تعالوا إلى كلمة سواء

الحمد لله شرفنا بالإسلام ديناً بعث به خير خلقه رسولاً – صلى الله عليه وسلم – ووصفه بقوله “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ” . ثم جعل باب الأمن فى الإيمان فلا أمن إلا بالإيمان ففى الإسلام أمن الأرواح فى الأجساد وأمن الأفراد فى الأوطان وأمن الأمة بين أمم الأرض . ذلك لأن الله الذى خلق الإنسان وضع له فى الإسلام منهجاً متكاملاً ثم أظهره مطبقاً فى أجيال الإسلام ودوله على قرون طويلة . هى التى يحاول أهل الضلال تشويه تاريخه وخداع الناس بزخرف قولهم .

فالإسلام أمن الزوجين فى البيت ، أمن الأبناء مع الآباء ، أمن الطفل فى ضعفه صغيراً ، أمن الشيخ فى شيخوخته كبيراً ، أمن الحر والعبد ، أمن الغريب فى سفره ، وأمن المقيم فى حله ، انتصف للمظلوم ولم يظلم الظالم إنما أرجعه عن ظلمه . أمن الناس فى مطعمهم ومشربهم ، أمنهم فى مسكنهم ، أمن الحاكم والمحكوم . حمى الإسلام كل أحد حتى حمى الإنسان من نفسه التى بين جنبيه .

وأول الأمر أنه بنى فى الإنسان اعتقاداً صحيحاً ( فى الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ) فآمن الإنسان أن له رباً خلقه وخلق كل الخلق فليس هناك من خالق إلا الله سبحانه وتعالى ، مقاليد الأمور بيديه لم يسلمها ولن يسلمها لأحد حتى الملائكة الذين وكلوا لا يفعلون إلا بإذنه إنما الله سبحانه هو الفعال لما يريد .

فليس هناك صاحب سلطان يستمد سلطانه من الله . ولكن الله شرع للخلق شرعاً ألزمهم باتباعه قرآناً وسنة . هذا والله سبحانه لا يحارب فى كونه ولا يُنتزع منه شىء من ملكه إنما يعطى من يشاء ما يشاء سبحانه ، فطريق الاستمداد سؤاله وطاعته كما قال- صلى الله عليه وسلم – : “إن روح القدس نفث فى روعى أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا فى الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعاصى الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ” (1) فكما أن خزائن كل شىء عند الله سبحانه الرخاء والسعادة والأمن خزائنها عند المولى سبحانه لا عند أحد من البشر .

فلا يجوز أن تتخذ المعصية مطية لتحصيل متاع من متاع الدنيا إنما طريق تحصيل الدنيا هو الإسلام وهو طريق تحصيل الآخرة ” فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ” .

ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – جاءنا بالدين كله حيث قال المولى سبحانه : ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ” وقد عمل النبى – صلى الله عليه وسلم – بالدين كله وهيأ الله له من الأمور القدرية ما يطبق به شرع الله حتى يتعلم الناس فأدى العبادات وأقام الحدود وقسم المواريث وقضى فى الخصومات تطبيقاً لشرع الله وتنفيذاً ، ليبقى العمل بسنته . فخاطب بالقرآن الجميع خاطب الناس : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ” ، وخاطب الرسول نفسه : ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ” ، وخاطب أهل الكتاب : “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ” ، حتى خاطب الكافريـن : ” قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ” .

والله سبحانه حفظ الإسلام فى نصه قرأناً وسنة ، حتى يمكننا أن نرد كل أمر وقع الشجار فيه إلى القرآن والسنة : ” تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً كتاب الله وسنتى ” (2) . فليس لأحد من الناس أن يستدل بعمله إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – . فإذا سأله سائل عن البنوك أو عن التبرج فلا يقول أنا أفعل مبرهناً على أن ذلك حلال بدليل عمله هو ، لأن العصمة ليست لأحد بعد رسوله – صلى الله عليه وسلم – .

هذا ولقد سار الخلفاء الراشدون على نهج النبى – صلى الله عليه وسلم – فكانت خلافة على منهاج النبوة لذا فإنه – صلى الله عليه وسلم – قال : ” إنه من يعيش منكم بعدى فسيرى احتلافاً كثيراً فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ ” (3) .

وإن من تدبر قول النبى – صلى الله عليه وسلم – : “خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ” (4) عرف هذه القرون الخيرة أنها قرون العلم النافع ، ولقد أظهر الله فيها بقدره سبحانه الفرق الضالة بأقوالها وضلالاتها من خوارج وعيدية يكفرون بالمعصية ويستحلون دماء المسلمين وروافض يبتدعون فى أصل التشريع بما ينسبونه من عصمة لأئمتهم ويطعنون فى إجماع الخيرة من الأمة ويتدينون بالتقية ويسبون المبشرين بالجنة من الخلفاء وأمهات المؤمنين . ومعتزلة يقدمون العقل على القرآن والسنة . فأجاب أهل العلم عن كل هذه الضلالات بما تسترشد به الأجيال من بعد ذلك .

لذلك فإنه لا بد أن ننوه إلى أن نسيان أقوال أهل العلم فى القرون الفاضلة هو سبب ظهور التكفير وفرقه التى أجاب عنها أهل العلم فيمن ضل فى قضية الوعد والوعيد . ولهذا فإن العلماء اختصروا عقيدة أهل السنة فى كلمات معدودة كما فعل الطحاوى والقيروانى وابن تيمية وابن قدامة وغيرهم وذلك حرصاً ألا يقع أحد فى أقوال فرق الضلال أو يغتر بها ، فجهل هذه العقائد باب للشذوذ والانحراف والغلو والتكفير والتفسيق .

وينبغى أن نعلم أن الله أرسل رسوله فى حقبة من الزمان جمعت أرذل صفات الخلق من وأد البنات وشرب الخمور واستباحة النساء والاستهانة بالدماء والتظالم فى الأموال وغير ذلك فلما جاءهم النبى الكريم – صلى الله عليه وسلم – دعاهم إلى التوحيد ” قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ” (5) فلما صح منهم الاعتقاد تغيرت سيئاتهم وتبدل اعوجاجهم حتى صاروا خير أمة أخرجت للناس فإذا كان الإسلام أصلح الناس فى هذا الزمان ، ومكث بعده قروناً على الصلاح فلا يعالج مشكلات اليوم سوى هذا الدين القويم . لذا فلا يجوز أن نقول إن هناك وقتاً أو مكاناً أو أناساً لا يصلح العمل بشىء من أمور الدين بينهم لأن الله عالم بكل شىء فما أنزل الدين إلا وهو يعلم أن الناس لا يصلح حالهم إلا به . ولا يجوز أن نشوه تاريخ الإسلام بوصفه بغير حقيقته كما يدعى بعضهم أن عمر عطل حد السرقة فى عام الرماد مع أنه طبق الحد تطبيقه الصحيح عن ابن مسعود قال : ” ادرؤوا الجلد والقتل عن المسلمين ما استطعتم (6) فكان سلامة التطبيق أن يمنع القطع لشبهة الجوع .

لذا فإننا ندعو الأبناء والإخوة والأباء ، ندعو العلماء والدعاة والعوام . ندعو الحكام والمحكومين ندعو الكتاب والقراء ، ندعو بدعوة الله سبحانه : “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًابَعِيدًا ” .

————

(1) حسن . أخرجه الحاكم من حديث ابن مسعود ، والطبرانى فى الكبير وأبو نعيم فى الحلية من حديث أبى أمامة ، والبزار من حديث حذيفة ، من طرق يقوى بعضها بعضاً ، وانظر فقه السيرة (ص98) وتخريج أحاديث مشكلة الفقر (رقم15) للشيخ الألبانى .

(2) صحيح . رواه مالك فى الموطأ مفصلاً ، وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الحاكم ، وروى من حديث أبى هريرة ، وانظر المشكاة ( رقم 186 ) ، والصحيحة ( رقم 1761 ) للشيخ الألبانى .

(3) صحيح . أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجه وغيرهم من حديث العرباص بن سارية ، وانظر الإرواء ( رقم 2455 ) .

(4) متفق عليه من حديث ابن مسعود نحوه ، وله شواهد من حديث النعمان وعمران بن الحصين وغيرهما .

(5) تخريجه فى مقال د . جمال المركبى .

(6) حسن . أخرجه ابن أبى شيبة والبيهقى ، وقد روى عن غير واحد من الصحابة مرفوعاً ولا يصح ، وانظر الإرواء ( رقم 2316،2355) .