حسن الخلق

مقدمة: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:فإن المشاهد للأحداث الجارية يرى أن هناك أزمة حقيقة بين الشعب ألا وهي أزمة الأخلاق وهي أزمة لا ينبغي أن نتغافل عنها، بل يجب أن نبذل أقصى ما عندنا؛ لنرد الأمة مرة أخرى إلى أخلاق الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم-الذي وصفه الخالق جل وعلا بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، وشهد له القريب والبعيد والعدو والصديق فهذا سيد بني حنيفة في زمنه -ثمامة بن أثال- لم يتمالك من الاعتراف بفضل النبي -صلى الله عليه وسلم- والشهادة بحسن خلقه حتى أسلم، وكان قبل ذلك مشركاً محارباً، ثم أعلن له إعجابه بشخصه وبدينه حين قال: "يا محمد وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلاَدِ إِلَيَّ ".([1]) فأين نشأت هذه المحبة؟ وكيف انقلبت الموازين في حياة ثمامة؟ إنها مكارم الأخلاق، وأدب المعاملة، والعفو مع المقدرة على الانتقام؛ وإذا كانت تلك المعاملة مع الكافر، فكيف كانت يا ترى معاملته -صلى الله عليه وسلم- مع المسلم؟وأين نحن من أخلاق الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- ؟.

وإن الناظر إلى السُّنة ليجدها كثيرًا ما تحث على ما يقرب القلوب، ويحسن الأخلاق بين المسلمين فالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو القائل: " لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، يَلْتَقِيَانِ: فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ ".([2]) وحثت السنة على البشاشة عند اللقاء: «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ »([3])،حثت السُّنة على إفشاء السلام والمصافحة: " مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، فَيَتَصَافَحَانِ، إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا "([4])،حثت السُّنة على كل ما يبعد الحزن وسوء الظن عن المسلم: «لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ»([5])، حثت السنة على العطاء وتبادل المعروف بين المسلمين: «مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ، وَمَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ، حَتَّى يَعْلَمَ أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ»([6])، وهذا كله حتى تبقى القلوب صافية بين المسلمين وتحسن المعاملة فيما بينهم معاشر المسلمين، أين التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حسن الخلق؟ وكم من المسلمين من يدعو للإسلام بسلوكياته الفاضلة وأخلاقه العالية قبل أن يدعو بلسانه ومقاله؟إنها حقا أزمة أخلاق يعيشها أعداد كثيرة من المسلمين، وكم يخسر العالم بانحطاط أخلاق المسلمين فوق ما يخسره المسلمون أنفسهم!. وإن مما يدعو الناس إلى حسن الخلق فضله العظيم ومكانة أصحابه عند الله وعند رسوله -صلى الله عليه وسلم- وبين الناس ،فتعالوا لنعيش بين بستان حسن الخلق لنقطف منه زهورًا ندرك بها سعادة الداراين.

العناصر:

  • 1- معنى حسن الخلق.
  • 2- هل حسن الخلق أمر جبلي أم مكتسب؟
  • 3- آيات في حسن الخلق.
  • 4- أحاديث في حسن الخلق.
  • 5- المثل التطبيقي من حياة -صلى الله عليه وسلم- في حسن الخلق.
  • 6- الآثار الواردة عن السلف في حسن الخلق.
  • 7- ثمار حسن الخلق.
  • 8- مظاهر حسن الخلق.

(1) تعريف حسن الخلق:

سئل الإمام أحمد مَا حُسْنُ الْخُلُقِ؟ قَالَ: " هُوَ أَنْ تَحْتَمِلَ مَا يَكُونُ مِنَ النَّاسِ "([7])

وحسن الخلق أن يكون سهل العريكة، لين الجانب، طليق الوجه، قليل النفور، طيب الكلمة.([8])

(2) هل الإنسان مجبول على حسن الخلق أم يكتسبه ؟

قد يمن الله تعالى على بعض عباده بأن تكون أخلاقهم حسنة ومعاملاتهم طيبة من أصل طبعهم وجبلَّتهم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-لِأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ: " إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ "([9]) وفي رواية قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمُ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: «بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا» قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ".([10])

ويكون بالكسب بمعنى أن الإنسان يمرّن نفسه على الخلق الحسن حتى يكون ذا خلق حسن.([11]) فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لأنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَأَلُوهُ، فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: «مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ».([12])

فالاستغناء عن الخلق والعفة من الخلق الحسن ومن طلب الاستعانة بالله وحاول أن يكتسب هذه الأخلاق فسيعنه الله عز وجل.

قال الشاعر :

هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سُقيت بماء المكرمات

(3) آيات في حسن الخلق:

1- قال تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]

"يقول تعالى ذكر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإنك يا محمد لعلى أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدّبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه."([13])

2- وقال تعالى :{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 134]

{والكاظمين الغيظ} أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم.

{والعافين عن الناس} يدخل في العفو عن الناس، العفو عن كل من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم، لأن العفو ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنما يكون ممن تحلى بالأخلاق الجميلة، وتخلى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانا إليهم، وكراهة لحصول الشر عليهم، وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم، لا على العبد الفقير، كما قال تعالى: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} .([14])

3- {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } [البقرة: 83]"وقوله تعالى: {وقولوا للناس حسنا} أي: كلموهم طيبا، ولينوا لهم جانبا"([15])

"ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده، أن يكون الإنسان نزيها في أقواله وأفعاله، غير فاحش ولا بذيء، ولا شاتم، ولا مخاصم، بل يكون حسن الخلق، واسع الحلم، مجاملا لكل أحد، صبورا على ما يناله من أذى الخلق، امتثالا لأمر الله، ورجاء لثوابه."([16])

4- {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [فصلت: 33 - 35]

5- { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا } [الفرقان: 63]

"أي: إذا سفه عليهم الجهال بالسيئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرا، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما، وكما قال تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} [القصص: 55] ."([17])

6- {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]

" هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم، فالذي ينبغي أن يعامل به الناس، أن يأخذ العفو، أي: ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يكلفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله به، من قول وفعل جميل أو ما هو دون ذلك، ويتجاوز عن تقصيرهم ويغض طرفه عن نقصهم، ولا يتكبر على الصغير لصغره، ولا ناقص العقل لنقصه، ولا الفقير لفقره، بل يعامل الجميع باللطف والمقابلة بما تقتضيه الحال وتنشرح له صدورهم. {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} أي: بكل قول حسن وفعل جميل، وخلق كامل للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية، ولما كان لا بد من أذية الجاهل، أمر الله تعالى أن يقابل الجاهل بالإعراض عنه وعدم مقابلته بجهله، فمن آذاك بقوله أو فعله لا تؤذه، ومن حرمك لا تحرمه، ومن قطعك فَصِلْهُ، ومن ظلمك فاعدل فيه."([18])

"فخذ من أخلاق الناس ما سهل عليهم قوله وتيسر لهم فعله، ولا تطالبهم بما لا يملكون أو بما لا يعلمون وأمرهم بالمعروف، وأعرض عن الجاهلين منهم فلا تعنفهم ولا تغلظ القول لهم"([19])

(4) أحاديث في حسن الخلق:

1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا».([20])

قال النووي:"فيه الحث على حسن الخلق وبيان فضيلة صاحبه وهو صفة أنبياء الله تعالى وأوليائه".([21])

2- عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ:: اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ".([22])

"وقوله: "وخالق الناس بخلق حسن". معناه: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به."([23])

3- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ".([24])

قال أبو الوليد الباجي:" يحتمل أن يريد به بعثت بالإسلام لأتمم شرائعه، وحسن هديه وزيه وسمته حسن الأخلاق؛ لأن العرب وإن كانت أحسن الناس أخلاقا بما بقي عندهم مما تقدم من الشرائع قبلهم، فقد كانوا أضلوا بالكفر عن كثير منها ومنها ما خص به نبينا - صلى الله عليه وسلم - فتتم بالأمرين محاسن الأخلاق."([25])

4- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَرَادَ سَفَرًا فقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أوصِني قَالَ: (اعْبُدِ اللَّهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا) قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: (إِذَا أَسَأْتَ فأحْسِنْ) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: (اسْتَقِمْ وَلْيَحْسُنْ خُلُقُكَ).([26])

(5)المثل التطبيقي من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- في حسن الخلق([27]):

1- عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَنَهْ سَنَهْ» - قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَهِيَ بِالحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ -، قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ، فَزَبَرَنِي أَبِي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعْهَا»، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْلِي وَأَخْلِفِي ثُمَّ، أَبْلِي وَأَخْلِفِي، ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي».([28])

قال ابن بطال:"وفيه مداعبة النبي -صلى الله عليه وسلم- للأطفال في اللعب بحضرة آبائهم وغيرهم، وكان -صلى الله عليه وسلم- على خلق عظيم."([29])

2- وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ فَصَلَّى قَالَ ابْنُ عَبْدَة: رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا». ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ» أَوْ قَالَ: «ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ».([30])

3- وعن أنسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: " خَدَمْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ: أَلَّا صَنَعْتَ ".([31])

ترجم البخاري لهذا الحديث "بَابُ حُسْنِ الخُلُقِ وَالسَّخَاءِ، وَمَا يُكْرَهُ مِنَ البُخْلِ "

4- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ»، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى «نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ البُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ»، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، «فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ».([32])

قال النووي :" فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم ودفع السيئة بالحسنة وإعطاء من يتألف قلبه والعفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله وإباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها في العادة وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه الجميل"([33])

(6) الآثار الواردة عن السلف في حسن الخلق:

1- عن إِبْرَاهِيم بْن الأشعث قَالَ سمعت الفضيل بْن عياض يقول:" إذا خالطت فخالط حسن الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى خير وصاحبه منه في راحة ولا تخالط سيء الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر وصاحبه منه في عناء ولأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني قارئ سيء الخلق إن الفاسق إذا كان حسن الخلق عاش بعقله وخف على الناس وأحبوه وإن العابد إذا كان سيء الخلق ثقل على الناس ومقتوه."([34])

2- قال يحيى بن معاذ الرازي: سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحسن الخلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات.([35])

(7) ثمار حسن الخلق:

إن لصاحب الخلق الحسن ثمار كثيرة يجنيها في الدنيا قبل الآخرة فمنها:

1- أن يكثر أحبابه ويقل أعدائه.

2- تسهل له الأمور الصعاب وتلين له القلوب فيعود ذامّه حامدا ، وعدوه صديقاكما قال تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [فصلت: 34]

أما في الآخرة فمن الثمار:

3- سبب في دخول الجنة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فَقَالَ: «تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ».([36])

4- صاحب الخلق الحسن يكون من أحبِّ عباد الله إلى الله فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال: "أحسنهم خلقا".([37])

4- سبب في حبِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- والقرب منه في الجنة فقد قال رسول -صلى الله عليه وسلم- :«إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا».([38])

5- أثقل شيء يوضع في ميزان المرء يوم القيامة حسن الخلق فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ».([39])

6- دليل على كمال الإيمان لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :" أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُهُمْ خِيَارُهُمْ لِنِسَائِهِمْ ".([40])

7- المسلم بحسن خلقه قد يصل إلى درجة الصائمين القائمين فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ".([41])

8- ضمن له النبي -صلى الله عليه وسلم- بيت في أعلى الجنة فقال: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ».([42])

قال الخطابي:"الزعيم الضامن والكفيل والزعامة الكفالة ومنه قول الله سبحانه {وأنا به زعيم} [يوسف: 72] والبيت ههنا القصر".([43])

(8) مظاهر حسن الخلق:

1- إفشاء السلام بين المسلمين لأنه يزيل الحواجز ،ويكون سببا في المحبة بين الناس، فقد قال رسول -صلى الله عليه وسلم- :" أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ".([44])

2- التبسم والضحك فهذا جرير بن عبد الله يقول :" مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي"متفق عليه.

3- طيب الكلام كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- :"الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ".([45])

4- عدم الخوض فيما لا يعني الإنسان فكما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ».([46])

5- الكف عن الخوض في عيوب الناس وكف اللسان عن الغيبة.


([1]) متفق عليه.

([2]) صحيح البخاري (6237)

([3]) أخرجه الترمذي( 1956) وصححه الألباني الصحيحة (572)

([4]) أحمد (30/ 517) ، وصححه الألباني الصحيحة (525)

([5]) البخاري في الأدب المفرد (1171) وأصله في صحيح البخاري.

([6]) البخاري في الدب المفرد ( 216) وصححه الألباني.

([7])شعب الإيمان (10/ 418)

([8])أدب الدنيا والدين (ص: 243)

([9]) صحيح مسلم (25)

([10]) أخرجه أبو داود(5225) وغيره وحسن الزيادة الشيخ الألباني رحمه الله.

([11]) شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 197)

([12]) صحيح البخاري (1469) ومسلم (1053)

([13]) تفسير الطبري _ جامع البيان ت شاكر (23/ 528)

([14])تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 148)

([15])تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 317)

([16])تيسير الكريم الرحمن _ السعدي (ص: 57)

([17])تفسير ابن كثير ت سلامة (6/ 122)

([18]) تيسير الكريم الرحمن_ الشيخ السعدي (ص: 313)

([19]) أيسر التفاسير للجزائري (2/ 278)

([20]) أخرجه البخاري (3559)

([21])شرح النووي على مسلم (15/ 78)

([22])أخرجه أحمد (35/ 284) والترمذي وغيرهم ، وحسنه الألباني في الصحيحة (1374)

([23])شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 73)

([24])أخرجه أحمد (14/ 513) ، والبخاري في الأدب المفرد(373) وصححه الألباني في الصحيحة (45) وفي رواية "مكارم الأخلاق "

([25])المنتقى شرح الموطإ (7/ 213)

([26]) أخرجه ابن حبان (524) وغيره وحسنه الشيخ الألباني.

([27])نضرة النعيم (5/ 1580)

([28]) صحيح البخاري (3071)

([29])شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 231)

([30]) أخرجه أبو داود (380)، وأصله في صحيح البخاري (6128)دون زيادة " اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا ".

([31]) صحيح البخاري (6038)

([32]) صحيح البخاري (5809) ومسلم (1057)

([33])شرح النووي على مسلم (7/ 147)

([34])روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 64)

([35])سراج الملوك للطرطوشي (ص: 146)

([36]) أخرجه الترمذي (2004) وغيره ، وحسنه الألباني في الصحيحة (977)

([37]) أخرجه الطبراني في الكبير (471) ،وغيره وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2652).

([38]) أخرجه الترمذي (2018) وغيره ، وصححه الألباني في الصحيحة (791)

([39]) أخرجه الترمذي (2003) وغيره ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1628)

([40]) أخرجه أحمد (16/114) وغيره ، وصححه الألباني في الصحيحة (284)

([41]) أخرجه أحمد (41/470) وغيره ، وصححه الألباني في صحيح الجامع(1620)

([42]) أخرجه أبو داود (4800) وحسنه الشيخ الألباني.

([43])معالم السنن (4/ 110)

([44]) صحيح مسلم (54)

([45]) أخرجه ابن المبارك في الزهد (403) وغيره وصححه الألباني في الصحيحة (1025)

([46])جامع معمر بن راشد (11/ 307) وغيره ، وصححه الألباني صحيح الجامع (5911)