من أحكام المرأة (2)

الحمد للَّه ، والصلاة والسلام على خير خلقه وإمام رسله وخاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه ، وبعد :

ذكرنا في العدد الماضي حق المرأة في الإنفاق عليها ، ونضيف إلى ذلك ما جاء في ((الموسوعة الفقهية )) : من حقوق الزوجة على زوجها : النفقة ، وقد أجمع علماء الإسلام على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن بشروط يذكرونها في باب النفقة ، والحكمة في وجوب النفقة لها أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج ، ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية إلا بإذن منه للاكتساب ، فكان عليه أن ينفق عليها ، وعليه كفايتها ، فالنفقة مقابل الاحتباس .

والمقصود بالنفقة توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام ومسكن وخدمة ، فتجب لها هذه الأشياء ، وإن كانت غنية لقوله تعالى : { وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [البقرة : 233 ] ، وقال عز من قائل : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ } [ الطلاق : 7 ] .

وفي الأثر أن رسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم – قال في خطبة حجة الوداع : (( فاتقوا اللَّه في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان اللَّه واستحللتم فروجهن بكلمة اللَّه ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربـًا غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف )) . اهـ .

 ثانيـًا : حق المرأة في الميراث :

 آيات المواريث في سورة (( النساء )) أربع آيات جمعت أحكام المواريث .

 الآية الأولى في قوله تعالى : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا } [ النساء : 7 ] .

 الآية الثانية والثالثة في قوله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعـًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا *‏ ‏وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدَِصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ } [ النساء : 11، 12 ] .

 الآية الرابعة في قوله تعالى : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ النساء : 176 ] .

 ومختصر ما أفادته الآية الكريمة :

1- إذا كان للوارث أبناء وزوج وأبوان أعطيت الزوجة الثُمن ، أمَّا الزوج فيُعطى الربع ، والأبوان كل واحد منهما السدس ، والباقي للأبناء ؛ للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن كان الولد ذكرًا واحدًا فله بقية التركة بعد الوالدين والزوج ، وإن كانت أنثى واحدة فلها النصف ، وإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان .

2- إذا لم يكن مع الأبوين أبناء فللأم الثلث، وللأب الباقي، وإذا وجد إخوة كان للأم السدس، وللأب الباقي ، وليس للإخوة شيء .

3- للزوج نصف ميراث زوجته إن لم يكن لها ولد، والربع إن كان لها ولد ، وهي ترث الربع إن لم يكن لزوجها المتوفى ولد ، والثمن إن كان له ولد .

4- الإخوة لأم : إن كان أخًا أو أختًا فقط فلكل واحد منهما السدس ، وإن كانوا أكثر من ذلك فلهم الثلث يقتسمونه بالسوية ؛ للذكر مثل الأنثى .

5- الإخوة الأشقاء أو الإخوة لأب يرث الأخ أخته ، وهي ترث نصف تركته ، وللأختين الثلثان ، فإن كانوا ذكورًا أو إناثـًا كان للذكر مثل حظ الأنثيين .

 فاللَّه سبحانه فرض للرجال وفرض للنساء ولكل نصيب ، وإن اختلفا غالبـًا في مقدار المفروض ، إلا أنهما يتساويان في استحقاق كل منهما لنصيبه ، فلا يجوز حرمان من أعطاه اللَّه تعالى ولا إعطاء من حرمه اللَّه سبحانه ؛ لأن اللَّه هو رب المال ، ورب الخلق ، ومُقَدِّر الكسب ، ونحن عباده ، وهو سبحانه القائل : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا } [ الأحزاب : 36 ] .

 والمستحقون للميراث على قسمين أساسيين ؛ أصحاب فروض وأكثرهم من النساء وعصبات، والعصبات هم الذين يستوعبون بقية التركة بعد أخذ أصحاب الفروض لفروضهم ، ولا تكون المرأة عصبة بنفسها ، إنما يكون عصبة بنفسه الذكور من الأصوال أو الفروع ( أو فروع الفروع أو أصــول الأصـول أو فــروع الأصــول(1) ) ، ( بحيـث يدلي كل واحد منهم إلى الميت بالذكور لا بالإناث ) .

 أما المرأة فتكون عصبة بغيرها ، وهي كل أنثى كان فرضها النصف إذا انفردت ، والثلثان إذا كان معها أخرى أو أكثر ، هذه الأنثى أو الإناث إذا وجد معهن ذكر من درجتهن صار الجميع عصبة ، لهم بقية المال – بعد أصحاب الفروض – ويقتسمونه ؛ للذكر مثل حظ الأنثيين .

 وتكون المرأة عصبة مع امرأة أخرى في حالتين : الأخت الشقيقة ، أو الأخوات الشقيقات ، أو الأخت لأب ، أو الأخوات لأب مع البنت ، أو بنت الابن .

 والوارثات من النساء ثمانية : الأم ، والجدة ، والزوجة ، والبنت ، وبنت الابن ، والأخت الشقيقة ، والأخت لأب ، والأخت لأم .

 الأم : وترث الثلث مما تركه ولدها المتوفى إن لم يكن له ولد ولا إخوة . ونصيبها السدس إن كان له ولد ( ذكرًا كان أو أنثى ) أو إخوة .

 الجدة : وهي أم الأم أو أم الأب ، ونصيبها السدس إن لم تكن محجوبة بالأم ، وإن وجدت أكثر من جدة اشتركن في السدس .

 الزوجة : ولها ربع ما ترك زوجها إن لم يكن له ولد ، فإن كان له ولد فلها الثمن ، فإن كانت أكثر من زوجة ، فهن شريكات في ذلك النصيب ، وترث المطلقة إن مات زوجها في عدتها ، وتستأنف عدة الوفاة .

 البنت : إن كانت مع ذكر فللذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن كانت واحدة فلها النصف ، وإن كانتا اثنتين أو أكثر فلهن الثلثان .

 بنت الابن : لها النصف إن كانت واحدة ، والثلثان إن كانتا اثنتين فأكثر ، وذلك عند غياب الولد الذكر الصُّلْبِي ، ولها السدس مع البنت الصُّلبية تكملة للثلثين .

 الأخت الشقيقة : لها النصف إن كانت واحدة ، والثلثان إن كانتا اثنتين فأكثر ، فإن كان لها أخ صارت عصبة به ، فإن كان للميت إناث فقط صارت الأخت والأخوات معهن عصبة ، وتحجب بالفرع الوارث المذكر .

 الأخت لأب : لها النصف إذا انفردت ، والثلثان إن كن اثنتين فأكثر ، فإن كان للميت أخت شقيقة كانت الأخت لأب أو الأخوات لأب لهن السدس تكمله للثلثين .

 الأخت لأُم : هي مثل الأخ للأم وتساويه في النصيب ، فلا ترث إلا إذا كان الميت كلالة ؛ أي لا ولد له ولا والد ، ونصيبها السدس إذا كانت واحدة ، أو الثلث إذا وجد أكثر من أخ أو أخت لأم يقسم بينهم بالتساوي .

 ثالثـًا : الصداق :

 الصداق : هو العوض المستحق في عقدة النكاح ، وله في الشرع ستة أسماء ؛ ثلاثة في القرآن : الصداق ، الأجر ، الفريضة ، وفي السنة : المهر ، والعلائق ، وفي الأثر : العقور ، واتفق الفقهاء على أنه لا حد لأكثره ؛ لقوله تعالى : { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا } [ النساء: 20 ].

 ولقد تزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت علي وأصدقها أربعين ألف درهم ، وتزوج طلحة بن عبد اللَّه أم كلثوم بنت أبي بكر وأصدقها مائة ألف درهم ، وتزوج مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة وأصدقها مائة ألف درهم ، وتزوجها بعده عمر بن عبيد اللَّه بن معمر التميمي وأصدقها مائة ألف درهم ، وتزوج مصعب بن الزبير سكينة بنت الحسين وأصدقها ألف ألف درهم .

 الصداق وصحة العقد :

 قال الشافعي ، رحمه اللَّه : ذكر اللَّه الصداق والأجر في كتابه وهو المهر ، قال اللَّه تعالى : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } [ البقرة : 236 ] ، فدل أن عقدة النكاح قول باللسان ، وأن ترك الصداق لا يفسده .

 فإن عقد على امرأة بغير أن يسمي صداقـًا صح العقد ؛ لقوله تعالى : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ } [ البقرة : 236 ] .

 والمهر معتبر بما تراضى عليه الزوجان من قليل أو كثير ، سواء كان أكثر من مهر المثل أو أقل ، فإن كانت صغيرة وزوجها أبوها لم يجز أن يزوجها بأقل من مهر المثل ، وخير المهر أوسطه ، وأن يقتدي برسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم – .

 وأما أقل الصداق فاختلف فيه ، فلم يقدره الشافعي ، وقال مالك : أقله ما تقطع فيه اليد ، أما أبو حنيفة فقال : أقله دينار أو عشرة دراهم .

 الصداق حق للزوجة :

 فقوله تعالى : { وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } [ النساء : 3 ] ، وهو خطاب للأزواج وللأولياء ؛ لأنهم في الجاهلية كانوا يملِّكون الولي الصداق دون الزوجة ، وقوله : { نِحْلَةً } أن يطيب به نفسـًا ، وأن يعلم أنه دين رب العالمين .

 وقوله : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا } [ النساء : 3 ] دال على أن حق  التصرف في الصداق للزوجات ، و { لكم } يعني الأزواج أو الأولياء ، { فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } [ النساء : 3 ] يعني لذيذًا نافعـًا .

 وقوله تعالى : { وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا } [ النساء : 19 ] ، فلا يحل استرجاع شيء من الصداق وإن كان كثيرًا ، إذا استبدل بها فتزوج غيرها ، فكان الأولى أن لا يسترجعه إذا لم يستبدل .

 وقوله تعالى : { أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا } [ النساء : 20، 21 ] ، ذكر ذلك سبحانه وعيدًا على استرجاع شيء من المهر ، وتعليلاً لتحريم الاسترجاع بالخلوة والجماع .

 وقال تعالى : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } [ النساء : 24 ] ؛ أي عوضـًا عن الاستمتاع مهرًا واجبـًا أوجبه اللَّه تعالى .

 الصداق إذا لم يحدد :

 الآية الكريمة أثبتت النكاح مع ترك الصداق، وجوزت فيه الطلاق، وحكم لها بالمتعة.

 وقد أخرج أبو داود عن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود : أن عبد اللَّه بن مسعود سُئل عن رجل تزوج امرأة فمات عنها ، ولم يدخل بها ، ولم يفرض لها الصداق ، قال : فاختلفوا إليه شهرًا، أو قال : مرات . قال : فإني أقول فيها : إن لها صداقـًا كصداق نسائها لا وكس ولا شطط، وإن لها الميراث وعليها العدة ، فإن يك صوابـًا فمن اللَّه ، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، واللَّه ورسوله منه بريئان ، فقام ناس من أشجع فيهم الجراح وأبو سنان فقالوا : يا ابن مسعود ، نحن نشهد : إن رسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم – قضاها فينا في بروع بنت واشق وزوجها هلال بن مرة الأشجعي كما قضيت قال : ففرح عبد اللَّه بن مسعود فرحـًا شديدًا حين وافق قضاؤه قضاء رسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم – . رواه أبو داود برقم (2116) ، وقال الألباني : صحيح .

 وعن عقبة بن عامر : أن النبي – صلي الله عليه وسلم – قال لرجل : (( أترضى أن أزوجك فلانة ؟ )) . قال : نعم ، وقال للمرأة : (( أترضين أن أزوجك فلانـًا ؟ )) قالت : نعم ، فزوج أحدهما صاحبه ، فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقـًا ولم يعطها شيئـًا ، وكان ممن شهد الحديبية ، وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر ، فلما حضرته الوفاة قال : إن رسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم – زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقـًا ولم أعطها شيئـًا، وإني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر ، فأخذت سهمـًا فباعته بمائة ألف . (والحديث رواه أصحاب السنن الأربعة ، وقال الألباني : صحيح ) .

 وعلى ذلك فكل ما تعلق بالمهر لا يؤثر في صحة النكاح قياسـًا على تركه ، ولها مهر المثل إذا لم يحدد لها مهر أو وقع خلاف حول المهر المسمى .

 قال تعالى : { وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } ، وقال : { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } [ النساء : 54 ] .

 والخلاصة : فالصداق عطاء تحصل عليه المرأة ليس في مقابل الاستمتاع وابتغاء اللذة فقط ؛ لأن ذلك واقع لها وله معـًا ، وقد يكون شوق أحدهما له أكثر من الآخر ولذته أكثر ؛ لذا كان المهر نحلة بلا عوض .

 تيسير الصداق :

 جاء في (( الموسوعة الفقهية )) : المهر هو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها ، وهو حق واجب للمرأة على الرجل عطية من اللَّه تعالى ، مبتدأة ، أو هدية أوجبها على الرجل بقوله تعالى : { وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } إظهارًا لخطر هذا العقد ومكانته وإعزازًا للمرأة وإكرامـًا لها .

 والمهر ليس شرطـًا في عقد الزواج ، ولا ركنـًا عند جمهور الفقهاء ، وإنما هو أثر من آثاره المترتبة عليه ، فإذا تم العقد بدون ذكر مهر صح عند الجمهور ؛ لقوله تعالى : { لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً } ، فإباحة الطلاق قبل المسيس وقبل فرض صداق يدل على جواز عدم تسمية المهر في العقد ، ولكن يستحب أن لا يعرِّي النكاح عن تسمية الصداق ؛ لأن النبي – صلي الله عليه وسلم – كان يزوج بناته وغيرهن ، ولم يكن يخلى النكاح من صداق .

 وأخرج البخاري عن سهل بن سعد أن النبي – صلي الله عليه وسلم – قال لرجل : (( تزوج ولو بخاتم من حديد )) .

 في هذا الحديث دليل على أن أقل الصداق لا تقدير له ؛ لأنه قال له في رواية : (( التمس شيئـًا )) . ثم قال : (( التمس ولو خاتمـًا من حديد )) .

 وأخرج أحمد و(( أصحاب السنن )) بسند صحيح عن عمر بن الخطاب ، رضي اللَّه عنه ، قال : ألا لا تغلوا صُدُق النساء ، ألا لا تغلوا صدق النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند اللَّه كان أولاكم بها النبي – صلي الله عليه وسلم – . ما أصدق رسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم – امرأة من نسائه ولا أُصْدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية ، وإن الرجل ليبتلي بصدقة امرأته . وقال مرة : إن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى تكون لها عداوة في نفسه ، وحتى يقول : كلفت إليك علق القربة .

 قال الزمخشري في (( الفائق )) : جشمت إليك عرق القربة أو علق القربة : هذا مثل تضربه العرب في الشدة والتعب .

 قال البغوي : إذا رضيت المرأة البالغة بأن تزوج بلا مهر فزوجت ، فلا مهر لها بالعقد . وللمرأة مطالبته بعد ذلك بالفرض ، فإن فرض لها شيئـًا فهو كالمسمى في العقد ، وإن دخل بها قبل الفرض فلها مهر مثل نساء عصبتها من أختها وعمتها وبنات أخيها وبنات عمها ، دون أمها وخالاتها ؛ لأن نسب أمها وخالاتها لا يرجع إلى نسبها . (( شرح السنة )) (9/124) .

 ويندب أن يقدم من الصداق شيء قبل الدخول ، إن لم يستطع تقديمه كله .

 وفي قول النبي – صلي الله عليه وسلم – : (( التمس ولو خاتمـًا من حديد )) يحتمل أن يكون هو الصداق ، أو أنه المقدم منه ، ذلك أن فاطمة بنت رسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم – كان صداقها أربعمائة درهم من فضة ، حيث إن عليـًّا رضي اللَّه عنه لما أراد أن يتزوجها منعه النبي – صلي الله عليه وسلم – حتى يعطيها شيئـًا ، فقال : يا رسول اللَّه ، ليس معي شيء ، فقال : (( أعطها درعك )) . فأعطاها درعه ، ثم دخل بها .

 وفي قوله – صلي الله عليه وسلم – : (( أنكحتك إياها على ما معك من القرآن )) . يحتمل بمعنى سبب الإنكاح القرآن ، وليس هو الصداق ، ويبقى لها مهر المثل دينـًا ، ولا ينبغي أن يتصور أنها وهبت له صداقها ؛ لأن هبة الصداق لا تصح قبل العقد بالاتفاق ، ولا خلاف في جواز الهبة بعده .

 قال ابن حجر في (( الفتح )) ( حديث 5149، ج9، ص119) : وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شيء ، منها عند ابن أبي شيبة من طريق لبيبة رفعه : (( من استحل بدرهم في النكاح فقد استحل )) .

 ومنها عند أبي داود عن جابر رفعه : (( من أعطى في صداق امرأة سويقـًا أو تمرًا ، فقد استحل )) .

 وعند الترمذي من حديث عامر بن ربيعة أن النبي – صلي الله عليه وسلم – أجاز نكاح المرأة على نعلين .

 وعند الدارقطني من حديث أبي سعيد في أثناء حديث المهر: (( ولو على سواك من أراك )).

 وأقوى شيء ورد في ذلك حديث جابر عند مسلم : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم – ، حتى نهى عنها عمر . قال البيهقي : إنما نهى عمر عن النكاح لأجل لا عن قدر الصداق . وهو كما قال . وفيه دليل للجمهور ؛ لجواز النكاح بالخاتم الحديد ، وما هو نظير قيمته .

 قال ابن العربي من المالكية كما تقدم : لا شك أن الخاتم من الحديد لا يساوي ربع دينار ، وهذا لا جواب عنه لأحد ولا عذر .

 التغـالي في المهور :

 قال شيخ الإسلام : وما يفعله بعض أهل الجفاء والخيلاء والرياء من تكثير المهر للرياء والفخر ، وهم لا يقصدون أخذه من الزوج ، وهو ينوي أن لا يعطيهم إياه ، فهذا منكر قبيح مخالف للسنة ، خارج عن الشريعة .

 وإن قصد الزوج أن يؤديه – وهو في الغالب لا يطيقه – فقد حَمّل نفسه وشغل ذمته وتعرض لنقص حسناته وارتهانه بالدين ، وأهل المرأة قد آذوا صهرهم ، وأوقعوا الضرر به .

 والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار : أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي – صلي الله عليه وسلم – ولا بناته ، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة نحو تسعة عشر دينارًا .

 فهذه سنة رسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم -، من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم – في الصداق.

 قال أبو هريرة ، رضي اللَّه عنه : كان صَدَاقُنا إذْ كان فينا رسولُ اللَّه – صلي الله عليه وسلم – عشر أَواقٍ ، وطَبَّقَ بِيَدَيهِ ، وذلك أربعمائة درهم . رواه الإمام أحمد في (( مسنده )) ، وهذا لفظ أبي داود في (( سننه )) .

 وقال أبو سلمة : قلت لعائشة : كم كان صداق رسول اللَّه – صلي الله عليه وسلم – ؟ قالت : كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشـًّا ، قالت : أتدري ما النش ؟ قلت : لا . قالت : نصف أوقية ، فذلك خمسمائة درهم . رواه مسلم في (( صحيحه )) . اهـ .

 فالسنة عدم التغالي في المهور ، بل إن خيره وأيسره وأفضله ما وافق صداق النبي – صلي الله عليه وسلم – وبناته الأطهار ، ذلك إن كان قادرًا غنيـًّا ، فإن كان فقيرًا فالأولى أن يكون أقل من ذلك .

 المعجل والمؤجل :

 قال شيخ الإسلام : والأولى تعجيل الصداق كله للمرأة قبل الدخول إذا أمكن ، فإن قدم البعض وأخر البعض فهو جائز . اهـ .

 والصداق قد يكتب في العقد المعجل منه والمؤجل ، وقد يكتب كله جملة ، ثم يكتب ما عجل منه ويصبح الباقي دينـًا عليه تطلبه منه ، ويجب عليه الوفاء لها به ، فإن كتب الأجل الذي يؤدى فيه الصداق وجب الوفاء عنده ، إلا أن يتم التسامح والعفو بينهما ، فإن لم يكتب الأجل فللزوجة طلبه متى أرادت ، إلا أن يكون العرف قد جرى بغير ذلك ؛ كأن يكون استحقاقه بأحد الأجلين ( الموت ، أو الطلاق ) ، فإن كان الأمر كذلك صار حالاً بالطلاق إذا طلقها ، أو دينـًا عليه بعد موته يُؤخذ من ميراثه قبل تقسيم التركة على الورثة . واللَّه أعلم .

 هذا ، وللحديث بقية إن شاء اللَّه .

——————————-

(1) الفروع : هم الأبناء ، وفروع الفروع : أبناء الأبناء ، والأصول : هم الآباء ، وأصول الأصول : الأجداد ، وفروع الأصول : هم الأخوة ، وفروع الأصول الأصول : هم الأعمام . وهكذا .