الحمدُ لله الذي خَلَقَ السموات والأرض، ولم يكن له شريك في الملك، وخَلَقَ كُلَّ شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً. أما بعد:
فإن معاذ بن جبل -رضى الله عنه- من فقهاء الإسلام البارزين، فأحببت أن أُذَكِرَ نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته العطرة .
أسألُ اللَه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعَ به طلاب العِلْمِِ.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين .
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الاسم والنسب :
هو:معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن عَدي الخزرجي الأنصاري .
وأمه: هند بنت سهل من جُهينة.ويُكنى أبا عبد الرحمن. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ437)
إسلام معاذ بن جبل:
أسلم معاذ بن جبل -رضى الله عنه- وهو ابن ثماني عشرة سنة، وهو أحد السبعين الذين شهدوا بيعة العقبة الثانية من الأنصار.
وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عبد الله بن مسعود .
(صفة الصفوة لابن الجوزي جـ1صـ489)(أسد الغابة لابن الأثير جـ 4صـ401)
جهاد معاذ بن جبل:
شهد معاذ بن جبل -رضى الله عنه- بدراً،وأُحداً،والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ438)
معاذ بن جبل يتعلم على يد النبي -صلى الله عليه وسلم- :
(1) روى الشيخانِ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا.(البخاري حديث:2856/مسلم حديث:30)
(2) روى مسلمٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ قَالَ:كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ يَأْتِي فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى قَوْمَهُ فَأَمَّهُمْ فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ،فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ، وَانْصَرَفَ. فَقَالُوا لَهُ :أَنَافَقْتَ يَا فُلَانُ، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَأُخْبِرَنَّهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أَصْحَابُ نَوَاضِحَ(نسقي على الإبل) نَعْمَلُ بِالنَّهَارِ وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَكَ الْعِشَاءَ ثُمَّ أَتَى فَافْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ أَفَتَّانٌ أَنْتَ، اقْرَأْ بِكَذَا وَاقْرَأْ بِكَذَا.قَالَ سُفْيَانُ فَقُلْتُ لِعَمْرٍو إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ حَدَّثَنَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ:اقْرَأْ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى.(مسلم حديث:465)
(3)روى الشيخانِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَأَبَا مُوسَى الأشعري إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا. (البخاري:حديث:3038ـ مسلم حديث:1733)
منزلة معاذ بن جبل العلمية:
روى عن معاذ بن جبل -رضى الله عنه- من الصحابة: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وأبو قتادة وأنس بن مالك وأبو أمامة الباهلي وأبو ليلة الأنصاري وغيرهم . ومن التابعين : جنادة بن أبي أمية وعبد الرحمن بن غَنْم وأبو إدريس الخوْلاني وأبو مسْلم الخولاني، وجبير بن نفير، ومالك بن يخامر، وغيرهم.
(أسد الغابة لابن الأثير جـ 4صـ402)
(1) روى الترمذيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ.
(حديث صحيح)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:2981)
(2) روى أبو نُعَيْم عن أبي مُسْلِم الخوْلاني قال: دخلت مسجد حِمْص(بسوريا) فإذا فيه نحواً من ثلاثين كهلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم،وإذا فيهم شاب أكحل العينين براق الثنايا، لا يتكلم، ساكت فإذا امترى(اختلفوا) القوم في شيء أقبلوا عليه فسألوه. فقلت لجليس لي من هذا؟ فقال: معاذ بن جبل -رضى الله عنه-. فوقع في نفسي حبه فكنت معهم حتى تفرقوا. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ230)
(3) قال أبو حثمة: كان الذين يفتون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين : عمر وعثمان وعلي . وثلاثة من الأنصار : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت.
(أسد الغابة لابن الأثير جـ 4صـ:402:401)
كرم معاذ بن جبل:
روى أبو نُعيم عن ابن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل -رضى الله عنه- شاباً جميلاً سمحاً من خير شباب قومه، لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، حتى أدان ديناً أغلق ماله(أصبح مديناً) فكلم معاذُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكلم غرماءه ففعل فلم يضعوا له شيئا(كان غرماء معاذ من اليهود،فلهذا لم يضعوا عنه شيئاً) فلو ترك لأحد لكلام أحد لتُرك لمعاذ لكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا يبرح حتى باع ماله وقسمه بين غرمائه فقام معاذ لا مال له فلما حج بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن ليجبره(ليعوضه عن فقد ماله) قال وكان أول من حُجز عليه في هذا المال معاذ. فقدم على أبي بكر -رضى الله عنه- من اليمن وقد تُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ:232:231)
وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-لمعاذ بن جبل:
روى أحمدٌ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْيَمَنِ خَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوصِيهِ وَمُعَاذٌ رَاكِبٌ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْشِي تَحْتَ رَاحِلَتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ يَا مُعَاذُ إِنَّكَ عَسَى أَنْ لَا تَلْقَانِي بَعْدَ عَامِي هَذَا أَوْ لَعَلَّكَ أَنْ تَمُرَّ بِمَسْجِدِي هَذَا أَوْ قَبْرِي فَبَكَى مُعَاذٌ جَشَعًا لِفِرَاقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ الْتَفَتَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِي الْمُتَّقُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُواِِِِ .(حديث صحيح)(مسند أحمد جـ36صـ376 حديث: 22052 )
مناقب معاذ بن جبل:
(1) روى الشيخانِ عَنْ مَسْرُوقٍ ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بنِ العاص عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ خُذُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَالِمٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ . ( البخاري حديث 4999 /مسلم حديث2464)
(2) روى الترمذيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ.قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ مَنْ أَبُو زَيْدٍ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي.
(حديث صحيح)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:2983)
(3) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ نِعْمَ الرَّجُلُ عُمَرُ نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ.
(حديث صحيح)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:2984)
(4) روى أبو داودَ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَقَالَ: أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ. (حديث صحيح)(صحيح سنن أبي داود للألباني حديث:1347)
معاذ بن جبل يعتق عبيده لله تعالى:
روى أبو نُعيم عن أبي وائل قال: لما قُبض النبي -صلى الله عليه وسلم- واستخلفوا أبا بكر وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قد بعث معاذاً إلى اليمن فاستعمل أبو بكر عمر على الموسم(الحج) فلقي معاذاً بمكة ومعه رقيق فقال هؤلاء أهدوا لي وهؤلاء لأبي بكر فقال عمر إني أرى لك أن تأتي أبا بكر قال فلقيه من الغد فقال يا ابن الخطاب لقد رأيتني البارحة وأنا أنزو(أهبط) إلى النار وأنت آخذ بحجزتي وما أراني إلا مطيعك، قال: فأتى بهم أبا بكر، فقال: هؤلاء أهدوا لي، وهؤلاء لك. قال أبو بكر -رضى الله عنه-: فإنا قد سلمنا لك هديتك فخرج معاذ إلى الصلاة فإذا هم يصلون خلفه، فقال لمن تصلون هذه الصلاة ؟قالوا لله عز و جل .قال: فأنتم لله، فأعتقهم. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ233)
زهد معاذ بن جبل:
روى أبو نُعيم عن مالك الدارني أن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صُّرَّة فقال للغلام اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تلبث(انتظر) ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع فذهب بها الغلام فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال وصله الله ورحمه ثم قال تعالي يا جارية اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها فرجع الغلام إلى عمر رضي الله تعالى عنه وأخبره فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل فقال اذهب بها إلى معاذ وتله(انتظر) في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع فذهب بها إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال: رحمه الله ووصله. تعالي يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا اذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأة معاذ فقالت ونحن والله مساكين فأعطنا ولم يبق في الخرقة إلا ديناران فدحا(ألقى) بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فسر بذلك وقال إنهم أخوة بعضهم من بعض. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ237)
ورع معاذ بن جبل:
(1) قال يحيى بن سعيد: كانت تحت معاذ بن جبل(متزوج) امرأتان فإذا كان عند إحداهما لم يشرب في بيت الأخرى الماء (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ234)
(2)قال يحيى بن سعيد :إن معاذ بن جبل -رضى الله عنه- كانت له امرأتان، فإذا كان يوم إحداهما لم يتوضأ في بيت الأخرى ثم توفيتا في السقم(طاعون عَمَواس) الذي بالشام، والناس في شغل فدُفنتا في حفرة، فأسهم بينهما أيتهما تُقدَّمُ في القبر. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ234)
اجتهاد معاذ بن جبل في العبادة:
قال ثور بن يزيد : كان معاذ بن جبل -رضى الله عنه- إذا تهجد من الليل قال: اللهم قد نامت العيون وغارت النجوم، وأنت حي قيوم. اللهم طلبي للجنة بطيء، وهربي من النار ضعيف. اللهم اجعل لي عندك هدى، ترده إلي يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ233)
أقوال السلف في معاذ بن جبل:
قال فروة بن نوفل الأشجعي: قال عبد الله بن مسعود،-رضى الله عنه-، إن معاذ بن جبل، -رضى الله عنه-، كان أُمَّة قانتاً لله حنيفاً. فقيل( إن ابراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا)(النحل:120) فقال ما نَسيتُ، هل تدري ما الأمة، وما القانت؟ فقلت: الله أعلم. فقال: الأمة الذي يعلم الخير، والقانت المطيع لله وللرسول وكان معاذ يُعَلِّمُ الناس الخير، ومطيعا لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ230)
قبس من كلام معاذ بن جبل
(1)قال عبد الله بن سلمة قال رجل لمعاذ بن جبل -رضى الله عنه-: علمني. قال: وهل أنت مطيعي؟ قال: إني على طاعتك لحريص قال: صم وأفطر، وصل ونم واكتسب، ولا تأثم، ولا تموتن إلا وأنت مسلم، وإياك ودعوة المظلوم. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ233)
(2) قال معاوية بن قُرَّة قال معاذ بن جبل -رضى الله عنه-لابنه: يا بني إذا صليت فَصَلِّ صلاة مُوَدِّع، لا تظن أنك تعود إليها أبداً، واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين: حسنة قدَّمها وحسنة أخَّرَها.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ234)
(3) قال أبو إدريس الخوْلاني قال معاذ -رضى الله عنه-: إنك تجالس قوماً لا محالة يخوضون في الحديث، فإذا رأيتهم غفلوا فارغب إلى ربك عند ذلك رغبات . (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ236:235)
(4) قال محمد بن سيرين: أتى رجلٌ معاذَ بن جبل-رضى الله عنه- ومعه أصحابه يُسَلِّمُونَ عليه ويودعونه، فقال: إني موصيك بأمرين إن حفظتهما حُفظت، إنه لا غنى بك عن نصيبك من الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أفقر، فآثر نصيبك من الآخرة على نصيبك من الدنيا حتى ينتظمه لك انتظاماً فتزول به معك أينما زلت.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ234)
(5) قال الأسود بن هلال: كنا نمشي مع معاذ فقال: اجلسوا بنا نؤمن ساعة .
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ235)
(6) قال رجاء بن حَيْوَة :قال معاذ بن جبل -رضى الله عنه- : اُبتليتم بفتنة الضراء فصبرتم، وستبتلون بفتنة السراء، وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء، إذا تسورن الذهب،ولبسن رياط(الثياب الرقيقة اللينة) الشام وعصب اليمن، فأتعبن الغنى، وكلفن الفقير ما لا يجد. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ237:326)
(7) قال عبد الله بن سلمة: جاء رجلٌ إلى معاذ -رضى الله عنه- فجعل يبكي فقال له معاذ: ما يبكيك؟ فقال: والله ما أبكي لقرابة بيني وبينك، ولا لدنيا كنت أصيبها منك، ولكن كنت أصيب منك علماً فأخاف أن يكون قد انقطع، قال: فلا تبك، فإنه من يُرِد العِلمَ والإيمان يُؤته الله تعالى كما آتى إبراهيم عليه السلام، ولم يكن يومئذ علْمٌ ولا إيمان. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ234)
(8) قال جابر: قال معاذ بن جبل -رضى الله عنه- :اعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن يُؤجركم الله بعلم حتى تعملوا. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ236)
(9) قال رجاء بن حيوة قال معاذ بن جبل :-رضى الله عنه- تعلموا العِلْمَ، فإن تعلمه لله تعالى خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعلميه لمن لا يعلم صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار أهل الجنة، والأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدِّثُ في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والدين عند الأجلاء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله تعالى به أقواماً ويجعلهم في الخير قادة وأئمة تُقتبس آثارهم ويُقتدى بفعالهم ويُنتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس حتى الحيتان في البحر وهوامه وسباع الطير وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصباح الأبصار من الظلم، يُبلغ بالعلم منازل الأخيار، والدرجة العليا في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام به توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، إمام العمال والعمل تابعه، يُلْهَمه السعداء ويُحرمه الأشقياء. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ239)
(10) قال أبو بحرية قال معاذ -رضى الله عنه-: ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذِكْرِ الله. قالوا :يا أبا عبد الرحمن ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا، إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع، لأن الله تعالى يقول في كتابه( ولذكر الله أكبر) (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ235)
صبر معاذ بن جبل على البلاء:
روى ابنُ سعدٍ عن داود بن الحصين قال: لما وقع الطاعون عام عَمَواس قال أصحاب معاذ: هذا رجز(غضب) قد وقع فقال معاذ: أتجهلون رحمة رحم الله بها عباده كعذاب عذب الله به قوما سخط عليهم إنما هي رحمة خصكم الله بها وشهادة خصكم الله بها اللهم أدخل على معاذ وأهل بيته من هذه الرحمة من استطاع منكم أن يموت فليمت من قبل فتن ستكون من قبل أن يكفر المرء بعد إسلامه أو يقتل نفساً بغير حِلِّها أو يظاهر أهل البغي أو يقول الرجلُ ما أدري على ما أنا، إن مت أو عشت، أعلى حقٍ أو على باطل.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ442)
وفاة معاذ بن جبل:
(1) قال معاذ بن جبل -رضى الله عنه-، لما حضره الموت : انظروا أصبحنا فأتي فقيل لم تصبح فقال انظروا أصبحنا فأتي فقيل له لم تصبح حتى أتي في بعض ذلك فقيل قد أصبحت، قال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار مرحبا بالموت مرحباً زائر مغب، حبيب جاء على فاقة، اللهم إني قد كنت أخافك فأنا اليوم أرجوك. اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لجري الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر(الصيام في شدة الحر) ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حِلَقِ الذِّكْرِ.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ239)
(2) قال الحسن البصري: لما حضر معاذاً الموتُ جعل يبكي، فقيل له : أتبكي وأنت صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنت وأنت! فقال : ما أبكي جزعاً من الموت إن حَلَّ بي، ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن إنما هي القبضتان، فلا أدري من أي القبضتين أنا.
(أسد الغابة لابن الأثير جـ 4صـ:403:402)
مات معاذ بن جبل -رضى الله عنه- في طاعون عَمَوَاس(مكان قريب من بيت المقدس بفلسطين) سنة ثماني عشرة هجرية في خلافة عمر بن الخطاب، وكان عمره ثمان وثلاثين سنة.
(الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ443)
رَحِمَ اللهُ تعالى معاذَ بن جبل، رحمةً واسعةً، وجزاه عن الإسلام خير الجزاء.
ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة.
وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين .