الحمدُ لله، حمداً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، الذي بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيرًا ، وداعياً إلى الله تعالى بإذنه وسراجاً منيراً ، أما بعد :
فإن الإمام الشافعي هو الأئمة الأربعة، أصحاب المذاهب المتبوعة، فأحببت أن أُذَكِرَ نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته العطرة.
أسألُ اللَه تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم،وأن ينفع به طلاب العلم الكرام.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.
صلاح نـجيب الدق
بلبيس ـ مسجد التوحيد
الاسم والنسب:
هو: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ2صـ:57)
كُنيته: أبو عبد الله.
ميلاد الإمام الشافعي:
وُلِدَ الشافعي بغزة بفلسطين، سنة مئة وخمسين هجرية،وهو العام الذي مات فيه أبو حنيفة، رحمهما الله تعالى. (الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبد البر صـ67)
نشأة الإمام الشافعي:
مات أبوه إدريس شاباً، فنشأ الشافعي يتيماً في حِجر أمه، فخافت عليه الضيعة، فانتقلت به إلى مكة، وهو ابن عامين، فنشأ بمكة، وأقبل على الرمي، حتى فاق فيه الأقران، وصار يصيب من عشرة أسهم تسعة، ثم أقبل على اللغة العربية والشِّعر، فبرع في ذلك وتقدم.ثم حُبب إليه الفقه، فساد أهل زمانه. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ6)
طلب الإمام الشافعي للعلم:
قال إسماعيل الحميري : كان محمد بن إدريس الشافعي رجلاً شريفاً، وكان يطلب اللغة والعربية والفصاحة والشعر في صغره وكان كثيراً ما يخرج إلى البدو، ويحمل ما فيه من الأدب، فبينا هو ذات يوم في حي من أحياء العرب إذ جاء إليه رجلٌ بدوي فقال له: ما تقول في امرأة تحيض يوما وتطهر يوماً؟ فقال الشافعي: لا أدري. فقال له: يا ابن أخي الفريضة أولى بك من النافلة. فقال له: إنما أريد هذا لذاك، وعليه قد عزمت وبالله التوفيق وبه أستعين، ثم خرج إلى مالك بن أنس ، وكان مالك صدوقاً في حديثه صادقاً في مجلسه، وحيداً في جلوسه، فدخل عليه ، فوجده مالك موقراً في الأدب فرفعه على أصحابه، وقدَّمه عليهم،وقرَّبه من نفسه، فلم يزل مع مالك إلى أن تُوفي مالك رحمه الله ثم خرج الشافعي إلى اليمن ليكمل مسيرة طلب العلم. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ81) (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ2صـ250:249)
قال الشافعي كنت يتيماً في حجر أمي ولم يكن معها ما تُعطي المعلم وكان المعلم قد رضي مني أخْلُفَه إذا غاب، فلما ختمت القرآن دخلت المسجد فكنت أجالس العلماء فأحفظ الحديث أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شِعب الخِيف، فكنت أنظر إلى العِظْامِ فأكتب فيها الحديث والمسألة وكانت لنا جرَّة قديمة، فإذا امتلأت العِظام طرحتها في الجرَّة. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ73)
قال إسماعيل بن يحيى: سمعت الشافعي يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا بن عشر سنين. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ2صـ:63)
سعة علم الإمام الشافعي:
قال أبو ثور :كتبَ عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي وهو شاب أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ، فوضع له كتاب ” الرسالة”. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ44)
ذكاء الإمام الشافعي:
قال حرملة بن يحيى: سُئِل الشافعي عن رجلٍ في فمه تمرة، فقال: إن أكلتها، فامرأتي طالق، وإن طرحتها، فامرأتي طالق، قال: يأكل نصفا، ويطرح النصف. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ143)
قوة حفظ الإمام الشافعي:
قال يونس بن عبد الأعلى : كان الشافعي يصنع كتاباً من غدوة(الصباح) إلى الظهر من حفظه، من غير أن يكون في يده أصل. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ129)
قراءة الشافعي الموطأ على الإمام مالك:
قال محمد بن عبد الحكم: جاء الشافعي إلى مالك بن أنس فقال له: إنى أريد أن أسمع منك الموطأ فقال مالك تمضى إلى حبيب كاتبي، فانه الذي يتولى قراءته. فقال له الشافعي: تسمع مني، رضى الله عنك ، صفحاً فإن استحسنت قراءتي قرأته عليك وإلا تركت، فقال له: اقرأ فقرأ صفحاً ثم وقف، فقال له مالك: هيه، فقرأ صفحاً ثم سكت، فقال له: هيه فقرأ، فاستحسن مالك قراءته، فقرأه عليه أجمع. (الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبد البر صـ67)
شيوخ الإمام الشافعي:
أخذ الشافعي العلم بمكة عن مُسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، وداود بن عبد الرحمن العطار، وعمه محمد بن علي بن شافع، وسفيان بن عُيينة، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، وسعيد بن سالم، وفُضيل بن عياض، وآخرين.
وفي المدينة،أخذ العلم عن مالك بن أنس ،وإبراهيم بن أبي يحيى ، وعبد العزيز الدراوردي، وعطاف بن خالد، وإسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن سعد وطبقتهم.
وأخذ العلم باليمن عن: مُطَرف بن مازن، وهشام بن يوسف القاضي، وطائفة، وأخذ العلم ببغداد عن: محمد بن الحسن، فقيه العراق، ولازمه، وعن إسماعيل ابن عُلَيَّة، وعبد الوهاب الثقفي وآخرين. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ7:6)
تلاميذ الإمام الشافعي:
الحميدي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن يحيى، وموسى بن أبي الجارود المكي، وعبد العزيز المكي صاحب ” الحيدة ” (2)، وحسين بن علي وإسحاق بن راهويه،ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان المرادي، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وبحر بن نصر الخولاني، وآخرين سواهم. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ8:7)
عقيدة الإمام الشافعي:
(1) قال الشافعي: الايمان قول وعمل، يزيد وينقص.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ32)
(2) قال الشافعي: القرآن كلام الله، من قال: مخلوق، فقد كفر.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ18)
(3) قال البُويطي: سألت الشافعي: أصلي خلف الرافضي ؟ قال: لا تصل خلف الرافضي(الشيعي)، ولا القدري، ولا المرجئ.قلت: صفهم لنا.
قال: من قال: الايمان قول، فهو مرجئ، ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين، فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه، فهو قدري. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ31)
(4) قال الحسن بن محمد الزعفراني: سمعت الشافعي يقول: حُكمي في أصحاب الكلام أن يُضربوا بالجريد ويُحملوا على الإبل ويُطاف بهم فى العشائر والقبائل، يُقالُ هذا جزاء من ترك الكتاب والسُّنة وأخذ في الكلام.
(الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبد البر صـ79)
(5) قال محمد بن عبد الحكم : سمعت الشافعي يقول: لو عَلم الناسُ ما في الكلام والأهواء لفروا منه كما يفرون من الأسد.
(الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبد البر صـ79)
(6) قال الربيع بن سليمان: قال الشافعي: يا ربيع، اقبل مني ثلاثة: لا تخوضن في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن خصمك النبي -صلى الله عليه وسلم- غدا، ولا تشتغل بالكلام، فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل.
وزاد المزني: ولا تشتغل بالنجوم. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ28)
(7) قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: لم أر أحداً أشهد بالزور من الرافضة(الشيعة).
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ89)
عقيدة الإمام الشافعي في الأسماء والصفات:
قال يونس بن عبد الأعلى: سمعت أبا عبد الله الشافعي يقول – وقد سُئِلَ عن صفات الله تعالى، وما يؤمن به – فقال: لله أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيه -صلى الله عليه وسلم- أمته، لا يسع أحداً قامت عليه الحجة ردها، لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القول بها، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه، فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة، فمعذور بالجهل، لأن عِلم ذلك لا يُدرك بالعقل، ولا بالروية والفكر، ولا نُكَفر بالجهل بها أحداً إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، ونثبت هذه الصفات، وننفي عنها التشبيه، كما نفاه عن نفسه، فقال: (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) (الشورى: 11). (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ80:79)
الإمام الشافعي ناصر القرآن والسُّنة:
قال أبو الفضل الزجاج :لما قدم الشافعي إلى بغداد وكان في الجامع إما نيف وأربعون حلقة أو خمسون حلقة فلما دخل بغداد ما زال يقعد في حلقة ،حلقة، ويقول لهم: قال الله، وقال الرسول، وهم يقولون: قال أصحابنا ، حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ2صـ:69:68)
عبادة الإمام الشافعي:
(1) قال حسين الكرابيسي: بت مع الشافعي ليلة، فكان يصلي نحو ثلث الليل، فما رأيته يزيد على خمسين آية، فإذا أكثر، فمئة آية، وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله، ولا بآية عذاب إلا تعوذ، وكأنما جمع له الرجاء والرهبة جميعاً. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ35)
(2) قال الربيع بن سليمان : كان الشافعي يجزأ الليل ثلاثة أجزاء: الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ135)
(3) قال إبراهيم بن محمد: ما رأيت أحداً أحسن صلاة من محمد بن إدريس الشافعي وذلك أنه أخذ من مسلم بن خالد الزنجي وأخذ مسلم من ابن جريج وأخذ ابن جريج من عطاء وأخذ عطاء من عبد الله بن الزبير وأخذ ابن الزبير من أبي بكر الصديق وأخذ أبو بكر من النبي -صلى الله عليه وسلم-وأخذ النبي -صلى الله عليه وسلم-من جبريل عليه السلام (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ135)
(4) قال الربيع بن سليمان : كان محمد بن إدريس الشافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمة ما منها شيء إلا في صلاة. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ134)
(5) قال الربيع بن سليمان: قال لي الشافعي: عليك بالزهد، فإن الزهد على الزاهد أحسن من الحلي على المرأة الناهد(الشابة). (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ130)
اعتراف الشافعي بالفضل لمشايخه:
(1) قال يونس بن عبد الأعلى : سمعت الشافعي يقول :ما نظرت في موطأ مالك إلا ازددت فهماً.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ70)
(2) قال هارون بن سعيد: سمعت الشافعي يقول: ما كتاب بعد كتاب الله تعالى أنفع من كتاب مالك بن أنس.(يعني الموطأ) (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ70)
(3) قال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: لولا مالك وابن عُيينة لذهب عِلم الحجاز.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ70)
(4) قال يونس بن عبد الأعلى: سمعت الشافعي يقول: إذا جاء مالك فمالك كالنجم
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ70)
كرم وجود الإمام الشافعي:
(1) قال الحُميدي: قدِمَ الشافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار في منديل فضرب خباءه في موضع خارجاً من مكة، فكان الناس يأتونه فيه فما ترك المكان حتى تصدق بها كلها.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ130)
الدينار : يعادل أربعة جرامات وربع من الذهب.
(2)قال إسماعيل الحميري : كان محمد بن إدريس الشافعي لما أُدخل على أمير المؤمنين هارون الرشيد وناظر بشراً المريسي(أحد المبتدعة) فقطعه،خلع هارون الرشيد على الشافعي وأمر له بخمسين ألف درهم، فانصرف الشافعي إلى البيت وليس معه شئ ،قد تصدق بجميع ذلك ووصل به الناس. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ131)
الدرهم: يعادل جرامان وثـمن من الذهب
(3) قال عبد الله بن محمد البلوي :أمر الخليفة هارون الرشيد لمحمد بن إدريس الشافعي بألف دينار، فقبلها ، فأمر الرشيد خادمه سراجاً باتباعه، فما زال الشافعي يفرقها قبضة، قبضة حتى انتهى إلى خارج الدار وما معه إلا قبضة واحدة فدفعها إلى غلامه، وقال انتفع بها فأخبر سراج الرشيد بذاك، فقال: لهذا فرغ همه وقوي مَتْنه. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ131)
(4) قال إسماعيل بن يحيى المُزَني : ما رأيت رجلاً أكرم من الشافعي، خرجت معه ليلة عيد من المسجد وأنا أذاكره في مسألة حتى أتيت باب داره فأتاه غلام بكيس فقال مولاي يقرئك السلام ويقول لك خذ هذا الكيس فأخذه منه ، فأتاه رجل من الحلقة فقال: يا أبا عبد الله وَلَدت امرأتي الساعة، ولا شئ عندي، فدفع إليه الكيس، وصعد وليس معه شئ. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ132)
(5) قال محمد بن عبد الحكم :كان الشافعي أسخى الناس بما يجده، فكان يمر بنا فإن وجدني وإلا قال لأمي: قولي لمحمد إذا جاء يأتي المنزل فإني لست أتغذى حتى يجئ، فربما جئته فإذا قعدت معه على الغذاء قال يا جارية اضربي لنا فالوذجاً(نوع من الحلوى) فلا تزال المائدة بين يديه حتى تفرغ منه ويتغذى. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ132)
(6) قال عمرو بن سواد السرحي: كان الشافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ132)
نصيحة الإمام الشافعي لمؤدب أولاد الخليفة:
روى أبو نُعَيم عن كثير قال: أُدخل الشافعي يوماً إلى بعض حُجَر هارون الرشيد ليستأذن على أمير المؤمنين ومعه سراج الخادم فأقعده عند أبي عبد الصمد مؤدب أولاد الرشيد فقال سراج للشافعي يا أبا عبد الله هؤلاء أولاد أمير المؤمنين وهو مؤدبهم فلو أوصيته بهم فأقبل الشافعي على أبي عبد الصمد فقال له ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك فإن أعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما تستحسنه والقبيح عندهم ما تركته علمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه فيملوه ولا تتركهم منه فيهجروه ثم روهم من الشعر أعفه ومن الحديث أشرفه ولا تخرجنهم من علم إلى غيره حتى يحكموه فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ147)
أقوال العلماء في الشافعي
(1)قال قُتيبة بن سعيد: الشافعي إمام.
(تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ2صـ:67)
(2) قال عليٌّ بن المديني(شيخ البخاري) يقول: عليكم بكتب الشافعي.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ56)
(3) قال أحمد بن علي الجرجاني : كان الحميدي (شيخ البخاري) إذا جرى عنده ذِكْر الشافعي يقول: حدثنا سيد الفقهاء الشافعي. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ2صـ:68)
(4) قال أحمد بن محمد بن بنت الشافعي: سمعت أبي وعمي يقولان: كان سفيان بن عيينة إذا جاءه شئ من التفسير والفتيا، التفت إلى الشافعي، فيقول: سلوا هذا.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ17)
(5) قال سُويد بن سعيد : كنا عند سفيان بن عُيينة فجاء محمد بن إدريس فجلس فروى ابن عُيينة حديثاً رقيقاً فغُشي على الشافعي، فقيل يا أبا محمد: مات محمد بن إدريس. فقال ابنُ عُيينة: إن كان قد مات محمد بن إدريس، فقد مات أفضل أهل زمانه.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ95)
(6) قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوما في مسألة، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ16)
قال الحميدي(شيخ البخاري) ، سمعت مسلم بن خالد الزنجي يقول للشافعي: أفتِ يا أبا عبد الله، فقد والله آن لك أن تفتي -وهو ابن خمس عشرة سنة. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ16:15)
(7) قال أحمد بن حنبل: ما أحدٌ مَسَّ محبرة ولا قلماً، إلا وللشافعي في عُنقه مِنَّةٌ.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ47)
(8) قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: يا أبة أي رجل كان الشافعي سمعتك تكثر من الدعاء له؟ فقال: يا بُني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس ، فانظر هل لهذين مِن عِوض. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ2صـ:66)
(9) قال الميموني : سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة أدعو لهم في السحر أحدهم الشافعي . (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ2صـ250)
(10)قال أحمد: كان الشافعي إذا تكلم كأن صوته صوت صنج، وجرس من حُسْنِ صوته. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ49)
(11) قال أحمد بن حنبل: صاحبُ حديث لا يشبع من كتب الشافعي.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ57)
(12) قال محمد بن عبد الله الرازي : سمعت ابن راهويه(شيخ البخاري) يقول كنت مع أحمد بن حنبل بمكة فقال تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله فأراني الشافعي.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ97)
(13) قال أحمد بن حنبل: كان الشافعي من أفصح الناس. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ47)
(14) قال أبو ثور: قال لي عبد الرحمن بن مهدي: ما أصلي صلاة إلا وأنا أدعو للشافعي فيها. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ44)
(15) قال محمد بن عبد الحكم: ما رأيت الشافعي يناظر أحداً إلا رحمته، ولو رأيت الشافعي يناظرك لظننت أنه سبعٌ يأكلك، وهو الذي عَلَّمَ الناس الحِجَج. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:50:49)
(16) قال أحمد بن مَسْلَمَة النيسابوري : تزوج إسحاق بن راهويه بمرو(اسم بلد) بامرأة رجلٍ كان عنده كتب الشافعي، فتوفي لم يتزوج بها إلا لحال كتب الشافعي.
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ103:102)
(17) قال مَعْمَر بن شبيب: سمعت المأمون يقول: قد امتحنت محمد بن إدريس في كل شئ، فوجدته كاملاً. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ17)
(18) قال يحيى القطان: أنا أدعو الله للشافعي، أخصه به. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ20)
(19) قال عبد الملك بن هشام اللغوي: طالت مجالستنا للشافعي، فما سمعتُ منه خَطَأً قط. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ49)
(21) قال أبو بكر بن خلاد: أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ20)
(22) قال: أبو ثور : من زعم أنه رأى مثل محمد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكُنِه، فقد كذب. (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ2صـ:67)
قبس من كلام الشافعي
قال الإمام الشافعي(رحمه الله):
(1) كُلُّ متكَلِّمٍ على الكتاب والسُّنة فهو الجِدُّ، وما سواه، فهو هَذَيان.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:20)
(2)قراءة الحديث خيرٌ من صلاة التطوع، وقال: طلبُ العِلْمِ أفضل من صلاة النافلة .
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ119)
(3) قال الشافعي لبعض أصحاب الحديث: أنتم الصيادلة، ونحن الأطباء.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:23)
(4) من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن تكلم في الفقه نما قدره، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه، لم ينفعه علمه. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:24)
(5) وددت أن كل علم أعلمه يعلمه الناس أوجر عليه ولا يحمدوني
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ119)
(6) كل ما قلته فكان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف قولي مما صح، فهو أولى، ولا تقلدوني. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:33)
(7) إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقولوا بها، ودعوا ما قلته
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:34)
(8) كل حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:35)
(9) إذا صح الحديث فهو مذهبي.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:35)
(10) أصل العلم التثبيت، وثمرته السلامة، وأصل الورع القناعة، وثمرته الراحة، وأصل الصبر الحزم، وثمرته الظفر، وأصل العمل التوفيق، وثمرته النجح، وغاية كل أمر الصدق.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:41:40)
(11)العالم يُسأل عما يعلم وعما لا يعلم، فيثبت ما يعلم، ويتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعلم، ويأنف من التعليم. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:41)
بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:41)
(12) ليس إلى السلامة من الناس سبيل فانظر الى ما يصلح دينك فالزمه
(حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ148)
(13) إذا خفت على عملك العجب، فاذكر رضى من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب.
فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:42)
(14) آلات الرياسة خمس: صدق اللهجة، وكتمان السر، والوفاء بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الامانة. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:42)
(15) ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله، وشكرا لله.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:53)
(16) إذا رأيتُ رجلاً من أصحاب الحديث كأني رأيت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ9صـ109)
وفاة الشافعي:
قال يونس بن عبد الأعلى: ما رأيت أحداً لقي من السَّقم(المرض) ما لقي الشافعي، فدخلت عليه، فقال: اقرأ ما بعد
العشرين والمئة من آل عمران، (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ( آل عمران :121) إلى قوله تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ) ( آل عمران :154). فقرأت، فلما قمت قال: لا تغفل عني فإني مكروب.
قال يونس: عنى بقراءتي ما لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه أو نحوه.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ:75)
قال محمد بن يحيى المُزَني: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت: يا أبا عبد الله، كيف أصبحت ؟ فرفع رأسه، وقال: أصبحت من الدنيا راحلا، ولأخواني مفارقا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردا، ما أدري روحي تصير إلى جنة فأهنيها، أو إلى نار فأعزيها، ثم بكى، وأنشأ يقول:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي * جعلت رجائي دون عفوك سُلَّما.
تعاظمني ذنبـي فلمـا قرنتُـهُ * بعفوك ربي كان عفوك أعظما.
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل * تـجود وتعفـو منـة وتكـرُّمـا.
فـإن تنتقم مني فـلستُ بـآيسٍ * ولو دخلت نفسي بجرمي جهنما.
ولولاك لم يغوى بإبليس عابد * فكيف وقد أغوى صفيك آدَما.
وإني لآتي الذنب أعرف قدره * وأعـلم أن الله يعفـو تَرَحُّما.
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ10صـ76:75)
تُوفي الإمام الشافعي ليلة الجمعة بعد العشاء، آخر يوم من شهر رجب ،ودُفِنَ يوم الجمعة، سنة أربع ومائتين، وعاش أربعاً وخمسين سنة.
(تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ2صـ:70) (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ2صـ258)
رحم اللهُ الإمام الشافعي، وجمعنا معه في الفردوس الأعلى من الجنة مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا.
وختاماً : أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعلَ هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين .
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين .
وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آلهِ، وصحبهِ، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.