لما كان الزواج ميثاقاً غليظاً فلقد بين الشرع الحنيف له حقوقاً وآداباً وواجبات تجعل منه مصدر سعادة الدنيا بل ومصدر سعادة الآخرة أيضاً.
فمن حقوق الزوج على زوجته:
أولاً- الطاعة في غير معصية الله تعالى: وفي ذلك ما رواه الحاكم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ .. قال: زوجها. قالت فأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟.. قال: أمه).
وحديث أحمد عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) .
وحديث النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(خير نسائكم من إذا نظر إليها زوجها سرته وإذ أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله). ولا طاعة في معصية الله تعالى:
روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة من الأنصار تزوجت ابنتها فتمعط شعر رأسها، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقالت إن زوجها أمرني أن أصل في شعرها. فقال (لا إنه قد لعن الموصلات) .
ثانياً – قيامها بشأن بيته وأولاده وطعامه:
لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.. والمرأة راعية على بيت زوجها وولده.).
فقد روى البخاري أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم شكت ما تلقي من خدمة بيتها وذهبت تسأله خادماً فأرشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثة وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من الخادم) وكذلك ما رواه البخاري من أن أسماء بنت أبي بكر كانت تخدم الزبير في بيته وفرسه وكانت تعلفه وتسقي الماء وتعجن. ففي ذلك ما يفيد أن الخدمة هذه واجب المرأة لا فرق بين شريفة ودنيئة أو فقيرة وغنية.
هذا وقول الله تعالى ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ) البقرة 228 ينبثق منه روح تنظيم هذه العلاقة. ففي مقابل كد الرجل وسعيه لتحصيل الرزق له ولأهله يكون عليها هي عمل البيت وما يتعلق به.
ثالثاً – ألا تأذن في بيته إلا لمن يحب ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه:
وفي هذا حديث جامع في حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا. فحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) ولا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه سواء لعمل أو غيره إلا إذا كان لزيارة أبويها فعليه أن لا يمنعها ما لم يكن في ذلك مفسدة أكبر.
رابعاً- أن لا تصوم تطوعاً وزوجها معها إلا بإذنه:
لحديث البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه).
خامساً- أن لا تمتنع من فراشه إذا دعاها:
لحديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح).
سادساً- أن لا تنكر إحسان زوجها:
لما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ورأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط، ورأيت أكثر أهلها النساء. قالوا لم يا رسول الله ؟ قال: يكفرن. قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط).
ومن آداب الزوجة مع زوجها أن تتزين له لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه لون الحناء ويكره ريحه.
ولكن تحذر المحرمات في الزينة كنزع شعر الوجه أو وصل الشعر أو تلوين الأظفار بما يمنع ماء الوضوء أو التبرج والسفور أو كل ما يعتبر تغييراً لخلق الله.
ومن حقوق الزوجة على زوجها:
وللزوجة على زوجها حقوق وآداب بدونها تكون الحياة سيئة نكدة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (خياركم خياركم لنسائهم) نذكر من ذلك:
أولاً- مهر (المثل الصداق):
فالمهر حق خالص للزوجة لا يتصرف الزوج بل ولا الأب فيه إلا بطيب نفس منها لقول الله تعالى ( وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء 4 ولقوله تعالى ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ) النساء 20- 21.
والعقد إن تم بدون ذكر المهر فلها مهر المثل، وإن ذكر فيه أن لا مهر لها فهو عقد باطل.
وتثبت المثلية باعتبار السن والجمال والعقل والدين والبكارة والأقارب مع مراعاة زمن العقد.
ويكره التغالي في المهور لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة).
ثانياً- النفقة:
النفقة حق للزوجة على الزوج هي وولدها لقوله تعالى: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء 34 وفي حديث حجة الوداع السابق (ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) ولحديث ابن عمرو عند مسلم (كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته). بل للزوجة إذا لم ينفق عليها زوجها أن تأخذ من ماله ما يكفيها وولدها بالمعروف وإن كان بدون علمه لحديث البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم. فقال (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف).
ثالثاً- الرفق بها وملاطفتها وعدم حرمانها من اللهو المباح:
والمرأة ضعيفة الطبع فيجب الإحسان إليها والرفق بها لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء).
ولحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم.
وحديث عبد الله بن زمعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر يومه) رواه البخاري.
بل ويلاطفها ويلاعبها لحديث جابر بن عبد الله قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك) رواه البخاري ومسلم.
ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله تعالى عنها حيث قالت (لقد رأيت رسول الله يوماً في باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد ورسول الله يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم) وحديثها (سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقني فقال: هذه بتلك) ولا يمنعها الخروج إلى المسجد إذا أستأذنت في ذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استأذنت امرأة أحدكم- أي إلى المسجد- فلا يمنعها).
رابعاً: أن يعلمها ما تصحح به دينها أو يأذن لها في تعلمه:
لقول الله عز وجل ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) طه -132 ولحديث عائشة رضي الله عنها لقد أنزلت سورة النور: ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ ) النور- 31 فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله فيها ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل، فاعتجرت به تصديقاً وإيمانا بما أنزل الله من كتابه فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رءوسهن الغربان).
وحديث أبي سعيد الخدري قال: قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن (ما منكن امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان حجاباً من النار فقالت امرأة واثنين قال واثنين) رواه البخاري.
خامساً: أن يصونها من كل ما يخدش شرفها وعرضها وكرامتها:
وهذه هي الغيرة التي يحبها الله تعالى لحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله) رواه البخاري وحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه، والديوث ورجلة النساء) (الديوث= الذي لا يبالي من دخل على أهله. رجلة النساء= التي تتشبه بالرجال).
هذا والغيرة يجب أن تكون في غير سوء ظن ولا إسراف يفسد الحياة الزوجية لحديث ابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله فأما الغيرة التي يحب فالغيرة في الله وأما الغيرة التي يبغض فالغيرة في غير الله) وفي رواية (الغيرة التي يحب الله الغيرة في ريبة، والتي يبغض الله في غير ريبة) أي الغيرة في المواضع التي تدعو الشك وسوء الظن فإن خلا الأمر من ذلك فهي الغيرة التي يبغضها الله.
ومن الحقوق المشتركة بين الزوجين:
أولاً: أن لا يفشي أحدهما للآخر سراً:
روى أحمد عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود فقال: (لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها فأرم القوم- أي سكتوا ولم يجيبوا- فقلت أي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون قال: فلا تفعلوا فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون) (غشيها = جامعها)
ثانياً: الاستمتاع:
روى ابن حبان أن امرأة عثمان بن مظعون دخلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فرأينها سيئة الهيئة فقلن: مالك؟ ما في قريش رجل أغنى من بعلك. قالت: مالنا منه شيء. أما نهاره فصائم وأما ليله فقائم قال فدخل النبي صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فذكرت ذلك له. فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عثمان: أما لك في أسوة قال: وما ذاك يا رسول الله فداك أمي وأبي؟ قال: أما أنت تقوم الليل وتصوم النهار وإن لأهلك عليك حقا وإن لجسدك عليك حقا. صل ونم، وصم وأفطر. قالت فأتتهم المرأة بعد ذلك كأنها عروس فقيل لها: مه؟ قالت أصابنا ما أصاب الناس).
ذلك الذي حاولت جمعه قطرة من بحر شمول الإسلام وعنايته الذي لم يترك أمراً إلا بينه بياناً شافياً. وأي أمر أحرى من البيت والحياة الزوجية جدير بالبيان والتفصيل؟ والله ربنا المستعان في كل أمر وهو الهادي للصراط المستقيم.