ذَلِكَ كَانَ أَمْ تَأَلُّفًا يَتَأَلَّفُنِي وَلَكِنِّي أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا ابْنُ سُمَيَّةَ(عمار بن ياسر) وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ(عبد الله بن مسعود) فَلَمَّا حَدَّثَهُ وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الْغِلَالِ مِنْ ذَقْنِهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا وَلَا يَسَعُنَا إِلَّا مَغْفِرَتُكَ، وَكَانَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ(أي هذا شأنه) حَتَّى مَاتَ.
(إسناده صحيح) (مسند أحمد جـ 29صـ 320حديث:17781 )
(7) روى أحمدُ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ:كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ كَلَامٌ فَأَغْلَظْتُ لَهُ فِي الْقَوْلِ فَانْطَلَقَ عَمَّارٌ يَشْكُونِي إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ خَالِدٌ وَهُوَ يَشْكُوهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فَجَعَلَ يُغْلِظُ لَهُ وَلَا يَزِيدُ إِلَّا غِلْظَةً وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ فَبَكَى عَمَّارٌ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرَاهُ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ قَالَ: مَنْ عَادَى عَمَّارًا عَادَاهُ اللَّهُ،وَمَنْ أَبْغَضَ عَمَّارًا أَبْغَضَهُ اللَّهُ. قَالَ خَالِدٌ: فَخَرَجْتُ فَمَا كَانَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رِضَا عَمَّارٍ، فَلَقِيتُهُ فَرَضِيَ .
(حديث صحيح) (مسند أحمد جـ 28صـ 13حديث:16814 )
(8) روى الحاكمُ عن مسروق عن عائشة أنها قالت : انظروا عمار بن ياسر فإنه يموت على الفطرة إلا أن تدركه هفوة من كِبَر. (مستدرك الحاكم جـ3صـ444)(قال الذهبي: صحيح الإسناد)
(9) روى الحاكمُُ عن القاسم بن عبد الرحمن قال : أول مَن بنى مسجداً فصلى فيه عمار بن ياسر.
(مستدرك الحاكم جـ3صـ434) (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ189)
دفاع القرآن عن عمار وأصحابه:
روى ابنُ جرير الطبري عن عبد الله بن مسعود قال: مَرَّ الملأ من قريش بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وعنده صهيب وعمار وبلال وخبّاب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ هؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعًا لهؤلاء؟ اطردهم عنك! فلعلك إن طردتهم أن نتّبعك! فنزلت هذه الآية :(وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ* وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) (الأنعام 53:52)
(إسناده صحيح)(تفسير الطبري جـ11صـ375:374 رقم:13255)
منزلة عمار عند عمر بن الخطاب:
(1) قال أبو ليلى الكندي قال: جاء خباب بن الأرت إلى عمر بن الخطاب فقال: ادن فما أحدٌ أحق بهذا المجلس منك، إلا عمار بن ياسر. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ1صـ421)
(2) روى ابنُ سعدٍ عن حارثة بن مضرب قال: قُرئ علينا كتاب عمر بن الخطاب: أما بعد: فإني بعثت إليكم عمار بن ياسر أميراً(على الكوفة) وابن مسعود معلماً ووزيرا، وقد جعلت ابن مسعود على بيت مالكم، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- من أهل بدر فاسمعوا لهما وأطيعوا واقتدوا بهما.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ193) (أسد الغابة لابن الأثيرجـ3صـ630)
تواضع عمار بن ياسر:
روى ابنُ سعدٍ عن ابن أبي الهُذَيْل قال: رأيت عمار بن ياسر اشترى علفاً للماشية بدرهم وحمله على ظهره، وهو أمير الكوفة . (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ193)
قبس من كلام عمار بن ياسر:
(1)قال عمار بن ياسر: ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ. (البخاري ـ كتاب الإيمان ـ باب إفشاء السلام من الإسلام)
(2) قال عمار بن ياسر : من فضَّل على أبي بكر وعمر أحدا ً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أزرى على اثني عشر ألفاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
( شرح أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي جـ7 صـ1449 رقم 2610)
(3) قال أبو نوفل بن أبي عقرب: كان عمار بن ياسر من أطول الناس سكوتاً وأقله كلاماً، وكان يقول: عائذٌ بالله من فتنة، عائذٌ بالله من فتنة. قال: ثم عُرضت له بعد فتنة عظيمة.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ194)
(4) روى ابنُ سعد عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر أنه قال: وهو يسير إلى صفين على شط الفرات: اللهم إنه لو أعلم أنه أرضى لك عني أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردى فأسقط فعلت ولو أعلم أنه أرضى لك عني أن أوقد ناراً عظيمة فأقع فيها فعلت اللهم لو أعلم أنه أرضى لك عني أن ألقي نفسي في الماء فأغرق نفسي فعلت،فإني لا أقاتل إلا أريد وجهك، وأنا أرجو أن لا تخيبني، وأنا أريد وجهك.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ195)
موت عمار بن ياسر:
(1) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري قَالَ:كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ. قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْفِتَنِ. (البخاري حديث:447/مسلم حديث:2915)
(2) روى أحمدٌ عَنْ أَبِي غَادِيَةَ قَالَ: قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَأُخْبِرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ إِنَّ قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ فِي النَّارِ فَقِيلَ لِعَمْرٍو فَإِنَّكَ هُوَ ذَا تُقَاتِلُهُ قَالَ إِنَّمَا قَالَ قَاتِلَهُ وَسَالِبَهُ. (إسناده حسن) (مسند أحمد جـ 29صـ 311حديث:17776 )
(3) قال أبو عبد الرحمن السلمي، قال: شهدنا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه صفين فرأيت عمارَ بن ياسر لا يأخذ في ناحيةٍ ولا وادٍ من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتبعونه كأنه عَلَمٌ لهم، وسمعت عماراً يقول يومئذ لهاشم بن عقبة: يا هاشم تقدم الجنة تحت الأبارقة(السيوف) اليوم ألقى الأحبة: محمداً وحزبه. والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات(أغصان النخيل) هَجَر (اسم مكان)لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل، ثم قال:نحن ضربناكم على تنزيله* فاليوم نضربكم على تأويله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله أو يرجع الحق إلى سبيله
قال أبو عبد الرحمن السلمي: فلم أر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قُتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ.
(الاستيعاب لابن عبد البر جـ3صـ229)
(4) قال أبو مسعود البدريُّ لحذيفة بن اليمان، حين احتضر وأعيد ذِكْر الفتنة: إذا اختلف الناس بمن تأمرنا؟ قال: عليكم بابن سمية، فإنه لن يفارق الحق حتى يموت .
(الاستيعاب لابن عبد البر جـ3صـ229)
(5)روى ابنُ سعدٍ عن أبي البَخْتري قال: قال عمار يوم صفين: ائتوني بشربة لبن فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لي: إن آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن، فأُتي بلبن فشربه ثم تقدم فقتل.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ195)
قُتِلَ عمار بن ياسر مع عليٍّ بن أبي طالب بصفين في صفر سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث وتسعين سنة،وصلى عليه عليٌّ بن أبي طالب، ودُفِنَ هناك بصفين، رحمه الله تعالى ورضي عنه.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ200)
عقيدتنا فيما حدث من قتال بين علي ومعاوية :
أخي المسلم الكريم:
من عقيدتنا أن نتوقف عما شَجَرَ بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن سفيان رضي الله عنهما مع اعتقادنا أن الحق كان مع علي بن أبي طالب وأصحابه , وأن معاوية بن أبي سفيان كان متأولاً في قتاله لعلي بن أبي طالب .
ومن عقيدتنا أيضاً أن نستغفر للقتلى مِن كِلا الفريقين، ونترحم عليهم , ونحفظ فضائلهم ونعترف لهم بسبقهم وننشر مناقبهم عملاً بقول الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10)
رَحِمَ اللهُ عمارَ بن ياسر، رحمةً واسعةً، وجزاه الله عن الإسلام خيرَ الجزاء. ونَسألُ اللهَ تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين .