كلمة حق

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من نبى بعده … وبعد

ففى كلمته التى كتبها د . على الخطيب رئيس تحرير مجلة الأزهر ، شد انتباهى هذه الحقيقة المؤلمة التى نبه عليها  فى عدد ربيع الأول 1414 هـ ، وهو يقول : ” وهو – أى الأزهر – إن دعا إلى معروف أنكروا عليه ، وإن أصابتهم مصيبة بما قدمت لأيديهم صرخوا فى طلبه … يا للتناقض المهين “ !! أنها حقيقة واقعة ، وتناقض مشين ! لقد حارب هؤلاء الأزهر سنوات طويلة ، وشوهوا صورته فى وسائل الإعلام ، ومنعوه من أداء رسالته فى المجتمع بصورة صحيحة أو كادوا أن يفعلوا ! وضيقوا على العلماء قديماً ، وقعدوا لهم كل مرصد . ومن حق كل مسلم أن يسأل : ماذا يريد هؤلاء ؟ والجواب : { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم } [ الصف : 8 ]

إن العلمانية قد فتحت نار أقلامها على الإسلام، وأعلنت هجومها على الأزهر، وما تخفى صدورهم أكبر .  والتناقص الذى أشار إليه الدكتور الخطيب له مضمون عجيب ، فهم يقولون بلسان حالهم – للعلماء : ” نريد منكم القضاء على التطرف بشرط عدم المطالبة بتطبيق الشريعة ” ! والعلماء يدركون تماماً أنه لا سبيل للقضاء على التطرف بشقيه – الإفراط والتفريط – إلا بتطبيق الشريعة . إن وسائل إعلامنا تخلط – عن عمد وسوء قصد – بين القضاء على المتطرفين، والقضاء على أسباب التطرف. ثم إنها تغمض العين بخبث ودهاء عن التطرف الذى معناه التفريط والتضييع لأحكام الشريعة . وأقلامهم لا تجف أبداً وهم يكتبون عن التطرف الذى معناه الغلو فى الدين !! فنحن أمام قضيتين تبحثان عن حل : – القضية الأولى : التطرف بمعنى الغلو فى الدين ، وعلامته ظهور بعض المفاهيم الخاطئة أو القاصرة فى بعض المسائل الشرعية .

– القضية الثانية : التطرف بمعنى التساهل والتفريط ، وهو الغالب على مجتمعنا ؛ ومن أكبر صور التطرف بهذا المعنى : ترك الصلاة المكتوبة ، وتبرج النساء ، وبيع الخمور ، وأكل الربا ، والغش ، وغير ذلك من مظاهر التطرف اليومية المنتشرة فى شوارعنا وهى كثيرة لا تعد ولا تحصى !! ومن العجيب أن القضية الثانية هى  مفتاح القضية الأولى ! بمعنى أن التطرف الذى تتحدث عنه وسائل الإعلام يرجع إلى سببين لا ثالث لهما : أولا : وجود بعض المفاهيم الخاطئة لدى البعض خاصة الشباب . الثانى : رد فعل للفساد الذى أصبح كالجراد المنتشر . وعلاج السبب الأول: مسئولية العلماء ! وعلاج السبب الثانى : مسئولية الحكام ومعهم العلماء ! فالتضييق على العلماء دائماً فى الماضى وأحياناً فى الحاضر أفضى إلى عدم تمكنهم من القيام بواجبهم فى تصحيح المفاهيم ، وإزالة اللبس والتضييق ليس راجعاً إلى معناه الأمنى بالدرجة الأولى ، وإنما عطاء العالم لا بد أن يكون مقروناً بالاستقرار وتوافر الإمكانات المادية التى تهيئ له مناخ التحصيل والتعليم والدعوة . والمفاهيم الخاطئة لا يمكن التخلص منها أو القضاء عليها بقوة السلاح ! وإنما بإقامة الحجة الدامغة ! وواقعنا يشهد بأننا لم نأخذ الخطوات اللازمة فى الاتجاه الصحيح . فما زالت المؤسسات التعليمية تمنع النقاب وتحاربه ! بججج واهية قديمة وبالية . وما زال الخمر بياع ويشترى ، والربا يؤكل ويؤخذ ويعطى ، والأقلام تزداد فساداً وانحرافاً . وهذا كله تطرف صريح ، لا يجد من يقف أمامه أو يمنعه فلو حاربنا هذا التطرف فسوف يموت معه التطرف الأول لنه رد فعل له ؛ فإذا نظرنا إلى العالم من حولنا فسنجد أنه يموج بالتطرف ومع هذا فالكل يحترم المتطرفين ما داموا غير مسلمين ! وأكثر أهل الأرض تطرفاً هم اليهود الذين ينالون مزيداً من احترام واعتراف العالم لهم وبهم فى كل يوم ! والصرب لا يحتاج تطرفهم وإرهابهم إلى مزيد بيان !  والهندوس ، وأمريكا فى الصومال !! ولكن هذا التطرف من النوع المباح عند هؤلاء ، والاعتراض على المباح نوع من التطرف ! إننا بحاجة ماسة إلى نعيد للعلماء مكانتهم ووقارهم حتى يجد الناس لهم قدوة تمشى على الأرض فى زمن الحضارة البائسة ، لقد آن لكى نراجع أنفسنا ونخرج من غفلتنا ونجتمع على كلمة سواء . إننا على يقين من نصر الله ، لأننا نعتصم بدينٍ قد تولى الله نصره ، ووعد بإعلاء كلمته ، ولن يضرنا – بإذن الله – كيد الكائدين ، ولا مكر الماكرين . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه . 

المفاهيم الخاطئة لا يمكن التخلص منها بقوة السلاح .. وغنما بإقامة الحجة الدامغة .